الفصل الثامن

7.1K 187 1
                                    

في عينيها..
أتجول في بحر اللذات
روعة.. لوعة.. نبض قلب يتخطى الآهات
في شفتيها..
الصبر جنون والخطوة مجون..
وشقيق اللعنة عقلي..
بل هي لعنات..
امراتي تهرب مني وأنا اخترت الصمت..
في كل الأوقات.. بقلمي مروة جمال
بقديم الزمان ظهرت أسطورة يونانية تقول أن بداية الخلق ثلاث كائنات..
رجل وامراة وخنثى...
خلقت الألهة لكل واحد من تلك الكائنات أ رسان وأربع أذرع وأربع سيقان ثم
شطرت كل كائن منهما نصفين وبعثرت الأطراف ليتيه كل كائن بحثاً عن نصفه
الآخر..
خلق الله حواء من ذراع آدم وكل آدم يبحث عن خلق ذراعه..
الزوجة عند آدم هي النسخة الأكثر رقة..
سكناه التي قدرها الله له من قبل أن يولد..
اشتهاؤها ليس متعة بقدر ما هو اكتمال
تبتعد.. وليس دلال!
بالأمس غفا متأخرًا..
ببساطة اندس في ف ا رشه بجوارها ولم ينعس, وهي ارتبكت وأعطته ظهرها
لتصطنع نوم, وفضحتها تلك الرجفة عندما أحاط خصرها بذراعيه في عناق غير
مكتمل.
ما به؟!
هو لم يكن يوماً رجل في انتظار لهفة..
لم يكن بطرف مستقبل أو متسول لشبه عاطفة..
لما قرر أن يبتعد فجأة؟..

وسحقاً لما لم تقاوم؟!..
ربما لأنه كف عن طلب المتعة..
ربما لأنه يطمع في حقه من الكمال!
مرت حوالي ربع ساعة قبل أن تستشعر ثبات أنفاسه..
استغرق في النوم وبسكينة ليست من شيمه..
كانت ثابتة بل متصلبة من وقت تلك اللحظة التي وضع يده عليها..
هكذا هو..
يغيب ويغدو ليجاورها على الف ا رش باحتضان غير مفهوم يستغرق دقائق قبل أن
يستدير تاركها أو يغط في النوم!.
الليلة بل كل ليلة كانت تسأل نفسها ماذا عليها أن تفعل؟!
تقترب بكلمة أخرى أم تتجاهل كل شيء وتكون له ام أ رة لتدمغ خلافهما
بالف ا رش, تجذبه من أ رسه العنيد صارخة كفى..
أم تحاوره بحكمة لا تظن أنها تمتلكها..
أم تظل هكذا بوضع انتظار ربما يستدعي فرس آخر سوى رعد ليخطفها فوقه
ولن تمانع؟!
لم تدرك أنها بوسط أفكارها أزاحت ذراعه..
استدارت وشردت بملامحه..
صارحت نفسها أنها افتقدته بشدة..
وأنها ابتعدت بشدة ولا تعلم لما؟
وكأنه طرف خيط تصر هي على تعقيده من ناحية ويربط هو عقدته من الناحية
الأخرى, عقدة تلو أخرى حتى تاهت البداية وضلت هي الطريق نحو لقاءه.
تنهيدتها وازت حركة إصبع فوق أحد حاجبيه, كان مستغرقاً بالنوم فبدت
مطمئنة أكثر وهي تتجول بإصبعها فوق ملامحه..
تلك الليلة برحيل رعد تشعر أنها فقدت جزء منه.. جزء لا مجال أن تستعيده..
لو كان الأمر بيد الهمس لاختارت عصبة ترتديها أمام وجهه متمنية ترويضه..
ولكنها لا تجرؤ!
ارتجفت وكادت أن توقظه
ابتعدت ولكن..
فجأة توقف كل شيء حتى هي وأنفاسها واصبعها الأحمق الذي تجول فوق
شفتيه!
استيقظ ليبدو وكأنه لم يستغرق بالنوم أبداً..
كانت عيناه تتأملها بثبات يناقض طواحين الهواء داخلها..
همست بثرثرة حمقاء, تسعة عشر كلمة نطقتهم في أقل من عشر ثوان!..
