الفصل الثاني عشر

6.9K 170 1
                                    

أحبيني.. بلا عقدِ
وضيعي في خطوط يدي
أحبيني..
لأسبوع.. لأيامٍ.. لساعاتٍ..
فلست أنا الذي يهتم بالأبد..
أنا تشرين.. شهر الريح,
والأمطار.. والبردِ
أنا تشرين فانسحقي
كصاعقة على جسدي
أحبينى..
بكل توحش التترِ..
بكل حرارة الأدغال..
كل شراسة المطرِ..
ولا تبقي ولا تذري..
ولا تتحضري أبدا فقد سقطت على شفتيكِ..
كل حضارة الحضر..
أحبيني..
نزار قباني
ربما مرت دقيقة.. اثنتان!
هي متسمرة أمام الباب ووالدتها تُهديها نظرة اشتياق وعلى أريكة منزلهم آخر
رجل توقعت رؤيته..
لزوجة ملامحه تصيبها بالقشعريرة..
رغم أنه قد يُصنف في عرف بعض النساء وسيم ولكنها تكره كل ما يخصه..
عيناه ثعلبية بشكل مقيت, أسنانه بها صفرة تبغ وربما ما هو أكثر وفوق وجهه
بقايا ذقن غير حليق يبدو أنه به يتفاخر!
زفرت بضيق وازى دخولها وترحيب أمها الذي ما زال حارًا!
تعالي يا ليلى.. الريس صبري كان بيطمني على أحوالك.
ودّت لو تهديه ابتسامة ساخرة ولكن كان هو أسبق..
شفتاه منفرجتان بثقة وتحدي..
لاحظ أنها لم تغلق الباب وتأكد أنها لن تغلقه عندما وضعت حقيبتها أرضاً
وظلت مُرابِضة بجانب مقبضه لتتسلل كلمات من شفتيها مضطرة:
فيك الخير!
استشعرت أمها توتر ما, وأمها امرأة بسيطة ربما أكثر مما يجب..
بساطة كانت يجب أن تدرك عينا هذا الرجل منذ دخلت ابنتها.
وان كانت النظرة تحمل ألف معنى فنظرات هذا الكريه لا تحمل سوى معنى واحد
دناءة..
والدناءة تختصر في انتهاك كل ما هو ليس ملكك..
ربما مال وربما جسد..
وابنة منصور جسدها ربما ضئيل ولكنه بدأ يعجبه..
حتى مع توترها وذراعيها اللذين ضمتهما فوق صدرها فلم تجني سوى أنها
استفزته أكثر!
دون أن يحيد نظره عن كل شيء منها تحدث بنبرة استفزتها:
يا ريت يا أم ليلى بس فنجان قهوة مظبوط.. علشان سواقة الليل أصلي راجع
على الغردقة دلوقتِ!
بس كده.. من عنيا!
مضيافة!
أمها تمارس ضيافة لهذا وبمنزل منصور..
على جثتها لو تذوق تلك القهوة..
رمقتها أمها بحيرة غاضبة وهي تتخطاها نحو المطبخ في تنبيه صامت كي
ترحب كما يجب بالضيف!!
لم تدرك سليمة النية أنها بلحظة ما تركت المكان تسلل هذا الكريه نحو ابنتها
ليقترب منها بغير حق هامساً بتهديد حقير:
الست الوالدة حتزعل قوي لو عرفت إني بضايقك!
ماذا الآن؟!..
هكذا كانت تسأل حالها وهي تبتعد عن أنفاسه خطوتين وتوازي تهديده بنظرة
متحدية وكأنها تقول هات ما عندك..
تلفت هو حوله بخبث قبل أن يبلل شفتيه في إشارة بذيئة لم تفهمها ثم أردف
بفحيح ناعم:
هي موافقة بالعافية على موضوع شغلك ده وشكلها كده مرحبة بالبيع..
عندها قطبت جبينها في انزعاج بيِّن..
ما تُراه قد تم من حديث في غيابها؟..
