الفصل 32

5.3K 182 11
                                    



32

إيريك و رومينا

بينما كانا يرقصان بكل خفة قام إيريك بالخروج من القاعة وهو يمسك يدها ويسحبها ورائه ، حاولت فك يدها دون جدوى .
وصل لغرفتهما .. حينها حررها ووقف أمامها يتأملها بنظراته القوية وقد إشتد ظلام عينيه .
نظرت له وهي تشعر بقلبها الخائن ينبض لأجله توقعت منه إجبارها على التقرب منه ، إلا أنه جلس على إحدى الأرائك دون كلمة يراقبها فقط لكن عيناه ترويان الكثير .....
بلعت ريقها وقالت : الحمد لله على رجوعك سالما ومنتصرا .
ابتسم قليلا وهو يرى إرتباكها وقال : أخيرا تركت لامبالاتك و قمت بواجبك في تهنئة زوجك يا .... زوجتي .
إرتعشت لنبرته الحميمة التي دغدغدت قلبها ، بينما لم يفته بريق الحب في عينيها إلا أنها تقاوم مشاعرها ... تنهد ببطء فهو يتحمل مسؤولية وضعهما مع بعض فلا لوم عليها .
إتجه لحقيبة سفره وأخرج علبة ملفوفة بورق جميل .
إيريك : تفضلي حبيبتي هذه من أجلك .
رومي : دهشت وهي تتناول العلبة فتحتها لتشهق غير مصدقة فأمامها هناك أدوات فاخرة من أجل الخياطة والتفصيل ، تلمستهم وقد فتنتها هديته وفي أسفل الصندوق كان هناك عدة أقمشة حريرية لم ترى بجمال ألوانها ودقة تطريزاتها من قبل .
لا شعوريا هتفت : شكرا ... شكرا لك حبيبي إنها أجمل هدية تقدم إلي إنها رائعة .
ابتسم بخفة حين إحمرت وجنتيها وقد انتبهت للفظ التحبب الذي تفوهت به .
تحركت بإرتباك تسأله : ولكن كيف وأنت رفضت أن أقوم بالتصميم ، ألا تعلم بأنني أحبه وأتمتع بممارسته .
ابتسم برقة وهو يقترب منها : كلا لم أمنعك صغيرتي ، رفضت بأن تعملي أمام الغرباء وتخدميهم ، أما قيامك بالتصميم وإشرافك على العمل لا أمانع به .
ورددت : أريد إخبارك ...
قاطعها : بإفتتاح ورشتك للخياطة والتصميم أليس كذلك ؟
شهقت بإستغراب بينما ابتسم بخبث : هل تظنيني لم أعلم ، أنسيتي من أنا زوجتي الصغيرة كل ما يجري في هذه المملكة يأتيني بسرعة ، وخصوصا أخبار زوجتي العزيزة .
إقترب يقبلها بشوق إلا أنها فجأة إنتفضت وهي تصرخ بهستيرية وقد عاودتها ذكرى ما حدث لها : كلا لا أريد .. ابتعد لا أريدك ابتعد عني .
كان إيريك يحاول السيطرة على حركاتها وضرباتها وهي تقاوم إحتضانه لها حتى خارت بين يديه فاقدة وعيها .
مددها على السرير وسارع بإستدعاء طبيبها الخاص والذي فحصها بدقة ثم أعطاها إبرة مهدئة .
في الخارج أخبره إيريك بما حدث وبعودة ذكرياتها ...
الطبيب : إسمع سيدي هي بخير ، الآن تحتاج فقط للراحة والهدوء ... ويجب إبعادها عن التوتر هي بحالة تشوش الآن كرد فعل لإستعادة ذكرياتها ، ليس عليك سوى الصبر ولو تشغل وقتها بعمل تحبه ستتحسن وتسترجع هدوء وراحة بالها ....
إيريك : كيف أصبر رغم كل شيء كنا سعيدان وتشاركنا لحظات جميلة قبل ان تعود ذاكرتها ....
الطبيب : لا تقلق بني فقط أعطها بعض الوقت وستتحسن وحاول ان تتقرب منها هي بالنهاية أنثى ... والإناث مشاعرهن حساسة ويتأثرون بالتصرفات
اللطيفة والمراعية .
بقي إيريك يفكر بنصيحة الطبيب إقترب وغير لها ملابسها ، ثم إستلقى إلى جانبها وضمها إليه يتأملها بحب ، فهو لم يحظ بحنان إمرأة قط فوالدته توفيت
في صغره عانى من قسوة والده وشدته في تربيته ، ولم يسبق أن أعجب بأي فتاة من قبل رغم أن هناك الكثيرات ممن يتمنين نظرة منه .
حتى رآها لم ينتبه لها في أول مرة رآها ، فهي كانت تخفي جمالها حتى ليلة جهزوها من أجله وأتت إليه ، أغمض عينيه يتذكر طلتها التي أشعلت فؤاده ، انتفاضتها كفرس برية ، تهديدها له ، شجاعتها حين انتزعت منه وعدا رغما عنه ومنعته من لمسها .
