الاداب الباطنيه للأذان والاقامه

141 2 0
                                    

الغائب عن الحواس

.١ إن العلم اليوم اكتشف كثيرا من الأمور الغائبة عن الحس، بشكل لا يدع مجالا للشك في وجودها وفي تأثيراتها المذهلة، كجاذبية الأرض والإشعاعات النووية وغيرها.

وبعدما ذكرنا من هذه الأمثلة على المحسوس الذي لا يرى إلا من خلال آثارها، يمكنك تصور ما روي عن الإمام الصادق (عليه السلام) : ] من صلى بأذان وإقامة؛ صلى خلفه صفان من الملائكة.. ومن صلى بإقامة من غير أذان؛ صلى خلفه صف واحد.. قيل له: وكم مقدار الصف؟.. فقال عليه السلام: أقله ما بين المشرق والمغرب، وأكثره ما بين السماء إلى الأرض [ ، فكما أن هناك أمورا عجيبة في عالم المادة، فهناك أمور أعجب في عالم المعنى والتي لا يمكن معرفتها إلا من خلال من هو متصل بعالم الغيب.

واللافت هنا أن الإمام (عليه السلام) لم يقيد هذه المزية بكون تلك الصلاة جماعة أو في مسجد مثلا، بل إنها مزية لكل من أذن وأقام ولو كان لوحده، فيا له من منظر جميل وهو: أن يصلي الإنسان في بيته فرادى، وخلفه صفان من الملائكة!.

  

جهة التوقير

.٢ من الممكن أن يقال: إن اصطفاف الملائكة خلف بني آدم، فيه جهتان للتوقير:

توقير لجنس بني آدم، الذين هم من نسل ذلك النبي الذي سجدت له الملائكة: ﴿ولقد كرمنا بن آدم﴾ . توقير للمصلي الذي قام للصلاة بين يدي ربه رغم الشواغل الحياتية، واكتناف باطنه بقوتي الشهوة والغضب، والحال أن قوت الملائكة هو التسبيح والتهليل، فلا تعيش مجاهدة في البين كما روي عن النبي (صلى الله عليه وآله) : ] ما شيء أكرم على الله من ابن آدم، قيل: يا رسول الله ولا الملائكة؟!.. قال: الملائكة مجبورون بمنزلة الشمس والقمر [

  

تشابه الأذان والإقامة

.٣ إن هناك تشابها كبيرا في فقرات الأذان والإقامة؛ فأو لهما التكبير وآخرهما التهليل، وفيهما أيضا ذكر للنبي (صلى الله عليه وآله) وبذلك يصدح المؤذن والمصلي في كل الفروض بحقيقتي التوحيد والنبوة، وهذان الأمران – أي الالتفات إلى مقام الربوبية وذكر رسالة نبيه وعبوديته له ـ عناصر متكررة في مجمل الصلاة وذلك في كل من : الأذان والإقامة والركوع والسجود والتشهد والتسليم.

  

أقسام التوحيد

.٤ إن التهليل شعار ثابت في الأذان والإقامة؛ لعظيم موقعه في ربط الإنسان بربه، ومن هذا المنطلق أيضا فإن غير المسلم يتحول إلى الإسلام بجملتين مختصرتين، حيث التوحيد هو أساس كل علاقة للعبد مع ربه، بل يقال ـ بوجه من الوجوه ـ : إن النبوة والمعاد من آثاره ولوازمه. فمن المناسب في هذا المقام أن نتعرف على أقسام التوحيد، فمنها: التوحيد الذاتي، والتوحيد الصفاتي، والتوحيد الأفعالي، والتوحيد في العبادة، واليك توضيحا لذلك:

التوحيد الذاتي: أي أن يعتقد الإنسان بأن الله تعالى واحد لا كفؤ له ولا نظير، كما قال علي (عليه السلام): ] هو واحد ليس له في الأشياء شبه [ وقد تكون هذه الآية ﴿ولم يكن له كفواً أحد﴾ إشارة إلى ذلك، وإنه ذات بسيطة لا كثرة فيها، كما قال علي (عليه السلام) : ] إنه عز وجل أحدي المعنى يعني به أنه لا ينقسم فيوجود ولا عقل ولا وهم   [ ، وقد يكون قوله تعالى: ﴿قل هو الله أحد﴾ إشارة إلى ذلك.

