***************************************

بعد أن أخذت حماما كاملا ..
إرتدت تلك الملابس التي أعارتها "رضوي" إياها لتغير فيها ريثما يبتاع لها عمها خزانتها الخاصة ..
إرتدت سروالا لطيفا من القطن الوردي ، و قميصا مقلما بالأبيض و الوردي ..
فبدت جذابة تلفت النظر ، رغم شحوب وجهها و تلك الهالات الزرقاء الخفيفة التي أحاطت بعينيها ..
عقصت شعرها الذهبي إلي الخلف علي شكل ذيل حصان ، و أخيرا إنتعلت صندلا من الفلين ..
ثم خرجت من غرفتها لتوافي "مروان" عند البهو الصغير حيث أرشدها ..
هبطت إلي الطابق السفلي سالكة سلالم الرخام .. في هذه الأثناء ، داهمها شعور خفي بوعكة وشيكة تكاد تصيبها ..
لكنها تغاضت عن هذا الشعور ، و حاولت ألا توهم نفسها بالتعب لئلا تسوء حالتها بحق ..
كان باب قاعة البهو مقفلا ، فوضعت يدها علي مسكة الباب ، و ترددت في الدخول علي أخر لحظة ..
عندما سمعت صوت ثالث إنضم لصوت عمها و "مروان" ..
إختلج قلبها فجأة لأنها عرفت من يكون صاحبه ...
هزت "هانيا" رأسها بعنف ، و تساءلت عن سبب مجيئه ..
قامت بجهد كبير لتهدئ أعصابها ، فأخذت نفسا عميقا ، ثم أحكمت قبضتها علي مسكة الباب ، و فتحته بصورة مفاجئة ...
وقفت لثوان جامدة وراء مصراعي الباب ، و عيناها تحدقان في الثلاثة رجال الجالسين هناك أمامها مباشرة ..
في الوسط يجلس عمها ، و علي جانبيه جلسا كلا من "مروان" و السيد "شركس" محامي العائلة في مقعدين متقابلين ...
لينهض السيد "شركس" و يستقبلها إستقبالا حارا و هو يصافحها قائلا:
-اهلا اهلا بآنستنا الجميلة .. حمدلله علي سلامتك يا حبيبتي ، ماتتصوريش فرحتي كانت عاملة ازاي يا هانيا لما كلمني توفيق بيه الصبح و قالي علي الخبر الحلو ده .. بجد الف حمدلله علي سلامتك !
منحته "هانيا" إبتسامتها الرقيقة الرزينة ، و قالت:
-شكرا يا انكل شركس.
و هنا جاء صوت عمها الهاديء:
-تعالي يا هانيا .. تعالي اقعدي جمبي هنا.
و ربت علي مكان فارغ بجواره فوق الآريكة ، أطاعته "هانيا" و مشت صوبه علي مهل ، ثم جلست إلي جانبه صامته ..
فإعتدل "توفيق" في جلسته ، و بدا و كأنه يؤجل حديثا دون مبرر قبل أن يقول:
-انا حكيت كل حاجة للأستاذ شركس يا هانيا ، من اول ما اختفيتي لحد ما رجعناكي امبارح .. و كمان وكلته يتصرف في كل حاجة ، و بإذن الله هيحللك كل المشاكل عن قريب.
و أدار رأسه نحوه متسائلا:
-مش كده و لا ايه يا متر ؟؟
بكل تآكيد و حماسة ، رد "شركس":
-طبعا يا توفيق بيه .. سيبوا كل حاجة عليا و اطمنوا خالص ، كل اللي انا عايزه بس توكيل من الانسة هانيا عشان اقدر ارفع دعوة الطلاق قبل ما الطرف التاني يسبقنا و يرفع دعوة و يطلبها لبيت الطاعة.
-مش ممكن يحصل الكلام ده طبعا !
قالها "مروان" بلهجة خشنة ، ليوافقه "شركس" قائلا:
-ماتقلقش يا مروان بيه .. ان شاء الله كله تحت سيطرتي ، و الامور كلها في صالحنا ، المحاضر اللي قدمها توفيق بيه خلال الشهور للي فاتت بإختفاء الانسة هانيا ، زائد البوليس اللي راح يفتش القصر مرة و مالاقاش حاجة ، و الجواز اللي تم بالغصب .. كل دي حاجات بتثبت فعلا انه كان خاطفها و مخبيها جوا بيته ، و الكلام ده كله هيتآكد اكتر لما تقف الانسة هانيا في المحكمة و تشرح وضعها كان عامل ازي طول المدة اللي فاتت.
