الاسرار الباطنيه للأستعاذه

96 2 0
                                    

بركات الاستعاذة

.١ إن من المستحبات التي يغفل عنها كثير من المصلين هي الاستعاذة، فيستحب للمصلي أن يستعيذ بالله تعالى قبل أن يشرع في القراءة، بتلك الاستعاذة التي تحصنه من همزات الشياطين.

والسر في ذلك أن الشيطان له رغبة في أن يدنس بوسوسته كل طاعة من الطاعات، فيفسدها بظاهرها وباطنها، فإذا عجز عما يوجب الإجزاء من جهة الظاهر سعى فيما يوجب عدم القبول من جهة الباطن كل ذلك باعتبار حسده القديم لبني آدم، فيحاول جاهدا أن يصرف العبد ويشغله بما يصده عن الإتيان بالعبادة كما يريدها المولى.

وليعلم أن الله تعالى يأمر بالاستعاذة عند قراءة القرآن قائلا: ﴿فإذا قرأت القرآن فاستعذ بالله من الشيطان الرجيم﴾؛ لأن قراءة كتابه الكريم من موجبات نزول الرحمة الإلهية، فكيف عند موجب أقوى كالصلاة التي هي معراج للمؤمن؟!.

ولا يخفى أن الصلاة فيها القرب القرآني وزيادة، ومن هنا أمرنا بالاستعاذة قبل التلاوة في الصلاة، كقدر متيقن من هجوم الشياطين على قلب المصلي؛ لأنه يعد قارئا للقرآن حين الصلاة أيضا.

  

الخلط بين اللفظ والمعنى

.٢ إن بعض الحركات القلبية في الصلاة وغيرها حبست في عالم الألفاظ خطا، كالاستعاذة والاستغفار؛ فالاستعاذة والاستغفار حركتان أبديتا من خلال جارحة اللسان، فعندما يستغفر الإنسان بلسانه فإنه ينيب أولا بقلبه وهي العمدة، وعندما يستعيذ فإنه يلتجئ بقلبه أيضا وهو الأساس، وذلك إن هذه الألفاظ جعلت في الأساس للدلالة على المعاني القلبية.

وحينئذ نقول: إذا كان القلب خاليا من هذه المعاني، فإن ذلك يعني أن هذه الحركات اللسانية لا رصيد لها في الباطن، فلا يعدو كونها أمواجا في الفضاء، لا تؤثر أثرها الباطني المرجو من خلال التلفظ بها.

والشهيد الثاني (قدس سره) يبين حقيقة الاستعاذة بقوله :

] فاعلم أنه عدوك، ومترصد لصرف قلبك عن الله عز وجل، حسدا لك على مناجاتك مع الله عز وجل وسجودك له، مع أنه لعن بسبب سجدة واحدة تركها، وأن استعاذتك بالله سبحانه منه بترك ما يحبه، وتبديله بما يحب الله عز وجل لا بمجرد قولك، فإن من قصده سبع أو عدو ليفترسه أو ليقتله فقال: أعوذ منك بهذا الحصن الحصين وهو ثابت على مكانه، فإن ذلك لا ينفعه، بل لا يفيده إلا بتبديل المكان، فكذلك من يتبع الشهوات التي هي محل الشيطان، ومكاره الرحمن، فلا يغنيه مجرد القول [

  

لزوم الاستعاذة المستمرة

.٣ إن المصلي عندما يستعيذ بالله من الشيطان، عليه أن يعلم أن هذه الاستعاذة الأولية لا تغنيه عن الاستعاذة المستمرة، فالأمر فيها كالنية التي ينبغي أن تكون حركة مستمرة في الصلاة إلى آخرها، فالنية ـ كما يقول الفقهاء ـ لا بد أن تكون متحققة: حدوثا وبقاء واستدامة، وكذلك الأمر في الاستعاذة؛ إذ لعل الشيطان يكون له بالمرصاد في الحركات الصلاتية اللاحقة من الركوع والسجود، ولهذا قد نرى بأن المصلي قد يبدأ صلاته مقبلا فيها، إلا أنه يدبر في وسطها أو ختامها.

