الفصل العاشر (بلا اب )

6.9K 266 3
                                    

توفي محمود النجار في منتصف شهر ديسمبر .. في ليلة مظلمة غزيرة الأمطار .. حدث الأمر فجأة بدون مقدمات .. دخلت جودي إليه بالعشاء كالعادة لتجده قد فارق الحياة.. بهدوء وصمت .. فوق سريره العريض
حدث كل شيء بسرعة لم يستوعبها أحد من أفراد العائلة .. وسرعان ما امتلأ البيت الكبير بالمعزيين .. كان لدى الفقيد الكثير من المعارف وشركاء العمل .. لذلك لم تتوقف الحشود طوال 3 أيام كاملة
اجتمع الرجال في الطابق الأرضي حيث دوى صوت الشيخ يصدح بآيات قرآنية خاشعة .
وصعدت النساء إلى الطابق الأعلى لدعم الفتاتين التين باتتا يتيمتين .. ولم يعد لهما فعلا سوى صلاح الذي تولى الأمور كلها برباطة جأش .. ونظم كل شؤون الجنازة بما يليق بأحد كبار الشخصيات في المدينة
جودي كانت منهارة تماما .. بدت وكأنها لاتشعر أبدا بالنساء المجتمعات حولها .. واللاتي أخذن يحاولن التخفيف عنها دون جدوى .. أحيانا كانت تنشج باكية بصخب .. ثم تركن إلى الصمت مكتفية بذرف الدموع .. كان عثورها على والدها ميتا فوق سريره كثير عليها .. أما أماني فقد كانت أكثر تماسكا .. قامت بدورها كمضيفة على أكمل وجه . بالرغم من أن المقربات من الضيوف بالإضافة إلى الخادمتين اللتين تعملان في المنزل قمن بالمساعدة .. لم تبك .. ولم يظهر وجهها الشاحب والجامد أي شيء من مشاعرها .. تمكنت من تلقي العزاء برزانة والإجابة على استفسارات الضيوف .. حضرت بعض زميلاتها في العمل .. وسمر أيضا كانت هناك برفقة امرأة أكبر سنا لم تتعرف أماني على هويتها
كل شيء كان يسير بهدوء ونظام حتى توقفت أماني عند باب المطبخ وقد سمعت اسمها ضمن حديث جانبي بين سيدتين من الضيوف :- هل رأيت تصرفاتها ؟ لم تذرف دمعة واحدة على وفاة والدها
:- لقد سمعت بأنهما بالكاد كانا يتكلمان معا في السنوات الأخيرة .. وأثناء مرضه لم تكلف نفسها عناء الاطمئنان عليه .. هذا ما سمعت الخادمة تقوله قبل قليل
:- هل تصدقين وجود شخص بمثل تحجر قلبها .. تلك الابنة العاقة .. لا أتمنى لأي أب أن يحظى بإبنة مثلها
:- إنها لا تشبه أختها أبدا .. جودي أشبه بالملاك .. من المؤسف أن يموت والدها قبل أن يحضر زفافها
لم تنتظر أماني لتسمع المزيد .. إذ تحركت مبتعدة فوجدت نفسها أمام ضيفة أخرى قالت لها بحيرة :- لقد وجدت هذه ملقاة جانبا في إحدى الغرف يا أماني .. أين تريدين مني وضعها ؟
شحب وجه أماني لرؤية تلك العصا السوداء الثقيلة ذات الرأس الذهبية .. تراجعت وهي تقول بصوت متقطع :- لا أعرف ..ارمها .. أو احتفظي بها إن شئت
وقبل ان تسمع المزيد أو يعترض طريقها شخص آخر .. تسللت إلى خارج البيت بهدوء شديد دون أن تثير انتباه أحد .. استقلت سيارتها .. وقادتها لفترة طويلة لم تحسبها عبر طرقات المدينة
.. ثم عادت أخيرا لتوقفها في زاوية بعيدة عن المنزل .. ولكنها قريبة بما يكفي كي تعرف بأنه قد خلا من الضيوف .. عندها لم تستطع تمالك نفسها .. وانهمرت دموعها غزيرة .. كتمت نشيجها بيدها وتركت ألمها وحزنها يخرجان أخيرا .. لقد توفي والدها .. الرجل الذي كرهته وأحبته في آن واحد .. لقد مات غاضبا منها دون أن تتحدث إليه لآخر مرة أو تودعه .. وهي الملومة على هذا .. لقد حسرته مقابل ألا تخسر حياتها وكرامتها .. فهل كان الأمر يستحق منها هذه التضحية ؟
مسحت دموعها بعد مرور دقائق طويلة .. واستعادت هدوءها .. ثم قررت العودة إلى المنزل ومتابعة القيام بواجباتها .. وتواجه مستقبلها الذي دفعت ثمنه غاليا جدا ...




سيدة الشتاء Dove le storie prendono vita. Scoprilo ora