ثم أضاف يطمئنهم بإبتسامة:
-اطمنوا يا جماعة ... كل حاجة هتمشي زي ما انتوا عايزين.
نبهه "مروان" بصوت قاطع كحد السكين:
-الاهم من ده كله .. لازم الكلب ده يتعاقب اشد عقاب.
-طبعا هيتعاقب يا مروان بيه .. ده ارتكب بدل الجريمة اتنين ، و الاتنين انيل من بعض ، اولا خطف بنت عم حضرتك ، ثانيا اجبرها علي الزواج منه ، و دي في القانون عندنا حاجة كده بمثابة اعتداء او اغتصاب علي حسب ما هتقرر المحكمة ، و لكن بآكدلك .. الحكم هيكون رادع.
جرت تلك المحادثة أمامها ، بينما كانت عاجزة عن إستيعاب كل ما يحدث ..
هل حقا يخططون للتفريق بينهم ؟ .. هل أصبحت اللعبة حقيقة ؟ ... و هل يودون آذيته أيضا ؟؟؟
لا .. هذا مستحيل ! .. لن ترضي بذلك أبدا ...
أفاقت فجأة علي صوت عمها و هو يتمتم في هدوء:
--خدي يا هانيا ... خدي يا حبيبتي ، امضي التوكيل ده للأستاذ شركس يلا !
خفضت "هانيا" رأسها للأوراق في يده ، تآملتها برهة ... ثم رفعت إليه بصرا صامتا لدقيقة كاملة ..
لتهز رأسها سلبا بعد ذلك ، قائلة بلهجة قاطعة:
-لأ يا انكل توفيق .. مش همضي توكيلات لحد.
تدخل "مروان" للحال مستفسرا بغلظة:
-يعني ايه مش هتمضي توكيلات مش فاهم ؟؟!
صوبت "هانيا" ناظريها تجاهه ، و كان جوابها قطعي مرة أخري:
-يعني مش عايزة يا مروان !
-مش عايزة ايه بالظبط ؟؟؟
-مش عايزة اتطلق من جوزي.
قالتها متحدية و هي تنظر إلي عينيه بقوة ، و بدوره أطلقت عيناه شررا محرقا ، ليثب وثبة هائلة علي حين غرة ، ثم يمد يده و ينتزعها من مجلسها صائحا بعنف:
-بتقولي ايه ؟ .. انتي بتهرجي ؟ ... ايه الكلام اللي بتقوليه ده ؟؟؟
إستخدمت قوتها الضئيلة بالنسبة لقوته الفائقة من أجل الخلاص منه و هي تهتف بإصرار و عزم:
-انا حرة يا مروان .. قلت مش هتطلق يعني مش هتطلق ، محدش يقدر يجبرني علي حاجة ، و انا عمري ما هقول كلمة واحدة ضد عاصم ، بالعكس انا هقف في صفه هو ضد اي حد ممكن يفكر يآذيه ... و مرة تانية ، محدش يقدر يجبرني علي اي حاجة انا مش عاوزاها يا مروان !
تقلصت عضلات وجهه بغضب ، فأخذ يهزها بقوة وحشية و هو يصيح بقسوة:
-بتقولي محدش يقدر يجبرك ؟ .. لا و انتي الصادقة انا اقدر ، زي ما هو قدر ينسيكي اسمك و يكسر شوكتك كده انا كمان اقدر اعمل اكتر من اللي عمله يا هانيا.
شعرت بغثيان ثقيل جثم علي أنفاسها إثر هزه العنيف لها ، بينما أضاف بفظاظته المعهودة:
-هتطلقي منه .. برضاكي ، و هنتجوز ، و الا بدل ما تبقي مطلقة هتبقي ارملة يا بنت عمي !
تدخل "توفيق" في تلك اللحظة محاولا فض الشجار بينهما ، إلا أن "مروان" لم يزداد إلا عنفا سواء في تصرفاته أو تهديداته ..
فتحطم تماسكها ، و شعرت بغتة بإنقباضة عنيفة أسفل معدتها جعلتها تصرخ بقوة و تستنجد بعمها:
-انكل توفيق .. الحقني يا انكل !
و من شدة الآلم الجسيم الذي راح يزداد ، فقدت وعيها و هي تشعر بذراعي "مروان" تسندانها هذه المرة ...

يتبــع ...

المظفار والشرسهWhere stories live. Discover now