50

1.8K 60 3
                                    


طيلة الليلة الماضية ، و حتي الأن .. لم يعرف النوم طريقه إلي أعين "توفيق" أو زوجته أو إبنته ..
و رغم أنه قام بحجز غرفة إضافية لكي تستريح فيها عائلته ، إلا أنهما رفضتا ، و ظلتا برفقته داخل جناح الطوارئ ..
الأن ، تجاوزت الساعة العاشرة و النصف صباحا ، و لا زال "مروان" داخل حجرة الرعاية المركزة ، لا أخبار عنه تطمئن قلوب أبويه و شقيقته ، الذين أصابهم داء الصم و البكم عن الدنيا و ما فيها ..
و قد ذبلت أعينهم و جفت من الدموع .. إذا أصابه مكروه ، حتما ستفقد "دينار" صوابها أو ستموت بعده مباشرة ..
و "توفيق" .. سينهار "توفيق" تماما ، سينكسر و يغدو فتاتا ، فمهما كان الذي فعله إبنه به ، هذا لا ينفي كونه ولده الذي ترعرع و نما في حضنه ..
و إن يكن ، فإن حبه إليه بمقدوره أن يغلب علي سخطه .. فهو والده ، و ليس هناك والدا يضمر ضغينة أو حقد تجاه ولده .. :
-صباح الخير يا توفيق بيه !
رفع "توفيق" ناظريه إلي مصدر الصوت ، ليجد أمامه شابا يافعا نبيلا ، إستطاع تقدير عمره في تفاوت ما بين أواخر العشرينيات ، أو أوائل الثلاثينيات ..
خرج صوت "توفيق" خافتا مهموما:
-صباح الخير .. افندم حضرتك !!
إبتسم الشاب ببساطة قائلا:
-انا الرائد عمرو جلال ، من الداخلية.
و عرض له بطاقته الشخصية ، فنهض "توفيق" لمصافحته و هو يقول:
-اهلا و سهلا بحضرتك .. خير يافندم ؟ في حاجة ؟؟
-هو بصراحة في اه.
تساءل "توفيق" بإصغاء:
-في ايه ؟؟
تنهد الرائد "عمرو" بعمق قبل أن يقول:
-انا عارف ان الوقت مش مناسب لكن للضرورة احكام ، لازم استجوب حضرتك و مدام دينار دلوقتي لان كلامكوا هيفرق في التحقيقات و انا مارضتش استدعيكم بشكل رسمي و جيت لحد عندكوا.
-اتفضل حضرتك ؟ قولي اساعدك ازاي ؟؟
-احنا لاقينا جثة واحدة ست مدبوحة بطريقة بشعة اوي انهاردة الساعة 7 صباحا بعد حوالي شارعين من العمارة اللي تمت فيها محاولة قتل الاستاذ مروان ابن حضرتك .. و عارف سيادتك لاقيناها فين ؟؟
تسمر "توفيق" بمكانه و لم يرد ، فأستطرد "عمرو"مجيبا لسؤاله:
-لاقيناها في شوال جوا صندوق زبالة ، و منظرها علي فكرة ماكنش محتشم خاالص يا توفيق بيه.
إنتفض "توفيق" بشيء من الغضب ، و قال له:
-انت قصدك ايه يعني ؟ .. و بعدين احنا مالنا بالست اللي لاقيتوها دي اصلا !!
بنظرة ثاقبة ، و نبرة تراوحت بين الحدة و اللين أجابه "عمرو":
-مالكوا كتير يا توفيق بيه .. تحليل المعمل الجنائي اثبت ان الدم اللي عالارض في الشقة اللي تمت فيها الجريمة ماكانش دم ابنك و بس .. كان دم الست دي كمان.
و هنا ، تجمد "توفيق" تماما و لم يدر بماذا يجيب ، فهبت "دينار" واقفة فجأة ، و بجهد عظيم إستعادت رباطة جأشها ، و قالت:
-ماكنش في ست في الشقة مع ابني يا سيادة الرائد الا الخدامة .. هي بنت ريفية كده و اسمها حنة ، كانت طول الفترة اللي فاتت بتتخانق هي و جوزها و كان علطول هو بيمد ايده عليها و كل الخدامين اللي عندنا يشهدوا بكده .. فإقترحت عليها تروح الشقة تخدم ابني مروان و تشوف طلباته و اهي فرصة تبعد شوية عن جوزها لحد ما النفوس تصفي.
بدهاء المحقق ، إستوجبها "عمرو" بصلابة:
-و ايه اللي يخلي ابن حضرتك يا مدام يسيب بيته الكبير و يروح يقعد لوحده في شقة قديمة ؟؟!
لم يهزها سؤاله ، و أجابته بمنتهي الثقة:
-انا و هو كنا شدين مع بعض بسبب ابوه ، كنت بضغط عليه بإستمرار عشان يتنازل عن حكم الوصاية علي املاك توفيق بعد قضية الحجر اللي رفعها عليه .. لكن هو كان دايما بيرفض و مع الحاحي المستمر زهق و ساب البيت ، و راح يقعد في شقتنا القديمة لوحده.
حدجها "عمرو" بنصف إبتسامة متنمرة ، و كأنه أراد أن يسايرها بإرادته ، لا لمكرها كما تتوقع ..
ثم تساءل بحيرة ساخرة:
-طب ايه تفسيركوا لمحاولة قتلهم هما الاتنين سوا ؟ مع العلم بأن القاتل ماسرقش حاجة من الشقة .. معني كده ان الدافع شخصي مش دافع سرقة .. فياتري ايه اللي ممكن يخلي القاتل يعوز يقتلهم هما الاتنين ؟ ايه السبب في رأيكوا ؟؟
للمرة الثانية ، أجابته "دينار" و لكن بحده:
-و الله مانعرفش ، ده شغلكوا انتوا ، و انتوا اللي لازم تحققوا فيه ‘ تعرفوا و تقولولنا.
أومأ "عمرو" رأسه موافقا و هو يقول بشيء من التهكم:
-اه اه طبعا حضرتك .. اوعدك انه هيحصل.
ثم أطلق سؤاله الأخير:
-طب سؤال اخير .. يا تري بتشكوا في حد ممكن يكون هو اللي عمل كده ؟؟
مرة أخري ، ردت "دينار":
-لأ مابنشكش .. لما يفوق ابني بالسلامة ان شاء الله ممكن يبقي يفيدك في النقطة دي.
بنبرة متكاسلة ، رد "عمرو":
-اكيد هيفدني يا مدام .. و عموما احنا بعتنا نجيب زوج الضحية ، اومال ايه .. لازم يعرف اللي حصل لمراته ، و لازم كمان نحقق معاه .. احنا مش بنستبعد حد من التحقيقات أبدا .. كل فرد بالنسبالنا مشتبه فيه.
و شدد علي جملته الأخيرة بقوة ، فحدجته "دينار" بعداء سافر ، فهو يصر علي إدانة إبنها ، و لكنه في جميع الأحوال لن يستطيع أن يدينه بشيء .. فلن تسمح هي بذلك لا له أو لغيره ، ستحمي ولدها بكل قواها ، و إن كلفها ذلك الغالي و النفيس ، و إن كلفها عمرها .. فليكن ...