ظل يفكر ويفكر كيف يجب ان يتعامل معها ، لم يلبث أن غرق في النوم بعد أن تملك منه التعب والإرهاق لتلاحقه حتى في أحلامه .
تملمت رومي وهي تستيقظ شاعرة بثقل على خصرها أدارت وجهها لتراه نائما بسلام تعلقت عيناها به تتأمله وتتذكر إنهيارها البارحة .
رفعت أناملها تتلمس تقاسيم وجهه وكأنها ترسمه وهي تغرق بتناقض مشاعرها تريده بقربها حين يبتعد ولكن حين يقترب منها تشعر برفض يؤلمها قبل أن يؤلمه ..
فتح عينيه ببطء فأبعدت أصابعها عن وجنته وتبادلا النظرات ، تبادلا فيهما الكلام الذي عجزا عن البوح به .
تنهد يضمها بخفة ويربت على شعرها بينما استكانت بين يديه وهي تحاول جمع شتات نفسها وقلبها ينتفض بقوة غلبت عقلها .
قبلها ببطء وهو يهمس : صباح الخير حبيبتي .... هل انتي بخير ؟
هزت رأسها ... قبل جبينها ثم ابتعد عنها ثم نهض ليستحم ويبدل ملابسه كما فعلت هي ....
إيريك هيا تعالي معي .. أمسك يديها يسحبها وراءه دون أن تستطيع الكلام أو الإعتراض .
وصلا للإسطبل حيث جهز حصانه حسب أوامره حملها ووضعها على ظهره قبل أن يمتطيه برشاقة وينطلق به وهو يجلس خلفها يمسكها بإحكام .
تقافزت نبضات قلبها لقربه منها إلا أنها ما لبثت أن إسترخت تستند إليه و تستمتع بتلك المناظر الجميلة بعد فترة من الزمن عبرا فيها أراض ذي مناظر خلابة أمتعتها ، وصلا إلى قصر جميل جدا ....
حين دخلا كان الخدم مصطفون على جانبي المدخل ،انحنوا لهم بإحترام ..
قال إيريك : أعرفكم على زوجتي الأميرة رومينا هي سيدتكم والكل هنا لخدمتها والآن كل لعمله .
صرفهم إيريك بعد أن حيوها بإحترام وعرفها على مديرة القصر ثم تناولا الفطور المعد مسبقا ، أما رومينا فكانت مندهشة فهي كانت تظن أن المزرعة هي منزله لتفاجئ بهذا القصر الفخم .
إيريك : هذا قصر عائلتي وأجدادي هنا نشأت وكبرت ولكني أحب مزرعتي ، أحب حميميتها وبساطتها وأسكن فيها أكثر من سكني هنا ..... وهي أقرب إلى القلعة أيضا .
ابتسمت رومينا : نعم فعلا كما تقول وأنا أحببت المزرعة أيضا .
أمسك يدها : تعالي حبيبتي سأخذك في جولة أعرفك على القصر ، أخذها لغرفة المكتب ثم لغرفة الجلوس وقف أمام إحدى اللوحات .
إيريك : انظري حبيبتي هذه صورة والدي وجدي ..
كان رجلا مهيبا يرتدي الثياب العسكرية المليئة بالأوسمة وتبدو عليه الصرامة
قسوة عينيه أصابتها بالخوف ، ثم رأت صورة والدته التي كانت إمرأة جميلة جدا رقيقة وناعمة لا يمكن تخيلها زوجة لوالده .
رومي : هل كانت سعيدة برفقة والدك .
إيريك : لا أدري فقد توفيت بعد ولادتي بفترة قصيرة ،
رومي : إذا من رباك حين كنت طفلا صغيرا .
زفر بألم : المربيات ووالدي فقط ...
جلسا على الأريكة وهو شارد بذكريات طفولته ، بينما رومي تتشوق لمعرفة كل شيء عنه لتفهمه أكثر .
رومي : كيف كانت علاقتكما أنت ووالدك ؟
نظر بشرود وهو يجيب : كنت كجندي عنده لا أكثر ولا أقل ، لم أعش كباقي الفتيان ، ليو كان صديقي الأقرب والوحيد الذي سمح لي بمرافقته ، هل تعلمين كنت أحيانا أظنه يكرهني بسبب قسوته علي ....
إحترمت رومي صمته ...
نظر لها بعينين صادقتين وهو يداعب وجنتها : أتعرفين .... أنت المرأة الوحيدة التي إمتلكت قلبي ... نورتي حياتي المظلمة ...
حين رأيتك في جناحي هززت عرش قلبي وتوجت ملكة عليه ... قبل يدها بنعومة ... أنت الوحيدة ....
دق قلبها وهي تسمع كلماته وهي ترى لأول مرة ما يخبئه خلف قوته وجبروته ....
يخف قلبا مرهقا لم يتلقى الحب في حياته ولم يتعلم إعطائه ... غلبتها مشاعرها نحوه فعانقته برقة أسعدته وأعادت السكينة إلى قلبه ...
