7- مشاكل محلية

1.5K 28 0
                                    

وبعدما قالت شاني تلك العبارة , بهذه الثقة والحسم , انهار جدار الشك وأدركت أن زوجها هو الرجل الذي تريده, وأدركت أن فكرة الحياة معه كانت كامنة في عقلها منذ وقت, وازدادت قوة بتلك الأيام الشاعرية التي قضياها في كوز.
مضى أسبوع منذ آخر لقاء لها مع براين, حوالي أسبوعين منذ رحل أندرياس, ولم تصلها منه أية رسائل , لكنها لم تكن تتوقع منه أن يكتب لها , لأن الشائعات والأقاويل ستكون هي النتيجة الوحيدة لوصول رسالة من السيد مانو الى الأخت ريفز في المستشفى, لكن فكرة الحياة معه كانت تسيطر على ذهن شاني طوال مدة غيابه, وفي بعض الأحيان كانت تشعر باحباط عندما تدرك أنه لا يحبها ورغم اعتقادها الراسخ بأن الزواج ينبغي أن يكون قائماً على أسس أقوى بكثير مما كان بأمكان زوجها أن يوفرها فأنه الآن بشكل لا يقاوم حتى أصبحت لا ترغب الآن الا في أن تكون معه, ستذهب اليه بعد عودته وسيعلم- عكس اعتقاده بأنها تكرهه- أن شعورها ازاءه مختلف تماماً , وسيكون فرحاً بعودتها اليه, ومن يدري قد يتعلم أن يحبها عندما يحين الوقت لذلك.
-" متى سيعود السيد مانو؟".
وجهت هذا السؤال الى الرئيسة وهي تحبس أنفاسها , وتشعر باضطراب أعجزها عن السيطرة على نفاذ صبرها, هل سيشعر بالفرح ؟ بالطبع!.
-" الأربعاء ...
نظرت اليها الرئيسة نظرة نافذة وهي ترد عليها ثم أضافت:
-" تبدين سعيدة جداً. هل كسبت ورقة اليانصيب؟".
وضحكت شاني:
-" لا ... لا شيء من هذا!".
خرجت الكلمات من فمها قبل أن تدرك أنها ستحفز الرئيسة – لا محالة – على توجيه سؤال آخر:
-" ما هو اذن؟ أو لا ينبغي ألا أسأل؟".
-" لا أستطيع أن أخبرك به بعد".
ولم تضغط عليها الرئيسة , تحدثتا فترة قصيرة , ثم اتجهت شاني الى غرفتها , لم تكن في نوبة عمل ذلك اليوم لكنها وعدت بربارة أوسيانا وهي فتاة يونانية قبرصية غادرت المستشفى أخيراً وتعيش مع أمها في منزل جميل مطلي باللون الأبيض المائل الى الزرقة.
كان البيت جذاباً من الخارج. أما من الداخل فلم يكن يحوي ما يكفي من الأثاث , وكانت هذه هي الحال بالنسبة الى معظم بيوت الطبقات الفقيرة , لأنهم يقضون ساعات العمل والترفيه في الخارج, وما دام هناك عد كاف من الأسرة , ومنضدة وبعض الكراسي فأن أية قطع أخرى من الأثاث لا تعتبر ضرورية , أما أفراد الطبقات الأكثر ثراء , والذين زار معظمهم أنكلترا أو أميركا , فأنهم على النقيض تماماً , وقد زارت شاني بيوتاً شعرت فيها بأنها تكاد تختنق من كثرة وسائل الراحة.
وبعدما تم التعارف بين شاني وأم لوسيانا , ذهبت الأم الى عملها وقالت لوسيانا:
-"اليك بعض المرطبات , أعددت الشراب من ثمار الرمان, وأنا واثقة أنك ستستمتعين به كثيراً".
-" أعرف ذلك, فقد شربته من قبل".

وكانت شاني تقف في الفناء, تحدق نحو الجبال... يوم الأربعاء ... بعد غد... كم هو غريب أنها تشعر بمثل هذا الشوق.