وهل تفكر أمها فعلاً في بيع قطعة من منصور؟!
أنفاس تبغ رديء تقترب..
رجل يود قطعة من عالم منصور وخرى أكثر حلاوة من قلبه..
فتاة صغيرة تبدو كقطعة كعك محلى بالمقارنة بما اختبره من قبل من نساء,
أشياء كثيرة تمر أمام أعيننا ولا نلحظها إلا عند التدقيق
التدقيق والتحديق!..
همس بقسوة تلك المرة:
تقبلي صديق العيلة اللي خايف على مصلحتكم ولا نقولها سوا على اللي
بتواجهيه لوحدك هناك؟!
ورفع يده اليمني لتنقبض أصابعه فوق كتفها بغلظة وهو يتابع:
وعندي أكثر من طريقة!
وتوقف الأمر عند صوت ارتطام!
كيف حدث؟..
وماذا حدث؟..
هو نفسه ربما لا يدرك..
ففجأة صغيرة الجسد دفعته ليرتطم جسده بطاولة ما سقطت على الأرض بما
تحمله من أطباق زينة..
وخرجت أم ليلى لتجد المدعو صبري ملتصقاً بالحائط وأمام وجهه سبابة ابنتها
تصرخ بنبرة لا تقبل جدال:
لو فاكر إن بنت منصور بتهدد يبقى أنت ما تعرفش مين هي ليلى.. تطلع برة
وما شوفش وشك هنا تاني.
وعندها فقط لاحظت..
النظرة الكريهة نحو ابنتها..
التلون..
الخديعة..
والإبتزاز..
وأن إرث منصور ليس بقارب متهالك وديون متراكمة فقط..
فهناك أيضاً الطمع!
وخرج الكريه دون حرف آخر وتركت ليلى كل شيء لتدخل غرفة التوأمان وتغفو
بجوارهم متشبثة بأمان..
***************************
كيف استطاعت أن تفوت تلك لحظات؟!
كان يقف على بعد أمتار من مُهرين صغيرين..
أحدهما فرسة أصيلة بنية اللون تمطتيها تميمة..
كانت فرسة هادئة اختارها بعناية لصغيرته كي تكون معها دوماً في البدايات..
ومهر آخر أسود بنقاط رمادية متفرقة بعشوائية وفوقه محمود.
تعجبت من إصرار الطفل الصغير على التشبث بمهره الثائر..
نبرة خالد وصوته الحاد يأمر كلاهما فيلتزمان.
كان يبدو وسيماً كعادته..
يرتدي قميصاً بلون أبيض نقي فوق سروال من خامة الجينز القاسي..
فكه قاسياً بغضب فهو هكذا بتدريباته وليتحمل الجميع..
عيناه تتحركان بدقة محسوبة بين متدربيه الصغار ويقف سائس مسكين خلفه
لا يملك سوى إطاعة الأوامر.
بجانب المضمار وفوق جذع شجرة مقطوعة كان يتوجه كل فترة ليتجرع بعض
المياه ويتخلص من ساعة معصمه وكل قيد..
حتى أنه تخلص من حزام بنطاله وقفز بقوة فوق فرس ما ليتبعاه.
عيناه اصطدمتا بها فجأة..
تقف بجوار مدخل الإسطبل تراقبهم..
حمقاء تجمع شعرها في جديلة واحدة على جانب وجهها..
ترتدي مثله قميصاً أبيضاً فضفاضاً فوق سروال نسائي من خامة الجينز
الرقيق وزادت فوقه سترة خفيفة بلا أمام بلون بني فاتح.
بدت مشرقة..
أوقف جواده لتلمع فوق وجهه ابتسامة ماكرة ثم أمر السائس أن ينتبه لتميمة
ومحمود ليتوجه نحوها بعد أن ترجل من الجواد ساحبه خلفه.
