الفصل السادس(الخيار الاخير)

8.1K 281 1
                                    

كان طارق في انتظار جودي كما وعدها عند بوابة الحرم الجامعي في تمام الساعة الثالثة من بعد الظهر .. أوقف سيارته بعيدا ثم تمشيا معا على الرصيف المحاذي لسور الجامعة العالي حيث تعالى ضجيج السيارات في هذا الوقت من اليوم
بعد بضع كلمات تحية وسلام .. ساد الصمت بينهما لبعض الوقت وهما يسيران جنبا إلى جنب قبل أن يقطعه طارق قائلا بهدوء :- ماهو الموضوع الضروري الذي طلبت رؤيتي لأجله ؟
قالت بحيرة :- أنا لم أقل أبدا بأنني أرغب بمناقشة أي موضوع معك
:- لماذا طلبت مني الحضور إلى هنا إذن ؟
قالت بارتباك :- وهل من الغريب أن تطلب فتاة لقاء خطيبها ؟
قال بلهجة حملت بعض العتاب :- بل من الغريب أن تطلبي مني ترك عملي وموافاتك في الجامعة في منتصف النهار كي نسير جنبا إلى جنب بصمت
قالت بعصبية :- لنقل بأنني قد اشتقت إليك .. وشعرت بحاجة إلى رؤيتك .. إن كان هذا يزعجك فأنا لن أتصل بك مجددا
زفر بقوة معلنا رفضه لتصرفها الطفولي .. ثم توقف عن السير واستدار إلى جودي التي توقفت بدورها وقال :- حبيبتي .. أنت تعرفين بأنني أشتاق إليك دائما .. وأتمنى أن يتم زفافنا بسرعة كي لا نضطر إلى الانفصال أبدا .. آسف لأنني كنت فظا .. اتصلي في أي وقت تشائين .. وسأرمي كل الدنيا ورائي لأراك
ابتسمت وقد خففت كلماته الرقيقة توترها واضطرابها الذين لم يفارقاها منذ اتصل بها تمام قبل ساعات .. لقد كانت بحاجة إلى أن تشعر بقرب طارق منها .. وأنها آمنة من أي إغراء قد يقدمه لها رجل ساحر متحالف مع الشيطان .. أمسكت بيد طارق قائلة بعينين لامعتين :- لنذهب من هنا
أجفل قائلا :- إلى أين ؟
:- وهل هذا مهم ؟ سنكون معا .. قد نتناول الغداء في مكان ما .. أو نقود السيارة لساعات خارج المدينة .. أو
قاطعها ضاحكا :- على مهلك .. متى وضعت كل هذه الخطط ؟ يجب أن تخبريني بمشاريعك مسبقا كي أرتب أموري على الأقل
اختفى حماسها بنفس السرعة التي اشتعل فيها .. قالت بقلق :- هل ستعود إلى المكتب؟
:- لقد سبق وأخبرتك بأنني مشغول
وعندما رأى الإحباط في عينيها ربت على وجنتها قائلا برقة :- سأعوض عليك في يوم آخر .. أعدك
منحته ابتسامة باهتة .. ثم سارت معه حتى سيارته وراقبته يختفي .. ثم عادت إلى حيث تركت سيارتها داخل أسوار الجامعة .. وكل ما ترغب بفعله هو العودة إلى البيت وعدم رؤية أي مخلوق حتى يختفي إحباطها
.. عندما وصلت إلى البيت .. ترجلت من السيارة وقد عصف بها القلق لرؤية صلاح خارجا من الفيللا برفقة طبيب العائلة .. وصديق والدها القديم .. ما الذي حدث ؟. هل والدها مريض ؟ انتظرت حتى ابتعد الطبيب بسيارته ثم اقتربت من صلاح تسأله بتوتر :- ما الذي كان الدكتور سليمان يفعله هنا ؟
عبس وكأن وجودها المفاجئ قد أزعجه .. ولكنه استسلم وسمح للتوتر والتعب في الظهور من خلال خطوط وجهه وهو يقول :- لقد أحس عمي ببعض الإرهاق .. فأوصلته إلى البيت واستدعيت الطبيب لنطمئن عليه .. وهو بخير الآن
ولكنه كان يكذب .. عرفت جودي هذا عندما رفض النظر إلى عينيها أثناء حديثه .. قالت بحدة :-
لم لا تخبرني الحقيقة ؟ هل أبي مريض ؟
أمسك بمرفقها وسحبها قائلا باقتضاب :- سنتحدث في الداخل
كان البيت مظلما على غير عادته هذا اليوم ... أصر صلاح على أن تجلس قبل أن يقول بجمود :- لقد أصيب عمي بنكسة هذا الصباح .. وفقد وعيه داخل المكتب
شهقت وهي تخفي فمها بيدها قائلة :- أهو قلبه مجددا ؟
أومأ برأسه إيجابا فتدفقت الدموع من عينيها وهي تقول :- ما الذي يفعله هنا إذن ؟ يجب أن يكون في المستشفى الآن
:- لقد كان هناك .. ولكنه أصر على العودة إلى البيت .. سمح له الأطباء بذلك لأن الأزمة لم تكن حادة ولكنهم لم يخفوا خطورة الأمر في عمره هذا
لم تستطع تخيل والدها القوي مريضا أو ضعيفا .. همست بصوت مرتجف :- هل هو في غرفته الآن ؟ أريد أن أراه
:- إنه نائم .. من الأفضل أن نتركه ليرتاح قليلا
ثم انتقل ليجلس إلى جوارها .. وأمسك يدها قائلا بلطف :- لا تشغلي بالك كثيرا .. والدك سيكون بخير .. أنا متأكد من هذا
حاولت أن تبتسم فلم تستطع .. ولكن وجود صلاح منحها الكثير من الطمأنينة .. فحبه لوالدها لا يقل عن حبها له .. وقد ترعرع منذ الطفولة تحت ظله
إنها أزمة عابرة وسيتمكن والدها من تجاوزها كما فعل مع غيرها .. وبالرغم من تأكيدها لهذه الحقيقة لنفسها إلا أنها كانت حقا خائفة هذه المرة

سيدة الشتاء Where stories live. Discover now