الفصل الثالث عشر

6.8K 187 3
                                    

من النقيضين تتكونين..
مزيج من الضعف والقوة..
من العناد والاستسلام..
هكذا أنتِ
تتجسدين في
براءة طفلة..
وعناد حمقاء..
وفتنة أنثى..
ما أرنو إليه من همسي..
راتباكك!
وما جل اهتمام ناظري سوي..
سواد بؤبؤيكِ..
وما كل سخرية مني إلا لإيقاظ مارد الأنثى بعناد الطفلة..
فما بين الهشاشة والرقة..
والخضوع والتجبر..
والتواضع والتكبر..
أتيه أنا في غياهبك..
في أزقة ظلالك.. أجول..
وفي بهاء طلتك أتجمد..
أتخابث.. أسخر.. أُماطل.. أضحك... أحكي..
ما كل ذلك إلا من أجل
رعشه شفتيك..
وزيغ حدقتيك..
وحمرة وجنتيك..
فلقد أُصبتَ بحمى م ا رقبتك..
وتلتها علة الشغف في الوجود بقربك..
وارتويت بداء مسؤليتك مني..
مراهق متخابث في الحركات والنظرات..
وكهل عجوز في الكلمات والعبارات..
فلا أدري إلى أي الطرق سوف ننساق..
ف للأقدار يد تعمل في الخفاء..
اهداء من.. أمة الرحمن
"الله يسلمك"..
رسالة نصية..
غاب بعد شغب بحجة أرجوحة..
وصرفها لتهرب عندما تلجَّم لسانها أمام كلمته فلا نال عقاب ولا نالت راحة..
وتجاهلته بقية اليوم ليختفي هو بعدها لأسبوع متواصل..
ولم تسأل..
ولما تهتم؟.. ولما قد تبالي؟!
ودون مقدمات على رحلة قارب تحدث أمين عن مرضه وملازمته للف راش..
مريض!
هه..
قالتها دون تركيز وعقلها يكمل..
"يستحق"!..
وتابع أمين بأريحية راوي..
عن حمزة.. وطيبة حمزه.. وقلب حمزه..
ووحدة حمزه رغم كل ما حوله من صخب!!
وأرادت أن تنهي الحوار فتبعثرت منها حروف:
سلامته..
وردّ عليها هو بمساء نفس اليوم..
وبرسالة نصية..
"الله يسلمك"
ولم تبالي..
والهاتف ملقى على فراش وعلى أريكة دون اهتمام
هي لا تهتم..
تجزم لنفسها أمام المرآة, وأمام التلفاز, وأمام فطائر فاتن..
لا أهتم.
ورسالة نصية أخرى بذات المساء..
وكأنه غاب ليعود.
"تصبحي على خير".
وتأملتها..
غاضبة وراضية ولكن لا..
هي غاضبة..
هي لا تهتم..
بل ستنام بعمق ودون أحلام يتسلل إليها..
نوماً هنيئاً...
وتسلل وطردته شر طرده وعاقبته وعاقبت أرجوحته واستيقظت راضية على
رسالة نصية أخرى..
"طيب صباح الخير"!
***********************
قرصة ودن!
كان صبري يجلس مضجعاً أمام دخانه..
خلطة خاصة يهديها له صديق من على حدود اليهود..
تيه ا رئع!
ابتسم مساعده وهو يقدم واجب الزيارة لشاب مفتول العضلات..
قد ا رته الذهنية ليست بمرضية ولكنه ينفذ الأوامر..
والأمر يخص صاحبة ليلى..
همس صبري بتحية أخرى ألهبت حماس الشاب الذي سيحل محل رحيم
مساعدها الصغير في رحلة الغد..
رحيم الذي جاءته إصابة بسيطة ستقعده بالف ا رش كسير الساق..
إصابة مقصودة.
وهذا اسمه رزق..
اختيار أمين الذي لم يجد أفضل منه!
