39

1.7K 65 7
                                    

كان يقف كلا من "عاصم" و "إياد" في مواجهة بعضهما البعض كعدوين لدودين حتي صاح "إياد" في رجاله بحسم و تحد:
-فتشوا القصر كله .. سامعين ؟ كله.
في تلك اللحظة .. إنفلت عقال الغضب عند "عاصم" فإندفع كالوحش الضاري الهائج يتصدي لبعض الرجال بعدائية سافرة فتاكة ..
فإلتفت "إياد" نحو إثنين من رجاله و أمرهم بصوته الخشن:
-امسكوه !
هرولا الرجلين صوبه .. و بعد جهد بالغ إستطاعا أن يمسكا بـ"عاصم" من كلتا ذراعيه ، بينما ظل يغالبهم بهياج و هو يصرخ بتهور:
-اوعوا .. سيبوني يا شوية كلاب .. مش هيسبكوا .. هدفعكوا التمن واحد واحد.
باغته "إياد" بخشونة:
-حاسب علي كلامك يا عاصم بيه و اعرف انت بتكلم مين .. و يا ريت تهدا شوية ، الهيجان ده مش كويس عشانك احنا لو علينا ماعندناش مشكلة بس انت اللي هتتعب في الاخر .. وفر طاقتك الجبارة دي للجاي أحسن.
و هنا تدخل "زين" فقال بلطف:
-طيب يا حضرة الظابط القصر قدامك اهو فتشه زي ما انت عايز ، بس من فضلك خلي رجالتك يسيبوا عاصم.
هتف "إياد" بصرامة:
-مقدرش اخليهم يسيبوه و هو في الحالة دي ، لما ناخد اللي احنا عايزينه هنسيبه بشرط يجي معانا بهدوء.
تدخل "شهاب" بدوره عند ذلك الحد قائلا بإستنكار حاد:
-يجي معاكوا فين ؟ هو في ايه بالظبط يا حضرة الظابط ؟؟!
إلتفت "إياد" إليه و بهدوء قال:
-في ان الاستاذ عاصم الصباغ متهم بأختطاف الانسة هانيا مصطفي علام .. و احنا ببساطة جايين نرجعها و نقبض عليه ، يعني بنأدي واجبنا مش اكتر و من واجبكوا انتوا تساعدونا و لعلمكوا انتوا كمان هيتحقق معاكوا و لو ثبت ان حد فيكوا كان عارف بالجريمة اللي حصلت دي هيتحبس مع الاستاذ بإعتباره اتسطر و مابلغش.
حدق فيه "شهاب" مشدوها ، ثم إلتفت نحو أخيه و راح يرمقه بمزيج من الصدمة و الذهول ...

.......................................

علي الطرف الأخر ..
في القبو العميق البارد .. "هانيا" مستلقية منكمشة علي نفسها ..
ترجف بالبرد و الخوف بين ظلال الظلمة الموحشة ، في إنتظار المصير المدجج بالمرارة و الإنهزام ..
كانت تشهق و تزفر أنفاسها بضعف شديد ، و تأكدت من إقتراب مصرعها ، و ربما ذلك شيئا أراحها ..
فأي شيء يحول بينها و بين "عاصم" يرضيها و يسرها إلي أبعد حد ..
و تدريجيا ، بدأت "هانيا" تستسلم لشعور الغياب عن كل ما هو واقع ملموس ..
و من بعيد جدا .. إستطاعت أن تسمع صوتا غير مألوفا لديها .. كان لشخص يخاطب شخصا أخر:
-الاوضة دي شكلها البدروم بتاع الكراكيب يا عم .. و كمان دي ضلمة اوي ! يلا يلا نطلع ندور في حتة تانية.
ظنت "هانيا" أنها تهلوس و تتخيل تلك الأصوات ، و لكنها لم تعرف أنها كانت علي بعد خطوة من النجاة من مصيرها المحتوم ..

..........................................