وقدمت لها الفتاة وجبة لذيذة من اللحم والسمك والجبن والخيار الصغير فأكلت شاني شاكرة.
ولم تلاحظ شاني أن لوسيانا تشعر بالقلق الا بعدما أدت مهمتها وجلست توانسها , ولم تنتظر شاني طويلاً اذ سرعان ما بدأت الفتاة في التحدث عن أنطو ناكيس , وهو شاب من فاماغوستا تقدم لخطبتها أخيراً ومضت لوسيانا تقول:
-" اتى والده لمقابلة أمي الأسبوع الفائت , وأراد أن يعرفا ما أمتلكه أي ما هي (دوطتي), وأرتهما أمي هذا البيت , وأخبرتهما أنني أمتلك بعض حقول الزيتون , كما أمتلك أيضاً بعض حدائق الموز ومجموعة قليلة من أشجار البرتقال , وأعتقد أن الأتفاق تم".
-" هل هذا كله ملكك؟".
-" هذا البيت هو (دوطتي), منحه لي أبي قبل وفاته".
-" لكن أمك؟ هل ستعيش معك؟".
-" ربما تعيش معنا , لكنها قد تعيش في الكوخ".
-" والدك لم يكن لديه ما يكفي من المال ليبني لي بيتاً , ولذلك أعطاك هذا؟".
كانت شاني تعرف أن هذا كثيراُ ما يحدث خاصة اذا كانت للرجل عدة بنات, وقالت:
-" اضطر لذلك , فأن لي أربع أخوات".
وأشارت الى البيت الواقع في نهاية الزقاق وأضافت:
-" اضطر السيد سبيروس وزوجته الى منح أبنتهما بيتهما , وهما يعيشان الآن في ذلك البيت الصغير على جانب الزقاق".
قالت شاني وهي تمعن في التفكير:
-" هذا مختلف تماماً عن أنكلترا – حيث يبدأ الزوجان الشابان حياتهما وهما يمتلكان بيتاً وأثاثاً ومساحة من الأرض تكفي لمعيشتهما , وغالباً ما ينتهيان في بيت أقل شأناً بكثير أو , كما تقولين , في كوخ , أما في بلادي فأن العروسين يبدأن صغيرين ثم ينتهي بهما الأمر الى حياة أكثر راحة ورفاهية, أو على الأقل تلك هي الصورة العامة".
وبدا شيء من الكآبة على وجه لوسيانا وقالت:
-"في أنكلترا تسير الأمور سيراً طيباً , فأنتم تقعون في الحب , أليس كذلك؟ ويبدو أن الوقوع في الحب شيء جميل للغاية... وتختار الفتاة زوجها, أليس كذلك؟"".
وكانت شاني على وشك أن تجيب بالموافقة , لكنها توقفت وهي تتساءل عما ستقوله لوسيانا لو علمت بأن شاني أرغمت على الزواج من رجل لم تحبه... وبعد فترة قالت:
-"أنطوناكيس هذا ... كيف يبدو؟".
-" لم أراه أطلاقاً".
حدقت فيها شاني وهي لا تفهم ... فالأزواج هنا لا يقيمون علاقات حب قبل الزواج , لكنهم يكونون من المعارف , عادة, أو على الأقل يكون أحدهما قد رأى الآخر , وقالت شاني:
-" الواضح أنه رآك؟".
-" مرة واحدة فقط , جاء ليزور صديقه يانيس , يعمل في المكتب حيث أعمل , ولم ألاحظ أنطوناكيس لأن عدداً كبيراً من الناس يأتون الى المكتب , لكن أنطوناكيس رآني وسأل يانيس عني , وأخبره يانيس بأنني فتاة طيبة ولآ أخرج مع الفتيان , وهكذا طلب أنطوناكيس من والدته أن يأتيا ويقابلا أمي ".
-" هل تشعرين بالسعادة من فكرة الزواج منه؟".
-" أعتقد هذا ... نعم..".
-" هل أنت واثقة أنك سعيدة يا لوسيانا؟".