كانت تحاول بيأس أن تلمح تميمة من خلف جسده ولكنه استحوذ على بصرها
ليسألها بمراوغة:
أخبار الخيل إيه يا دكتور؟
ضمت حاجبيها لوهلة قبل أن تجيبه بعملية تامة :
كل حاجة تمام يا بشمهندس
وقبل أن يتحدث هو تابعت هي مسرعة:
وأخبار تدريب تميمة إيه؟
رجع هو خطوات إلى الوراء مداعباً خصلات فرسه بثقة:
ممتازة.. طالعة لباباها!
ضيقت عينيها تفهم مقصده فتابع هو بنبرة يود إغاظتها:
مامتها شوية بتخاف!
ضمت ساعديها في غضب تنظر نحوه غير مصدقة فتابع هو:
الفرسة نجوى موجودة ولو جريت ممكن أنقذك تاني على فكرة!
قبل أن تجيبه كان هو قد نادي دسوقي ليحضر نجوى فكانت أمامها في
دقائق..
لا تدرك غرضه!..
هل يتحداها لتلجأ إليه يدربها مثل تميمة؟..
أم هي مناورة ليثبت أنها ستخاف المحاولة من جديد؟.
قبل أن يفكر كانت هي تسحب الفرسة لترفع جسدها فوقها بسلاسة أدهشته..
وأغضبته!
خاصة عندما تركته لتتوجه نحو تميمة ومحمود والفرسة تطيعها بإذعان..
متى روضت تلك أيضاً؟!
رفع حاجبيه مندهشاً مراقباً لحيويتها مع الطفلين وتميمة تضحك بسعادة لوجود
ماما بجانبها آخيرا..
حمقاء يا إيناس لما فوتِّ هذا؟!
كان يهمسها لحاله وقد نسي بشأن جواده حتى تركه مع دسوقي وتوجه نحوهم
مترجلاً..
ربما مرت نصف ساعة أو أكثر ولكنه توقف عن الص ا رخ..
وأوقف ديكتاتورية تدربيه لي ا رقب انفعلات ملامحها..
ها هي تتبدل وتتشكل أمامه من جديد..
ربما تغيظه ولكن بقرب لذيذ يروي ظمأه..
ترمي بهمسة وكلمة وتنتظر ردة فعله
وان فعلها فهي لا تمانع.
أشار بنظرة عين للسائس كي يسحب تميمة ومحمود داخل الإسطبل في متعة
أخرى لإطعام الفرس وهمت هي لتنزل من فوق الجواد ولكن..
مجنون..
هو حقاً مجنون..
قفزته المفاجأة أفزعتها وفهمت لما صرف الطفلين..
وقبل أن تنطق كانت فرستها المستكينة تعدو بعيداً عن كل شيء..
نجوى تمتلك الصحراء بضربة ساقٍ منه وهي محاصرة بين ذراعيه ولا تنوي
الهروب.
في منتصف الرحلة كانت قد أغمضت عينيها..
ربما شردت وربما قربه وأنفاسه لا يجوز معها رؤيا..
استفاقت على همسته بجانب جيدها بعد أن توقفت الفرسة.
الخيل لازم يجري علشان يحس بالحياة..
أعطته نصف استدارة:
دي نظريتك في التعليم؟
اقترب منها أكثر لتخرج نبرته دافئة:
دي نظريتي في الحب!
ظلت ثابتة لا تعلق فأردف هو بنبرة آمرة:
أيناس.. اديني وشك..
تجولت حدقياها لا تفهم..
فكرر هو بصوت بدا متعجلاً:
لفي يا إيناس..
وقبل أن تدرك كان قد ساعدها ليحرك خصرها وتبدل وضعها فوق الفرسة
فتصبح جالسة بشكل عكسي وفي مواجهته..
تأملها ربما لنصف دقيقة ولم تحد هي بصرها عنه حتى جذب جزء من جديلتها
فحل رباطها مردداً:
أنتِ عارفة إن كده أحلى!
لا ا زلت تخجل من الغزل..
أي امرأة قاتلة تزوج..
