9- الرقص على اللهب

1.6K 36 2
                                    

كان العمل مع أندرياس مرهقاً من قبل , لكن بعد ثورة الغضب القصيرة تلك في غرفة العمليات أصبح بغيضاً حقاً, وبدأت شاني تتمنى لو أنها أخذت بنصيحة الرئيسة ورحلت مباشرة , لكنها مضطرة للأستمرار في العمل لأن بديلتها لن تأتي قبل أربعة أسابيع أخرى,

كان رقص على اللهب أندرياس أثناء العمل يوجه اليها كلمات لا ذعة, وعندما يكونان في أوقات غير العمل كان يعاملها بلا أكتراث, وكان هذا يبدو أوضح أثناء العلاقات الأجتماعية, اذ كان من المعتاد أن يقيم أحد أفراد طاقم المستشفى لقاء من تلك اللقاءات أحياناً في غرفة الرئيسة. وأحيانا في المقهى المحلي , وفي هذه المناسبات تسقط جميع الرسميات
وتستخدم الأسماء الأولى في الحديث , وكانت شاني , محبوبة من الجميع عدا أندرياس الذي كان يتجنب الحديث معها عمداً.
وأرضى هذا ليديا , لكن كانت هناك نظرة حائرة في عينيها , وغالباً ما كانت تنقل النظر بين شاني وأندرياس وقد ظهرت تقطيبة على ملامحها الوسيمة.
-" ماذا جرى لليديا؟ أنها ترمقك بأغرب النظرات".
سألت جيني شاني هذا السؤال ذات أمسية وهما تحضران حفلاً في حديقة المقهى , بمناسبة الأحتفال بميلاد غلوفر, وحضر هذا الحفل عدد كبير من طاقم المستشفى. من بينهم شاني وأندرياس.
-" أننا لا ننسجم مع بعضنا".
ردت شاني بذلك وهي تهز كتفيها بلا مبالاة وتراقب في الوقت نفسه ليديا باشمئزاز وهي ترنو بنظرات الوله الى أندرياس.
وقالت كريستالا:
-" ومن ينسجم معها؟ لا أحد...".
وصححت جيني لزميلتها قائلة:
-" ـندرياس مانو... أنني أتساءل ما ستفعله عندما يرحل!"
وتدخل الدكتور غوردون في الحديث وهو يهز رأسه وقد ظهرت تقطيبة على وجهه وقال:
-" من المحتمل أن تتبعه ... لا أستطيع أن أرى سبب انجذابه اليها , فهي ليست من النوع الذي يلائم أندرياس".
-" أنها تقوم ببعض الأعمال له".
قالت شاني ذلك ووجهت نظراتها مرة أخرى ال ليديا , التي كانت تتحدث مع أندرياس وفي الوقت نفسه , تضع يدها على ذراعه كنوع من تأكيد العلاقة.
واختلس أندرياس نظرة الى حيث كانت مجموعة شاني الصغيرة تتحدث, وكأنه شعر بأنه هو مثار الأهتمام , ونظر بلامبالاة الى شاني ثم استدار مرة أخرى الى رفيقته , التي كانت كأسها فارغة فرافقها.
وقالت كريستالا:
-" أعتقد أنه يصطحبها من حين لآخر فقط , وأعتقد أنه كثيراً ما يعمل في البيت".
وعلقت جيني:
-" أن لليديا أبوين ساحرين , ومن المحتمل أن يذهب لمقابلتهما عندما يتناول العشاء في بيتها".
وقال الدكتور غوردون وهو يمعن في التفكير:
-" أجل ... أنت على حق فيما يتعلق بأبويها , فهما ساحران, وتناولت أنا نفسي العشاء معهما في مناسبتين".
وبدأ عازفو فرقة الموسيقى الشعبية الأربعة العزف، ونهض كثيثرون للرقص على أرض الحلبة ، كل زوجين معاً ، بينما هي ركن آخر بدأ ثلاثة من القبارصة تقديم واحدة من أكثر الرقصات اليونانية حيوية.
