فِي يَومٍ جَدِيد، الإثنَان مِن فِبْرَايِر عَام ألفَين وتِسعَة عشَرالشَّمْس لَيسَت مُشرِقَة اليَوم لِكَونِهَا تَختَبِئ خَلف رَمَادِيَة السَّحَابة وتَتَسَاقَط قَطَرَات المَطَر مِنهَا تَخلُق جَو الظَّلاَم فِي بِدَايَة النَّهَار
السَّيَارَات مُسرِعَة، المِظلاَّت تُغطِّي وجُوه النَّاس، المبانِي رمَادِية والشَّوَارِع رَمَادِية المَدِينة بِأكمَلِهَا رمَادِية مُسبِّبة أجْوَاءٍ كَئِيبَة لِلغَايَة
أسْفَل تِلك المظلّة، هَا أنَا أقِف أمَام قَبر صَدِيقِي الذِي تَوفَّى قَبل عِدَّة أسَابِيع قَلِيلَة مُرتَدِيًا قُبَّعَة فِيدُورَا السَّودَاء التِي لاَ تُظهِر سِوى فَكِّي وأنفِي المَنحُوت وخُصْلاَت شَعرِي السَّودَاء المُبْتَلَّة التِي تَلتَصِق بِجَبِينَي مَع مِعطَفِي الشَّتَوِي
أحدّق بِتِلك الوَردَة القدِيمَة الجَافَّة التِي تَعتلِي قَبر صَدِيقي لِأضَع الجَدِيدَة بِجَانِبِهَا فِي حِين أن زخَّات المَطَر تُلاَمِس بَشَرَتَي وتَتَسَلَّل دَاخِل ثِيَابِي حتَّى إلتَصَقت الثِّيَاب بجسمِي
وَحِذَائِي الجِلدِي الذِي تَدَفَّقت الميَاه بِدَاخِله لِتُبَلِّل جَوَارِبِي وتَصْنَع بِركَة صَغِيرة لِقَدَمَاي
نَسِيم المَطَر البَارِد أرْسَل إلِي رَعْشَات وَقَشْعَرِيرَة تَسِير علَى طُول ظَهرِي لِأسْحَب مِعطَفِي أكْثَر إحكَامًا حَول جَسَدِي طَالِبًا الدِّفْء
لاَ أحَد يَعلَم مَا هُو شُعُوري حَالِيًا أو كَيف هِي تَعَابِيرَي ومَن سَيَهتَم بِي فِي الأصَل؟ مَن أنَا للعَالَم؟ لَستُ بِشَخصٍ مُهِم ولَن يَتأثَّر أحَد بِحُزنِي فَأنَا مُجَرَّد شَخص عَابِر
السَّاعَة تُشِير لِلثَّانِية عَشَر ظُهْرًا، أنَا لَستُ بِخَير، مَا عَاد أستَطِيع القَول أنَّنِي بِخَير وَلاَ أستَطِيع التَّظاهُر بذَلِك أيضًا وأزَيِّف إبْتِسَامَتَي، لاَ القَول ولاَ الفِعل حتَّى، أنَا بِحَاجَة لِصَدِيق مَا بِجَانِبِي لَكِن هَا هُو أمَامَي لَكِن الفَرَّق هُو أنَّه تَحت الأرض تَحت التُّربَة التُّربَة تَحتَضِن جَسَده بَينَمَا أنَا أدْهَسُهَا
أنَا الآن أحتَاج إلَى كُل مَا قَدَّمَتَه لِصَدِيقَي
عَلَى الرُّغم مِن كُل إبتِسَامَاتِي إلاَّ أن خَلْفَها حُزُن عَمِيق لَكِنَّنِي وَقَفت بِجَانِبِه بِكَامِل عُيُوبِي وثُقلِي وَتَعَبِي وأخبَرتَه أن يُشَارِكُنِي حُزْنَه وَيَستَطِيع أن يبكِي عَلَى كَتفِي مَتَى مَا شَاء وَأن يَلجَأ إلَي
لِأن رُؤيَتَه حَزِينًا يَجعَلُنِي حَزِينًا
وَرُؤيَتَه سَعِيدًا يَجْعَلُنِي سَعِيدًا
أنَا لاَ أعْلَم مَا هُو سَبَب رَحِيلَه لَكِن قَبل مَوتِه بِعِدَّة أيَّام قَال بِأنَّه سَيء جِدًا لِإمتِلاَكِه صَدِيق جَيَّد مِثلِي وبَدَل مِن أن يُسْعِدنِي بِبَقَاءَه هُو رَحَل وسَحَب مَعَه قُوَّة صَاحِبَه التِي كَان يُخبِّئهَا مِن أجْل أن يُسعِدَه فِي الأيَام القَادِمَة