84

1.8K 55 4
                                    

في إحدي القري الريفية ..
تحديدا داخل ذلك المنزل البسيط ... كان "زين" يجالس أبويه في غرفة المعيشة المطلة علي الشرفة الواسعة ..
أشارت الساعة القديمة ذات البندول الثقيل الذي يحدث حشرجة ثقيلة كل حين ، إلي منتصف الليل ..
كان الجو لطيف ، و كانت الرياح الربيعية تهب محملة برائحة الخضرة و النباتات المعطرة ..
بينما كان "زين" يحتسي فنجانا من الشاي و هو يسترخي فوق مقعده بآريحية بالغة ..
فقد باتت أعصابه هادئة الآن ، و بوسعه أن يبث همومه و متاعبه إلي هذا المكان ذا الطبيعة البدائية الخلابة ليعود بعد ذلك إلي المدينة الحديثة في كامل نشاطه و حيويته ...
صدح فجأة هاتف "زين" بنغمته الصاخبة ، ليتآفف هو في ضجر و يضطر أن يرد:
-الو !
هكذا أجاب "زين" الإتصال بلهجة فاترة ، ليجيب الطرف الأخر للحال:
-زين بيه .. معاك مآمون القناوي ، حارس البوابة في قصر عاصم بيه !
عقد "زين" حاجبيه في غرابة و هو يقول:
-ايوه .. ايوه يا عم مآمون ، ازيك ؟ .. خير في حاجة ؟؟!
-في كوارث يا بيه .. القصر كان هيتهد فوق دماغتنا كلنا !
هب "زين" من مجلسه عند ذلك هاتفا به:
-في ايه يا عم مآمون ؟ .. ايه اللي حصل عندكوا ؟؟؟!
حكي له المدعو "مآمون" كل ما حدث .... ثم واصل في وجل:
-عاصم بيه مش حاطط منطق من ساعتها .. مش عارفين نفوقه !
سأله "زين" بنبرة منفعلة:
-و هو شهاب فين ؟؟؟
-شهاب بيه مش موجود و بنتصل بيه تليفونه مقفول ... اتصرف بالله عليك يا بيه ، دي الست هدي هي كمان قلقانة اوي و عمالة تسأل علي عاصم بيه و شهاب بيه و محدش فينا عارف يقولها حاجة !!
رد "زين" بنفس الإسلوب الإنفعالي ، و إن أضاف له شحنة غضب و عصبية:
-اتصرف ازاي انا دلوقتي ؟ .. انا في كفر الزيات ، قدامي ساعات علي ما أوصل القاهرة ، بالكتير علي بكرة الصبح.
و بجهد جهيد ، إستطاع أن يدعي الهدوء في نبرة صوته و هو يقول:
-اسمع يا عم مآمون .. تخليك ورا شهاب لحد ما يرد عليك ، و انا هلبس و هحاول اجيلكوا بسرعة ، بس خدوا بالكوا انتوا كويس من عاصم !

*********************************

في الصباح الباكر ...
وقف "إياد" أمام مرآة غرفة نومه ... كان يرتدي ملابس رسمية ، ليرتدي فوقها حزام الكتفين الخاص بالآسلحة النارية ..
ثم إرتدي سترة سميكة ليواريه خلفها .. فهو عاقدا العزم بقوة أن يثآر لها اليوم من جميع الأوغاد الذين شاركوا في نحر عنقها بسكين بارد ..
أقسم بأن ينتقم لها شر إنتقام و إن كانت فعلته ستودي به إلي الموت ، هو علي آتم الإستعداد ، و بصدر رحب سيستقبل الموت ..
و لكن ليس قبل أن يثآر لها ..
دوي صوت جرس باب منزله في تلك اللحظة ، فإستدار متجها للخارج بخطي واسعة ..
و دون أن يتعرف علي هوية الزائر ، فتح من فوره .. إذ كان متعجلا للسعي من أجل إتمام مخططاته الإنتقامية ..
وقف وجها لوجه أمام زميله "وليد" ... فأجفل مستغربا و هو يردد:
-وليد ! .. خير يا وليد في حاجة ؟؟
مرر "وليد" عينيه علي جسد صديقه من أعلي إلي أسفل في تقييم سريع ... ثم أطلق تنهيدة حارة ، و سأله:
-لابس كده و رايح فين يا إياد ؟؟!
تجهم وجهه فجأة ... لكنه أجاب:
-رايح مشوار يا وليد ... قولي انت ايه سبب الزيارة ؟ .. في حاجة ؟؟
-اه فيه ... اتفضل تعالي معايا دلوقتي حالا !
-علي فين ؟؟!
-يسري باشا بنفسه طالب يشوفك.
إبتسم هازئا ، و قال:
-و معاليه طالب يشوفني ليه ؟ .. انا سيبت الخدمة خلاص ، و لا هو لسا في حاجة تاني ؟؟!
-إياد ! .. ماتبقاش حمقي كده ، الراجل عايزك في موضوع مهم ، و كلفني انا شخصيا افوت اجيبك و اوصلك عنده بنفسي ... تعالي شوفه عايز ايه ، مش هتخسر حاجة.
نظر له "إياد" برهة مفكرا ... فضغط شفتيه ببعضهما دلالة عن نفاذ صبره ، ليبتسم "وليد" و هو يقول بلطف:
-يلا .. يلا يا إياد !

المظفار والشرسهWhere stories live. Discover now