الفصل العشرون

730 12 3
                                    


صوت القرآن يصدح في المكان .. نسوة تتشح بالسواد .. أصوات بكاء ونواح تكاد تصم أذنيها .. والدتها ممسكة بها و هي تبكي تلفتت حولها لتستوعب ما يحدث .. وجدت نفسها ترتدي عباءة سوداء يبدو أنها تخص والدتها فهي لا تملك واحدة .. نظرت أمامها وجدت حلا تبكي بصمت .. في الجانب الأخر كانت ريهام تبكي بشدة وهي تقرأ القرآن .. وجدت عمتها بجوار السيدة عنايات يتحدثن بهمس و هن ينظرن لها .. عادت بنظرها لوالدتها وسألت بتعجب هامسة ..
-"أمي .. ماذا يحدث .. هل نحن في عزاء ..لما الجميع يبكي و لما نرتدي تلك الملابس ؟ "
نظرت لها والدتها ثم إزداد بكاءها فشهقت ديما و قالت بقلق..
-"أين أبي؟ .. هل هو بخير ؟ .. لما لا تجيبيني يا أمي ؟ لما نحن هنا؟"
كان صوتها قد إرتفع قليلا مما جذب إنتباه الجميع ولكنها لم تهتم بل تلفتت حولها و سألت بصوت مرتفع ..
-"لما تبكون؟ .. ولماذا ترتدون تلك الملابس؟ ..و ماذا تفعلوا بمنزلنا؟.. أين أبي ؟ ..أين باسل ؟"
كانت نظرات الجميع تتراوح ما بين الحزن والشفقة .. و لم تكد ديما تنهي كلامها حتى وقفت حلا بجوارها و إحتضنتها وهي تبكي بشدة ثم قالت لها ..
-"البقاء لله ديما .. يجب أن تكوني أقوى من ذلك وتتحملي من أجل طفلك"
هزت ديما رأسها وهي تبعد حلا عنها وقالت بتعجب ..
-" طفلي؟..ماذا تقولين ؟ ..ومن الذي مات .. أخبرووووني"
تكفلت السيدة عنايات بالأمر فهي تشعر وكأن الفتاة فقدت عقلها لذا قالت بنبرة قوية..
-"لقد توفي زوجك يا ديما .. لقد توفي في الصباح يا إبنتي ويجب أن تتحلي بالصبر من أجل طفلك "
وقفت ديما تنظر لها بتعجب و هي تعيد كلماتها في عقلها ..
-"وفاة.. زوجي..طفلي.. في الصباح "
لم تشعر ديما بما حولها .. ظلت تردد كلمات السيدة عنايات حتى غابت عن الوعي وسقطت على الأرض .. و أخر ما سمعته تلك اللية كان صراخ ريهام بإسمها .
                     ................................
بعد عدة أيام بالمشفى .. خرج الطبيب من غرفة ديما فذهب له والدها وحسام ليسألوا عن حالتها .. قال الطبيب بعملية تشوبها الشفقة ..
-"حالتها مستقرة اليوم .. يمكنها الذهاب للمنزل بعدما تستيقظ و لكن يجب عرضها على طبيب نفسي كي تستوعب أمر موت زوجها و فقدان جنينها .. و يجب أن تمهدوا لها الأمر قبل إخبارها حتى لا تنهار مرة أخرى "
قال الطبيب كلماته وتمنى لها الشفاء ثم تركهم وذهب .. وقف حسام ينظر من باب الغرفة الذي تركه الطبيب مواربا قليلا وجد ديما مستلقية وجهها شاحب و يدها موصلة ببعض الأسلاك التي تعمل الممرضة على خلعها الآن .. ثم إنتبه على صوت عمار الذي وصل الآن وهو يقول ..
-"مرحبا عمي .. لقد علمت الآن من ملك ما حدث لديما .. كيف حالها الآن "
قال السيد سليمان بضعف ..
-"بخير يا ولدي .. كيف حال السيدة سناء الآن هل تحسنت حالتها؟"
أومأ عمار بحزن و قال ..
-"أجل خرجت من المشفى بالأمس و لكن أمر الطبيب بوضعها تحت الملاحظة "
قال حسام بحزن ..
-"هل تعرضت لشئ خطير ؟"
قال عمار ..
-"لقد أصيبت بجلطة ولكن حمدا لله تم إسعافها ولكن الخوف من أن تتكرر مرة أخرى "
قال السيد سليمان لحسام ..
-"بعدما نوصل ديما للمنزل سنذهب لتعزية السيد رؤوف.. لم أراه عند دفن الجثمان "
قال عمار بحزن أيضا ..