وبعد فترة توقفت الموسيقى ، وأحيلت ( الحلبة) ونهض يانيس حارس قلعة كيريتيا ، وفي الحال دوت عاصفة من صيحات الابتهاج ، اذ كان يانيس النجم الجذاب في أي حفل..كان مرحاً واوروميا للغاية في سلوكه، اذا ظل يعمل في انكلترا عدة سنوات ، ومع ذلك كان مثالاً لليوناني القبرصي، صريحاً ، كريماً، وساذجاً الى حدما، كذلك كان وسيماً ورشيقاً كاي شاب في العشرين من عمره، وقد عرف الجميع بانيس وأحبوه.
ورقص رقصاً متواصلاً دون أن يصيبه التعب ، وأخذ يقفز في الهواء وتلوى بسرعة على انغام فرقة البوركي السريعة النابضة ، وأخيراً جلس بجوار أندرياس ، وتحدثا فترة من الوقت، ولكن حينما جلس بدأت الموسيقى تعزف مرة أخرى اتجه نحوشاني وقال ضاحكاً :
- تعالي لنريهم كيف نرقص!
- شاني ! أجل اننا نريد شاني ... أنها الوحيدة التي تؤدي الرقصة مثل أي قبرصي!
جاء هذا الهتاف من الجميع وقالت شاني :
- أرجوك يانيس... ليس أمام جميع هؤلاء الناس.
لكن كلماتها ضاعت وسط الهتاف ، وأوقفها يانيس على قدميها.
كانت الرقصة بطيئة وصعبة، لكن شاني ويانيس كانا خبيرين بها، وقد أمسكا بمنديلين وأخذا يضمانهما ويلوحان بهما بطريقة تعطي تأكيداً خاصاً للانحناءات الرشيقة، كانت الحديقة المظللة على البحر، وعازفو الموسيقى الشعبية بملابسهم الزاهية الألوان ، والأنوار المتلألئة التي تكاد تختفي بين أغصان الكروم، والتصفيق الهادئ الايقاعي... كل هذا ساهم في نجاح العرض الراقص الشيق، وكانت تلك الرقصة تمتد جذورها الى العصور القديمة، وحركاتها تعبر عن طقوس التضحية في العصور الهمجية ،رقص شاني و يانيس مثلما كانت الرقصة تؤدى منذ أكثر
من ألفي عام عند المذبح في اليونان القديمة، ونسيت شاني وجود الحاضرين ، ونسيت حتى همومها ، ورقصت استمتاعاً بحياتها، واحمر وجهها ولمعت عيناها وكان جسمها الرشيق الجميل يتحرك في تكامل ولم تتلامس هي وشريكها اطلاقاً لكنهما رقصا في انسجام كامل وكانت خطواتهما خفيفة ودقيقة.
وفجأة لمحت عيني زوجها ورأت فيهما الاعجاب و الدهشة معا.وذهبت أفكارها رغماً عنها الى ذلك اليوم في كوز، حين رقص لهما صائد الاسفنج كاليموس رقصة جميلة، وعرفت غريزياً أن أندرياس عاد بأفكاره أيضاً الى كوز، عندما انتهيا من الرقصة دوى التصفيق وهتف الجميع من أجل المزيد.
www.liilas.com/vb3
وجلست شاني وقد احمر وجهها وبدت عليها السعادة، كان الفرح يبدو على الجميع إلا ليديا التي اسود وجهها جداً، وهتف يانيس وهو يقدم كأساً اليها:
- كانت الرقصة رائعة، شاني هي افضل الانكيز جميعاً في قبرص!
وتساءلت : وهل يرقص أندرياس كثيراً؟ كانت تفكر في ذلك عندما رأت لدهشتها ، أنه هو و الدكتور شارا لامبيدر و يانيس الذي لا بكل شرعوا بالرقصة المعروفة في قبرص فقط، ( رقصة المنجل) مما كاد يسحقها:
- هل لها معنى خاص؟
وجهت جيني هذا السؤال الى كريستالا، فكانت المناجل تتحرك أحياناً كما لو كان ذلك وقت الحصاد ، بينما اتخذت الحركات الأخرى بشكل سوط يحيط بالأجسام؟
وردت كريستلا شارحة:
- انها نوع من الرقص الرمزي، لكن جذورها فقدت، ولابد أن لها علاقة بالخصوبة وجني المحصول، وكانت تؤدي في المهرجانات التي تقام تكريماً للأرض.