ابتسمت متحدية تورد وجنتيها لتردف بصوت مبحوح:
أنت بتحبه كده..
أمال أ رسه نحوها وقد امتلأ شغفاً ورضا:
وبحب إيه كمان؟
ابتعدت عن وجهه لترجع بجذعها للخلف قليلاً وبدت متنمرة فابتسم بغرور
فأردفت مسرعة:
بتحب البندق!
تنوي هلاكه هي اليوم لا محاله وستهلك هي معه..
وضع قبضته فوق وجهها فاستدارت بما يشبه رفض أربكه!
تابعت:
أنا جوايا كلام كتير مش عارفة أقوله.
كانت عيناه ترتعشان..
ليس قلقاً ولكن تأثرًا بها وبكل ما يمر به معها, أردف هو بما يثقل صدره:
ليه مش عايزة انتقام؟
للحظة توقع صمت وأفكار وهروب كعادتها ولكنها أجابت وبأسرع مما توقع حتى
أنها بدت مقاطعة له:
علشان ما ينفعش سيرتها تيجي أو تظهر في حياتنا تاني حتى لو بشكل
انتقام.. علشان مش هاقدر استحمل فكرة أنك ممكن تنطق اسمها أو تشوفها
تاني يا خالد.
وصمتت لوهلة فبدت أنفاسها سريعة قبل أن تردف:
حتى التفكير ممنوع!
ملامحها أصابت قلبه بوجع..
تذكر تلك اللحظة التي سببت كل هذا الألم ويدرك أن حتى انتقامه لن يمحيها..
أيقن أن عبرة ما ستهرب ولكنه أوقفها,..
مرر إصبعه سريعاً تحت جفنها ثم أحاط أ رسها بكلتا يديه ليقربها منه أكثر وبدا
صوته فوق وجهها همساً:
أنا قلت إيه ما تعيطيش.. إياكِ تعيطي!
وقبل أن تدرك كان قد تخلل خصلاتها بشكل ما آلمها واستحوذ على شفتيها..
ولم يجد مذاق سوى الذي يفضله حينذاك
البندق.
***********************
أمام التلفاز كان يجلس لمشاهدة مسرحية وصوت ضحكاته تصدو بجد ا رن
المنزل.. لا يبالي..
ومنذ متى يبالي حسن؟!..
جاء الولد.. ذهب الولد.. ووقت الحاجة رقية تدلل..
المأكل والملبس والجسد..
والآن حين ملت واختارت هروب اتهمها ببساطة أنها تمر بسن يأس!
ولا تنفك أن تبتسم بألم متصورة ذريعة أخرى لأنه يحتاج..
كانت تحمل بيدها سكيناً خفيفاً لتقشير بعض الفاكهة وعراك خالد ومحمود
الأخير يتملكها..
مناوشة خبيثة من محمود تخبر خالد عن متعته اليومية بامتطاء الخيل مع
صديقته الجديدة تميمة!
ولم تدرك سوى جنون ما تلبَّس صرخات محمود لتفهم أن من لكمه هو خالد!..
حتى أن الفتى يعاني الآن زرقة منتفخة بجانب عينه اليمنى نتاج عنف ليس
من طبيعة فتاها المدلل.
تركت السكين لتتوجه نحو المدلل الكبير بصحن فاكهته المفضلة وتدرك أنه
الليلة منتشي بشكل واضح ويود بأحقية أن يأخذها هي والفاكهة سوياً..
ولما لا؟!
أبناءه ونساءه وطعامه وتلفازه وتصرفي يا رقية..
كلما تخبره عن عراك..
تصرفي يا رقية..
كلما حاولت أن تفتح حوار وربما حل..
خطأك يا رقية.. خالد مدلل..
الآن خالد مدلل.. خالد عنيف..
خالد يستحق عقاب والمتخابث ابن سهام ينعم بحنية أبيه!
وأبيه يجاورها على الأريكة وصوت ضحكاته ستصيبها حتماً بالصمم..
