الفصل الواحد و العشرون

697 11 0
                                    


-"مطلوب القبض عليها"
ألقى الضابط كلماته ليعم الصمت والذهول على الجميع الذين تجمعوا حول باب المنزل لرؤية ما يحدث .. كان حسام أول من أفاق من الصدمة ليسأل الضابط..
-"ماذا تعني ؟!.. هل معك أمر من النيابة؟"
أخرج الضابط ورقة مطوية و أعطاها لحسام الذي قرأ ما بها مذهولا حيث وجده أمر بضبط و إحضار ديما بتهمة قتل باسل..تم القبض على ديما و أخذها من منزل والديها وسط صرخات والدتها و نظرات الجيران الفضولية .. لحق بها والدها وحسام الذي إتصل بصديق له يعمل كمحام لمعرفة تفاصيل القضية..
                    .............................................
عاد حسام والسيد سليمان للمنزل بعد منتصف الليل بدون ديما .. لتسأل السيدة أحلام من بين دموعها ..
-"أين ديما يا سليمان؟"
لم يرد عليها بل جلس على مقعد طاولة الطعام ووضع يده على رأسه فأعادت السؤال مرة أخرى و هي تتوسله..
-"أين ديما يا سليمان؟ .. أين إبنتي؟"
إقترب منها حسام و أمسك بها ليجلسها .. ثم قال بهدوء ..
-"تم حجز ديما اليوم لتعرض على النيابة في الغد"
ضربت صدرها بيدها و هي تشهق .. ثم قالت بتلعثم..
-"نن..نيابة..لما؟..ماذا فعلت طفلتي ؟.. لماذا تركتها يا سليمان .. لماذا تركت إبنتك؟.. و لما أخذوها ؟ أخبرووني"
كانت تصرخ بشدة وقد أوشكت على الإنهيار .. ليجيبها السيد سليمان بصوت مكسور..
-"إبنتك متهمة بقتل زوجها "
شهقات خرجت من الجميع .. السيدة أحلام والسيدة نادية بينما ضربت ريهام وجهها و هي تبكي ..ليقول حسام ..
-"إهدأوا جميعا .. يبدو أن الأمر به شئ خاطئ .. هيا الآن أمي لتذهبن للمنزل .. خالي سأمر عليك في الصباح لنذهب إلى ديما سويا "
إقترب من السيدة أحلام و قبل رأسها ثم قال ..
-"سأحضر ديما غدا لا تقلقي "
                  ..............................................
جلست ديما بجوار إحدى السيدات على الأرض تنظر للفراغ بلا تعبير .. تستمع إلى ثرثرات وضحكات الجميع دون رد فعل .. حتى رأت أمامها باسل الذي إقترب منها مبتسما .. ووضع يده على رأسها لتميل برأسها على صدره وتبكي بشدة ..
-"إشتقت إليك .. أين ذهبت و تركتني .. إنظر ماذا فعلوا بي بغيابك"
حاول باسل تهدئتها دون كلام فقط يربت على ظهرها بحنو ..حتى غفت.
                  ..................................................
أوصل حسام عائلته للمنزل و دخل لشقة والدته مع حلا وريهام .. ليجلسوا قليلا ..قالت والدته ..
-"من كان يظن أن ديما يمكنها فعل هذا ؟.. و لكن لماذا قتلته وكيف؟"
قال حسام ..
-"أمي .. من فضلك لا تتفوهي بمثل هذا الكلام .. أنت تعرفي ديما جيدا و تعرفي أنها مظلومة"
مصمصت شفتيها وقالت له ..
-" أعرف أنها كانت مدللة .. ويكفي أنها كانت تعامل المسكينة حلا كخادمة.. حمدا لله أنك فكرت بالزواج من حلا "
قالت كلماتها وهي تربت على ظهر حلا التي خجلت من كلام عمتها فهي من أخبرتها أن ديما تعاملها كخادمة كما أوهمت الجميع بذلك في فترة ما في حياتها ..نظرت لحسام وجدته ينظر له بتهكم ولم يعقب على كلام والدته بل إستأذن بالخروج ..فظنت حلا أنه سيصعد لشقتهم لذا تبعته .. فوجدته ينوي النزول ..سألته بتعجب ..
-"أين ستذهب؟"
أغمض عينيه ثم إستدار لها و قال بفتور..
-"لا أعلم أشعر بالضيق.. سوف أسير قليلا .. إصعدي للأعلى"
شعرت بالضيق من طريقته معها ..لذا قالت بحدة و بدون تفكير..
-"ستذهب إليها .. أليس كذلك "
نظر لها حسام بحذر وهز رأسه قليلا وقال ..
-"أذهب لمن ؟"
إقتربت منه حلا و همست بعصبية ..
-"لعشيقتك حسام .. أنا أعرف كل شئ .. أعرف الساقطة التي تذهب إليها وتتركني بمفردي لعدة أيام بسببها "
صفعها حسام ثم همس بعصبية مماثلة ..