- ولماذا ترقص في قبرص فقط؟
- لا أعرف ، بدأت أصلاً في اسبرطة ، ونقلها الدوزيون.
الى هنا، وفي اسبرطة كانت أرتيس هي الخصوبة، ومثيلتها هنا في أفروديت، ولعل هذا هو السبب في أنها بقيت فترة أطول في قبرص، حيث تعتبر الرقصة متأصلة بقوة لأن أفروديت ولدت هنا.
- لكن أفروديت هي الحب؟
ردت كريستالا ضاحكة:
- والخصوبة.. والجمال..أن لها عدة أشكال...
وكانت هذه الرقصة صعبة أيضاً، لكن الواضح أنها رقصة الرجال وعندما كان المنجل يستخدم في حركة السوط كان يمثل التفاف السوط حول الجسم عند مذبح ارميس القديم حيث كان الشباب اسبرطة يدخلون في مباريات لمدى التحمل و المشاق.
ورأت شاني أندرياس وهو يعبر الممر، وتذكرت آثار خوفها وهي في الثامنة عشرة من عمرها وتعيش في كنف أبيها، ولم تتركه وحده الا عندما اضطرت الى ذلك، ولاعجب في أن أندرياس أخافها ، لكنها ليست خائفة الآن.
www.liilas.com/vb3
كان مظهره العنيف بغيضاً ، لكنها عرفت الرقة التي تنطوي عليها نفسه، وقدم لها مثالاً بسيطاً للرعاية والاهتمام اللذين كانا سيغمرانها لو أنها فقط اكتشفت مشاعرها في وقت أسرع قليلاً، قبل أن يفقد زوجها اهتمامه بها.
راقبت شاني الراقصين مبهورة، وهي تحول نظراتها من حين الى آخر الى وجه زوجها، وذكرها التعبير الذي ارتسم عليه بأن عقيدة الاغريق القدامى كانت هي الحرية والكبرياء و المنافسة النبيلة، ويقال ان الرقص وسيلة يمكن من خلالها ايجاد توازن بين الروح و المادة، ويعبر عن المشاعر و الأحاسيس الأنسانية، ويستمد الجمال من أعماق الروح العميقة، وعبثاً حاولت أن تبعد فكرة أن وجه زوجها ينطق بالحزن الذي يختفي وراء قناع التركيز ، كان حزيناً وبائساء و تجهمت شاني، وحولت عينيها لتنظر الى يديها.
لكن تغيير الرؤية لم يؤد الا الى العودة الى صورة أندرياس كما رأته في احدى الأمسيات بعدما ذهبت الى بيته لمناقشة مسألة الغاء الزواج، عندما التفتت وكان جالساً هناك يدفن رأسه بين يديه.
وأنتهت الرقصة ، ومرة أخرى ارتفع الهتاف و التصفيق و المطالبة بالمزيد ، ونظرت شاني لتقابل نظرة زوجها ،لم يكن يبدو على الاطلاق يائساً أو حزيناً، لكنه يبتسم بفتور لشيء يقوله يانيس ، واستطاعت شاني أن تبعد فكرة أن أندرياس غير سعيد.
وقدمت المرطبات، ثم عرضت رقصة جماعية أكثر رزانة، وسهولة، ووجدت شاني نفسها تقف بجانب زوجها، يده استقرت فوق كتفه ويدها برفق فوق كتفه، وبينما كانا يرقصان أحنى رأسه قريباً من رأسها وهمس في لهجة ساخرة بعض الشيء لكنها مختلفة بالمديح بشكل لا يخطئه أحد:
- شاني ، انك ملئية بالمفاجأت ... بعضها بهيج جداً حقاً
... بعضها بهيج جداً حقاً ، أمعنت شاني التفكير في هذه العبارة ، فمن بين المفاجأت غير البهيجة ظنه أنها وافقت على تصرف براين بتهديده، وآلمها أنه صدق ذلك، ومما يدعو للسخرية ان تدخل براين جاء بعدما قررت عدم الزواج منه ، وعندما كانت تفكر جديا في احتمال الحياة مع زوجها ، هل كانت الأمور ستختلف لو أن براين لم يتدخل؟.
