الاداب الباطنيه للبسمله

ابدأ من البداية
                                    

  

الحصانة من الذنوب

.٥ إن من بركات البسملة أيضا هي الوقاية من الذنوب، فعندما يسمي الإنسان بالتفات وتوجه، ثم يزاول ما سمى عليه، فإنه لا بد أن يراعي رضا الله تعالى في ذلك العمل، فلا يعصيه في أصله ولا في تفاصيله، إذ كيف يدعي انتساب عمل إلى الله تعالى – كما هو مقتضى التسمية – ويطلب مباركته فيه، ثم يعصيه حين ذلك العمل؟!.

فعندما يذهب إلى العمل مثلا ويفتح باب المتجر، ويقول ] بسم الله الرحمن الرحيم [ بالمعنى الباطني الذي ذكرناه آنفا، فلا بد أن تنتابه حالة الاستحياء من مولاه فيما لو نوى القيام بما يخالف رضاه؛ لأن من لوازم التسمية – مع التفات صاحبه ـ هو استعمال ما سمى عليه في مرضاته، وكذا إذا افتتح سفره بالتسمية عند ركوب الدابة ـ كما جرت العادة بقراءة دعاء السفر مثلا ـ فإنه لا بد أن يستحي أن يجعل سفره هذا في معصية مولاه، طبعا كل ذلك فيما لو كان لافتا إلى ملكوت البسملة.

  

منع الشياطين

.٦ من آثار البسملة هو منع الشياطين من اختراق حدود ما سمي العبد عليه؛ لأن ذكر الله تعالى من موجبات تحصين ما ذكر عليه، وكما هو معلوم فإن الشيطان إذا سمع ذكر الله تعالى خنس وتراجع؛ لخوفه من التسلل إلى مملكة الله تعالى حيث فيها عباده الصالحون، حيث يقول تعالى: ﴿إن عبادي ليس لك عليهم سلطان﴾ ، فالتسمية إذن قبل العمل من موجبات المباركة الإلهية من ناحية، ودفع الشيطان لئلا يفسد ذلك العمل من ناحية أخرى حيث إن ناصيته بيده.. والإمام السجاد (عليه السلام) بدعاء جامع، يبين لنا طرق كيده وما يبطله أيضا، حيث يقول: ] اللهم احلل ما عقد، و افتق ما رتق، و افسخ ما دبر، و ثبطه إذا عزم، و انقض ما أبرم. [

ومن هنا فإن المصلي عندما يسمي قبل سورة الحمد، فإنه يستحضر كل هذه المعاني؛ فيستحضر الاستئذان بالعمل، ويستحضر نية دفع الشياطين، كما يستحضر الرحمة الإلهية التي يتوقعها أثناء دخوله في بحر الصلاة.

  

مشتقات الرحمة

.٧ إن الله تعالى اختار من بين جميع أسمائه الحسنى اسمين بعد لفظ الجلالة في البسملة، وكان بالإمكان أن ينوع فيها فيقول : ] بسم الله المنتقم الرحمن [ ، لتتم الموازنة بين الخوف والرجاء، ولكن الله تعالى عندما اختار اسمين من أسمائه الحسنى، جعلهما من مادة واحدة ـ وهي مادة الرحمة ـ ولهذا حذفت التسمية من سورة البراءة؛ لأنه لا مناسبة بين البراءة وبين الرحمة الإلهية.

وليعلم أن هذه الرحمة لها وجهان: جهة الرحمة العامة الغامرة لجميع الخلق ، وجهة الرحمة الخاصة التي تغمر خواص العباد، ومن تجليات هذه الرحمة الخاصة، هو إن الله تعالى يقبل على العبد عندما يصلي، مصداقا لما ورد عن علي  (عليه السلام) : ] لو يعلم المصلي ما يغشاه من جلال الله، ما سره ان يرفع رأسه من سجوده [ وما روي عن الإمام الصادق :(عليه السلام) ] إذا قام المصلى إلى الصلاة نزلت عليه الرحمة من أعنان السماء إلى أعنان الارض وحفت به الملائكة وناداه ملك: لو يعلم هذا المصلي ما في الصلاة ما انفتل [ ومن أعظم مصاديق هذه الرحمة الخاصة التي تحيط بالمؤمن خارج صلاته أيضا، هي العلاقة المميزة التي تربط العبد بربه والتي أشار إليها الإمام الصادق : (عليه السلام) : ] إن روح المؤمن لأشد اتصالا بروح الله من اتصال شعاع الشمس بها [