لم يستوعب منهم سوى لفظ تميمة وبعدها وجدها تنتفض بهذا الثوب الكريمي
الأحمق الذي يبدو وكأنه لأمها!..
أنا هاروح أطمن على تميمة!
ابتسم بهدوء واثق وتحدث دون أن يتحرك من مكانه:
تميمة في سابع نومة.. هتقلقيها على الفاضي.
دارت بحدقتيها في الغرفة ثم كررت نفس الجملة:
هاروح أطمن على تميمة.
قبل أن تستدير كان قد استقام من فراشه بسرعة جعلته مواجهاً لها في
لحظات.. عادت خطوتين للخلف بقدمها المجَبَّرة وهمست ببطء:
أنا كويسة.. مشيت النهارده عليها شوية..
عارف.
أجابها بثبات وابتسامة غامضة ثم أكمل:
مامتك قالت لي.
لوت شفتيها في ضيق لتقول بتذمر واضح:
مامتي اللي إنت اشتكيت لها!
كانت جملة نافذة غيرت ملامحه حتى أنه خيل إليها أنها تسمع هدير غضب
ليس بها طاقة على احتماله وأكدها بجملة نافذة حملت نبرة تختلف عن تلك
التي كان يحادثها بها قبل ثوانٍ:
مش أنا اللي أشتكي يا إيناس.. شكلك نسيتِ إنتِ متجوزة مين.. أو تقريباً
نسيتِ إنك متجوزة!
عبارة وا ا زها باستدارة ليرحل.. هكذا سيتم الأمرّ!
تقذف بكلمة ويغضب ويرحل..
ويبتعد..
وتصمت!
أوقفته..
بارتجاف ربما وبتلكؤ ضعيف فوق ظهره ولكنها أوقفته..
استدار دون انفعال فتنهدت هي متابعة قبل أن يتحدث:
أنا آسفة.. ما تزعلش.
هكذا وببساطة كررتها مغمضة العينين كطفلة ملَّت العقاب..
كررتها مع خطوة نحوه..
اقتراب غير مفهوم..

على وجنته حريق غير مفهوم..
قبلة مترددة..
وهروب سريع..
وتمتمة غير مفسرة لم يلتقط منها سوى تميمة!
الحمقاء.. الغبية.. الجبانة!
هربت!..
تنفس ببطء قبل أن يبتسم وهو يعيد راسه إلى الوراء بثقة
خطوة واحدة وصاحبتها حواء..
ليست متعة وانما اكتمال
**********************
كيف تبدو بتلك الحماقة؟!
جسدها الضئيل يتأرجح بين ضخامة مقعد, تخفي نصف وجهها تحت قبعة
قبيحة, تتجاهل كل ما حولها وتسبح وحدها في ملكوت خاص..
ي ا رقبها لأكثر من ساعة دون انقطاع ولم تنتبه!
كان أمين قد انشغل بخدمة ضيوف القارب, والجا تركت جسدها لضوء الشمس,
وهو جلس ببقعة منزوية تراها بوضوح..

في البداية كان ينوي معها عراكاً خاصة عندما علم من رحيم مناوشتها مع
صبري, ولكنه فجأة وقبل أن يتوجه إليها سكن واتخذ لنفسه مقعد مشاهدة..
في البداية كانت تبكي..
دون صوت.. دون ملامح ملتاعة..
فقط عبرات شفافة تنهمر رغماً عنها فتمسحها في ضيق كي لا يلحظها أحد.
ووسط كل هذا البكاء قررت أن تغني!
لا يسمع شيء ولا يمكن أن يفسر لحناً ولكن شفتيها تخبره أنه غناء..
شفتان خائنتان تفضح طفولة عنيدة متشبثة بقوة رجل رحل عن عالمها..
عند تلك النقطة تحديداً لم يستطع أن يقاوم فكرة أن يذهب إليها..
تخلى عن فكرة الع ا رك ولكنه لم يقرر أي هدف ينوي بتلك المحادثة..
مشاكسة..
مناوشة..
أم ربما هي متعة افتقدها في الأيام الفائتة..
