الفصل الخامس عشر (علي باب القدر)

6.8K 266 1
                                    

قرعت أماني باب شقة سمر وانتظرت شاردة الذهن للحظات حتى فتحت لها سمر الباب .. صحت من أفكارها فورا عندما لاحظت وجه سمر المتورد .. والسعادة الواضحة في عينيها المشرقتين .. وقبل أن تعتذر عن تأخرها سحبتها سمر إلى الداخل قائلة بحماس :- لن تصدقي ما حدث .. لقد عاد زهير . أخذ إجازة قصيرة من الجامعة وقرر مفاجأتي .. الماكر العزيز .. لا أستطيع وصف سعادتي لك .
دخلت أماني إلى غرفة الجلوس بحرج .. فوقف الدكتور زهير.. الرجل الأربعيني مليح الوجه .. ذو الشعر الخفيف الذي يغطي رأسه .. وحياها بتحفظ ..
وبعد قليل كانت تساعد سمر في المطبخ أثناء إعداد العشاء تستمع إلى ثرثرتها وهي تقطع الخضار :- ذلك الماكر هشام .. هل تصدقين بأنه من أقنع زهير بالعودة بعد أن أخبره بأنني أحتاج إلى مفاجآت سارة بين الحين والآخر
لم تستطع أماني الاستماع إلى المزيد .. إنه ذلك المسخ الذي تعمل تحت إمرته .. هو من خطط لهذا كي يجبرها على مغادرة شقة خالته .. هتفت فجأة لتقطع حديث سمر :-
:- لقد وجدت هذا النهار شقة تناسبني .. سأنتقل إليها في الحال يا سمر
ارتبكت سمر وتوقفت عن عملها وهي تقول :- لماذا ؟ هل لعودة زهير أي علاقة برحيلك ؟ يجب أن تعرفي بأن بقاءك هنا لا يسبب أي مشكلة لنا .. أنا وزهير نرحب بك دائما
قالت أماني بهدوء :- لا علاقة لدكتور زهير برحيلي .. لقد صدف أن وجدت الشقة المناسبة خلال استراحة الغداء لهذا اليوم .. لقد وقعت عقد الايجار وصاحبها ينتظرني بعد ساعة ليسلمني المفتاح
بدا على سمر الاستعداد لمناقشتها في الأمر .. فأسرعت أماني نقول بانزعاج :- لا تبدأي بالإلحاح ..كنت سأنتقل للإقامة في مكان آخر في جميع الأحوال .. كما أنني أرغب في الاحتفاظ بعملي قبل أن ....
بترت عبارتها قبل أن تفصح عن أكثر مما أرادت .. قالت سمر باستنكار :- عملك ؟ لماذا ؟ أنا لا أ فهم علاقة ...
صمتت وقد اتسعت عيناها بفهم .. وقالت مصدومة :- هل لهشام أي علاقة بقرارك هذا؟
ابتعدت أماني بضيق من زلة لسانها .. صاحت سمر بحدة :- أماني .. أجيبيني حالا .. هل أرسل هشام بطلب زهير كي يحملك على الرحيل ؟.. ولكن لماذا يفعل هذا ؟
تنهدت أماني .. وجلست فوق مقعد خشبي قريب .. ووجدت نفسها تحكي لسمر عن حوارها الأخير مع هشام .. ثم أعقبت بقولها :-تصرفه كان طبيعيا بعد موقف أبي مني .. إنه قلق عليك فقط .. هو لا يعرفني جيدا كي لا يتأثر بما بدأ الناس بتداوله عني
صمتت سمر للحظات ثم تلفتت حولها بحثا عن مقعد آخر .. وعندما جلست مقابل أماني قالت متنهدة :-
:-لطالما كانت غريزة الحماية لدى هشام عنيفة .. خاصة فيما يتعلق بأحبائه وهم ليسوا كثر .. طفولته الصعبة قلصت بشدة ثقته بالآخرين .. وجعلته يكشر عن أنيابه لأن تعرض أحد أفراد عائلته للأذى
تمتمت أماني :- لقد لاحظت هذا جيدا