بدأ رزق في عد النقود بلهفة حتى أن صبري كرر كلماته غاضباً لكي تنفذ
بالحرف:
خبطة صغيرة يا رزق.. زي ما فهمتك بالضبط.. قرصة ودن.
********
وكان صباحاً جميلا استيقظ من سبات إجباري بحجة مرض كي لا يتحايل ويراها..
يحادثها.. يعاندها..
يقربها نحوه ويفيق على عطر أقوى مما يحتمل فينقذها!
واكتشف أنه استعوض عنها بخيال..
والخيال ملكه يبيح له ما يشاء وهذا أسوء.
لعبة الرسائل النصية أعجبته..
وشغلت خيالاته فظل مواظباً عليها مستمتعاً بهروبها..
وهذا الصباح هو معها والمفاجأة في عينيها ملهمة..
وخطواتها المتسارعة.. وتثبيت قبعتها الحمقاء..
وهي حمقاء لأنها ترتدي قميصاً بلون البحر وسروالاً بلون الصحراء وخصلات
ليلها مناقضة لنهار وجهها ويالها من تركيبة مُجهدة!
وشفتيها هذت بشبه جملة..
صباح الخير..
قالتها مسرعة وهي تمر من أمامه..
ومعه حق أمين هو يبدو مريضاً..
فوجهه شاحب ويبدو وسيماً وهذا سيء..
جداً سيء..
وهي لا تهتم..
إذاً فصباح الخير!
ولم يجب..
ربما أجاب أمين وشخص ما يجاورهم وعادوا لمحادثة ما هو ليس طرفاً فيها..
هو يراقب..
يتأمل..
هو فعلياً لا يحيد بصره..
حتى أنه لم يقرب الماء وعهد لمجموعته بغواص آخر, وظل يتجول على القارب
بين نظرات صامتة نحوها وفعل لا شيء..
وليته تحدث..
فتلك الهمسات الصامتة لا تُحتَمل..
وشغلت نفسها هي بمائة شيء ولم تقرب القمرة السفلية..
وفجأة ناداها رزق مساعدها الجديد, هناك شيء ما غير مضبوط بجانب
القارب والقارب يقف موازياً لآخر كما العادة في رحلات البحر والغوص..
ليس قريباً وليس بعيداً..
كما طلب صبري المسافة المطلوبة!
ومالت بجسدها..
تبتغي رؤية ونالت همسة ولكن ليست كتلك المعبقة بعطر حمزه, كانت أخرى
كريهة الرائحة تحمل اسم صبري..
هدية صبري..
الريس صبري بيمسي..
وفي حركة فجائية دفعها..
دفعة بسيطة لتسقط بجسدها الضعيف بين القاربين..
لتصطدم رأسها فلا تنجدها سباحة.
"قرصة ودن"..
وكان أمين يتحدث بصوته الهاديء.. رحلته الأخيرة لبلدته أعطته راحة, ربما
هو شوق اللقاء..
وكان هو يسمعه بشرود..
يغويه عقله بمحادثتها ويعود ليصفعه بلوم على حماقة تتكرر..
وفجأة اسمها يصدو..
بص ا رخ!
وانتفض هو وأمين على كلمات رزق وجسدها بالمياه..
بلحظة لمحها تقاوم ببطء ولحظة مستكينة لقاع البحر!
ولم يخلع حتى قميصه.. قفز دون وعي..
وهي..
هي من علمها منصور السباحة كسمكة اجتاح رأسها ثقل
ظلام..
وأنفاس تهرب..
رغم السباحة.. رغم المحاولة.. كانت تسقط.

البحر يحب العذ ا روات ولكن تلك تخصني!
بيد واحدة كان يجذبها من مقدمة قميصها لترتفع فوق ذراعيه..
شاحبة!
ووعيها متقطع..
رفعها ليمددها فوق سطح المركب ويضغط فوق بطنها باستمتاتة وكانت شبه
واعية..
شهقت..
وسعلت وأجلسوها نصف جلسة ترتعش..
وحولها خيالات عدة لا ترى منها سواه..
ودثرها بمنشفة ثقيلة وكان مرتاعاً..