واجتاح شك مفاجىء , العينين الداكنتين , ثم تنهدت لوسيانا في استسلام وقالت في هدوء:
-" أنني سعيدة".
-" لكن لنفترض أنك لا تشعرين بميا الى هذا الفتى عندما تقابلينه؟".
-" سألت يانيس عنه قال أنه فتى لطيف وطيب مع أخواته , وغيرت شاني الموضوع لأنه كان يشعرها بالأحباط, فكانت لوسيانا صغيرة وحساسة للغاية, وينبغي ملاطفتها والتودد اليها وجرها الى حالة الزواج التي لا يمكن التكهن بها بطريقة رقيقة مقنعة , لكن زوجها المنتظر , بدى من ذلك. أرسل والدته لتقيم هذه الممتلكات فقط يتخذ قراره اذا كان سيتزوج الفتاة أم لا.
-" لوسيانا ... متى ستعودين الى العمل؟".
-" الأسبوع القادم, أنني أشعر بتحسن كبير وكان من الممكن أن أعود هذا الأسبوع , لكن الدكتور غوردون طلب مني , عندما زرت المستشفى يوم الجمعة, أن أبقى أسبوعاً آخر في البيت, ولا أحب أن أفعل ذلك لأننا لا نحصل الا على مكافأة صغيرة عندما نتوقف عن العمل".
ونظرت الى شاني ثم أضافت:
-"وأنا لا أكتسب كثيرا عن طريق عملي. ولهذا من الأفضل أن أتزوج".
وتوقفت عن الكلام عندما فتح الباب رجل كهل البوابة وسار متمهلاً داخل الحديقة وقال:
-" مرحبا!".
وأضافت لوسيانا:
-" أنني مسرورة لحضورك , دخلت ماعز السيد سبيروس الى أرضي".
ثم نهضت وأردفت:
-"الأخت ريفز , هل تعرفين السيد جورج حارس الحقول؟".
وأومأت شاني وهي تصافح اليد الممتدة نحوها وتقول:
-" زوجة جورج كانت في المستشفى منذ أسابيع قليلة".
-" بالطبع , نسيت , السيد جورج هل لك في كأس من الشراب؟".
-" شرابي المعتاد, الأوزو لو سمحت".
ثم قالت لوسيانا وهي تناوله الكأس:
-"أنني أدفع لك جنيهين في العام لتمنع جيراني من السماح لحيواناتهم بالدخول الى حقولي , ولا تقوم بمهمتك يا سيد جورج".
-" أنك لم تذكري شيئاً عن هذا ولم أسمع به الا اليوم , سأذهب بعد بضع دقائق الى السيد سبيروس وأطلب منه أبعاد ماعزه , في أي حال أن الماعز لا تحدث ضرراً على الأطلاق".
-" ليست هذه هي النقطة الهامة , كان من الممكن أن تحدث ضرراً لو لم أرها , وقد تشاجرت كثيراً مع السيد سبيروس".
وجلست – كم تبدو ضئيلة وهشة, ولم يكن لشاني أن تتصور أنها تشاجرت مع أحد , وأضافت لوسيانا:
-" آمل أن تلقنه درسا نافعا".
-" أنه يدفع لي جنيهن في العام مثلك".
وجاء الرد السريع:
-" وبسبب هذا سيكون غاضباً جداً لو أن ماعزي شردت الى حقوله ".
واحتج جورج قائلاً:
-" جنيهان في العام, انه ليس مبلغاً كبيراً مقابل كل ما أفعله".
وتوقفت عن الكلام عندما اتسعت حدقتا لوسيانا وقالت:
-" ليس مبلغاً كبيراً يا جورج! هناك ألفا منا يدفعون لك المبلغ نفسه لا بد أن تكون ثرياً!".
-" ليس هذا هو الموضوع , فأنك تدفعين لي جنيهاين فقط, وانظري ماذا أفعل مقابلهما , أنني أحرس حقولك".
-" أنك لا تفعل, ماذا عن السيد سبيروس؟".
-" أنني أحرس حقولك وأحافظ على أمن القرية".