حديثها وغضبها ومعاندتها وارتباك عينيها وتورد وجنتيها بخجل من قبلة إلجا..
ابتسم لحاله بمكر قبل أن يتوجه نحوها..
خطوة ثم اثنان ثم عشرة ولم تستدر, كانت تحدق في زرقة البحر أمامها ليس
تجاهلاً لشخصه هي بالفعل كانت في شرود بعيد..
منزلها.. أبيها.. أمها.. التوأمين ودناءة صبري..
أنا قلقان بدل ما نرجع على الغردقة تودينا تل أبيب!
استدارت فجأة وكانت حدقتاها مضطربتان..
عيناها ليست واسعة بشكل جمالي ولكنها دائرية كتلك التي يمتلكها الأطفال..
نقطتان سوداوتان تسبحان في ضوء قمر..
الأبيض نقي والأسود صافٍ والأهداب طويلة بنعومة ساحرة
يا الله كيف لم يلحظ من قبل هذا السحر!..
تنحنح ببحة لم يقصدها:
آسف أنا خضيتك.
آسف!
هذا ال "حمزه" يعتذر!..
حقاً هو يوم غريب من البداية..
زفرت ببطء لتخرج نبرتها بدورها مبحوحة وكان يعلم أن السبب بكاء:
حصل خير.. أنا ما سرحتش ولا حاجة خلاص إحنا قربنا.
ابتسم بشقاوة ولم يرحل.. وقف جوارها مشي ا رً لإتجاهات المؤشر أمامه:
عارف!..
صمتت وتنفست ببطء ولم تجب.. صمت لدقيقة قبل أن ينطق فجأة وبدون
مقدمات:
كنتِ بتغني إيه؟.
تعلم أن ينتقي كلماته معها بدقة مستفزة ولكن الآن ما هذا!!..
استدارت نحوه في دهشة لترد مستنكرة:
نعم!
رفع كتفيه لتتحرك شفتيه ببديهية:
سألتك كنتِ بتغني إيه؟
تحركت شفتيها بسرعة..
ستنطق وتقول شيئاً ولكنها ت ا رجعت, تجمد لسانها ثم عادت لتفكر وتنطق بحدة:
ما كنتش بغني.. وبعدين أنت..
قاطعها بنبرة هادئة:
لا كنتِ بتغني وقبلها كنتِ بتعيطي.. مش هاسألك كنتِ بتعيطي ليه!.. بس
قوليلي كنتِ بتغني إيه؟
حدقتاها مازالتا على نفس الوضع ويزيد هو في إغاظتها ليحصد متعة
بريقهما!.. استدارت تتركه وتتنفس ببطء..
شهيق ثم زفير ثم شهيق وستهدأ والا ستهديه قبضة كان يستحقها صبري!..
لا تعلم ماذا أصابها فشعرت باشمئزاز عندما تذكرت هذا القميء..
اقترب منها حمزه أكثر ثم همس بجانب أذنيها بمرواغة:
أنا كمان بحب محمد فوزي قوي!..
تلك المرة مع استدارتها طارت قبعتها القبيحة..
تناثرت خصلاتها حول وجهها وبأصابعها بدأت تلملم خصلة وتزيح أخرى وتبتعد
بنظرها عنه بحثاً عن قبعتها الهاربة..
هو سيحرق القبعة إن استطاع وسيمنع كل قيد لتلك الخصلات المبعثرة..
أرادت أن تتخطاه فذهبت يمينه كان أمامها, تراجعت لليسار فكان أيضاً هناك..
عادت خطوة لترمقه بغضب فلم يعلق..
نظر نحوها متسائلاً في براءة:
في حاجة؟!
أعدي لو سمحت.
قالتها بحدة واضحة وقد نفذ صبرها منه, كتم ضحكته ثم سألها بصوت مسالم:
ليه؟
رفعت حاجبيها في دهشة لا تنوي صبرا..
ضربت كفوفها بغضب لتهاجمه:
وأنت مالك!!
غابت ابتسامته المتلاعبة وضاقت حدقتاه مما أجفلها للحظة ولكنه لن يخيفها..
