89

1.8K 53 0
                                    


وقف يحملق بوجه مكفهر ، و عينين مظلمتين في هذا البيت العتيق المتهالك ..
تراصوا العساكر من خلفه في إنتظار آمره بالإنطلاق ، فلم يجعلهم ينتظروا طويلا ..
أعطي "إياد" الأمر بإقتحام المنزل ، فإندفع العساكر أفواجا أفواجا إلي الداخل ..
تبعهم هو بخطي متباطئة و هو يشد قامته الضخمة بإعتداد و عدائية ..
أمر مجموعة بالتوجه إلي الطابق الذي يقطن فيه المدعو "إسلام" ..
بينما أخذ هو مجموعة أخري و توجه بها نحو شقة السيدة "هويدا" .. عمة المرحومة "هنا" ...
وصل عند باب الشقة ، طرق مرتين ، ثم رن الجرس في الأخير و إنتظر ..

...........................................................

سمعت الأم ذلك الطرق العنيف علي باب المنزل ، فهرعت لتفتح و هي تهتف بإنزعاج عصبي:
-ايووه ياللي عالباب جاية اهو ... طيب جاية ! ايه ده ؟ مين اللي بيخبط بالشكل ده ؟؟؟!
و فتحت الباب ، في نفس اللحظة إجتمع باقي أفراد الأسرة بمن فيهم "إسلام" الذي بـُهت عند رؤية العساكر و ضباط الشرطة ..
بينما تساءلت والدته بقلب واجف:
-خير يابني انت و هو ؟ .. عايزين ايه ؟؟!
نطق أحدهم بصوت جهوري غليظ:
-إسلام صادق رشوان .. هو فين ؟؟
-و عايزين اسلام ليه ؟؟
قالتها الأم مذعورة ، بينما لمحه الشرطي المسؤول بغتة ، فأمر بعض العساكر بإحضاره:
-هاتوه !
عند ذلك .. تصايحت الأم و الأخوات و هن يندفعن صوب "إسلام" في محاولة منهن لمنع الشرطة من أخذه ...

.........................................................

علي الطرف الأخر ...
فتحت السيدة "هويدا" باب شقتها لتتفاجأ برؤية "إياد" أمامها ..
شهقت مرتابة في بادئ الأمر ، لكنها سرعان ما تداركت وجوده ، فطرفت بعينيها و هي تقول:
-إياد باشا ! .. ازيك يابني ؟ خير في حاجة ؟ .. وصلتوا لقوت و لا ايه ؟؟!
ظهرت "سمية" من خلفها في تلك اللحظة بوجه خائف متوجس ، فتطلع إليها "إياد" بشراسة فتاكة قبل أن يقول:
-انا جاي اخد بنتك يا ست هويدا .. يا ريت تسلميهالي بهدوء ، بدل ما هتضطريني اتصرف بإسلوب مش هيعجبك و انا لحد دلوقتي عامل حساب انك تقربي لهنا.
عقدت حاجبيها و هي تصيح فيه بضراوة:
-يعني ايه جاي تاخد بنتي ؟ تاخدها ازاي يعني ؟ و بمناسبة ايه يا إياد باشا ؟؟!
لأول مرة يبتسم "إياد" في شر مطلق ، ثم تطلع إلي "سميه " مجددا قائلا بلهجة ناعمة و لكنها مرعبة:
-تقوليلها انتي يا سمية و لا اقولها انا ؟؟؟
إزدردت "سمية" ريقها بتوتر و هي تحدق برعب في عينيه المستعرتين الشامتتين ، لتقطع أمها الصمت بعصبية متفاقمة:
-تقولولي ايه بالظبط ؟؟؟!
تناهي إلي سمعهم جميعا في هذه اللحظة صوت صراخ "إسلام" المقترب ..
أدار "إياد" رأسه نحو مصدر الصياح ، ليراه مقبلا عليه و هو بين قبضة العساكر ..
كاد ينقض عليه ، لولا يد زميله التي حطت علي كتفه:
-سيادة المقدم ! ... سيبهولي ، أنا هتصرف معاه و هقرره بنفسي لحد ما يعترف علي زمايله الباقيين.
بأعجوبة تخلي "إياد" عن فورة غضبه الشديد ، فغض بصره عنه لئلا يتجدد غضبه ثانية ..
ليعود "إسلام" إلي الصراخ مجددا حين وصل أمام شقة "هويدا" :
-اوعووووا .. سيبوني ، انا ماليش دعوة .. انا ماغتصبتهاش لوحدي ، سمية هي اللي دبرت لكل حاجة ، هي اللي زقتنا علي بنت خالها ، هي اللي عملت كل ده .. هي السبب !
صعقت "هويدا" لسماع هذا ... فإستدارت ببطء نحو إبنتها مفغرة فاهها من الصدمة ، و بعد صمت ثقيل .. سألتها:
-ايه اللي بيقوله الواد ده ؟ .. الكلام ... الكلام ده صحيح يا سمية ؟ .. انتي اللي وزيتي علي بنت خالك ؟ ... يعني انتي اللي كنتي السبب في دمارها و موتها ؟ و حسرة امها عليها ؟
انتي يا سمية ؟؟؟
تهدجت أنفاسها و نبرات صوتها ، و هي تحاول أن تقول:
-آاا .. آانـ آانا .. آنا ... آنا ...
-انتي ايــه ؟؟؟!
صرخت "هويدا" بوجهها ، ثم إندفعت نحوها تلطمها علي خديها بكلا كفيها مواصلة صراخها:
-انتـي ايـــه ؟ .. انتـي ايـه يـا و*** ؟ ازاي فكرتي تعملي كده في بنت خالك يا ***** ؟ .. يا نهار اسود ! يا نهار اسود ! .. ازاي عملتي فيها كل ده ؟ ازااي ؟ ازااااي ؟؟؟؟!
قاطعها "إياد" هنا بصوته الصارم القوي:
-هاتوهالي !
إنتابتها حالة من الذعر الهستيري ، فأخذت تهز رأسها يمنة و يسرة بقوة و هي تهتف برفض و تتراجع للخلف بظهرها:
-لأ .. لأ ... انا ماليش دعوة ، انا ماعملتلهاش حاجة ، هما اللي عملوا كل حاجة .. انا ماليش دعوة بموت هنا ، ماعملتش حاجة !
و ظلت تتراجع حتي إلتصق ظهرها بالحائط ..
تسمرت عيناها علي أفراد العساكر الذين أخذوا يزدادون إقترابا منها ..
فقدت عقلها في هذه اللحظة ، و إندفعت صوب النافذة صارخة:
-انا مالييش دعـوة .. مـاعملتـش حاجـة !!
و قفزت ... قفزت من النافذة لتهرب من قبضتهم ..
فإنفلتت من أمها صرخة مولولة:
-بنتــــــــي ، سميـــــــــــة !