-" الأمن؟ هؤلاء الصبية أبناء مارولا يحدثون ضوضاء دائما".
-" سأتحدث مع مارولا".
-" ولم تحول لي المياه يوم السبت الماضي , أشجار البرتقال الخاصة بي لن تثمر".
ولوح بأصبعه في وجهها ثم قال:
-" أنك تحصلين على المياه يومي الأثنين والخميس , وهذا هو المسموح لك , لماذا تتوقعين الحصول عليها كل يوم؟".
-" لا أفعل , لكنني طلبت منك تغيير الأيام لأنني أريد ألغاء أيام السبت".
-" وما هو الفرق في ذلك؟".
-" لأنني أكون موجودة في البيت أيام السبت , وبهذا يمكنني أن أراقب المجاري واذا لم أكن هناك فأن الماء يتسرب منها ".
-" تستطيع والدتك أن تراقبها فلديها متسع من الوقت".
-" ليس لدى أمي وقت , فالعمل في الحديقة شاق , وأنت تعرف ذلك".
وفي النهاية أثار هذا الجدل ضحكة من شاني, لكن الأثنين الآخرين كانا منهمكين في الكلام الى درجة أنهما لم يلتفتا اليها , وقال جورج أن الترتيبات الخاصة بالمياه اتخذت منذ عدة سنوات , ولا يمكن تغييرها, وقد حصل جد لوسيانا على الحقوق الخاصة بها من جد الرجل الذي يملك عين الماء, وبموجبها كان للوسيانا الحق في الحصول على الماء لمدة ساعتين أيام الأثنين , وثلاث ساعات أيام الخميس , وفيما يتعلق بجورج, فأن هذا ينبغي أن يستمر الى الأبد.
وهز جورج رأسه بحدة وقال:
-" اللوائح يا لوسيانا علينا أن نحافظ على اللوائح".
واستدارت لوسيانا أخيرا الى شاني, ومدت يديها احباطاً وهي تقول:
-" ألا تعتقدين أنهم حمقى؟".
-" أجل , ما دام سافاس لا يعارض , لكنني أعلم أيضاً مدى صرامة اللوائح في الجزيرة, ألا يمكنك أن تجهزي المجاري مقدما؟ً".
-" ليست المسألة متعلقة بتجهيزها بل اغلاقها عندما تسقي الشجرة بما يكفيها من الماء , وتحويل الماء الى شجرة أخرى, لا بد أن يكون هناك شخص ما عندما تروى الأشجار والا انابت المياه في المكان كله وضاعت. واقترحت شاني وهي تحاول أن تكون نافعة:
-" ألا يمكنك تخزين بعض المياه؟".
وبادر جورج بالرد:
-" يمكنها ذلك ولكن في الخارج فقط, اذ أنه من غير المسموح ادخال المياه الى البيت بالأنابيب , فهذا لم يرد في الأتفاق على الأطلاق".
-" أعرف أنه غير مسموح ادخال المياه بالأنابيب , لكن ليس هناك بالتأكيد ما يمنع لوسيانا من تخزينها في صهريج".
-" لا أريد تخزينها في صهريج , أريدها أن تنساب بسهولة في أرضي , وعندما أتزوج يا سيد جورج , سيكون عليك أن تفعل ما يطلبه منك زوجي, والا فأنه لن يدفع لك, وحينئذ أين ستذهب؟".
وأطلقت شاني ضحكة أخرى وهي ترى أثر هذه الكلمات على جورج, وكأنه أصيب بنوبة مرضية, لكنه بدا أيضاً مستعداً لأستمرار الجدل الى أجل غير مسمى , وبعدما شكرت شاني لوسيانا لكرمها , غادرت المكان دون أن يلتفت اليها الآخران اللذان عادا للحديث على الفور.