:- ولكنك لم تفهميه .. عندما رحل والده كان مجرد طفل صغير في العاشرة من عمره .. وجد نفسه مسؤولا عن والدة وشقيقتين صغيرتين .. لقد عانت تلك العائلة الكثير من الناس ..والمجتمع الذي لم يتركها في حالها أو يسامحها على فعلة الأب الهارب .. لقد حاصرها الدائنون .. والطامعون من الأقارب .. وكانت صدمة أكبر عندما وجد أمه تعاني من اضطهاد عائلتها .. أرادو منها مغادرة منزلها وبيعه لتسديد ديون زوجها .. وحاولو إجبارها على رمي أطفالها والحصول على الطلاق كي تتزوج بآخر يتحمل عنهم مسؤوليتها .. ولكنها رفضت بشجاعة ووقفت في وجه أساليبهم العنيفة أحيانا .. دون أن يحميها أحد سوى ذلك الابن الصغير
كانت أماني قد سمعت بالقصة مرارا .. وفي كل مرة كانت تتجاهل اكتشافها وجود إنسان خلف ذلك الوجه القاسي تالذي يحمله رئيسها .. رافضة التعاطف معه .. ولكنها لم تستطع هذه المرة ألا تتخيل الطفل الصغير الأسمر الذي لم يتجاوز العاشرة .. وقد وجد نفسه عاجزا عن حماية أمه أمام تعرضها للأذى
ابتسمت سمر بحنان قائلة :- كنت صديقته المفضلة لسنوات بسبب تقارب أعمارنا .. جعل العناية بي مهمة له بالرغم من صغر سنه .. فوقف في وجه أبي عندما أراد تزويجي لأحد معارفه الأثرياء وأنا لم أغادر مقاعد الدراسة بعد .. لم يقبل هشام أن يتكرر معي ما حدث لأمه. فقد تزوجت صغيرة جدا .. وعندما وجدت نفسها وحيدة بلا معيل .. لم تمتلك أي مؤهل يساعدها على إيجاد وظيفة .. لولاه ما وجدت القوة لمواجهة أبي ورفض الزواج .. والإصرار على متابعة الدراسة ثم الزواج بزهير .. هكذا ترين سبب اهتمامه بي وسعيه الدائم لحمايتي
لم ترغب أماني بسماع هذه القصة المؤثرة .. فآخر ما تريده هو أن تتوقف عن كره ذلك الرجل .. وهي واثقة بأنه لن يكون مسرورا بدوره إن عرف بأنها قد سمعت الجانب التعس والمرير من حياته .قالت بضيق :- ولكنني لم أمنحه سببا واحدا ليخاف مني
هزت سمر رأسها متفهمة وهي تقول :- إنه أصلك الثري .. لقد نجح هشام بعد كفاح طويل وحقق من الصفر ثروة طائلة .. ولكن حقدا دفينا ظل داخله اتجاه كل فرع منحدر من أصل ثري .. لأن والده كان من ذلك النوع الذي ولد وفي فمه ملعقة من الذهب .. حصل دائما على كل ما أراد .. وعندما وجد نفسه عاجزا وفاقدا لموارده بسبب تهوره وطيشه لجأ إلى الهرب بأموال غيره .. لم يسامحه هشام أبدا على فعلته .. وعلى العار الذي ألحقه بعائلته بسبب طمعه الشديد .. بطريقة ما .. يرى هشام فيك ارتباطا بوالده .. ولكنه مخطئ ويجب أن يعرف هذا .. أنا متأكدة بأنه سيغير رأيه عندما أخبره بحقيقة ما يحدث معك .
هتفت أماني بحدة :- إياك أن تخبريه بشيء .. لا أريد شفقته .. خروجي من شقتك كان سيحدث عاجلا أم آجلا .. أنا لا أمتلك الآن سوى كرامتي وكبريائي .. ولن أفرط بهما مهما كانت ظنون ابن أختك بي سيئة .
نظرت إليها سمر للحظات متأملة .. ثم هزت كتفيها قائلة :- تناولي العشاء معنا على الأقل .. ثم سيوصلك زهير بنفسه
لم تعترض أماني على عرض سمر .. فلا مانع لديها من بعض الصحبة قبل أن تبدأ مشوارها الحقيقي .. وحدها تماما هذه المرة

سيدة الشتاء Where stories live. Discover now