ابتعلت ريقها وأ ا زحت ذراعه بعنف كي تمر ولكنه تصلب فلم يتزحزح, بل تقدم
هو نحوها فأجبرها على التراجع خطوتان..
قرب وجهه منها ثم أطلق نبرة تحذيرية بصوت خافت:
أسلوبك معايا يكون أحسن من كده يا ليلى.
رفعت عينيها بوجهه في تحدٍ رافض ولكنه لم يعطها فرصة تابع بنفس النبرة:
ومرة تانية ما تقفيش تتكلمي مع صبري لوحدك.. بتشتغلي معايا تلتزمي
بقوانيني يا بنت منصور!
وكأنها ستصمت!
ستوافق وتجزع وتقول نعم..
ليست ليلى
وصلته أنفاسها الحارة قبل هجوم آخر من ثرثرتها المتمردة:
وبنت منصور ما حدش يمشي كلامه عليها ولو على الشغل أنا بقول كفاية
وأنا أقدر أتصرف لوحدي!
وبمعاندة أزاحته لترحل..
تخطته غير مبالية ودارت تبحث عن قبعتها الهاربة حتى وجدتها, ثبتتها بقسوة
وعادت لعجلة القيادة..
لن تختبئ خلف حماية رجل ولن ترهب آخر..
ستكون هي مائة رجل إن تطلب الأمر.
وهو..
هو كان ضيقه بأقصاه تلك المرة
منها ومن نفسه..
ومن هذا الانجذاب الغير مفسر وغير مقبول بقاموس حمزه.
***************************
متكئاً على مقعده..
أغمض عينيه وحل ربطة عنقه قليلاً وترك أصابعه بين يدي خبيرة معالجة
صينية..
ضغطتان هنا بجانب الإبهام وأخرى بنقر خفيف فوق باطن الكف..
حركات مدروسة أزالت كلاً من صداعه وضيقه.
الصينيات لهن جسد ضئيل وبشرة شاحبة, لم يفكر من قبل أن يرسم امراة
صينية فهو يراهن مجرد آلة دون مشاعر..
تؤدي عملها كماكينة حتى في حال إن طلبها كعاهرة!
صرفها بصمت وعاد ببصره نحو النافذة يفكر في الحمراء, تبدلت شفتيه
لابتسامة قاتمة..
لا يعلم أي تسمية تليق بها..
نعم الآن يفكر في لوحته الخالدة..
أي مسمى سيختار؟..
أيوشمها ب كارمن
أم آخر نساء شهريار؟..
كانت هي منفردة بنفسها بشقتها الصغيرة تجلس منذ الأمد أمام لوحة رسم!
هكذا ودون ترتيب استيقظت بليلة لتبتاع لوحة وألوان..
وفقط..
تركتها بيضاء لتدرك أنها لن تستطيع أن ترسم..
تنهدت ببطء واستقامت لتبحث عن فنجان قهوتها الخامس!..
هاتفها ينبأ عن انقطاع اتصالات مراد والغريب أنها لم تشعر بالراحة..
كان الفضول يأكلها بشأن هذا الرجل وربما بشأن لوحاته وشغفه الذي لا
تمتلكه..
بشأن نساءه
بطلات بؤس لا تعلم هل اختاروه أم اختاره..
بشأن خديجة التي أصر على عدم تكلمة رواياتها فعاقبته برحيل..
أم ربما هربت كي لا تعلم..
كي لا تتكرر أمامها سذاجة خديجة..
وعشق خديجة..
وهروب خديجة بعد أن فشلت في قتل من تحب!
دقات الباب أرجفتها وأرجفت قهوتها لتتناثر فوق السجادة..
ولم يدرك هو أسبب الضيق في عينيها مجيئه أم فساد سجادتها الشبه أنيقة.
كانت تبدو مجهدة العينين, لا نوم.. لا نوم على الإطلاق..
ومع هذا هي جميلة بشكل خاص.. بل هيراقية بشكل خاص..
لها خصر مموج يستحق لقب ا رقصة بالفطرة, خصلاتها ربما مقصوصة ولكنها
ساحرة بنكهة شرقية وأصابعها نحيلة.. مرتجفة..
جذب يدها بتملك ثم بدأ يضغط على كفها برقة..