أخفض أ رسه لها موازياً وحرك جفونها بإبهاميه..
وربت فوق وجنتيها وصوته يبدو كصدى:
ليلى.. سامعاني؟؟
وهي لا تجيب.. كل شيء يبدو مشوش..
يزيح خصلاتها المبتلة ويبدو أكثر قلقاً..
وان كانت هي لا ترى سوى خياله هو لا يرى سواها بتلك اللحظات
ولا يبالي..
أحاط وجهها بكفيه يحركه يميناً ويسارا ويزعق أكثر:
ليلى..
وعيناها الآن تغيب وشفتيها بها ارتعاش ومن جانب أ رسها خيط رفيع مر بكفه
الأيمن..
دماء..
********************
بغياب الوعي الواقع مشوش..
تغيب على شيء وتستيقظ على آخر وتصبح بلحظات مسروقة..
وغابت هي على لفظ باسمها بنبرته وعادت على صفحة وجهه..
لم تكن تعلم أنه حملها بنفسه للغرفة السفلية بالقمرة..
لم تكن تعلم أنه هو من وضعها في الف ا رش ومن أخرج الإسعافات بكف مرتعش
ليقطب جرحها وأنه أعطاها حقنة..
كان يجلس على حافة الف ا رش وليس به تركيز.. فقط يراقبها بقلق ويزعق برزق
وأمين ويعيد القارب للمرسى..
حركة قدميها الذي لم ينتبه أنه كان يجاورها بقرب شديد وتأوهها عندما لمست
أ رسها نبهاه فترك كل شيء وانتفض يقترب أكثر..
أزاح يديها من فوق رأسها وهمس بجدية:
ما تلمسيش الجرح.. مجرد ما نوصل هنطمن في المستشفى.
همست بصوت ضعيف:
مستشفى!
قرب عينيه ليتفحص حدقتيها ثم وضع قبضته فوق رأسها وأكمل:
الحمد لله.. ما فيش ح ا ررة.
أزأحت يده واستقامت تعتدل في جلستها حتى استوعبت أنها بالغرفة..
تجولت ببصرها في حيرة ثم سألته:
حصل ايه؟
زفر هو بضيق واضح ليجيب بنبرة بدت محتدة:
والله المفروض أنا اللي أسأل.. وقعتِ ازاي؟
"الريس صب ري بيمسي"!
الآن يعود لها الواقع..
تهديد صبري ودفعة رزق وعقاب من شبه رجل..
عندما شردت ظن أنها ستغيب عن الوعي مرة أخرى فربت على وجنتها يكرر في
قلق:
ليلى!
ووجنتها الآن تُهديها احمرارا..
ودفعت يده وانتفضت لتبتعد وأيقنت أنها وحدها في الغرفة معه وقطبت جبينها
اعتراضاً وأجابته بحزم:
رجلي اتزحلقت.
ولم تتصور أن تنال منهم هجوماً بل وزعيق أيضاً:
وأصلاً واقفة على حافة المركب ليه؟
وكانت تتنفس بسرعة..
ليس توترا فحسب فهي ما زالت تشعر بالإعياء..
وأغمضت عينيها لتحرك يدها بإشارة حاسمة:
أنا مش قادرة أتكلم.
والآن تعود ليلى التي يعرفها..
وليتها تستقيم وتهرب وتعانده ويمنعها..
ابتسم برضى مناقضاً لجنونه واقترب منها يهمس بعطره ونبرته وشقاوته التي
يختصها بها:
خليكي فاكرة.. إنتِ اللي خضيتيني!
*******************************
تحاول أن تحيا..
هي الشهادة التي استطاعت بفضلها الهروب من قيد العلاج بعد ثلاث محاولات
يائسة للإنتحار!
ستحاول أن تحيا ولو بقتل نفسها كل ليلة على خشبة مسرح!
هناك امرأة تسعى لتكون نجمة وهناك امرأة تولد نجمة..
وكرجل مثل أي رجل قد يفتتن للحظات بجمال خصر.. ثغر.. نهد.