-"لولا أنك تحملين طفلي لكنت ألقيت بك منذ زمن حلا .. هل تعلمي شيئا.. أجل سأذهب لها .. و أنام بين أحضانها .. هل تعلمي لما ؟"
كانت تهز رأسها بشدة وهي تبكي ..
-"لا حسام ..لا تفعل هذا  ..أنت تقول  هذا لتضايقني "
أمسك كتفيها وهزها ثم قال بفحيح ..
-"لا تطري نفسك كثيرا حلا .. أنا لا أفكر بك مقدار ذرة حتي أخترع حديثا لمضايقتك ..و من تقولي عنها عاهرة .. تكون زوجتي ..أجل حلا زوجتي و تحمل طفلي أيضا .. و ستأتي لتعيش معي قريبا عندما أتخلص منك"
تركها ثم ذهب .. فجلست على إحدى درجات السلم وهي تبكي بشدة..
              ..................................................
في صباح اليوم التالي .. إستيقظت ديما على صوت ينادي بإسمها عدة مرات ..
-"المتهمة ديما سليمان التاجي"
فتحت عينيها لترى أنها في نفس جلستها منذ الأمس .. مستندة برأسها على الجدار و الذي تخيلت أنه باسل ..نظرت لمناديها وجدته العسكري يخبرها أن تذهب مع الباقيات للسيارة .. أثناء خروجها من المخفر للسيارة لمحت والدها وحسام يقفان مع المحامي الذي حضر بالأمس فإطمأنت قليلا .. ركبت السيارة ورفعت رأسها للخلف وظلت تتذكر الحلم الذي راودها بالأمس.. حيث بدأ برؤيتها لباسل و نومها على صدره وأثناء نومها على صدره أتى أحدهم وأخذها لتبتعد عن باسل .. ظلت تنادي عليه ولكنه لم يجيبها فقط إبتسم ولوح لها بيده ثم إختفى .. وجدت نفسها مقيدة في مكان مظلم كعادة هذا الحلم الذي يراودها ..وتسمع الصوت يقترب منها ضاحكا وهو يقول ..
-"لن تريه مجددا .. لقد قتلته.. وأنت التالية"
حاولت الصراخ لكن دون جدوى ..حتى أيقظتها إحدى السيدات وهي تهتف بها ..
-"يكفي نواحا وعويلا يا إمرأة .. نحاول النوم هنا"
أفاقت من ذكريات ليلة أمس على صوت العسكري مرة أخرى وهو يأمرها بالترجل من السيارة ..
                       .............................................
وقفت ديما أمام المحقق تشعر بالرهبة .. فهي لم تتعرض لمثل هذا الموقف من قبل .. وكم ظنت أن هذا المكان بعيد جدا عنها .. كان المحقق يتفحصها عن كثب .. حتى يدرس حركاتها و يتبين ردود أفعالها ..بعد فترة من الصمت .. مال المحقق على المكتب ثم سألها بهدوء..
-"سيدة ديما سليمان التاجي .. صحيح؟"
أومأت برأسها دون رد .. فقال المحقق بهدوء ..
-"لا .. عندما أسألك تجيبيني ..أريد سماع صوتك"
إزدردت ريقها بصعوبة حيث جف حلقها من الرهبة ..فقالت بصوت منخفض..
-"أجل سيدي"
أومأ المحقق راضيا و قال ..
-"حسنا .. سيدة ديما هل تعلمي لما أنت هنا؟"
هزت رأسها فنظر لها المحقق بتحذير لتجيب بتلعثم..
-"لل..لا أعرف"
في تلك اللحظة وصل المحامي .. جلس أمامها و نظر لها محاولا طمأنتها ..ثم قدم نفسه للمحقق ..بعد ذلك قال المحقق..
-"سيدة ديما أنت متهمة بالتحريض على قتل السيد باسل رؤوف.. زوجك"
هزت ديما رأسها وقد تجمعت الدموع بعينيها وقالت بصوت مهزوز..
-"لا .. لم أفعل "
قال المحقق بهدوء محاولا إستفزازها..
-"ولكن وجدنا هاتف القاتل في مسرح الجريمة .. و بعد فحص الخط الموجود به وجدنا عدة رسائل مرسلة من رقم مسجل بإسمك ..و تلك الرسائل كان عبارة عن إتفاق مع القاتل عن موعد الجريمة وحتى تحركات المجنى عليه ..وهذا يؤدي إلى أنك لست مجرد محرض فقط بل شريك في الجريمة"
كانت تستمع بذهول وتوترها يزداد فقالت بعصبية ..
-"أي رسائل تلك ..هاتفي معي طوال الوقت .. و لما سأقتل زوجي .. لما تتهموني أنا بذلك بينما القاتل ليس هنا"
قال المحقق بحدة ..
-"تحدثي بهدوء.. و ماذا عن تلك الصور التي وجدت في سيارة المجنى عليه "
أخرج ملف يحتوي على صور ديما مع عاصم ثم قال لها ..
