19

1.8K 82 5
                                    

-شروط !!
هتفت "هانيا" مستنكرة و تابعت بصوت غاضب محتد:
-و انت بقي جاي متوقع مني اقبل بشروطك ! ماتفتكرش انك كسرتني ، و الله لو لفوا حبل المشنقة حوالين راقبتي عمري ما هاوطيلك راسي.
و هنا قفز قلبها حين فوجئت بشرارة خطرة تندلع في عمق عينيه ..
لكنها بقيت تحافظ علي ثباتها ، بينما نهض من مكانه فجأة و تقدم نحوها ببطء و علي وجهه تعابير الجمود ..
كتمت "هانيا" رجفة الذعر التي إعترتها .. و تساءلت عن نوع الإنتقام الذي سيلحقه بها هذه المرة ؟ .. لكنها سرعان ما إنذهلت من إبتسامته العريضة التي أعقبها بضحة عالية و هتاف مرح:
-انتي قطة متوحشة فعلا.
ثم أضاف و هو يتفرس في ملامحها الرقيقة الغاضبة:
-عنيدة .. و جميلة كمان !
تعجبت من سلوكه المعقد ، فإرتجفت من الحيرة و قطبت في غضب متحفز ..
بينما أخرج من الجيب الداخلي لسترته السوداء الفاخرة علبة سكائره المصنوعة من البلاتين ، و عندما قدم لها سيكارة هزت رأسها بأباء صارم قائلة:
-مابدخنش.
و تابعت مستهجنة:
-انا مش هنفذ و لا شرط من شروطك يا عاصم بيه .. امشي احسنلك و بلاش تضيع وقتك.
راقبته و هو يشعل سيكارته من الولاعة الذهبية التي أضاءت جانب وجهه المشوه ، فبدا الجانب الأخر أكثر سمرة و صرامة ..
فيما سحب نفسا عميقا من السيكارة و نفثه عموديا صوب وجهها ..
فسعلت في غضب و هي تسمعه يقول بصوت عميق و ناعم:
-هتنفذي كل شروطي يا هانيا ، ماعندكيش اختيار تاني .. انتي محتاجالي .. رقبتك تحت رجلي.
إشتعلت بالغضب بفعل الطريقة التي أطلق فيها الكلمة الأخيرة ، و خرج من فمها الكلام قويا عنيفا:
-يعني بتعترف انك ورا كل اللي انا فيه ده ! حقيقي انك بني ادم بجح و حقير و جبان ، يا ريت ترجع للحواري اللي اتربيت فيها احسن مش لايق عليك المظهر الاجتماعي المحترم يا .. يا عاصم بيه.
أهداها إبتسامة بسيطة لا تخلو من البرود ، لكنها أحست بغضب شديد يتعاظم بداخله و هو يحاول السيطرة علي نفسه ..
بينما قال بنبرات حادة مشذبة لسعتها كرياح باردة:
-ماتتصوريش انتي بتشجعيني أد ايه بإسلوبك ده علي تنفيذ كل اللي في دماغي .. في يوم هتندمي علي كل كلمة قولتيهالي دلوقتي .. لكن انا مش هندم علي اي حاجة عملتها .. او لسا هعملها فيكي !
إنكمشت داخليا ، و كانت مرتاعة من هول كلماته ، لكنها أدركت أنه من الخطر إظهار رعبها خشية أن يستضعف موقفها أكثر ..
تابع كلامه قائلا بإقتضاب بارد:
-عندي شرطين .. لو قبلتي تنفذيهم هخرجك من هنا حالا.
-هتخرجني ازاي ؟؟
-بنفس الطريقة اللي جبتك بيها هنا.
بدا شديد الثقة و هو يتكلم ، كما بدا أنه يعي معني كلامه جيدا ..
فيما إستجمعت "هانيا" قوتها لتتبدل نظراتها المتوترة بنظرات حادة و هي ترجع خصلات شعرها للخلف و ترفع ذقنها بشموخ محاولة أن تبدو كإمرأة قوية ، و بلهجة خشنة سألته:
-و ايه هما الشرطين ؟؟
تألقت عينا "عاصم" في ظفر و تنهد بعمق و هو ينظر إليها من أعلي إلي أسفل بتسلية ..
بينما تأهبت بقلب واجف و أطراف باردة لسماع شرطيه .. !