-"عمي رؤوف منذ تلقيه الخبر و هو قوي و يبدو أنه تقبل الصدمة بعكس السيدة سناء.. وهو معي بالأسفل أخبرني كي أرى إن كانت ديما قد خرجت أم لا .. سأذهب لأحضره كي يراها  "
ذهب معه حسام حتى باب المشفى ليحضروا السيد رؤوف.. بينما دخل والدها الغرفة وجدها مستيقظة تنظر للفراغ بشرود .. فجلس بجوارها ربت على شعرها وهو يردد بعض الآيات القرآنية ولكنها كانت تبدو في عالم آخر ..حتى سمعوا طرقا على الباب ..أذن السيد سليمان للطارق بالدخول فوجده السيد رؤوف الذي يبدو و كأنه قد كبر في تلك الأيام عشر سنوات .. نهض السيد سليمان ليحييه ويعزيه فتقبل العزاء ثم طلب منه أن يجلس مع ديما قليلا ..فجلب له مقعد ووضعه بجوار سريرها ووقف هو ناحية الباب ..نظر السيد رؤوف لديما قليلا ثم قال بصوت متحشرج ..
-"إنما الصبر عند الصدمة الأولى"
إلتفتت له ديما وظلت تتأمله قليلا .. هل هذا باسل .. كم يشبه باسل ولكنه يبدوأكبر..أفاقت عندما كرر كلمته مرة أخرى فشهقت ببكاء ثم بكت كثيرا و لم تتوقف حتى أخذها السيد رؤوف في أحضانه و هو يربت على ظهرها و يخبرها بأن بكاءها لا ينفعه بشئ ويجب عليها أن تتوقف إن كانت تكن لباسل حبا كما تقول و أن تدعو له فقط .. بعد قليل هدأت ديما فقبلها من رأسها و قال لها ..
-"أنا أنتظرك عند خروجك من المشفى .. سيكون لنا حديث مطول وقتها "
مسح دمع قد سال على وجهه تأثرا .. ثم وجه كلماته للسيد سليمان
-"حقها في الميراث محفوظ .. و بمجرد إنتهاء المحامي من الإجراءات ستحصل عليه "
قال السيد سليمان بعتاب ..
-"ماذا تقول يا سيد رؤوف .. هل بيننا مثل هذه الأمور .. كما أنه ليس الوقت المناسب"
رفع السيد رؤوف يده بحدة ثم قال بحزم..
-" هذا حقها و شرع الله .. لا أريد أن يتعذب ولدي في قبره .. يكفي موتته بتلك الطريقة "
قال كلماته الأخيرة بحشرجة وكأنه على وشك البكاء .. فسأله السيد سليمان ..
-"هل أمسكوا الفاعل؟"
قال السيد رؤوف بحزن ..
-"لا لم يستطيعوا الوصول إليه حتى الآن ..ولكن التحريات تقول أنهم إقتربوا من حل القضية"
إنتبهت ديما للحديث القائم بجوارها وسألت بتعجب ..
-"أي قضية؟"
قال السيد رؤوف بحزن عميق ..
-"قضية مقتل باسل "
قال كلمته ثم خرج ظنا منه أن ديما تعرف الأمر .. وخرج معه والدها ليوصله بينما ظلت تنظر للباب حيث خرجوا و هي تبكي بصدمة ..
-"باسل قتل ؟!..كيف .. و لماذا ؟"
                            ...................................
وصل حسام للمنزل وجد والدته تجلس ممددة قدميها و هي تتحدث مع حلا .. فألقى التحية بهدوء ثم قبل والدته و جلس بجوارها و هو يسألها ..
-"ما بها قدمك يا أمي هل تؤلمك؟"
قالت بتعب ..
-"آاااه يا ولدي .. أشعر وكأن هناك نيران مشتعلة بها .. لقد ذهبت اليوم لمنزل خالك كي أساعد أحلام أثناء تلقي المعزين .. تخيل بعد عدة أيام و مازال الناس يتوافدوا عليهم للعزاء ..الفتى رحمه الله كان زينة الشباب "
وافقها حسام الرأي فسألته حلا بحزن عن ديما فقال لها ..
-"أوصلتها الآن للمنزل .. تعيش في حالة من النكران .. لا تستوعب الأمر .. رغم أنها تلقت الخبر بنفسها إلا أنها لا تستطيع تحمله"
مصمصت والدته شفتيها وقالت ..
-"لما كل هذا ..إنها تبالغ في رد فعلها حقا.. هي فتاة وصغيرة ستنساه وتتزوج غيره .. بينما من ستحترق بنيرانه طوال العمر هي والدته .. فليصبرها الله على مصابها "
قالت ريهام بإستنكار ..