وأخيراً عاد أندرياس الى لوتراس , وبرغم أن شاني كانت تعلم أن الأجراء السليم هو أن تعرف اذا كان غير مشغول لمقابلتها ام الأفضل أن تزوره في بيته في وقت لاحق من النهار , رضخت لأحساسها باللهفة وقررت الأتصال به فوراً, قبل كل شيء ينبغي أن تقدم أعتذاراً عن سلوك براين, كما يجب أن يعرف أيضاً، أنها هي نفسها لم تكن توافق عليه, وعندما وصلت الى غرفة أندرياس لم تطرق الباب , وبينما هي تفتحه رات تقطيبة داكنة ترتسم على وجهه وقال ساخراً:
-" أرجوك، ‍ اطرقي الباب قبل أن تدخلي".
وللحظة لم تفعل شاني شيئاً الا أن تشهق وتحدق ثم قالت:
-"أطرق الباب؟".
-" أليس من المعتاد أن يطرق المرء الباب قبل أن يدخل غرفة الطبيب؟".
وارتفع حاجباه وكانت نظرته متعجرفة , كان رئيسها وهي مجرد ممرضة, ولم تعد زوجته على الأطلاق, هذا التعبير المذهل! هل محت ثلاثة أسابيع في الخارج ذكرى الأجازة وتلك الليلة في ترودوس, لكن لم تلبث شاني أن وجدت تفسيراً لسلوكه, فهي استقرت بالنسبة الى مستقبلها بينما الوضع بالنسبة اليه لا يختلف عما كان عندما عادا من ترودوس, لم يكن يدري ما هي مشاعرها ولا لماذا أتت, بل على العكس كان يعتقد أنها تكرهه ولا تزال تحب براين, وفضلاً عن ذلك, كان يعتقد أنها وافقت على تصرف براين لأن براين أبلغه بذلك, وتجمعت كل هذه الأشياء في ذهنها , فقالت برقة:
-" أريد أن أتحدث معك يا أندرياس".
لكنها توقفت وهي تلقي نظرة حولها , كان الأفضل أن تنتظر و فالجو الطبي ليس المكان الملائم لما ستقوله, وبادرت بلهفة:
-"سآتي الى بيتك الليلة".
-" سأخرج الليلة , تستطيعين أن تقولي ما تريدين هنا".
واستقرت عينا شاني على يده التي كان يقبضها يشدة فوق المكتب , كان يبدو أنه موقف الدفاع , ومع ذلك فهو مستعد للهجوم.
-"لا أريد أن أتحدث هنا".
بادرت بذلك وهي منكمشة وعاجزة عن تذكر أية من العبارات البليغة التي أعدتها ورددتها لنفسها في سعادة وأضافت:
-" أنه بشأن ... شأننا وزواجنا, لو أخبرتني متى تكون غير مشغول؟ فأنني أفضل كثيراً لو أتيت الى بيتك , ليس هناك الكثير مما يحتاج للحديث".
-" لا يمكن أن يكون هناك الكثير, قيل كل شيء ولن أصغي الى أتهاماتك المضادة أو أعلانك بأنك الآن تنوين الحصول على الطلاق , من وقت قصير كان الزواج يمكن فصمه عن طريقي أنا وحدي, والآن لا يمكن لأي منا أن يفصمه, منذ البداية كنت أرغب في أن تعطي للزواج فرصة التجربة, ولكنك رفضت حتى في الأجازة عندما اعتقدت أننا ربما نكون تقاربنا , أظن أنك ما زلت تقابلين براين الذي تجرأ ووجه الي انذاراً نهائياً وقال أنك توافقين على تصرفه".
وأضاف بمرارة:
-" أصابني هذا بصدمة, كنت أتوقع منك أن تستنكري تهديداً مثل هذا , وفي أية حال أتخذت اجرائي الخاص وتعمدت الصمت ازاء التهديد حتى لا أثير شكوكك , ولم أقدم أي اعتذار , ان ضميري مستريح لأنني تصرفت وفقاً لمعتقداتي وهي أن الزواج حالة دائمة".