ولكن ألا يستحق تخليده تضحية..
والقاعدة تقول احترسي من رجل يفهم الموسيقى..
وفوق مائدة عشاء أهداها صوت كمان..
ويقول "هاييتي" أنها آلة لها أمزجة البشر..
تهديك انفعالات عازفها وتكشف أسراره.
والكمان يبكي..
أبالشجن نترك لأرواحنا العنان!
ربما دون عبرات نحترق..
وزرقة عينيها بحر متلاطم الأمواج يرفض أن يصبح حزناً مستباح.
وقربت من شفتيها مشروب وهذت بشبه كلمات:
بيتكراقي.
ليس ببيت, بل قصر..
أحد أساطير مراد الغازي وكل ركن به لوحة خاصة..
حتى المائدة السوداء التي تتسع لأكثر من أربعين شخصاً كانت جوانبها
رؤوس أسود تزأر وكأنها النهاية...
وأقدامها تحمل قواعد أبانوس مصقولة..
وعلى طرفيها هي وهو..
ليبدو بعيد وقريب بذات الحين..
وكانت ترتدي هي ثوباً أسود دون أكمام ورغم هزلها جميلة بشجن خاص.
رقيقة البنية ترفع خصلاتها الحمراء بشكل مرتب وتترك خيوط مجدولة كستائر
الكتمان فوق جيدها..
لا ترتدي بأناملها سوى خاتم واحد ويبدو قيماً من بقايا ثراء راحل..
واستقام يطلب رقصة على أوتار كمان..
ولم تمانع بل أصبحت تحبذ رؤيته.. كلماته.. احتواءه!
والليلة ذقنه غير مشذبة وتكسبه خشونة لا تعتادها منه..
ولأن الأسود ملك الألوان اختار بدوره حلة سم ا رء وقميص يوازيها وربطة عنق
رمادية حلها قليلاً مع أول زر من قميصه..
وصرخ الكمان لتصرخ الرقصة..
يجذبها بقوة نحوه ويدفعها..
تقترب وتبتعد وفق سلطته, وعند الإقتراب همس:
الموت نجاة!
وأبعدها ليقربها مرة أخرى وتهمس هي:
الموت رقي..
وأبعدها وكانت عيناها تلمع تلك المرة..
بريق نش وة غائبة, همس مرة أخرى وكان أضعف بحكم غريزة..
فمرر قبضته فوق ظهرها:
والاختيار؟
ورغم انقباضها وازته ولم تبتعد بل همست هي بنبرة واثقة:
رفاهية!..
عزف الكمان يفهم.. يهدأ وينتفض ويحذر,
وأبعدها وظل ممسكاً بيدها الممدودة..
سألها:
تملكيها؟
وشردت ولم تتحرك وحدها فجذبها لمتعة امراة بين أحضانه ولو بذريعة رقصة.
أجابت هي دون انفعال:
بحاول!
وتركها تراقب وجهها في مرآة مقابلة..
وتوقف الرقص رغم استمرار الموسيقى..
كانت شاحبة..
هزيلة..
فقدت ربع وزنها في أقل من عامين..
فاتنة كانت أجمل..
ضعيفة بعد قوة..
منبوذة من عالم تمنته ورجل غفت بجوار اشتياقه..
ضم ذ ا رعيه حولها متملكاً ومناقضاً لما يخطط..
ارتجفت عيناها فبدت لا تفهم..
لا تدرك أي نهاية يود..
ولا تدرك خطواتها المتبعثرة دون ترتيب
وتذكرت خديجة.. وهمست تتشبث بثقة:
متخيل لوحة شهرزاد إزاي؟..
لمعت عيناه ونظر نح وها من خلال المرآة:
النهاية!
كانت توازيه نظرا وبثبات, همستها رغم ثقل نبرتها كانت أنثوية بشكل لا
يوصف:
وكارمن؟
تحركت شفتاه بابتسامة محسوبة..
قاسية, واقترب من أذنها مزيحاً ستائرها الحمراء:
كارمن ليها دور البطولة..
