الآداب الباطنية في التهيؤ النفسي

Start from the beginning
                                    

  

استذواق الطريق

.٣٧ إن بعضنا يستذوق الطريق إلى الله تعالى استذواقا، فلا جدية له في سيره، فهو يريد أن يتشبه بالطائعين؛ فيصلي صلاة الليل فترة ثم يتركها، ويقرأ القرآن فترة ثم يتركه، فهو بذلك لا يصل إلى منطقة آمنة أبدا، بل يتراجع ويقول بلسان حاله: نحن لم نلتذ بلذائذ أهل الدنيا حتى المحللة منها، بعد أن استذوقنا شيئا من لذائذ عالم الآخرة، والتي تذهلنا عن غيرها من اللذائذ، ومن ناحية أخرى لم نصل إلى شيء يعتد به من لذائذ عالم المعنى، فالنتيجة هي: إنه لا إلى هؤلاء ولا إلى هؤلاء!. وليعلم أن هذه مرحلة خطيرة جدا؛ إذ إن أصحابها يبتلون بالإحباط والانتكاسة، أضف إلى أن الذي يتراجع عن هذا الطريق، تكون الشياطين له بالمرصاد حيث تنتقم منه شر انتقام!.

ومن هنا يمكن جعل الصلاة نقطة إرتكاز لتأسيس مركز لذلك النور الإلهي أولا، ثم توسيعها تدريجيا لتشمل منطقة بين الصلاتين ثانيا، وهذا الأمر لا يتم إلا إذا كانت للصلاة قوة دافعة، تفجر ذلك النور الذي سيستوعب كل محطات الحياة، وهو لا يتم إلا بالصلاة الخاشعة والتي عبر عنها بأنها نور المؤمن

  

نزع بؤر التوتر

.٣٨ إن الإنسان الذي له مشكلة مع من حوله زوجة أو شريكا أو جارا أو غيره، فإنه سوف لن يخشع في صلاته إلا بمجاهدة شاقة، وقد يفلح مع هذه المجاهدة وقد يفشل، وحينئذ نقول: لماذا نجعل في حياتنا اليومية بؤرة من بؤر التوتر، حتى يدخل الشيطان من خلال تلك البؤرة؟!.

ومن هنا أوصتنا الروايات بهذه الوصية: ] صل من قطعك، وأعط من حرمك، واعف عمن ظلمك [ فلماذا ينتظر العاقل أن يأتي إليه من ظلمه معتذرا، فيشغل باله به؟!.. بل ليبادر طالب الإقبال على مولاه ـ خصوصا قبل الصلاة إلى سد كل ما يوجب له مثل هذا التشويش الباطني وذلك حبا لنفسه؛ لأنه يحتاج إلى ذهن خال من الشواغل؛ إذ مع وجود هذه البؤر من التوتر، لا يمكنه أن يستقر في يقظة ولا نوم.

  

التطوير نحو الأكمل

.٣٩ إن الصلاة بين يدي الله تعالى هي أكبر وأهم مشروع في الحياة لأنها حلقة الوصل الخالدة بين العبد وربه ومما تعلق عليه قبول باقي الأعمال، لذا يجب على كل إنسان أن يسعى لتطوير صلاته نحو الأكمل وإن كان يعتقد أنها متقنة، حيث إن هنالك مرحلة أرقى مما هو فيه!.

وهناك في عالم الطبيعة قاعدة تقول: إن الجسم البشري إذا تحمل مقدارا من الأحمال، ثم أعجزه ضعف أو مرض، فإنه سيحصل على قناعة بأن له القابلية على حملها مرة أخرى لو استعاد عافيته. ومن هنا نقول: إن من أتقن صلاته يوما ما في المشاهد المقدسة والأزمنة المباركة مثلا، فإن هذا الإتقان كاشف عن أصل القابلية في وجوده، فلا يسترسل في إدباره، لعلمه أن من يقبل في مورد، صار بإمكانه أن يقبل في الموارد الأخرى فيما لو أزاح الموانع، وأوجد المقتضيات.

  

القرب الخاص

.٤٠ إن من الأغراض المرادة في المستحبات الواردة في الصلاة وغيرها، هو ربط الإنسان بما يوجب له التقرب الخاص من رب العزة والجلال، إضافة إلى ما يوجب القرب العام المتحقق بأصل الفريضة.

وعليه فإن الملتزم بالمستحبات الصلاتية ـ وهي مكتنفة لمعظم أجزاء الصلاة ـ يجعل صلاته في دائرة القبول الخاص، فكأن الله تعالى جعل لخاصة أوليائه طريقا إضافيا للتودد إليه، وبذلك يكون إتيانهم بالمستحب مقترنا بالرغبة والشوق تحصيلا للقرب الخاص من المولى، لا إسقاطا للتكليف أو طلبا لبعض المزايا المحسوسة.

ومن غرر الروايات في هذا المجال، ما تسمى برواية قرب النوافل التي رواها الفريقان، والدالة على أن العبد لا يصل إلى الدرجات العليا إلا من خلال النوافل، فقد روي عن أبي جعفر (عليه السلام) كما روي عنه: ] قال الله عز وجل: ما تقرب إلي عبد بشئ أحب إلي مما افترضت عليه، وإنه ليتقرب إلي بالنافلة حتى أحبه، فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به، وبصره الذي يبصر به، ولسانه الذي ينطق به، ويده التي يبطش بها، إن دعاني أجبته، وإن سألني أعطيته [

أسرار الصلاة Where stories live. Discover now