وستصيب نبتة عمرها بالعطوب..
خالد يعطب..
يتبدل..
وذكرى تميمة نبهتها لمشاعر طفل لم تكن تدرك أن لها وجوداً..
خالد يغار!
ويبتسم حسن ويطفأ التلفاز ويسأل عن نوم الأولاد ولا يتذكر حتى عقابه لخالد..
ويجذبها نحوه بليلة العطلة وقاموس احتياج لكل رجل..
وأراحته ربما تستريح وربما تخرجه من الصورة ليبقى على هامشها كما يفضل
حفاظاً على نبتتها..
***********************
تتجاهله..
بشكل مفضوح!..
تتشبث بقبعتها القبيحة وكوب الشاي الأسود بماركة أمين المسجلة.
وتترك القارب بروتين الغوص والطعام والموسيقى وتشرد..
وربما هي منفردة بدندنة عقل لأغنية مال "محمد فوزي"
لم يكن يعلم أن بعقلها أمواج تتعارك منذ عادت..
لم يكن يعلم بشأن زيارة صبري ولم تخبر هي أحد..
ستتصدى له وتستطيع..
وأمها رغم الخوف والجدال والعراك لم تمتلك سوى أن تتركها ترحل أم ربما تعود
فقارب منصور أصبح هو عالمها الآن..
تعالت الموسيقى أكثر صخباً..
حتى الموسيقى تتآمر عليها لتنظر نحوه!
كان قد خرج لتوه من المياه..
شبه مبلل بسروال فاتح قصير وتيشيرت مطبوع دون أكمام..
يمسك بزجاجة مياه غازية وتسحبه هيلجا للرقص فيرفض
وتتمايل شقراء نصف عارية بشكل أخجلها!
.. أيطلقون على الرقص الشرقي اغواء 2
إذاً ما تفعل تلك؟!!
كانت هيلجا ترقص بتمايل مُهلك إن صح التعبير..
تقترب منه في مكر وفرض أنثوي متخابث لسلطتها..
استولت على مشروبه.. تجرعته..
أهدته قبلة وان لم تنل شفتيه فقد استقرت فوق ذقنه..
وخصرها كان جنونياً مع أغنية صاخبة لمطربة تصرخ!
وهل بدا عليها ضيق؟..
في البداية لم يكن مهتماً بسيناريو هيلجا المكرر ولكن ضيقها البيَّن أهداه
نشوة.. عيناها بريئة مثلها..
تدقق وتستهجن وتغضب وتهرب..
شفتاها ترتجفان ولهما همس صامت..
شفتاها تستحوذ دوماً على انتباهه..
شفتاها لهما نقاء صادم!
أي غنوة تدندن الآن يا ترى!!
ولم تغنِ..
ولم تجلس صامتة تراقب..
تركت له الجمل بما رقص..
أوقفت القارب حيث أنهم وصلوا للمكان المطلوب وانسحبت للقمرة السفلية تبحث
عن حاوية قهوة, فالصداع زادته الموسيقى توحشاً..
عادة لا يقترب أحد من القمرة السفلى حتى دورة المياه فهي بمكان مرتفع على
القارب..
بعد نزول خمس درجات هناك ممر قصير بغرفتين..
إحداهما للنوم وبها أغطية وأخرى صممها منصور كمطبخ بسيط..
المكان مظلم قليلاً ولكنه هادئ مفصول عن باقي القارب بصخب زواره..
صخب آخر رغم هدوء نبرته إلا أنه أفزع بقلبها طبولاً..
بتدوري على حاجة يا كابتن ليلى؟
أجفلها فاستدارت فجأة ومعها لا يجوز استدارة ولا مفاجآت!..
فتلك الخصلات القصيرة تتآمر على وجهها فترسم فوق وجنتيها خيوطاً مهلكة
إن صح التعبير..
فمها المنفرج وحدقتاها المشدوهتان, كلها على بعضها تهديه لذة غامضة!