هو رغم ضخامة جسده إلا أن يده ليست غليظة بل تحمل نعومة فنان..
حاولت أن تسحب أناملها ولكنها تملكه أوقفها ليردد بهدوء:
ده مساج متخصص.. حيضيع الصداع خالص.
رفعت راسها في معاندة:
بس أنا ما عنديش صداع.
نظر بسخرية نحو فناجين قهوتها ثم أكمل ما يفعله دون اكتراث..
تركها أخيرًا وهو يبتسم بثقة:
أعتقد كده أفضل!
لم تجب..
قامت لتنشغل عنه وتصب له قهوة..
كانت ترتدي سروالاً صباحياً بلون كريمي فاتح وفوقه قميص خفيف بزرقة
عينيها, هي امراة تعرف كيف تنتقي ملابسها..
كيف تخطو..
وكيف تشرب قهوتها لتثير رغماً عنها بداخله فتنة!
ولكن كل هذا الآن بعيداً عن دائرة اهتمامه..
حتى المراة التي تجردت من كل شيء لأجله لم يقربها..
ببساطة ناولها ملابسها لترحل في خزي..
خزي اللحظة التي دفعت ثمنها غالياً بعد ذلك!
احتوى أناملها بكوب القهوة ليضعه جانباً ويحدثها بنبرة موزونة:
أنا جيت يا كارمن علشان أكملك الحكاية.
استقرت فوق مقعدها بغرور لتجيبه:
حكاية إيه؟.. أنا مش مهتمة بحكاياتك يا أستاذ مراد!
غرورها وثقتها اهتزت في لحظة عندما تبدل لتلمع عيناه ببريق غامض اجتاحه
واجتاحها هو بقرب أفزعها..
ربما لم يلمسها ولكنه كان يقف مواجهاً لها في تحدٍ وهو يهمس:
كدابة!.. عينيكِ بتقول العكس.
زرقاء..
يمتلك هو شراع ليبحر ويتوغل وينبش أسرار مخفية ويخرج بأجمل انفعال قد
يحصل عليه رجل..
بل فنان..
لم يبالِ بجوابها وتوجه نحو النافذة..
القهوة مع سيجارة وحكاية أخرى..
بل تكملة حكاية..
وربما النهاية تختصر كل شيء!
خديجة انتحرت..
كانت جملة نافذة أخرجت من عقلها كل تردد وأفكار ومعاندة..
ظلت ترمقه بتردد وهي تكرر وتسأل بذات الحين:
ماتت.. علشان الصورة ولا..!
كانت مرتبكة..
الحقيقة متداخلة بعقلها ولا تفهم سر فزع الفتاة..
سر رغبتها وتنازلها وموتها..
كرر هو ببرود:
أنا ما لمستهاش.. قلت لك عُريها كان وسيلة مش غاية!
خرجت نبرتها أكثر ظلمة:
وسيلة لإيه؟.. أنت عارف إن القصة مش بورتريه عريان.
فرك عينيه ببطء وتنهد ثم ألصق جبهته بالنافذة ليسهب بحالمية لا تليق:
كل لوحة وليها قصة.. والقصة المكررة ليها رونق خاص.. الفتاة العربية بين
الرغبة والقيود.. التحرر والخوف.. الجنس والعار..
بس أنت قلت..
قاطعته ولم يعطها الفرصة فقاطعها بحدة سوداء:
لحظة اتبدلت فيها.. الخجل بقى رعب والرغبة المترددة بقت عار.. جسمها كله
اتنفض وخبت نفسها بحسرة.. صوابع صغيرة لا تخفي شيئاً..
تلجلجت كارمن وقبل أن تفكر بسؤال كان هو يحمل الجواب الأخير:
أنا وهي وأخوها بنفس الغرفة.. ملامحها محفورة جوايا لغاية اللحظة دي..
ظهر فجأة واختفى بيها.. كنت عارف أنها النهاية وكنت عارف أنها الضحية..
كنت عارف أنها هتموت.. وكنتراضي!
كانت كارمن تجلس دون حراك وعيناها منهارة.. عبرات تتجمع دون انهمار!
ما بال هذا المثلث بين عاشق وامراة وأخ بمكان غير مناسب وما بال الضحايا
يتساقطون كورق خريف منتهية صلاحيته..