وصمت لوهلة ي ا رقب انفعال عينيها ثم أكمل بهمس خافت مدموج بأنفاسه:
الأخير!
وابتعلت ريقها وأغمضت عينيها تود استسلام..
ربما القدر يسوقه نحوها لينفذ ما فشلت فيه من قبل..
ربما هي نهاية محتومة وليس للهروب منها سبيل..
وارتخت ب ا رحة..
وودت أن تترك كل ألم يوازي رقصة, كل ذكرى وكل عاطفة مذمومة قتلتها..
وكان وجهه دافئاً رغم أشواك ذقنه..
كان قريباً..
يمهد خيارات عدة..
لمستقبل امرأة تشارف على الرحيل والاختيار لها..
نهاية ملكة
أم إنكسار بشبه حياة..
وهذت مع صخب الكمان الأخير:
إزاي؟!.
وتحركت يده وخرجت بنصل!
ولم يخفها..
حتى عندما اقترب من عاجية بشرتها..
لم يكن بنصل مخيف
كان يبدو كملاذ!!
وهمس نصله قبل منه..
موت شهرزاد..
***************
كانت تتكأ فوق مرفقيها لتنهي بعض الأو ا رق الخاصة بما ينقصها من أدوية في
العيادة..
بالأمس عرض عليها أن يقوم ببعض التجديدات بمكتبها ورفضت بشدة.. تحبذ
الاحتفاظ بكل ركن وذكراه..
وخاصة هذا المقعد عندما بكت من صراخه عليها في أول مرة رأت رعد وجنون
صاحب رعد..
بكت..
وناقض صراخه ليحايلها برقة!!
لم تدرك أنها تبتسم لأو راقها ابتسامة بلهاء كتلك التي تلازمها في الآونة
الأخيرة.. حتى أن رقية غضبت منها على الهاتف لأنها شردت أكثر من نصف
المحادثة ت ا رقبه!!
كان قد قرر الإعتناء بالحديقة بنفسه..
خلع قميصة وألبس تميمة خوذة من القش لتصبح المساعد الصغير خاصته
وغير كل أنواع الورود تبع مزاجيته الخاصة..
الخاصة جداً..
نحنحة غامضة على مدخل العيادة جذبت انتباهها..
سترة وردية أنيقة وسروال أبيض ملتصق بجسد ممشوق وحولهما خصلات
ذهبية منثورة..
اعتدلت إيناس لتدقق النظر في الفتاة المبتسمة ولا تعلم لِما!؟
كانت شق ا رء بعيون بين الأزرق والأخضر وتبدو بسن صغيرة ربما تحت
الخامسة والعشرون..
صوتها رقيق وتتحرك كراقصات الأزياء وتسأل عن مستر خالد!!
ظلت إيناس محدقة فيها لوهلة قبل أن تترك قلمها وتستفسر بنبرة بدت
مبحوحة:
عايزة مين؟
جلست الفتاة على المقعد بأريحية واضعة ساق فوق أخرى بتجيب بصوت واثق
ورقيق:
مستر خالد رضوان.. صاحب المزرعة, أنا عندي معاه معاد!
رفعت إيناس حاجبيها وارتشفت القليل من قهوتها لتسأل رغماً عنها بسخرية:
بس دي العيادة البيطرية.. معادك في العيادة البيطرية!
لتجيب الفتاة بكل بساطة وصدق:
أيوة..
لا تعلم ما بها ولكن كل انفعالاتها اليوم مركزة بحاجبيها..
ضمتهما قليلاً متفكرة قبل أن تزفر وتهاتفه ليجيب بعملية صارمة بمجرد أن
ذكرت وجود الفتاة:
ايوة يا ايناس.. ياريت تخلصي مقابلات البنات اللي هيجولك علشان وظيفة
الفندق.. محتاج حد بأسرع ما يمكن.. شغلي متلخبط ومش فاضي للتفاصيل
دي!
هكذا بسرعة وعملية وأغلق الخط..