اقترب منها وفوق وجهه ابتسامة متلاعبة فارتبكت لتتخطاه وتخرج ووتتذمر
وتهاجم:
أنت بتعمل إيه هنا؟
لم يجب على سؤالها بل قطع تخطيها ليحتجزها دون هروب وسألها بم ا روغة:
ليه اتضايقتي؟..
للحظة خانتها شفتيها..
الجواب السريع حل ومطلوب ولكن أين هو!
بعد ارتعاش مكرر تنفست بغضب على نفسها لتجيب:
علشان ما يصحش.. الرقص اللي فوق ده عيب.. ما يصحش كده على مركب
منصور..
هي غير مقتنعة بجوابها فالسائحين يفعلوا ما هو أكثر وهو يعلم أنها كاذبة
ويالها من متعة..
اقترب أكثر ليخفض رأسه فأصبحت توازيها ثم همس ببطء:
وده مبرر أنك تقفي غلط!
ابتعدت عن مرمى أنفاسه وعطره وبدت حائرة لا تفهم مقصده..
وبعدها لمحت ابتسامة لعوب راضية جداً فوق شفتيه قبل أن يضيف بثقة:
أنا ماليش دعوة.. أنا نبهتك!
كانت لحظة قبل أن تشعر بتأرجح شديد للقارب..
ميل قوي بناحيتها يعقبه آخر من ناحيته!
وقبل أن تدرك أو تفهم كانت مسحوبة رغماً عنها لتلتصق بالحائط وهو أمامها
تماماً يستند خلف ظهرها بذراعيه كي لا يندفع أكثر, زعقت مستفهمة:
هو في إيه؟
وقبل أن يجيب تبدل القارب ليتغير الوضع..
هو متكئأً على حاجز خشبي وهي رغماً عنها سقطت فوقه, وقبل أن تحاول أن
تحفظ توازنها انتبهت لثقل ذراعه حول خصرها!
رفعت عينيها بغضب ولا وقت يسعفها..
فمرة أخرى كانت الدفعة أقوى لتتمالك نفسها قبل أن تسقط ويمتلكها هو بذراعه
فليتها سقطت..
أجاب أخيرا:
كان لازم تسأليني قبل ما تقفي.. التيار هنا عالي... مرجيحة يا كابتن!
والمرجيحة على شكل قارب, أسقطته هو ولم يحاول أن يرفض لتسقط هي فوقه
في وضع أهداه لذة منتقاة..
كانت خصلاتها منثورة فوق وجهها ووجهه ولم يدرك أن ذراعه ما زال متملكاً
إلا عندما أيقن دفعة يائسة منها لتحاول الوقوف..
ولم يكن بحاجة لعطره تلك المرة
فالآن عطرها هو ملك الحوار!
وحتى الميل في الجهة الأخرى غير مباح فالميل كل الميل الآن لجهته هو
فقط..
كانت مع التمايل تجاهد لتقف وعلى وجهها احمرارا يحمل ألف تفسير
غضب..
خجل..
غيظ..
فوضى رائعة!
وبعد قليل سيتحول الأمر لصفعة إن لم يتمالك نفسه..
أرخى ذ ا رعيه قليلاً وورمقته هي بغضب مكتوم قبل أن تستقيم متحكمة في
توازنها بصعوبة مع ميل القارب..
وقبل أن تحاول فقط أن تتحدث..
ربما بلوم..
أو زعيق..
توبيخ قاسٍ لثقافة كارثية لديه غالباً ما تنتهي بعناق..
قبل كل هذا..
أغمض هو عينيه لينطق بنبرة خالية من المزاح تلك المرة وبصوت غليظ
وهاديء كالهمس:
إمشي يا ليلى..
ولم يعطها حتى فرصة لتحرك شفتيها اعتراضاً أو قبولا فقط أتبع وبنبرة ودت تنبيهها لتهرب:
حالاً يا ليلى..
***********************


صمت الجياد بقلم /مروه جمالWhere stories live. Discover now