بدا غريباً للغاية أنه بعدما أرغمها على الزواج ، ثم تحمل مشقة البحث عنها، يفقد أندرياس اهتمامه بها، كان التغيير مفاجئاً ، لاشك في هذا، لأنه طوال الإجازة كان مهتماً بها الى أقصى الحدود، أيمكن أن يقول أنه فقد الاهتمام بها فقط لأنه يشعر بالألم من فكرة أنها مازالت تفضل براين، بعد الإجازة الرائعة التي قضياها معاً؟ ربما، ينبغي لها أن تحاول مرة أخرى، لكن لا، انها مغامرة كبيرة، فقد كان اندرياس مصمماً في قوله بأنه لم يعد يريدها، ولو اعترفت بكل شيء، الآن لأصبحت تحت سيطرته مرة أخرى... من أجل الطفل سيقدم لها بيتاً، فان أن تقبل و تعيش مع رجل لا يريدها، أو أن يشاركها الطفل... أنها لا تشك لحظة أنه لن يلين في مسألة الطفل، لأن الآباء اليونانيين آباء مثاليون، انهم يحبون أطفالهم حباً شديداً.
....لا... إنها لا تجرؤ على القيام بمثل هذه المغامرة الكبيرة.
وعندما انتهت الرقصة ظل أندرياس يتحدث مع الدكتور غوردون لفترة قصيرة، ثم سار معه بطريقة آلية، الى حيث كانت شاني تجلس مع مجموعتها الصغيرة.
وركزت جيني صديقتها برفق ، فقد نهضت ليديا وتقدمت للانضمام اليهم، وقالت جيني بلهجة أغاظة:
- انها مثيرة، وأنا أقر لها بذلك.
وضحكت كريستالا قائلة:
- أنك فتاة لعوب.
- من اللعوب؟ وعمن يدور هذا الكلام؟
تساءل الدكتور غوردون وهو يجلس في مواجهة شاني ، لكن أندرياس بقي واقفاً لحظة، وهو يراقب زوجته التي أخذت بدورها تراقب تقدم ليديا مواري نحوهم في تمهل ، ورفعت شاني بصرها ولسبب غير مفهوم احمر وجهها خجلاً فاندفع الدكتور غوردون قائلاً:
- لست أنت ياشاني...
وألقى نظرة سريعة على أندرياس تم نظر الى ليديا ، وسرقت في ذهن شاني الكلمات المراوغة التي قالتها الرئيسة للطبيب يوم أغمي عليها في غرفة الرئيسة، وبذلت شاني جهداً لتضحك وهي تهز رأسها، وأشرق وجه دكتور غورودن مما بعث الارتياح في نفسها.
ولكن ماذا عن أندرياس؟ كان تعبيره غريباً للغاية في الواقع، التعبير المبهم نفسه الذي ظهر على وجهه أثناء المواجهة مع ليديا في غرفة العمليات، حيث بدا كأنه يشك في أن زوجته تشعر بالغيرة، هل يمكن أن يكون تفكيره متصرفاً الى أنها الآن بعدما خسرت براين بدأت تستاء من
ارتباطه بليديا؟ لاشك أن هذا سيبعث في نفسه الرضى الى أقصى حده، وربما لهذا أيضاً أصبح فجأة، لطيفاً مع ليديا بصفة خاصة ذلك اليوم ومتشدداً مع زوجته، الى درجة أنه اقترح عليها أن تعتذر للمرأة البغيضة.
وأجفلت شاني ... غيورة؟ ينبغي أن لا تنتابه مثل هذه الافكار التي ترضي غروره ،اذا لم يكن مهتماً بها فأنها ليست مهتمة به ولا بصديقاته.