-"لما تقولين هذا يا أمي؟.. ديما حزينة على باسل ؟ و كيف لا تحزن عليه و هو زوجها ..لقد كانت تحبه "
رفعت والدتها حاجبيها وقالت ..
-"تحب ماذا .. إنها لم تكد تكمل عدة أشهر متزوجة منه .. هل غرقت في حبه في بضعة أشهر..لولا أنني أخاف الله لقلت أنها تجلب الحظ السئ .. يكفي أنها لم تحافظ على طفلها كي تقر عين والديه برؤية حفيد لهما يذكرهم بفقيدهم .. كما أنني أشعر و كأنها سعيدة بتخلصها من الجنين حتى يتسنى لها الزواج مرة أخرى "
حزنت ريهام من كلام والدتها فتركتهم و ذهبت لغرفتها تبكي حال ديما وحالها أيضا .. فذهبت حلا وراءها لتهدئها بينما قال حسام الذي تابع الأمر بصمت ..
-"لما قلت هذا الكلام أمي .. ديما ليست من تلك النوعية من المدللات .. لقد أحبت باسل حقا .. لو رأيتها في المشفى اليوم حالها يجعل الصخر يبكي "
قالت والدته من جانب فمها ..
-"ميوعة فتيات لجذب الإنتباه .. كفانا حديث عنها الآن .. إجلب لي مرهما لأدلك قدمي هيا "
ذهب حسام من أمامها و هو يحوقل فوالدته تحب تفسير الأمور كما يحلو لها ..
                        ........................................
كانت ديما تتسوق مع ملك بسعادة وهي تدلف لأول مرة محلات خاصة ببيع الأوشحة لقد كانت تختار دوما الملابس المحتشمة ولم تفكر في إرتداء الحجاب حتى رأت ملك .. كانت تشعر بسعادة بالغة وهي تجرب واحدا تلو الآخر .. وتساعدها ملك في إختيار الألوان المناسبة لبشرتها .. إبتاعت ثلاثة أوشحة و ما يناسبهم من ملابس ثم شعرت بتعب و طلبت من ملك الجلوس لتناول المثلجات إحتفالا بالقرار الذي إتخذه كلاهما .. بعد شرائهم المثلجات توجهوا لأحد المقاعد و هن يتحدث بمرح وسعادة حتى رن هاتف ديما .. فردت على هاتفها وقد كان المتصل باسل .. قالت بسعادة
-"حبيبي ..لم أنتهي بعد لا تخبرني أنك بالمنزل الآن"
لم يرد عليها باسل و لكنها سمعت صوت رجل أخر يقول ..
-"سيدتي صاحب هذا الهاتف تم نقله للمشفى إثر عدة طعنات متفرقة في جسده و للأسف لم يستطيع النجاة منها .. هذا أخر رقم إتصل به لذا تحدثت معك حتى تأتي للمشفي فأنا أريد الذهاب لمنزلي قبل حضور الشرطة حتى لا..."
أغلقت الهاتف ولم تستوعب ديما أي كلمة ..فقط يدها إرتعشت فسقطت المثلجات على ملابسها ونظرت لملك وهي تقول ..
-"يبدو أن هاتف باسل قد سرق .. أو أن أحدهم يدبر مقلبا"
أمسكت ملك هاتفها و إتصلت برقم باسل فرد عليها نفس الرجل و أعاد نفس الكلام الذي قاله لديما فشهقت ملك برعب و أخذت منه عنوان المشفى .. ثم جرت ديما جرا و هي تركض للخارج و في طريقها إتصلت بعمار وأخبرته ليأتي لها حتى يتأكدوا من الخبر قبل إخبار والديها .. كانت ملك تبكي طوال الطريق .. بينما ديما متعجبة وهي متأكدة أن أحدهم يفتعل قصة ما كي يلهو قليلا ..وصلوا للمشفى وجدت عمار بإنتظارهم حيث كان قريبا من مكانها بعكسهم قابلهم عمار بعيون دامعة حزينة و أمسك ملك من كتفيها ثم قال لها -"البقاء لله "
صرخت ملك وكانت على وشك السقوط و لكنه أمسك بها ..نظر لديما وجدها تتابع الموقف بتعجب و كأن الأمر لا يخصها فعلم أنها دخلت بصدمة ما فساعد ملك على الجلوس .. وأمسك بديما هي الأخرى لتجلس و أخبرها بالأمر مرة أخرى فلم يبدو عليها أنها تسمعه من الأساس فتركها بجوار ملك التي إنهارت من البكاء و الصراخ ثم إتصل بحماه ليخبره بالفاجعة ..
                ............................