ارتجفت وعندما خلع سترته ليدفئها رفضتها:
سيبني يا خالد!
ابتسم..
انتصار غريب يتجول فوق ملامحه, خلع سترته.
وضعها فوق كتفيها رغماً عنها..
انحنى فوق مقعدها ليحيط ذراعيها بيديه ويتملك عقلها بصوت هاديء:
أنا خلدت خديجة بألوان.. لو كانت عايشة كانت حتموت كل ليلة بس هي
ماتت مرة وعاشت للأبد..
صمت لوهلة ليترك فرصة لعقلها كي يستوعب حديثه ثم أزاد بجملته الأهم:
ماتت وخرجت منتصرة يا كارمن.
************************
ثريا سترحل..
هكذا اتخذت قرارها بعد محادثة مطولة مع ابنتها العنيدة..
ثريا سيدة عتيقة الطباع تحتفظ في دولاب مطبخها بخلطات شعبية من أجل كل
شيء..
سعال وضيق ووجع عظام عبد الرحمن..
تقص بإيناس عن أبيها..
تخبرها أن الزواج يخرج بعد فترة من إطار العشق ولهفة الزوج على طلة
زوجته.. تخبرها عن أسنان أبيها التي لم تعد تحتمل عجينتها المقرمشة
وخلطتها السحرية بوضع اللبن من أجله..
عن ألم ظهرها الذي يفاجأها بوقت الفجر لينتفض ويحضر لها درزة من
المسكنات..
عن اهتمام خرج من دائرة المحاولة فأصبح عادة..
عن المنزل الذي أصبح فارغاً لعراك العواجيز وكيف أن هذا العراك يحمل لذة..
ليست كل النساء محظوظات لتشيخ بجوار من تحب!
رحلت ثريا..
تناولت إفطارها معهما بعد أن طردت رقية بقلب أم لتعود لبيتها وزوجها..
قبلت إيناس فوق وجنتها وهمست بأذن خالد ليضحك بمكر أمام حيرة زوجته.
كانت ما زالت تضغط على قدمها ببطء ولكن الطبيب سمح بالحركة من سوء
حظه!..
جلست لترتشف باقي قهوتها وأخذ هو قطعة متبقية من فطائر رقية قبل أن
يسألها بمرواغة:
خلاص قفلتوا الفرن!
نظرت له بطرف عينيها تكتم ضحكة..
تبتسم بصدق دون أن تخفي أو تفكر فتتردد وتفسد اللحظة..
وهو..
هو أكثر راحة رغم أنها لم تنهي خطوتها التي يريد بعد..
دون وعي مدت يدها لتأخذ آخر فطيرة ووجدت أنه يريدها بدوره..
فطائر صغيرة بنكهة الموز..
ابتسمت فهي تعلم أنه يفضلها ودون وعي سحبتها لتضعها بداخل فمه..
ودون م ا روغة قبل هو أناملها مع آخر قطعة..
دون أن يفكر أو يعاند أو ينتقي حسابات..
ودون ترتيب تظهر ملاكه بأسوأ أوقاتها اختيارًا..
أنا عايزة فطاير موز!
لتبتسم إيناس لصغيرتها وتهرب نحو المطبخ لجلب المزيد وهو على مقعده لا
يفكر سوى بجلب رقية لتحضر له المئات إن أرادت فقط ليتناولها من يديها..
*************************
هي ام أ رة لها فلسفة خاصة.. خاصة جداً.
تؤمن أن حواء خُلقت من أجل متعة آدم, حواء وازدواجية تنادي بحرية
واستقلال ا زئف تخلعه مع ملابسها من أجل رجل!
ولكن ورغم هذا حواء الأذكى..
هي حواء التي اتهمها الرجل في الأساطير أنها هي من أغوت آدم..
هي من اشتهت التفاحة وهي من زرعت فكرة التمرد وحصدها آدم..
وكل جنس آدم..
كانت تراقب هاتفها بضحكة ساخرة, تعتقد أنها ضربت رقم قياسي بعدد من مروا
عليها من آدم..
ويتهاوى هذا الرقم أمامه فمعه استنفذت كل خططها!