*******************

أدارت "رضوي" مقبض باب غرفة والدتها و ولجت دون إستئذان .. فوجدتها تجلس متهدلة فوق مقعد أثري مذهب ساندة رأسها المحنية بين يديها المرتعشتين و تبكي بحرارة ..
طغت علي "رضوي" موجة من العطف المتأثر ، فركضت تركع عند قدمي أمها و تواسيها قائلة:
-ماما .. بس كفاية عشان خاطري .. كفاية ماتعمليش في نفسك كده ، ما انتي عارفة مروان و تصرفاته الطايشة.
ثم تابعت بلهجة غاضبة محتدة:
-هو صحيح غلط غلطة كبيرة و مقرفة كمان ، لكن اللوم هنا يقع الاول علي السافلة اللي طاوعته و رضيت توسخ شرفها و تخون جوزها.
صدمت "رضوي" حين رفعت أمها رأسها و رأت الأنهيار يهدل تقاسيم وجهها ..
بينما كانت "دينار" خائرة العزيمة و غارقة في التعاسة إلي أقصي درجة و هي تقول بصوت متحشرج ممزوج ببكائها المرير:
-خلاص .. خلاص البيت اتخرب من يوم ما توفيق سابه .. اخوكي ضاع ، و الدور هايجي عليكي انتي كمان ، و انا ربنا ياخدني و يريحني من اللي انا فيه ده بقي ، ماعدتش قادرة استحمل خلاص.
ثم راحت تهز رأسها للجانبين بلا وعي ، فوضعت "رضوي" ذراعها علي كتفها و هي تقول بلطف محاولة تهدئتها:
-يا ماما عشان خاطري اهدي .. مافيش حاجة ضاعت ، احنا بس بنمر بمحنة صعبة ، لكن كل جاجة هترجع زي الاول و احسن .. هو مـروان دلوقتي ساب البيت اه لكن مسيره يرجع و بابا كمان اكـيد هيرجـع.
عند ذلك ، أوقفت "دينار" نحيبها ، و إلتفتت تنظر إلي إبنتها بإهتمام ، ثم شخصت بعينيها و هي تسألها متوجسة:
-مروان ساب البيت ؟؟
أومأت "رضوي" رأسها و هي تقول في إرتياب متعثر:
-ايوه .. مـ مشي !
صاحت "دينار" برعب:
-مشي لوحده ؟؟
فأجابتها "رضوي" بتردد:
-لأ ... خد حنة معاه.
إزداد وجه "دينار" شحوبا في تلك اللحظة و إنهارت باكية من جديد و هي تردد:
-يادي المصيبة ، يادي المصيبة .. خدها معاه ! ده جوزها لو عرف هيقتلها و هيقتله .. هيقتلهم هما الاتنين ، و لو ماعملهاش هو اهلها مش هيسكتوا .. يادي المصيبة .. ليه يا ربي بيحصل فيا ده كله ؟ انا عملت ايه لكل ده ؟! .. جوزي يسيبلي البيت و يمشي لا يعرفني عنه حاجة و لا يسأل عليا ، و ابني طايش طول عمره و اخرتها يغلط مع الخدامة ! ليه كده يا رب ؟؟!!
إكتأبت "رضوي" لمرأي والدتها علي تلك الحالة ، فراحت تربت علي كتفها لعلها تنجح في التخفيف عنها و لو قليلا ...

المظفار والشرسهWhere stories live. Discover now