2- بارد.... كالنار

Start from the beginning
                                    

وأخيراً انتهت العملية بعد عدة ساعات, وأخرجت الآنسة فورستر على عربة, وبدا أندرياس متعباً لكنه ليس مرهقاً, بينما كانت شاني تغرق في النوم وهي تقف , وخلعت قناعها , ونظر أندرياس نظرة نافذة بدون ابتسام , بينما التوى فكه , وقال بطريقة باردة وهما يغادران غرفة العمليات معاً:
-" الأفضل أن تأتي لنتناول شيئاً من الشاي . سنشربه في غرفتي".
وأعتقدت أن الوقت حان لمناقشة موضوع الغاء الزواج , لكنها لم تستطع صياغة الكلمات المناسبة.
وألقى أندرياس ملاحظة وهو يتفحص وجهها بدقة وقال:
-" كان الأمر مرهقاً بالنسبة اليك , من الطبيعي أن يكون صعبا على الأعصاب لأول مرة".
-" هل عرفت أن هذه أول مرة بالنسبة الي؟".
-" الرئيسة أخبرتني بمسألة انتقالك , لكنني كنت سأعرف على أية حال, لقد استسلمت للأنفعال عشر مرات".
وتضرج وجهها بحمرة الخجل , كانت متعبة للغاية وبدأت شفتاها ترتعشان , وضحك بفتور قائلاً انه ليس هناك شيء يستحق البكاء , وردت وقد توهجت عيناها بسخط:
-" انني لا أبكي , أنا فقط متعبة قليلاً , هذا هو كل شيء".
وجيء بالشاي , وصب لها فنجانها وقدمه لها , واحتسياه في صمت , وحاولت شاني عدة مرات أن تثير مسألة ابطال الزواج , لكنها أخفقت لأن الوقت لم يكن مناسباً , فقد كان كلاهما مرهقاً, بينما انشغل تفكيرهما بالحديث الأخير , وقررت أن تزوره في بيته بعد ظهر اليوم التالي.
وعندما همت بطرق الباب , تساءلت اذا كانت اختارت وقتاً غير مناسب , وعلى كل فأن طرقتها الثالثة لقيت استجابة , لكنها لفزعها , رأت أن أندرياس كان نائماً , يرتدي رداء النوم وشعره أشعث , وبادرته بالكلام:
-" آسفة , سأعود في وقت آخر , آسفة لأنني أزعجتك".
-" ما الأمر يا شاني؟".
-" أردت أن أتحدث اليك".
وترددت لحظة ثم قالت:
-" ليتك تتيح لي فسحة قصيرة من الوقت, أعني ما سأقوله لن يستغرق لحظة".
ونظر اليها متسائلاً , ولمحت القسوة في عينيه ثم قال:
-" أهي مسألة شخصية؟".
-" أجل , أنها مسألة شخصية".
وفتح أندرياس الباب أكثر وانتحى جانباً ليسمح لشاني بالدخول ودخلت الى غرفة الجلوس , وقال:
-" اجلسي يا شاني , أيمكنني أن أحضر لك شراباً ؟".
-" لا , شكراً".
وتسارعت دقات قلبها بجنون , تماماً مثلما حدث في تلك الليلة الى درجة أنها فكرت في الهروب ونفذت فكرتها فعلاً , وجلست فوق أحد المقاعد وهي تحاول عبثا أن تسترخي.
وجلس أندرياس على ذراع المقعد المواجه لها واضعاً يديه في جيبي رداء النوم ثم قال:
-" ما الذي تريدين قوله لي؟".
بادرت بالكلام مندهشة لأن صوتها ظل واضحاً ثابتاً :
-" أريد الغاء الزواج".
وأعقب العبارة القصيرة الأخيرة صمت ثقيل , بينما كان أندرياس جالساً هناك ينتظر , في موقف المتسائل وكأنه يتوقع سماع المزيد , وابتلعت شاني ريقها وأضافت أنه ليس صعباً التوصل الى الغاء الزواج في حالة مثل حالتهما , واستمر الصمت , وأصبحت شاني الآن هي التي تنتظر وأندرياس يجلس هناك بدون أن يحركه شيء, وحبست أنفاسها وتسلل الشحوب الى بشرته , لكن ومضة الصلابة المتينة في عينيه هي التي جعلت كل عصب في جسمها يرتجف.
-" تقولين أنه ليس أمراً صعباً؟".