وأحضر أندرياس كرسياً لليديا ثم جلس بجوارها , لكن عينيه كانتا مركزتين على شاني , وأخذ يتفحص وجهها الذي اشتدت حمرته وهو غارق في التفكير... وقالت الأخت لوزيدز
بفضول:
-"أندرياس , أنت يوناني , اذن كيف استطعت أن تقدم رقصة المنجل بهذه البراعة ؟ أنها لا تعرض في بلادكم, ولذلك لا يمكنك أن تكون تعلمتها هناك".
-" عشت في قبرص سنوات عديدة وأنا صبي".
-"هذا يفسر الأمر , لن تكون قادراً على الأسترخاء هكذا عندما تعود الى أنكلترا, فالأنكليز متحفظون الى حد كبير, مع اعتذاري لجميع الأصدقاء الأنكليز هنا".
-" لا , في الواقع , فأنني سأضطر الى الأحتفاظ بوقاري للغاية".
وفكرت شاني... أنه دائماً سيكون وقوراً , وخلال الرقصة ظهر وقاره المتأصل في كل حركة , في الأنسجام والأعتدال , في دفع المنجل بقوة, ولكن برشاقة مع ذلك.
-" وشاني أيضا سترحل عنا".
تنهدت جيني وهي تقول ذلك, وقد أتضح أن أسفها يشمل أندرياس أيضاً , رغم تذمرها المتكرر من قسوته, وتعالي أسلوبه, وأضافت:
-" ألن تكون فرصة لطيفة لو تقابلتما مرة أخرى في لندن؟ ووجدتما نفسيكما تعملان معا في المستشفى نفسه؟".
واختلست شاني نظرة بالغريزة الى أندرياس , حيث أدركت أنه يتعمد تجنب عينيها , وتذكرت أمله الذي عبَر عنه بقوة في ألا يراها ثانية اطلاقاً عندما يرحل عن لوتراس , ولم يكن يعلم وقتئذ أنها سترحل أولاً, وأن آماله ستتحقق بأسرع مما كان يتوقع.
وقالت براندا موافقة:
-"هذا محتمل, لأنك ستعملين في لندن , أليس كذلك يا شاني؟".
-" أنني ...".
كانت شاني على وشك أن تقول بأنها لا يحتمل أن تعمل في لندن , لكنها توقفت اذ أدركت أن عيني ليديا الداكنتين مركزتان عليها , في تعبير حاقد , ثم أضافت في نبرات فاترة:
-" ربما أعمل في لندن, في وقت ما".
ونسيت شاني وهي تقول ذلك وجود الدكتور غوردون الذي كان لبقاً فأحجم عن النظر الى شاني أو الأشتراك في الحديث.
ورفع أندرياس بصره بسرعة, فتسربت حمرة الخجل الى وجنتي شاني الجميلتين , ها كان قلقاً؟ أكان متوجساً أن تقتحم عليه حياته مرة أخرى ؟ وارتعشت عندما رأت ليديا تعطي كأسها الفارغة الى أندرياس, كانت ليديا تبتسم له, لكنها ظلت تبتلع غصة في حلقها بصعوبة, ولم
يكن صعباً أن تراها وقد تأثرت بعمق مما أشارت اليه شاني من أنها يحتمل أن تعمل في لندن.
وأزاحت ابتسامة سريعة تقطيبة شاني عندما انضم يانيس الى مجموعتها الصغيرة, وأخذ يتحدث ويشرب ويدخن غليونه, ثم بعد فترة قصيرة , أقترح أن ترقص شاني وأندرياس معا , مما أثار ذعر شاني الى حد كبير.
أنها لا تستطيع أن ترقص مع أندرياس, وعلى أية حال فهو لن يرغب في الرقص معها , وعبست ليديا من اقتراح يانيس , لكنه بالطبع لم يلاحظ ذلك, ولدهشة شاني كان أندرياس مستعداً للرقص معها, وقد جاءت الدعوة واضحة من النظرة التي وجهها اليها, وسيكون محرجاً للغاية أن ترقص مع زوجها , وبدأت شاني تهز رأسها , وبينما كانت ليديا لا تزال عابسة, مد أندرياس يده الى شاني التي أمسكت بها, مما سمح له أن يقودها الى الحلبة.