بديلة للوقحة التي رحلت وعليها هي أن تختار!
والاختيار بين شقراء وسمراء تشبه صوفيا لورين وهناك أخرى لا تصلح سوى
للعمل بملهى إن صح التعبير أما الأخيرة كانت تشبهها هي..
هل يرتب الأمر أم هو رجل محظوظ..
رغم أنها تثق به حد الكمال ورغم أنها ترفض جنون الغيرة إلا أنها لا تريد أن
تتصور هائمة أخرى بزوجها بين أربع جد ا رن..
ومال تلك المقابلات تشبه لافتات حرية المرأة!..

أين الرجال!!..
كان هو بمكتبه القديم ينهي بعض الأوراق مع حسن وعلى وجهه ملامح رضى
غامضة مما أنبأ حسن أن صديقه يعيش متعة خاصة, يتصور ملامحها
الغاضبة الآن وهي تصب جام غضبها عليه في عقلها وتبتسم أمامهن تكتم
انفعالات.
رغم أنه فعليا ودَّها هي أن تختار..
أن لا يعكر صفوها شبه شائبة بخصوص بديلة الأخرى ولو في لحظة خيال
مجنون..
لم يتصور أنها ستظهر أمامه فقط بعد ثلاث ساعات باختيارها الأنثوي!
تنحنح حسن عندما لمح ظلها ورفع هو بصره في دهشة وتحفز لزوجته الجميلة
التي دلفت بابتسامة هادئة وحلة رمادية فوق قميص وردي أنيق..
كانت تبدو كلاسيكية خاصةً بربطة شعرها المرفوعة على شكل ذيل حصان.
ربما هي بحاجة إلى جولة أخرى فوق نجوى..
اعتدل لتدخل هي وحيدة مع بضعة أو ا رق وتلقي التحية على حسن في عملية
جافة لا تطيق مُعذِّب صديقتها الصدوق رقية..
رفع أ رسه ليترك أو ا رق حسن وسألها بجدية مصطنعة:
خلصتِ يا دكتور؟
جلست على الكرسي المقابل لحسن وقد ناولته الأوراق لتجيب بعملية موازية:
كله تمام يا بشمهندس.. أنا اتكلمت معاهم وراجعت ورقهم وعرفت خبراتهم
ودي 3 ملفات اختار منهم اللي يعجبك.
اضجع على مقعده ب ا رحة ليبتسم بمكر متحدياً جديتها:
اختاري أنتِ يا دكتور!
رفعت أحد حاجبيها بتحدي:
ممكن ما يعجبكش اختياري.
حرك شفتيه بالتواء خفيف متحايل:
ممكن أضحي!..
أيقن أنه تجاوز وخاصة أن وجنتيها احمرتا وبدا وجه حسن لا يعي ولا يفهم
شيئاً سوى رومانسية حمقاء يسترجعها صديقه مع زوجته بعد مرور ست
سنوات..
ربما الأفضل العودة لع ا رك أبناءه ورقية!
زفرت مسرعة لتستقيم فجأة فحرك رأسه بدهشة مستفهماً وحينها اعتدلت لتبدو
أكثر ثباتاً بل تبتسم!
وبمكر..
البندقية تحرك شفتيها بمكر!
ماذا فعلت؟..
وقبل أن يُفكر كانت تدعو امر؟أة للدخول:
اتفضلي يا مدام سندس..
***********************
مدللة.. لا تنفك أن تتذمر كل دقيقة..
"الحصان أكل كل السكر"..
رائحة المكان "ياااكي"
تميمة ومحمود المتناقضان فوق ظهر خيل..
خاصتها بنية بخصلات هادئة تشبهها, ومهره جامح صهيله يغضب دسوقي
ويفزع مهرة تميمة..
ويحايلها والدها بإخ ا رج الأخرى الف رسة إيناس التي يوليها اهتمام خاص وواضح
لِما..
وبعد ركوب الخيل يتركهما دسوقي بالإسطبل لمداعبة المهور واطعامهم السكر..