  

شبه الوضوء بالتسمية

.٨ إن هنالك شبها بين التسمية وبين الدوام على الطهارة، فمن المعروف أنه عندما ينتقض وضوء من يواظب على الطهور، فإنه يعيش حالة من التكدر الباطني وكأنه محدث بالحدث الأكبر، وكذلك فإن الذي يتعود على التسمية ثم ينساها قبل العمل، فإنه يستشعر حالة من الجفاء مع رب العالمين، ولهذا أمرنا بتدارك الموقف إذا تذكرنا التسمية حين الأكل فنقول : ] بسم الله في أوله وآخره [ ، ولهذا كان الراجح أيضا أن يجهر الإنسان بالتسمية أثناء الطعام، لتذكير غيره بما تذكره هو من ذكر الله تعالى.

  

أثر الالتزام

.٩ إن الملتزم بالبسملة على كل أمر ذي بال وغير ذي بال، يتحول بعد فترة من الالتزام بها إلى ذاكر لله تعالى بشكل تلقائي. فإن الأعمال الحياتية ـ الجزئية منها والكلية ـ متعددة في اليوم الواحد، فلو اقترنت كل واحدة منها بالبسملة ـ بحسب الفرض ـ فكم يكون الذكر الإلهي متغلغلا في نشاطه اليومي ومستوعبا لمجمل حركاته؟!. وهذه من موجبات تحقق الذكر الكثير الذي يصبو إليه كبار الأولياء والصلحاء.

  

أسرار لفظ الجلالة

.١٠ إن لفظ الجلالة حامل لأسرار لا تحيط به عقولنا، فإنها مشيرة إلى الذات المستجمعة لكل جهات الجلال والجمال. وأصل الكلمة إله ، ثم دخلت عليه " ال "، ثم حذفت الهمزة وأدغم اللامان، وقيل في مبدأ الاشتقاق وجهان:

الأول: مأخوذة من أله الرجل أي عبد، فآل معناه إلى معنى المعبود، أي الفاعل هنا بمعنى المفعول، فالله تعالى مألوه بمعنى أنه معبود.

الثاني: مأخوذة من وله الرجل بمعنى التحير، وقد روي عن الباقر (عليه السلام) في هذا المعنى: ] المعبود الذي أله الخلق عن درك ماهيتهوالإحاطة بكيفيته [ ، وقد قيل في خطابه : ] يا من تحير فيه ما سواه [ وقد سئل علي (عليه السلام) عن تفسير قوله : ] الله ؟! فقال: هو الذي يتأله إليه عند الحوائج والشدائد كل مخلوق عند انقطاع الرجاء من جميع من هو دونه ،وتقطع الاسباب من جميع ما سواه [

  

معنى كلمة الرب

.١١ ذكر العالم العارف الملكي التبريزي في كتابه أسرار الصلاة بيانا لطيفا في تفسير كلمة الرب نوردها بعينها لجامعيتها: ] فجميع العوالم مع أجزائها وجهاتها قائمة بتربيته وربوبيته، فمن أمعن نظره في العالم، رأى العوالم كلها قائمة بالرب تعالى، ورأى أن ربوبيته تعالى وتربيته ليس كتربية الملاك للأملاك، ولا كتربية الآباء للأولاد، ولا كتربية النفس للأعضاء، ولا كتربية النفس للقوى .. ولكن تربية النفس للقوى أشبه بتربيته تعالى من غيرها، من حيث إنها محصلة للقوى، ومقومة لها، وحافظة ومبلغة لها إلى كمالاتها الأولية والثانوية [

أسرار الصلاة حيث تعيش القصص. اكتشف الآن