كانت نبراته خالية من أي تعبير , مع ذلك كانت حادة اذ أضاف:
-"والآن أتساءل , ما الذي أعطاك هذه الفكرة؟".
وسرت البرودة في جسم شاني , واستعادت ذكرى هواجسها السابقة وانطباعها بأن أندرياس كان يبحث عنها, فرغم شهرته ومهارته ترك واحدة من أضخم مستشفيات لندن ليحضر الى لوتراس, وهو قرار لم يدهش جميع أفراد هيئة مستشفى لوتراس فقط, ولن مستشفى لندن أيضا.
-" أننا لم نعش مع بعضنا البعض على الأطلاق".
لم تجرؤ على أن تذكر براين , ليس بعد, ولكنها أدركت أن أندرياس لا بد أن يسأل بالتأكيد عن سبب طلبها وأضافت:
-" اعتقدت بأنك قد تتضايق من هذا, أعني أن تكون مقيداً".
-" لو تضايقت لفعلت شيئاً من أجل استعادة حريتي قبل الآن".
وتحرك نحو الخزانة وسكب لنفسه شراباً, وأكد في عناد:
-"تزوجنا يا شاني وسنبقى هكذا".
وهزت رأسها علامة عدم التصديق وقالت:
-" أتبقى متزوجاً من امرأة لا تريدك؟ لا يمكننا أن نستمر هكذا بقية حياتنا".
وسيطر عليها الفزع تماماً عندما فكرت في براين, فعندما سمع قصتها أخذ يهدىء من روعها وأخبرها بمشروعاته لمستقلبهما , سيظل يعمل في الجزيرة لمدة سنة أخرى, واذا أمكن الغاء الزواج قريباً فسيقضيان شهر عسل طويلاً رائعاً فوق هذه الجنة قبل العودة الى أنكلترا ومواجهة الواقع المحتمل في شراء منزل وتجهيزه والبدء في تكوين أسرة, وكان هذا ما أرادته شاني وهذا ما صممت عليه , ومضت تقول في غضب:
-" لو بقيت على عنادك سأوكل محاميا يتولى مهمة الغاء الزواج!".
-"حقا؟".
وأضاف بلهجة ساخرة:
-" يا لضآلة الأهمية التي يعلقها الأنكليز على رباط الزوجية؟".
-" يبدو أنك نسيت أنني ارتبطت بك رغماً عني".
" رغماً عنك؟ عزيزتي شاني , أيمكنك أن تقولي هذا بأمانة؟".
-" لا تدعنا نجادل في أمور تافة , الواقع لم يكن أمامي مجال للأختيار , أليس كذلك؟".
-" كان أمامك مجال للأختيار , لا يمكن لأي شخص أن يرغم آخر على الزواج, وخاصة في بلادكم . وافقت على الزواج مني , كما وافق أبوك ولذلك لا أعرف كيف يمكنك الحصول على بطلانه".
-" أنت مقيَد أيضاً!".
وسأل أندرياس برقة:
-" لماذا تتوقين هكذا للحصول على حريتك؟".
وابتلعت ريقها وبدأت تقول:
-"قابلت شخصاً.... ونريد أن نتزوج...".
وماتت بقية الكلمات على شفتيها , واختفى ما بقي من اللون الأحمر في خديها , ولم تستطع أن تحول عينيها عن أندرياس , لأنه نزع عنه القناع , ورأت الهمجي يخرج ببطء من طيات الرقة المزيفة والدماثة المصطنعة واتقدت عيناه بلهيب الغيرة وهو يقول:
-" تتزوجين! تريدين الزواج من شخص آخر! أنك متزوجة, أنت زوجتي! زوجتي للأبد كما أخبرتك منذ مدة طويلة. وحذرتك أيضاً بأنك لو نسيت هذا فسيكون فيه ضياعك , لذلك لا تتجرأين على النسيان".
وشحبت تماماً , ونهضت من فوق مقعدها تترنح, وتبذل جهداً للتحرك بعيداً حتى لا تقترب كثيراً من ذلك الرجل الذي يمكن أن يكون طبيباً مثقفاً في لحظة ورجلاً همجياً في اللحظة التالية.
-" الأف... ضل أن أذ... هب".
تعثرت الكلمات بين شفتيها وهي تخطو خطوة الى الوراء في اتجاه الباب:
-" آسفة لأنني جئت".
ولم تكمل فقد أطبق بيده على رسغها ولم تعد قادرة على التحرك, واقترب منها بوجهه الداكن وتسلل الخوف الى عينيها.

الأمواج تحترقWhere stories live. Discover now