تنهدت بعمق تريد الإبتعاد عنه ولكنها لا تستطيع ،بعد قليل أبعدها ونظر في عينيها .. وقال إسمعي صغيرتي : بالرغم من كل ما حصل بيننا فأنت زوجتي لم أتزوجك بتلك الطريقة لأداري أفعالي أو لأنك أميرة ، بل خوفي من فقدانك حين علمت بهويتك دفعتني لذلك ، حبا وليس خوفا .
رومي : أنا لا ألومك لما حدث ولكني ألومك لحرماني من عائلتي وأنت تعرف كم كنت وحيدة وأتمنى لو لي عائلة ....
إيريك : لم أستطع صدقيني ، خفت من فقدانك لذا عاهدت نفسي ألا أخبرك إلا حين تستعيدين ذاكرتك ....
تنهدت : أنت تصرفت بأنانية ... لا أدري إن كنت أستطيع مسامحتك ؟
أمسك يديها يقبلهما : بل ستسامحيني حبيبتي فأنا حاولت تعويضك و مازلت أحاول أن أقدم لك كل حب وتفهم ، بعد زواجنا حاولت صنع ذكريات جميلة نقوي بها زواجنا وأجعلك تحبيني فلا تستطيعن الإبتعاد عني ، أحبك وأريد إرضائك لكني لا أعلم كيف أرضيكي فخبرتي قليلة مع النساء فكيف وأنت لست كباقي النساء ....
تنهد يكمل مصارحتها : أتدركين كيف كان وضعي رجلا بمكانتي وجبروتي يخافني الكثيرون ، كنت أعيش بقلب متحجر أصابته صواعق عشق لم يتوقعه يوما .... ضحك بخفة وجاذيبة أسرتها .
تعلقت عيناها به و قلبها ينتفض لسماع ضحكته بتلك النبرة الرجولية وهي في صراع بين قلبها وعقلها .
تابع : أتعرفي أني إكتشفت أن الأنثى أقوى من الرجل مئات المرات ...
إتسعت عيناها بدهشة : كيف ذلك أنتم هم الأقوياء وليس ذلك بل قساة أيضا .
إيريك : أنت مخطئة عزيزتي ، وأنا أكبر دليل أمامك فمن هزت عرش قلبي هي أنثى ، من حارب دهورا بقلب من حديد دون أن يرف له جفن ....تأتي فتاة جميلة تسلبه أفكاره و وتنعش قلبه بنظرة واحدة ، فمن جبروته أقوى...
نهض ووركع أمامها على ركبة واحدة ممسكا بيديها وقال :
فاتنتي دعيني أغرق وأغرق بمحراب عينيك
أتنفس وأنتعش بعبيرك فقلبي يهواك ويعشقك
وشم قلبي بإسمك وشما لن يزول ويفنى
فلا تعاقبي قلبا أحبك و أذبت جليده و جموده
فانا لك وأنت لي رغما عنا فلا تقاومي الأقدارا
ربط القدر بين خيوط قدرنا وختمها ليوحد مصيرنا
فلا حياة دونك حبيبتي فلا تقتليني بفراقك وجفائك
سامحيني وإعفي وإنسي ما مضى فو الله
إن غدنا لأجمل فأنا كنت سيد الحرب لكن
عندك وحدك سأكون سيد العشق والحب
حبك فاتنتي
سرحت تنظر لعينيه وهي تسمع كلماته التي يهمسها لها ، وقف يقبلها على جبينها ببطء ثم إبتعد عنها قليلا : أعطني فرصة واحدة وسأعوضك صغيرتي ....
هزت توافق بصمت وقد إحمرت بشدة من الخجل فهو لأول مرة يصارحها بما يشعر به ويسمعها كلمات جميلة نعم تحبها لن تفرط بهذا الحب .
سألها : هل تقبلين فاتنتي ، وإن كنت تحتاجين الوقت فسأمنحك إياه وسأصبر أما لو كنت تريدين البعد فإعذيني حبيبتي أنتي ملكي وزوجتي إلى الأبد .
رومي : إن وافقت هل ستسمح لي بممارسة ما أحبه .
تنفس بعمق : أنا لم أمنعك عن ذلك ولكن ضمن شروطي لن تخدمي أحدا فأنتي زوجتي ...... صمت قليلا ثم أكمل : مستعد أن أتركك تعملين ولكن ستشرفين فقط وتدربين من يقوم بالعمل وتقدمين تصميماتك فقط .
فكرت بتنازله الكبير الذي قدمه لها ، رغم كل كبريائه وما عرف عنه بأنه لا يغير قرارا اتخذه أبدا ....
شع وجهها وأشرقت عيناها الخضراوتين لتزداد فتنة فوق فتنتها في عينيه ، لم يقاوم حملها بين ذراعيه وقد إشتاق لها وأخذها لجناحهما الذي جهز من أجلهما وزين بالورود و الشموع ليغرق معها في عالم أحله الله ليسكن وتسكن إليه ...
وقد انتصر قلبها وانهزم عقلها أمام قوة حبه وصدق مشاعره ....
فما يقدره الله لن يفرقه إنسان