إستيقظت ديما من نومها و هي تبكي وقد راودها حلما بيوم الحادثة مر أسبوع على وفاة باسل و هي الآن بمنزل والديها منذ خرجت من المشفى .. لم تخرج منه سوى مرة واحدة لرؤية السيدة سناء التي طلبت رؤيتها كي ترى بها روح إبنها الغالي و طلبت منها أن تذهب للعيش معهم و لكن السيد رؤوف أخبرها ألا تضغط على الفتاة فيكفيها مصابها هي الأخرى .. لقد فقدت زوجا و إبنا لم تكن تعلم بوجوده ..سمعت ديما طرقا على الباب فلم ترد .. لتدخل والدتها الغرفة وتبعد الستائر عن النافذة و تفتحها .. رمشت ديما بعينيها عدة مرات ولم تتكلم .. فقالت والدتها ..
-"هيا يا ديما .. إغتسلي هكذا ومشطي شعرك و تعالى لتناول الطعام معنا في الخارج.. جلستك هنا لن تجدي نفعا"
لم ترد ديما عليها فقالت والدتها بتأفف ..
-"ماذا ديما.. هل تعتقدي بمكوثك في الغرفة المظلمة و رفضك لتناول الطعام أنك ستعيديه للحياة ؟.. لقد مات ديما و أنت يجب أن تلتفتي لنفسك قليلا "
كانت والدتها تتبع نوعا من العلاج الذي إخترعته هي ظنا منها أن الذهاب للطبيب النفسي كما أمر الطبيب سيجعل إبنتها عرضة للشائعات عن فقدانها عقلها .. فإختارت علاج إبنتها بطريقتها المبتكرة و هي إلقاء الحقائق في وجهها و تركها تتعامل معها بواقعية .. ولكن ما غاب عن ذهن السيدة أحلام أن علاجها العبقري قد يحدث تأثيرات عكسية تجعل إبنتها تنهار مرة أخرى ..
                    ..........................................
وقف ربيع أمام المقهى يغلي من الغضب ثم جذب مقعدا وجلس يسب كل من حوله .. حتى حضر الفتى محمود و سأله عن طلبه .. ليخبره بفظاظة أن يحضر له أرجيلة و كوب من الشاي الثقيل جدا .. ذهب الفتى متأففا ليحضر طلب أسوأ رواد المقهى و طلب من زميله أن يذهب هو بالطلب ولكنه رفض خوفا من لسان هذا الأسود.. بعد قليل أحضر محمود طلب ربيع ووضعه أمامه ولكنه سمع بعض كلمات ربيع على الهاتف ..جعلت الدماء تنسحب من وجهه .. فنظر له ربيع فجأة وقال بحدة ..
-"إن كنت قد إنتهيت .. إذهب من هنا .. هل ستأخذ لي صورة"
ذهب الفتى مسرعا ثم إستأذن صاحب المقهى ليذهب لوالدته حيث كانت تشعر بوعكة في الصباح .. فأذن له وتركه يذهب ..
                ..........................................
بعد يومين .. وأثناء تواجد السيدة نادية عمة ديما وعائلتها في منزل السيد سليمان لزيارة ديما .. جلست هي وحسام مع أخيها و زوجته بينما جلست الفتيات ريهام و حلا مع ديما بغرفتها ..كانت الفتيات تحاول إخراج ديما عن صمتها و لكنها لم تستجيب لهم .. كانت تلقي كلمات مقتضبة و لا تشاركهم الحديث كثيرا .. حتى طلب والدها منها الخروج لتجلس معهم بالخارج فجذبتها الفتيات لتخرج معهن  فإستجابت لهن و لكن قبل أن تخرج لفت وشاحا على رأسها و إرتدت عباءة والدتها على بيجامتها السوداء .. ثم خرجت لتجلس معهم و هي تستمع لكلمات الجميع الذين حاولوا مواساتها و المزاح معها أحيانا ولكن لا مجيب .. حتى رن جرس الباب.. فتح حسام الباب فوجد شرطي و معه بضع رجال بزي رسمي و أخرين بزي عادي .. قال حسام بتعجب ..
-"من تريد يا سيدي؟"
ليجيب الشرطي بعملية ..
-"هل هذا منزل السيدة ديما سليمان التاجي؟"
أومأ حسام و خرج والدها ليرى ما يحدث .. فسمع الشرطي يقول ..
-"هل هي موجودة هنا؟"
ليقول والدها بدهشة ..
-"نعم موجودة وأنا والدها .. خير؟"
قال الشرطي ..
-"معي أمر بالقبض عليها"
               ...................................................
أتمنى الرواية تعجبكم و اتمني اشوف تفاعل يشجعني ♥️

اليتيمةOn viuen les histories. Descobreix ara