الآداب الباطنية في التهيؤ النفسي

Start from the beginning
                                    

وفي المقابل فإن من رأى انفتاح شهيته على مائدة السلطان، فليعلم أن هناك أيضا ضريبة لهذه المزية، فإنه قد يسلب منه ذلك التوفيق إذا بدر منه ما يتحقق معه سوء أدب بين يدي مليكه، أضف إلى أن العبد الملتفت يطرد العجب عن نفسه عندما يعلم أنه دخل الضيافة بدعوة وتفضل، لا باستحقاق ومنه له على مولاه.

والتأمل في حديث على (عليه السلام) كاف لمعرفة ما على مائدة الضيافة الإلهية من بركات، حيث يقول] اللهم إنك آنس الآنسين لأوليائك. وأحضرهم بالكفاية للمتوكلين عليك. تشاهدهم في سرائرهم، وتطلع عليهم في ضمائرهم وتعلم مبلغ بصائرهم. فأسرارهم لك مكشوفة، وقلوبهم إليك ملهوفة. إن أوحشتهم الغربة آنسهم ذكرك، وإن صبت عليهم المصائب لجأوا إلى الاستجارة بك، علما بأن أزمة الأمور بيدك، ومصادرها عن قضائك [

  

أكبر المشاريع

.٣٥ إن الصلاة الخاشعة مشروع من أكبر المشاريع في عالم الوجود، فهو بناء وفوق كل بناء، بل بمثابة بناء برج من أغلى وأعلى الأبراج على وجه الأرض، وليعلم أن هذه الركعات المتعددة تحتاج إلى برنامج و مخطط، كما هو الحال في أبراج الدنيا الفانية.

ومن المعلوم أن الذي ينجح في بناء طابق واحد، صار بإمكانه أن يبني الطوابق المشابهة، أي من أتقن ركعة واحدة، صار بإمكانه أن يتقن جميع صلواته بركعاتها الكاملة بتوفيق من الله عز وجل، وذلك طبعا بعد المجاهدة والمثابرة.

المنهج الثابت

.٣٦ إن الإنسان المؤمن لابد أن يكون له منهج في حياته، فبعضهم مع الأسف يعيش حالة تذبذبية، فيقبل تارة ويدبر أخرى، ومن أسوأ أنواع النفاق هو تغير الحال في الخلوات والجلوات؛ إذ هو في الخلوات على هيئة، وفي الجلوات على هيئة أخرى.

وعليه فإن الذي لا يعيش هذه المراقبة الإلهية المتصلة، ويرى بأن هذا الجدار حائل بينه وبين الناس، فإنه متورط بدرجة من درجات النفاق، فالله تعالى يعلق اتباع الذكر على الخشية منه، وذلك في قوله تعالى: ﴿إنما تنذر من اتبع الذكر وخشي الرحمن بالغيب﴾ ، فالذي لا يخشى الله تعالى في الغيب، فإنه لا تؤثر فيه مواعظ الأنبياء.

فالحل الجامع إذن هو أن يرى الإنسان تلك العين الإلهية التي تنظر إليه في كل حركاته وسكناته، وعندئذ تنتفي عنده تلك الحالات التذبذبية، فيصبح مثله كمثل الطائرة التي تهتز في أو ل صعودها، ثم تحلق في مدار ثابت.

ومن المعلوم أن المشكلة في حركة السالكين إلى الله تعالى، هي هذه الحالة من التراجع والتقدم، وقد جاء تشريع الصلاة ليعيد الإنسان إلى نصابه كلما تنزل في طيرانه، وعاد إلى الأرض المليئة بأشواك التعلقات الفإنية، فهي من ناحية: إرجاع لما فقده قبل الصلاة، وإعادة شحن للتحليق حين الصلاة، وتحصين له عن الفحشاء بعد الصلاة.

أسرار الصلاة Where stories live. Discover now