************************************

رحلت السيدة "هويدا" هي و إبنتها "سميه" باكرا ، من منزل أخيها المتوفي ، و الذي آل إلي زوجته و إبنته بالنهاية ،،
عادت أخيرا إلي بيتها ، و أثناء ما كانت تصعد الدرج المؤدي إلي شقتها ، خاطبتها إبنتها بلهجة مفعمة بالغيظ:
-شفتي يا ماما ماكنوش طايقنا من امبارح ازاي ؟ .. انا قلتلك بلاش نروحلهم ماسمعتيش كلامي.
ردت الأم بأنفاس لاهثة ، و قد وصلت أمام باب الشقة:
-خلاص بقي يا سميه .. اهي ليلة و عدت ، كنا هنروح فين يعني في عز الليل امبارح ؟؟
ثم دفعت المفتاح في القفل و فتحت ، دلفت إلي الداخل و في أعقابها إبنتها تقول بمنتهي الحقد:
-و لا بنت اخوكي اللي اول ما شافتنا امبارح عالباب كأنها شافت عفاريت ، و في ساعتها خلت خطيبها ياخد ديله في سنانه و يجري .. تكونش فاكرانا هنخطفه ؟ تكونش فاكرانا زيها ؟؟!
تأففت أمها بضيق و ضجر ، فقالت:
-ما خلاص بقي يا سميه فضيها سيرة و انسي اللي حصل كفاية كده.
-انسي !!
صاحت "سميه" بإستنكار ، و أردفت:
-انسي ايه يا ماما ؟ .. انسي انها كانت عايزة تخطف مني خطيبي ؟ انسي انها كانت السبب في فسخ الخطوبة اصلا ؟ .. عايزاني انسي ايه بالظبط ؟؟!
بفتور ، جادلتها والدتها:
-يابنتي بردو بلاش نظلمها .. احنا ماشفناش من ناحيتها حاجة وحشة ، خطيبك هو السبب ، الله يجازيه مطرح ما راح بقي.
-هو السبب ازاي يعني ؟؟
أكدت السيدة "هويدا" بقولها:
-ايوه .. هو اللي عنيه كانت زايغة ، ده حتي يوم الخطوبة ماسبش بنت و لا ست الا اما بص عليها ، لما جابلنا الكلام من اللي يسوا و اللي مايسواش.
إشتعلت عينيها غضبا و هي لا زالت متمسكة برأيها:
-لأ بردو .. هي السبب ، هي طول عمرها يتكرهني و بتغير مني اصلا و اديها مارتحتش الا اما فسخت خطوبتي و هي اللي اتخطبت .. بس و الله ما هسيبها ، زي ما دمرت حياتي و ضيعت من ايدي فرصة اني اتجوز جوازة كويسة ، هدمرها انا و هضيع خطيبها من ايديها.
في لامبالاة ، سألتها والدتها و هي تتجه نحو غرفتها:
-هتعمليلها ايه يعني ؟؟
رددت "سميه" بصوت كالفحيح ، و بكل ما فيها من غل:
-هدمرها يا امي .. هدمرها.

************************************

يتبع ...

المظفار والشرسهحيث تعيش القصص. اكتشف الآن