وبالمناسبة فإن سورة التوحيد متناولة لأهم بحث عقائدي، فناسب أن يكون في حكم ثلث القرآن الكريم، المتضمن للعقائد والتشريع والأخلاق.

التوحيد الصفاتي: أي أن يعتقد الإنسان بأن الله تعالى متصف بكل صفات الجمال والكمال كالقدرة والعلم وغيرها، إلا أنها ـ مع تفاوتها مفهوما ـ فهي متحدة ذاتا، وإلا استلزم تعدد الصفة والموصوف، وبالتالي التركب في الذات، وهو مستحيل عليه وهو ما عبر عنه علي (عليه السلام) : ] و كمال الاخلاص له نفي الصفات عنه ، لشهادة كل صفة انها غير الموصوف و شهادة كل موصوف انه غير الصفة [ التوحيد الأفعالي: أي أن كل شيء في هذا الوجود يعود إلى الله تعالى خيرا كان أو شرا؛ إذ كل من عند الله تعالى، فهو الذي أقدر كل مريد على ما يريده، وعليه فإن الإرادة من العبد و لكن تمشية إرادته في عالم التحقق والخارج إنما هي بتمكين من الله تعالى له، وهذا هو معنى التهليل وملخصه: أنه لا مؤثر في الوجود إلا هو، ولا حكم ولا أثر ولا فعل له إلا هو .

التوحيد في العبادة: معنى ذلك أن هذا الإله الذي هو واحد في ذاته، وواحد في صفاته، وموحد في أفعاله، هو الذي يستحق أن يعبد.. وليعلم أنه يتفرع من التوحيد في العبادة، أنواع من التوحيد:

أ) التوحيد في الخالقية: قال تعالى في كتابه الكريم: ﴿قل الله خالق كل شيء﴾ وما يصدر من الكرامة أو الإعجاز من الأنبياء والأوصياء ـ حتى إحياء الموتى كما كان لعيسى (عليه السلام) أو خلق الطير كما كان لإبراهيم (عليه السلام) ـ إنما هو بتمكين من الخالق المتعال، وهو ما نفهمه بوضوح من كلمة ﴿بإذني﴾ .

ب) التوحيد في الربوبية: فلا رب يدان له سواه ﴿أغير الله أبغي ربا وهو رب كل شيء﴾ ، فكلمة الرب فيها إشارة ـ ولو التزاما – إلى أن بيده ملكوت كل شيء، ومنها ما يتعلق بتكامل الإنسان، فالذي له هاجس التكامل والترقي، عليه أن يعلم أن ذلك كله بيد من هو آخذ بناصية كل شيء، وهو معنى الربوبية المقوم للعبودية.

ت) التوحيد في الحاكمية؛ لقوله تعالى: ﴿ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون﴾ فمن لا يحكم بحكم الله تعالى، يجعله القرآن في زمرة الكافرين.

ث) التوحيد في المالكية؛ لقوله تعالى: ﴿ولله ملك السماوات والأرض﴾

ج) التوحيد في السلطان؛ لقوله تعالى: ﴿إن الحكم إلا لله﴾

د) التوحيد في الطاعة؛ لقوله تعالى: ﴿وأطيعوا الله ورسوله وأولي الأمر منكم﴾

وأخيرا نقول: إنه لابد لكل مؤمن أن تكون له دورة في الفقه ولو على مستوى الرسالة المختصرة، ودورة في العقائد ودورة في التفسير وإطلالة على روايات النبي وآله (صلوات الله عليهم) ليتعرف على المزيد من درجات التوحيد والمقامات الإلهية، وهذه المعرفة بدورها معينة على السير التكاملي نحوه تعالى.

أسرار الصلاة حيث تعيش القصص. اكتشف الآن