وكانت الرقصة مختلفة عن رقصة (المتاهة) المعروفة في كنوسوس , والتي أدَاها تيسيوس والفتيان والفتيات الذين أنقذهم من مينو طور(7) وحش كريت الهائل, وكانت أهمية تلك الرقصة , التي قدمت على مذبح أبوللو , أنها كانت أول مناسبة في تاريخ اليونان يرقص فيها الرجال والنساء معا.
وفي معظم مراحل الرقص كانت حركات الجسم تتألف من أنتاءات وانحناءات تعبر عن المتاهة, وأحياناً كان لا بد أن تكون المرأة في حالة الخضوع , مسبلة الجفنين وأن تقوم بحركات مترددة خجول , بينما على النقيض الحاد تكون قفزات الرجل والتفاتاته قوية حادة باعتباره القاتل الشجاع المتوقع للمينو طور.
وأستخدمت شاني منديلها بطريقة فريدة ومؤثرة بشكل بارز, حيث عبرت عن أسى أردياني التي هجرها حبيبها بعدما أخرجته بسلام من المتاهة عن طريق كرة من الخيوط , وكان المنديل يمثل حجاباً مزقته أردياني في محنتها , واستخدمته لتجفيف دموعها , وفي الجولة الأخيرة الحزينة
من الرقصة تلوح بالمنديل في سلسلة ايماءات يائسة بينما تحمله السفينة ثيسيوس ليبتعد أكثر فأكثر عن الجزيرة التي قضى فيها الليل مع أردياني , وقد بدت النهاية شبيهة بتجربة شاني الى درجة أن عينيها لمعتا بدموع لم تتساقط , وظل أندرياس فترة طويلة ينظر اليها , ثم قادها عائداً الى الحفل وأخذ يهز رأسه بتعبير يختلط فيه نفاذ الصبر بالغموض"
-" شاني ... كنت رائعة!".
-" رقصتما معا رقصاً بديعاً!".
قالت جيني عندما جلست شاني ثم أضافت:
-" أي شخص يراكما يعتقد أنكما تدربتما معاً من قبل".
ثم همست:
-" ليديا مضطربة , أتدرين؟ أنها تشعر بالغيرة منك".
-" أذن فأنها لا تستطيع أن تكون واثقة من أندرياس".
قالت شاني ذلك وهي ترمق ليديا بنظرة متعالية وتعتقد أن مما يدعو الى السرور أن تكون قطة ماكرة من قبيل التغيير , وكانت غير واعية الى أن زوجها لاحظ تصرفها , وأن هذا أدى الى ظهور تقطيبة على وجهه تعبر عن الأمعان في التفكير , وهمست جيني:
-" أنني أغير رأيي بسرعة في أندرياس , أنه ليس سيئاً على الأطلاق, عندما يكون خارج العمل, لا يخطر على البال أنه يمكن أن يكون لطيفاً الى هذا الحد.
ولامست شفتي شاني ابتسامة تعبر عن الأمعان في التفكير . ليت جيني رأته وهو يركب دراجة ويطوف بها في أرجاء كوز, أو وهو يعرض جسمه لأشعة الشمس, وقد أرتدى أقل ما يمكن من الثياب, أو وهو يتحدث مع صائد الأسفنج في كاليمونس , وقالت بعد فترة طويلة:
-"أعتقد أن معظم الأطباء يعطون أنطباعاً خاطئاً عن أنفسهم,فهم أثناء العمل يكونون متباعدين تماماً , وقد يتصرفون بقسوة".
-" أنك تتحدثين كأنك تنتحلين أعذاراً لأندرياس".
-" كنت أتحدث بصفة عامة".
وتوقفت شاني عن الكلام , وهي تنصت الى الموسيقى , وكانت الأسطوانات تستخدم عندما يكون عازفو الموسيقى الشعبية في الأستراحة, وأدار بتروس أسطوانة تنبعث منها موسيقى راقصة أنكليزية , ونهض وتقدم زوجان الى الحلبة, ووقف الدكتور غوردون ومد يده الى جيني

الأمواج تحترقحيث تعيش القصص. اكتشف الآن