  

الهواجس المقلقة

.٤ إن الشيطان يستغل ما في جوف الإنسان من هواجس مقلقة ـ سواء في جانب الرضا أو الغضب ـ ليشغله بها حين صلاته، فلا بد من إبطال كيده وذلك من خلال السيطرة على خواطره، فلا تغلب عليه بل هو يغالبها، والتوصية الجامعة في هذا المجال هي أن الخواطر على قسمين: فمنها ما تهجم على المصلي من غير اختيار فيتأذى منها، فهذه الخواطر لا تضر بالمصلي؛ لأنها قهرية يعذر فيها، والله تعالى أجل من أن يحاسب العبد على ما لم يكن باختياره.

ولكن المشكلة في القسم الثاني وهي المتابعة الاختيارية، بمعنى أن الخاطرة تأتيه كرأس خيط، فإن أمسك بها سحبه الشيطان إلى حيث يريد، فالمؤاخذة على متابعة الفكرة، لا على أصل هجومها عليه. و لا بد أن نشير هنا أنه لو كبر المصلي وبقي إلى التسليم وهو في حال منازعة مع الشيطان كرا وفرا، فإنه محمود على صلاته هذه، ولعل هذا المصلي يثاب أكثر من الذي يخشع في صلاته، والطرق مفتوحة أمامه بلا مجاهدة.

  

هجوم الخواطر

.٥ إن مما يلفت النظر حقا، أن المصلي يرى في باطنه هجوما غريبا للخواطر والأفكار أثناء صلاته، فقد يكون قبل الصلاة في حالة من التركيز مقبولة، بل قد يكون في حالة جيدة من التفاعل الشعوري، كأن يكون بجوار مشهد من المشاهد المباركة كمقام الحسين (عليه السلام) ، ولكن عندما يبدأ بتكبيرة الإحرام فإنه يحس بسيل من الهواجس والخواطر والوساوس، وكأن هناك يدا تدفعه و تصرفه عما هو فيه من القيام بين يدي ربه، ومما يؤيد ذلك ما روي عن النبي (صلى الله عليه وآله) : إن أحدكم إذا قام يصلي جاء الشيطان، فلبس عليه حتى لا يدري كم صلى .

ولا يخفى إن ضبط الخواطر أثناء الصلاة ـ بل خارجها ـ من أشق الأمور على نفوس غير الخاشعين، وذلك لأن انصراف الذهن إلى شيء هو فرع موقع ذلك الشيء في قلب صاحبه، فالذي لا يرى وزنا لمقام ربه في قلبه، فمن الطبيعي أن يحرم مثل هذه الحالة من التركيز

  

عدم موافقة القلب

.٦ إن الاكتفاء بالأذكار اللفظية وغيرها من دون موافقة القلب لها قد يلحق باللغو، وذلك لعدم وجود معنى يعتد به في الموردين، بل قد يقال: إن الأمر قد يضر صاحبه أكثر مما ينفعه ـ ولو في بعض الموارد ـ وذلك لاحتمال تكالب الشياطين عليه من دون أن يدخل حصنا حصينا؛ إذ إنه حاول أن يتشبه بالمتمردين عليه والذاكرين لله تعالى، فيضاعف كيده من أجل صرفه عن السبيل بعد أن أثار بذكره الشيطان. وعليه فإن المستعيذ الواقعي، هو الذي يستعيذ بحصن الله تعالى واقعا، وهو حصن التوحيد، مصداقا لما ورد من ] لا إله إلا الله حصني [ ، وبحصن الولاية، مصداقا لما ورد أيضا من أن ] ولاية علي حصني [

أسرار الصلاة حيث تعيش القصص. اكتشف الآن