[الفصل الثاني]

1.7K 201 134
                                    

لم أدركْ إلي أين توقفَت قدَماي إلا عندما سمعتُ بوقِ السيارةِ مِن خَلفي، إبتعدتُ عن طَريقها وإنحنيتُ لصاحِبها كإعتذارٍ، كنتُ تائِهاً وسط أفكاري.

"مَقهي الليالِ الباردة." تَدحرجَ نظري بين كلمات اسم المَقهي البسيط المُضيئة علي اللوحةِ الخشبيةِ، ولأنني أشعرُ بالتعبِ ولا أريد العودةَ للمنزلِ أو أي مكانٍ مُحدد أخذتُ نفساً عميقاً لأدفع رغبتي بالبكاءِ بعيداً ودلفتُ للداخلِ ليتزامن مع دخُولي ضربُ وجهي الباردِ بلفحاتِ الهواءِ الدافئ بلطفٍ، وتسللت إلي أنفي رائحة المَخبوزات اللذيذة ، أعجبني تصميمُ المكانِ الفريد.

ذهبتُ تجاه النادلِ لأنطق مُحاولاً الحفاظ علي ثباتِ صوتي بعدما تنحنحت: "مِن فضلك أُريدُ واحدة قهوة إسبريسو متوسطة." أشعرُ بصداعٍ شديدٍ ولا يُمكنني الجلوسَ دون شُربِها ، كَما أن قَهوتي هي صَديقتي التي أشتاقُ إليها كُل ثانيةٍ.
إنتهي طَلبي وذهبتُ به لأجلسَ علي الطاولة الفارِغة الوحيدة التي تقبعُ بالمُنتصفِ تقريباً ، بدأتُ بالشربِ ثم فتحتُ هاتفي وبدأتُ أتنقلُ بين التطبيقات بتمللٍ ، ولكن لفتَ نظري مَنشورٌ مِن حسابِ هيونكي بالتحديثاتِ ، عُدتُ للمنشورِ لأجده قامَ بتحديث صورة لهُ مع ذلك الشخص قائلاً بأنه كانَ يومٌ رائعاً وأنه سعيدٌ بالتعرفِ علي شخصٍ مثله.. حقاً!!

زفرتُ الهواءَ ثُم أقفلتُ هاتفي وأكملت ُشُربي لقهوتي بهدوءٍ وإستمتاع بينما أشاهدُ ما يحدثُ حولي في الطاولات المجاورة ، إتتهيتُ ونهضتُ لأدفعَ الحسابَ للعاملِ وأثناء ذلك خطر ببالي فكرة فسألته قائلاً: "هل يُمكنني الجلوس قليلاً؟" لا أشعرُ أنني بخير أو لديّ القُدرة علي الذهاب للمنزلِ ومُحاكاة الناس.
"بالطبع، يُمكنكَ الجلوس كما تشاء." ردّ باسماً.
"شكراً لك." قُلت بإبتسامة صغيرة ثم إنحنيت له.

عُدتُ مُجدداً لطاولتي ثم وضعتُ سماعاتي وقمتُ بتشغيلِ مقطع يوتيوب به أصوات أمواج وأغمضتُ عيناي لأسترخي قليلاً مُريحاً رأسي علي الطاولة ، بينما نغمات الأمواج المُفضلة تتسلل إلي أُذناي تنقلني لعالمٍ آخر.

بعدَ فترة مِن الشعورًِ بالاسترخاءِ شعرتُ بنقرٍ علي كتفي، فتحتُ عيناي ورفعت رأسي وأخرجت السماعات مِن أُذناي لأوجه نظري لمَن يفعل هذا.

كانت فتاة بشعرٍ أسودٍ طويلٍ، ترتدي مَلابساً كلاسيكية يومية، ومَلامحها هادئة، كانت نتظُر لي باسمَة الثغرِ.

"هل يُمكنني الجلوسُ معكَ علي الطاولة؟ لأن جميع الطاولات مُمتلئة وليس لي مَكان." قالت بلطفٍ مصحوباً بالقليلِ مِن الخجلِ بينما تشيرُ إلي الطاولاتِ حولها، ألقيتُ نظرةً سريعةً حولي لأجد أنها محقة، اومأت لها مُبتسماً مشيرًا لها علي الكرسيّ المُقابل لي.
"شُكرًا لك." ردّت مُبتهجة لتضُم حقيبة يدها إليها وتسحب الكرسيّ لتجلس عليه.
"هذا المَقهي حقاً رائع، كُلما شعرتُ بالمللِ أو بالبردِ عندما أكونُ بالخارجِ آتي لهنا دائماً ،حتي أنني كوّنت صداقات مع العاملين هُنا." سردَت لي تلك القصة القصيرة لأومئ لها مُبتسماً بتكلف مُتمتِماً "نعم ، يبدو جيداً." هذه ليست طريقتي بالتحدثِ وإنما أنا حالياً ليست لي قدرة علي الكلام مُطلقاً بسبب التعب.

°نصيحة ديسمبر°Where stories live. Discover now