***************************

توم وسينتا
وصلا أخيرا لمنزلهما ، حملها إلى غرفتهما شهقت سينيتا أول ما رأتها كانت بتلات الزهور الحمراء قد نثرت على السرير وملئت الغرفة بباقات الزهور البيضاء وقد فاح عبيرها في الغرفة .
ضمها توم وهو يخبرها : لقد تمنيت وجودك بين ذراعي منذ اول لحظة رأيتك فيها ، وتمنيت خطفك بعيدا عن كل مايؤلمك ويسبب حزنك .
نظرت له بحب : وانا رأيت بك فارسي الذي سيحميني ويبقى إلى جانبي العمر بأكلمه .... أرجوك إذا كنت نادما على زواجنا أخبرني فانا لا أستحقك ....
قاطعها : شششش ... لن نعود لتلك الهواجس والكلام الفارغ أنتي كنت ضحية ظلمتي من أقرب الناس لك ليس لك ذنب بأنهما من عائلتك ....لا يهمني ،
ما يهمني هو أنت و قلبك الناصع البياض ، رغم أني لا أعرفك منذ وقت طويل
وكان زفافنا قد تم بسرعة لم تكوني جاهزة له ... لكني أطلب و
أريد منك أن تؤمني بأنك تستحقين السعادة وأني هو من سيسعدك ويكون لك زوجا وأخا وصديقا ....
إستسلمت له وهي تتعهد له بقلبها بأن تكون له زوجة صالحة تصونه وتكون نصفه الثاني الذي يستحقه ..........
رغم قلة حديثهما مع بعض إلا أن صدق مشاعرهما قربهما من بعض وما بني بينهما على أساس الإحترام والعطف ... المودة والرحمة .
سيجعل زواجهما عامرا ومليئا بالحب الذي سيكبر يوما بعد يوم ......

************************

بين أسوار مملكته مكتوبة كاملة سلسلة قيد الجواريحيث تعيش القصص. اكتشف الآن