لم يتوقف "عاصم" لحظة واحدة عن مقاومة الرجلين اللذين إعتقلاه بأمر من قائدهم ..
بينما هبط "شهاب" الدرج برفقة ثلاثة عساكر و إتجهوا نحو "إياد" ..
هتف أحدهم:
-تمام يافندم .. فتشنا الاوض كلها و محدش فوق الا واحدة ست كبيرة.
في اللحظة التالية .. إجتمع باقي الرجال ، و صاح الذي يترأسهم:
-تمام يافندم .. فتشنا المداخل و المخارج الداخلية و الخارجية ، و مافيش حاجة خالص.
كان أول من صعق لهذه الأقوال "عاصم" ..
لم يجدوها ؟ .. كيف هذا ؟ .. ألح "إياد" في سؤاله:
-انتوا متأكدين ؟ فتشتوا كويس.
رد الرجال في صوت واحد:
-ايوه يافندم.
فهز "إياد" كتفيه في آسف ثم سحب نفسا عميقا قبل أن يطلق أمره لرجاله بصوتا جهوريا:
-اجمع كل القوة برا.
بينما تخلي "توفيق" عن تحفظه ، فإندفع يقول بنزق منفعل:
-يعني ايه ! يعني ايه يا حضرة الظابط ! .. فين بنت اخويا ؟ انا مش هتحرك من هنا الا و هي في ايدي.
حدجه "إياد" بصمت هادئ للحطات ، ثم نقل بصره نحو "عاصم" و آمر الرجلين اللذين حاصراه:
-سيبوه !
تجهم وجه "توفيق" فصاح بغضب:
-يسبوه ازاي ! .. يعني ايه يسبوه ؟؟!
-اهدا يا استاذ توفيق من فضلك.
هدئه "إياد" بلطف ثار "توفيق" علي إثره أكثر بقوله:
-اهدا ازاي ! .. اهدا ازاي و الحيوان ده واخد بنت اخويا من قدام عيني و انا واقف متكتف مش عارف اعمل معاه حاجة ! .. اهدا ازاي و انت بتقول لرجالتك يسيبوه ! يسيبوه ازاي يعني ؟؟!
أجابه "إياد" بشيء من الإنفعال:
-ما احنا فتشنا المكان كله قدام حضرتك اهو و محدش لاقي حاجة.
ثم عاد يقول بصوته اللطيف:
-احنا عملنا اللي علينا يا توفيق بيه .. و ماتلومش نفسك اكتر من كده .. الانسة هانيا مش موجودة هنا.
صرخ "توفيق" فيه بتصميم:
-لأ موجودة بس الجبان ده مخبيها .. هي كلمتني من وراه من كام يوم و قالتلي انه حابسها ، و هو بنفسه اعترفلي قبل كده لما جتله اول مرة انها عنده هنا.
تنهد "إياد" بسأم ، لكنه سايره بفتور قائلا:
-طيب هي فين يا توفيق بيه ؟ .. لو كان كلامك مظبوط كان زمانا لاقيناها هنا و لا هنا ، انما هي مالهاش اي اثر في البيت كله.
حول "توفيق" بصره إلي "عاصم" فرمقه بحقد و عداء ، ثم لوح بيده في حركة عصبية و هو يهتف:
-اوعي تفتكر ان الموضوع خلص لحد هنا .. لأ يا عاصم يا صباغ .. ده ابتدا ، و انا و انت و الزمن طويل.
و إستدار بغضب متجها إلي خارج المنزل ، بينما تنحنح "إياد" بشيء من الحرج قبل أن يقول بلهجة هادئة:
-انا بعتذر عن اللي حصل يا عاصم بيه .. ارجو تكون متفهم الوضع ، دي واجبات لازم كل ظابط يأديها.
و أعتذر منه للمرة الأخيرة و أمر باقي رجاله بالإنسحاب ثم تبعهم إلي الخارج ..
إنتظر "عاصم" حتي خلا المكان وإستدار ليواجه أهل بيته .. فصاح في الخدم بعنف:
،-هي فيين ؟ راحت فين ؟ .. ازاي مش موجودة في اوضتها و في البيت كله ؟ انتوا كنتوا فين ؟ ازاي محدش منعها ؟؟!
ردت إحدي الخادمات بشيء من التوتر:
-يا عاصم بيه احنا كلنا واخدين اوامر من حضرتك بمراقبة الهانم منغير ماتحس .. و احنا و الله ماقصرناش ، لحظة ما بتخرج من باب اوضتها كلنا بنحط عينا عليها ، مستحيل تكون خرجت من القصر .. انا بأكد لحضرتك .. مستحيل !
هدر "عاصم" بشراسة:
-يبقي تقلبوا البيت كله عليها .. دقايق و تجيبوهالي هنا.
إمتثل الجميع لأمره ، بينما برز صوت "شهاب" المتجهم فجأة:
-ماما عايزاك يا عاصم.
إلتفت "عاصم" إلي شقيقه و ملامحه تنطق بالغضب ، فقال بإقتضاب واجم:
-بعدين هبقي اروحلها.
باغته "شهاب" بسؤال:
-مش مصطفي علام ده بردو يبقي الراجل اللي قولتلي انه نصب علي بابا زمان ؟؟
حدجه "عاصم" بصمت لثوان ، ثم أجابه بإيماءة خرساء ، فإتشح وجه "شهاب" بالحنق و هو يقول بجزع:
-و انت بقي قررت تنتقم من بنته ؟ .. يعني ماكفكش كل اللي عملته فيه ! ذنبها ايه هانيا ؟ .. انا مش مصدق .. يعني انت فعلا طلعت خاطفها ؟ لأ و كمان عايز تتجوزها بالغصب !!
رد "عاصم" بإنفعال مشتعل:
-انا مش عايز حد يتدخل في الموضوع ده نهائي .. دي حاجة تخصني لوحدي ، و انا اللي هتصرف بطريقتي ..
-يا عاصم بيه .. لاقيناها .. هنا اهيه !
صاحت إحدي الخادمات بذلك ، فإندفع "عاصم" راكضا متبعا مصدر الصوت و في أعقابه يهرولا كلا "شهاب" و "زين" ..
هبط "عاصم" سلم الخدم الذي يؤدي في نهايته إلي غرفة الأغراض المهملة ..

..............................................

شعرت "هانيا" بإنها إنهزمت الأن و إنقضي الأمر ..
فتدفقت دموعها عندما تبين لها صوت "عاصم" من بين الأصوات الكثيرة حولها ..
حاولت أن تتحرك . فلم تستجب لها عضلاتها المتيبسة بفعل البرد ..

.............................................

سقط قلب "عاصم" أمام مظهرها الواهن ..
كانت كالموتي دون أدني مبالغة ..
إذ أزرقت شفتاها المرتعشتان و شحب وجهها حتي البياض و أطل العجز التام من عينيها الزرقاوين النصف مفتوحتين ..
شتم "عاصم" بغضب ، ثم صاح بعصبية في من حوله:
-اوعوا .. وسعوا.
خرج البعض من القبو و تنحي جانبا البعض الأخر ..
بينما إنحني "عاصم" و مد ذراعيه و إقتلع "هانيا" من فوق الأسمنت البارد ..

..........................................

غمر "هانيا" شعور من القهر و الهوان ..
فإستسلمت لتلك الإغماءة التي داهمتها في الوقت المناسب .. فقد تجشمت هذه المشقة بلا فائدة ..
و فشلها زادها تعبا و ضيقا و يأسا ..

..........................................
يتبع

المظفار والشرسهWhere stories live. Discover now