هي أنثى تعشق النظرة ومن هي الأنثى التي لا تشتهي نفسها بعين رجل..
وهو لم يخصها يوماً بتلك النظرة..
ربما يمرح.. يعاند.. يجادل ثم يقسو ويبتعد وكأنها غير مرئية..
وهذا الصباح ظهر لدقائق معدودة ليحادثها بجفاء وحتى دون أن ينظر,
أصبحت تنتقي الملابس لأجله وهو لا ينظر..
توحشت عيناها وهي تراقب صورته..
لما لا تنتابه أمامها لحظة ضعف؟..
لما لا يرضخ دون تعقيدات؟..
ولما لا يهديها شهوة تغتنم بها كل شيء؟...
ببساطة لما لا يكون كأي آدم..
تنهدت ببطء قبل أن تحرك صورته من على هاتفها لتجري اتصال..
هو يريد حفل مختلف وهي تريده أن يراها امراة مختلفة
أن تكون بتلك الليلة امراة خارج نطاق المنافسة..
تكون له كما يستحق وكما هي طبيعة حواء لأجل آدم!!
************************
هل من طبيعتها الخضوع؟..
يأمر آدم فترضخ حواء..
يصرخ آدم فتصمت حواء..
كان أمين يجاوره وهو ي ا رقب البحر في ضيق..
زرقته سوداء قاتمة تتحداه كتلك العنيدة التي أبلغتهما بقرار واجب النفاذ أنها
ستستقل بالعمل..
شكر وابتسامة لأمين ونظرة مستعرة من أجله!
تنهد أمين بضيق:
زودتها يا حمزه.. شكلك شديت عليها.
نظر نحوه حمزه ولم يعقب..
للحظة ظن أن الأمر هكذا أفضل..
ولكن آدم بداخله كان يأمر
يصرخ لتصمت حواء..
كانت هي ما تزال بالقارب ترتقب رحيم وتلملم باقي حاجيتها لترحل..
ربت فوق ذراع أمين قبل أن يتركه ليتوجه نحوها وهو يهمس:
هحلها لك.
كانت هي قد تركت القارب لتوها..
أوقفها صدر أصبحت تحفظه, يقحم حاله بط ريقها دون دعوة..
زفرت ببطء ثم قالت له بنبرة جافة:
في حاجة يا كابتن حمزه؟
في شغل يا كابتن ليلى!
كانت نبرته جادة وجافة مثلها تماماً..
وضعت حقيبتها فوق ظهرها وعدلت قبعتها لتجيب باقتضاب:
أعتقد إحنا خلصنا كلام في الموضوع ده.
لم يدر لحديثها بالاً..
أخرج هاتفه محادثاً رقم ما وهو ينظر نحوها ويكرر:
تحسين باشا.. لقيت لك مركب ممتاز وحالته كويسة جداً.. والقبطان على
ضمانتي!
قالها بسخرية وهو يغمز لها بإحدى عينيه, فتنهدت بغيظ واستدارت تتحاشى
النظر نحوه..
أكمل هو بحرفية تامة بعد أن أنهى محادثته:
مجموعة مصرية.. ناس محترمة وهادية طالعين بأسرهم.. رحلة صيد خفيفة
وحتكون بداية حلوة ليكي, ولا أنا ولا أمين طالعين معاكم, وكمان الرحلة بعد
الظهر يعني ساعتين تلاتة كده وترجعوا على المغرب.
تبدلت ملامحها وبدت أكثر راحة..
لن ترفض بداية بسيطة كتلك حتى وان كانت عن طريقه..
شكرته في إيجاز مودعة ومع خطواتها كان هو يسحب هاتفه لمكالمة أخرى
واتفاق آخر..
كانت آخر كلماته طلب حار من صديقه تحسين:
عايزك بس تزهقها وياريت تتوهها شوية!
ينجح آدم وتفشل حواء
وبعد أربع وعشرين ساعة كان آدم يقفز جنوناً فوق المرسى..
فحواء وقاربها اختفيا وتاهت ليلى بحق هي وضيوف تحسين!


صمت الجياد بقلم /مروه جمالWhere stories live. Discover now