**********************************

" الرجاء ربط الأحزمة .. سوف نهبط إلي مطار بـاريس شـارل ديجـول في غضون لحظات "
صدح هذا الصوت الأنثوي عبر المكبرات الصوتية علي متن الطائرة المنطلقة من القـاهرة نحو بـاريس ..
قاربت الساعة علي السادسة صباحا ، بينما كان "عاصم" يجلس بجوار النافذة المطلة علي أبهي معالم المدينة الساحرة تحت ضوء كسور النهار ..
و لكنه ما عابئا بأي شيء الآن سوي بأخيه ... فخاطب "زين" الجالس بجانبه بشأن "شهاب" للمرة العاشرة خلال تلك الساعة فقط:
-انا هقوم اطمن عليه !
رد "زين" بحزم لينهي المسألة:
-خلاص يا عاصم احنا ثواني و هننزل من الطيارة ، و بعدين انت قمت تطمن عليه مليون مرة لحد دلوقتي .. اهدا شوية ماينفعش التوتر العصبي اللي انت فيه ده.
ثم أضاف بلطف يطمئنه:
-بعدين هو معاه مسعفين ماتقلقش !
و لكنه لم يطمئن إطلاقا .. بل ظل يتحرق قلقا و ذعرا من فكرة فقدان شقيقه الوحيد ..
فإن "شهاب" ليس فقط مجرد أخ بالنسبة له ، أنما هو في منزلة إبنه أيضا ، فهو الذي رعاه و أعده منذ كان طفلا حتي نضج أمامه و أصبح شابا يافعا ..
نمي تحت كنفه ، و إحتمي فيه طوال عمره ..
ضغط "عاصم" صدغيه ببعضهما و هو يتوعد لمن ألحق ذلك الضرر بأخيه بحساب عسير ..
لن يرحمه مهما كانت الظروف ، في تلك المرة ، سيكون في إنتقامه أعمي القلب و البيصرة ، لقد أقسم علي ذلك ..
حامت الطائرة في الجو ، ثم هبطت ببراعة و رشاقة في مدرج مطار ( بـاريس شـارل ديجـول ) ...
ذهبا كلا من "عاصم" و "زين" إلي "شهاب" علي الفور ..
رافقاه حتي تلك الحافلة التي آقلتهم جميعا عند أبواب التفتيش الطارئة ..
أنهي "زين" الإجراءات سريعا ، ثم خرجوا بعد ذلك من المطار ، ليجدوا عربة الإسعاف في إنتظارهم ..
إستقلوها ... ليصلوا إلي المشفي الخصوصي خلال عشرة دقائق فقط ، و يرجع الفضل في ذلك لحسن سير المرور المنتظم هنالك بالطبع ..
نُقل "شهاب" إلي داخل المشفي بواسطة السرير النقال ..
أدخلوه فورا إلي حجرة الفحص الدقيق و المزودة بأحدث المعدات و الأجهزة الطبية ..
في هذه الأثناء .. كان يقف "عاصم" بالخارج ثائر الأعصاب ، يهاب مرور الثواني و الدقائق المقبلة ..
يخشي وقوع أمرا محتوما ... لن يستطيع تحمل هذا ، و أمه .. بدون شك إذا وقع مكروها لشهاب ستلحق به من فورها .. و سيغدو وحيدا تماما .. ستكون هزيمته الكبري التي لن يكون بعدها وثبة أخري مطلقا !!
إقترب "زين" يواسيه و يؤاذره بقوله:
-ان شاء الله خير .. ماتخافش يا عاصم.
ملامحه العابسة تنطق بالخوف حقا ، و لم تؤثر فيه البتة كلمات "زين" اللينة ..
بل أنه تقريبا لم يسمعها من شدة هطول تصورات عقله المرعبة أمام عينيه ...
خرج الطبيب في هذه اللحظة من حجرة الفحص ، فإستدار "عاصم" إليه في لمحة و إقترب منه بحواس مترقبة ..




يتبع

المظفار والشرسهWhere stories live. Discover now