لم تكن في صوته رنة غضب , لا شيء يخيفها كما حدث في مناسبات أخرى مختلفة , ومع ذلك كانت مذعورة, حتى قبل أن يواصل كلامه ويخبرها بأنه لم يعد الآن يرغب فيها ولا بفكرة الحياة معا, فأن لديه مشروعات أخرى , ومن الآن فصاعداً لا حاجة بها لأن تخشى أن تقتحم عليها حياتها أو يستفسر عن تصرفاتها , وحاولت شاني أن تتكلم لكن ما جدوى كل مشروعاتها الآن , انه لم يعد مهتماً بها , ومضى يقول:
-" عندما أرحل من هنا بعد ستة أشهر سيسلك كل منا طريقاً مختلفة عن الآخر ولا أعتقد أننا سنتقابل مرة أخرى على الأطلاق, وآمل بأخلاص ألا نتقابل".
لو أن شاني تعلقت بأية بارقة أمل فقد انتهت الآن, اذ لم يكن هناك أي شك على الأطلاق في صدق هذه الكلمات , قالها باحساس عميق وقوة, ولم يكن من قبل جاداً كما هو الآن بشأن أي شيء في حياته, وأردف يقول وهو لا يزال يحتفظ – كرئيس لها – بنبرة الفتور الخالية من العواطف في صوته:
-"بالنسبة الى مركز كل منا بالمستشفى علينا أن نتذكر ذلك, وآمل ألا أضطر الى تذكيرك بهذا مرة أخرى".
وتحول اهتمامه واستدارت شاني آلياً لمتابعة اتجاه نظرته وكانت ليديا تعبر الفناء في طريقها الى البقعة التي تظللها الأشجار حيث يقع بيت أندرياس , ودخلت الى الممر وأغلقت البوابة وراءها, ثم اختفت داخل البيت , وألقت شاني نظرة سريعة على أندرياس, اختفت القسوة من وجهه وهو ينهض ويتجه نحو الباب , ويفتحه لشاني لتخرج, ولم يتفوه أي منهما بكلمة, وبعد اغلاق الباب اتخذ كل منهما طريقاً منفصلة.
وبعد ذلك بيومين واجهت شاني محنة العمل مع أندرياس في غرفة العمليات , فبعدما ألقى عليها تحية الصباح المقتضبة بايماءته المعتادة , قال لها:
-" تبدين شاحبة , هل أنت على ما يرام؟".
-" أنني على ما يرام , شكرا لك يا سيدي".
وألقى عليها أندرياس نظرة عابرة ثم حول كل اهتمامه الى المهمة التي يقوم بها.
ولاحظت جيني أيضا شحوب شاني , وعندما كانتا تتأهبان لحضور عرس القرية قالت بلهفة:
-" هل أنت بخير يا شاني؟ لا تبدين على ما يرام على الأطلاق".
وتنهدت شاني, كانت تأمل ألا تبقى على هذه الحال طويلاً, والا اضطرت الى ترك العمل بأسرع مما كانت تنوي, وانتحلت عذراص قائلة:
-" أشعر بصداع".
لكنها أضافت:
-" سأذهب الى العرس, مع ذلك , فقد وعدت أليدها, ويجب أن أذهب".
كان شقيق أليديا الصغير في المستشفى, وكان هذا سبباً لدعوة جميع أفراد طاقم المستشفى الى العرس.
ولما كانت شاني وجيني في غير نوبة العمل طلبتا سيارة أجرة وذهبتا معا, ووصلتا الى قرية أيوس فاسيليوس في موعد مناسب لحضور بعض الطقوس التي تقام قبل الزواج, وكان ( الكومباري) أو شهود العريس يرقصون خارج منزل العروس , ومما لا يصدق أن العروسين كانا يريدان أن يرزقا بفتاة كأول طفل لهما ولذلك أخذت طفلة في الثانية من عمرها تتدحرج, ثم نثرت قطعاً من النقود, وظهرت العروس بالبخور , وبعد أن ألقى جميع جهاز العروس وغيره من البياضات المزخرفة بطريقة بديعة طويت وحملها وال العروس فوق كتفه الى منزل العروسين الجديد, واستمر الرقص والغناء طوال الوقت, وفي داخل البيت كانت وصيفات العروس يهيئنها للأحتفال , وكان القس موجوداً وهو الذي قص شعر العريس استعداداً للفرح, وتحت أشجار الليمون في حديقة منزل العروس صفت موائد طويلة , تغطيها مفارش بيضاء لامعة, كانت القرية كلها في عطلة , لأن حفلات الزواج القبرصية تقتم دائماً أيام الآحاد , وأخيراً شق الموكب طريقه نحو الكنيسة , واصطفت على الجانبين فتيات صغيرات يحملن شموعاً كبيرة مضيئة مزينة بالأشرطة, ودخل الجميع الى الكنيسة وهم يتحدثون في آن واحد , شاني لم تسمع مثل هذه الجلبة من الأصوات من قبل اطلاقاً.