وتميمة تعشق السكر فتحتفظ لفمها بالبعض, ويعلم هو أن الحمقاء تلك
ستمرض أو ستصبح دون أسنان!
وفقدت هي بالفعل أسنانها الأمامية وكان يظن أن السبب السكر ولكنها ضحكت
منه وأخبرته أن جنية الأسنان ستحضر لها أخرى جديدة وستأخذ النقود من
تحت وسادتها!
وتذكر عندما فقد أسنانه من قبل..
ولم يخبره أحد عن جنية الأسنان تلك وربما لم يلحظ أحد
كانت تشب على قدميها تحاول أن تطول فم الفرسة إيناس لتطعمها بيدها ولا
نتيجة.. يحذرهما دسوقي من الإقترب من غرف الخيل ويتركهما مع المهور..
ولكن تميمة تكره الأوامر..
إيناس فرستها وستطعمها السكر.
كانت ترتدي سروالاً قصير حتى منتصف ركبتيها بلون أرجواني مميز وفوقه
قميص أبيض مزركش ي ا ره مضحكاً..
تجمع خصلاتها في جديلتين وخصلاتها تشبه تلك الفتاة في فيلم كارتوني ما
فهما مزيجاً من لون الشوكلاة والسكاكر..
وفوق أ رسها قبعة فقط بلون السكاكر!
ومرة أخرى تتذمر..
زفر دون صبر وهو يقترب منها لينصحها بعملية جافة:
أنتِ قصيرة مش هتطولي الحصان.
نظرت نحوه في ضيق..
هذا الفتى المتفوق عليها في الخيل والذي لا يجيد اللعب مثل خالد.
لا يحدثها..
ولا يستهويه طعم السكر!!
سخيف يشبه مهره المخيف.
زمت شفتيها وتجاهلته لتعاند وتحاول تسلق باب غرفة الفرس الصغير وحينها
صرخ بها:
يا مجنونة هتتعوري.
وكان محقاً فبمحاولة بسيطة تعثرت لترتطم ركبتها بخشب الباب القاسي وتهديها
خدشة..
خدشة بكت على أثرها بحرقة حتى أنه كاد أن يفقد عقله..
تصرخ متألمة وتشير للخدش البسيط:
دم.. شوفت دم!
بدا مذهولاً حتى أنه اتكأ أمامها فوق ركبتيه بغضب مكتوم:
ده مش دم.. ده خربوش بسيط.
ولكنها ظلت تبكي محركة أ رسها في رفض وتكرر:
أحمر لونه دم.. وبيوجع.
رقَّت ملامحه قليلاً خاصة عندما لمح سيل دموع حقيقية فوق وجنتيها..
أخرج منديلاً ومسح وجهها ثم وضعه فوق ركبتها ليضغط عليها قليلاً وسألها
بجدية طفل كبير:
كده أحسن؟
أومأت أ رسها بصمت وكانت ما زالت باكية فابتسم لها ثم قال بعد تردد:
أنا ممكن أخليكي تأكليها السكر!
هدأت قليلاً ورمشت عينيها عدة مرات بلهفة:
بجد.. إ ا زي؟
حرك كتفيه ليجيب ببساطة:
هاشيلك.. هارفعك فوق شوية تأكليها السكر بسرعة.
وجدها تنتفض لتقف على الفور متناسية جرحها وتحرك رأسها بإيجاب مكرر
ومبتهج وقد ارتسمت على شفتيها ابتسامة واسعة..
أحاط ذراعيه حول ركبتيها ليرفعها قليلاً وكانت مسافة كافية لتلتهم مهرتها
السكر بنهم..
ولم ينزلها إلا عندما انتهت..
وأخبرته أنها ستخبر جنية الأسنان بشأنه هذا المساء..
واستغرب قليلاً.. فسألها:
حتقوليها إيه؟
وابتسمت ببراءة:
إنك طيب ومش وحش وحتبقى صاحبي زي خالد.
***************************


صمت الجياد بقلم /مروه جمالWhere stories live. Discover now