-" القضية واضحة .. المجني عليه علم بخيانتك له .. قمت أنت بقتله خوفا من الفضيحة.. إذا هل هذا الشخص هو شريكك في الجريمة؟"
كانت ديما تنظر للصور بتعجب .. نزلت دموعها بلا إرادة ..عندما أعاد المحقق سؤاله قالت بهدوء ..
-"السيد عاصم كان مديري بالعمل .. تلك الصور غير صحيحة"
قال المحقق بهدوء مماثل ..
-"ولكن الخبير رأيه غير ذلك .. لقد أثبت صحة الصور"
أغمضت عينيها ثم أومأت له وقالت ..
-"نعم الصور حقيقية ولكن محتواها ليس كذلك .. لقد تم الإيقاع بي و باسل رحمه الله علم بالأمر وهو من أخبرني كيف تم الأمر"
قال المحقق ..
-"هل يمكنك التوضيح ؟..أو إثبات ما تقولين"
نظرت ديما للمحامي وقالت ..
-"السيد عاصم .. السيد عاصم لديه ما يثبت "
تدخل المحامي قائلا ..
-"أطلب إستدعاء السيد عاصم "
وافق المحقق ثم سأل ديما مرة أخرى ..
-"حسنا فلنفترض عدم صحة تلك الصور كما تدعين .. ماذا عن الرسائل؟.. أليس هذا رقمك"
مد يده بملف يحتوي على ورقة من شركة إتصالات مدون بها رقم ديما .. نظرت للرقم قليلا ثم قالت ..
-"أجل هذا رقمي القديم .. ولكن هاتفي القديم سرق مني"
قال المحقق ..
-"هل حررتي محضر بالواقعة ؟"
رمشت ديما بعينيها ووضعت يدا مرتعشة على رأسها ثم هزت رأسها بلا .. أومأ المحقق و تحدث مع المحامي ثم أمر بحبس ديما أربعة أيام على ذمة التحقيق ..خرج المحامي قبل ديما لينهي بعض الإجراءات فوجد والدها وحسام بالخارج .. أخبرهم ما حدث و أن موقف ديما متوقف على إثبات سرقة هاتفها و أيضا حضور السيد عاصم حتى لا تتهم بالزنا .. توقف والدها عند تلك الكلمة و قال..
-"من هو هذا الشخص ؟ .. ولما تتهم إبنتى بهكذا تهمة؟"
نظر المحامي لحسام ثم للسيد سليمان وقال ..
-"ظننت أنكم تعرفون لأن السيدة ديما قالت بالداخل أن زوجها كان يعلم بشأن الصور"
تحدث السيد سليمان بنفاذ صبر ..
-"عن أي صور تتحدث؟"
تنهد المحامي ثم قال ..
-صور ديما مع المدعو عاصم ..في .. في أوضاع ..أعني .. كزوجين"
تدلى فك حسام من الصدمة بينما شعر والدها بدلو من الماء البارد سكب على رأسه .. أمسك بالمحامي من ملابسه وهتف بحدة ..
-"ماذا تقول أيها الغبي .. هل تتهم إبنتي أنها.."
قاطعه حسام وهو يبعده عن المحامي الذي أخذ يتأفف وقال له..
-"خالي ..توقف من فضلك يقول أن باسل علم بالأمر .. لو كان كما نظن لما تركها باسل على ذمته يوما"
نظر له السيد سليمان بصدمة و همس دون وعي ..
-"لهذا قتلت زوجها"
صدم حسام مما تفوه به خاله و لم يكد يعقب حتى خرجت ديما من غرفة المحقق بيدها الأصفاد .. رآها والدها فهرع إليها ثم صفعها عدة صفعات متتالية و هو يهتف ..
-"يا فاسقة .. عاهرة.. ليتك مت قبل هذا اليوم .. وضعتي رأسي بالوحل.. تبا لك .. تبا لك"
لم يستطيع حسام الحول بينهما فوالدها أمسك بوشاحها وكاد يخنقها به و هو يسبها بأقذع الألفاظ..بينما كانت ديما تصرخ ..
-"أقسم أنا مظلومة .. أرجوك يا أبي إسمعني أنا مظلومة"
نظر لها بإزدراء و هتف بغضب ..
-"إخرسي يا ساقطة .. لا أريد سماع صوتك .. لقد ماتت إبنتي منذ ذلك اليوم .. تبا لك ..تبا "
قال كلمته و نفض يده عن وشاحها وخرج متخبطا فيمن حوله .. خرج المحقق من مكتبه بسبب الأصوات المرتفعة فأمر العسكري بأخذ ديما في الحال .. وأمر الجميع بالذهاب وعدم التجمع..
شيعت ديما والدها بنظرات الحسرة والقهر .. كم أرادت أن يسمعها و يقف بجوارها .. لكن لا بأس ..ستثبت براءتها وتذهب لترتمي بأحضانه..

اليتيمةWhere stories live. Discover now