-" هذه الأفراح مزعجة حقاً".
قالت جيني ذلك وهي تلكز صديقتها وتشير الى شاب يخرج آلة تصوير ثم يتحدث باليونانية مع القس ذي اللحية , طالباً منه أن يوقف الطقوس قليلاً ليلتقط صورة, أطاع القس في ابتسامة واستدار العروسان وأتخذ ثلاثتهم أهبة الأستعداد للصورة , وأضافت جيني:
-"الشهود يدفعون تكاليف كل شيء , أتعرفين ذلك؟".
وأومأت شاني وقد ذهبت أفكارها كلها عن غير قصد الى حفل زواجها هي, حيث كان الحضور تبدو عليهم المهابة, والقس نفسه جاداً للغاية, أما هنا فتتردد الضحكات والأحاديث الكثيرة الى حد أن شاني خالجها الشك في أن يكون أي من الحاضرين سمع كلمة واحدة من الطقوس.
ولم تشترك العروس والعريس في الأحتفالات والولائم الكثيرة, بل جلسا في البيت لتقديم بسكوت العرس الى كل ضيف بدوؤه, ولكن العروس خرجت فيما بعد, وقدمت رقصتها الرسمية, وأعقب ذلك عادة تثبيت أوراق النقود على ثوبها , وسرعان ما غطى الثوب بأوراق النقد , وانضم اليها زوجها الذي غطيت ملابسه أيضاً بالأوراق النقدية, وهتفت جيني:
-" كل هذه الأموال! في امكانهما جمع مبلغ يقدر بألف جنيه بهذه الطريقة, يقولون أن هذه العادات بدأت تختفي بسرعة , لكنني أراهن أنها ستبقى".
ولم تلاحظ شاني زوجها الا عندما كانت تشبك ورقتها المالية في ثوب العروس, كان مع ليديا , وكانا أيضاً من بين آخر مجموعة من الناس أثبتوا أوراقهم النقدية في ثياب العروسين, وشبكت كل من شاني وجيني جنيها ثم رجعتا الى الوراء , وهمست جيني:
-" هل رأيت ما قدمته ليديا ؟ قدمت ورقة بخمسة جنيات".
وأضافت باستخفاف:
-" هذا فقط لأن السيد مانو أعطاها المبلغ".
واستدارت ليديا ورمقت شاني بنظرة متلطفة قبل أن تقول لرفيقها :
-"أندرياس , هل نذهب الآن؟ تذكر أننا سنتناول العشاء مع آل بنسون سمايثز".
وقالت جيني بسخرية:
-" بنسون سمايثز, أراهن أن اسمهم ببساطة سميث وهم الآن في أنكلترا".
وضحكت شاني وردت ساهمة:
-" أعتقد أنهم مهذبون الى حد ما ... ينبغي أن أتصور أنهم كذلك , لأن السيد مانو يدقق كثيراً في اختيار أصدقائه".
-" حقاً؟".
وتابعت عينا جيني الأثنتين وهما يتجهان نحو سيارة أندرياس, وأضافت:
-" أذن كيف تفسرين اهتمامه بتلك؟".
ولم تستطع شاني أن تفسر هذا فلم تقل شيئاً لكنها اكتفت بمجرد مراقبتهما وهما يدخلان السيارة, التي ما لبثت أن اختفت عن الأنظار.

الأمواج تحترقWhere stories live. Discover now