أَلــــفْصلْ ألـــثّانِّيْ

1.5K 92 4
                                    

زمجر بوق سيارة والدة ماريا في المحطة بأزعاج وبأعلى صوته ليجذب انتباه سيدة المحطة العجوز ، لكن المرأة التي ترجلت من السيارة لم تكترث على الاطلاق ، بل اغلقت الباب بعنف ثم سارت بأتجاه المسطبة التي حملت ماريا التي اصبحت هادئة فجأة والعسكري الذي اخذ يبتسم بمرح الى العدم.
- بلو!!
صاحت والدة ماريا وهي تقترب منهما ففكرت ماريا في نفسها ...بلو؟...
- من هو بلو بحق الجحيم لقد كنت انتظر هنا منذ ساعة ونصف! انها انا، ماريا!!
سألت ماريا بعصبيه وهي تنهض لتواجه والدتها التي تفادتها وسارت خلفها لتعانق الجندي الذي نهض وازدادت ابتسامته اشعاعاً حالما سمع صوتها:
- لقد مر وقت طويل جولي.
- اه يا عزيزي، انا سعيدة جداً برؤيتك، الجميع ينتظر وصولك منذ ايام، لم اصدق حين طلبت مني ان اقلك ليلة البارحه لقد تحمست كثيراً!
وقفت ماريا هناك فاغرةً فاها وهي تنظر الى ما يجري امامها من موقف غريب ومربك...
- امي؟
نادت على والدتها التي تجاهلت وجودها تماماً واخذت تضحك مع الوافد الوسيم وهي تضع يدها على ذراعه بكل راحة...
- جولي!
صاحت مجددا، بصوت عالي لتجفل المرأة:
- لم لا يمكنك ان تكوني هادئة قليلاً يا ماريا تباً الا ترين بأني اتحدث مع احد؟!
- اتعرفينها يا جولي؟
سأل العسكري وهو ينظر الى اتجاه ماريا فضحكت جولي ولكمت كتفه ممازحه وقالت:
- بالطبع اعرف تلك الجرذ الصغير، انها احد توأمي، انها الكبرى ماريا.
- سررت بلقائكِ انستي.
قال وهو يحني رأسه كرعاة البقر...
* تباً لهذه اللكنة المثيرة والوجه الجذاب* فكرت ماريا في نفسها وهي تصارع عينيها للنظر الى روث الكلاب الذي تركه احد الكلاب المتشردة عوضاً عن وجهه.
- ظننتكِ هنا لأقلالي انا؟!
قال ماريا وهي تشابك يديها امام صدرها بأنزعاج فأجابت جولي وهي تتمسك بذراع بلو الذي اكتفى بحمل حقيبته وعصاه وجعلها تقوده نحو السيارة.
- بالطبع صغيرتي، كما اني وعدت بلو بأقلاله ايضاً ، وهكذا نضرب عصفورين بحجر واحد! اين ترغب بالجلوس يا بلو؟
- في الخلف رجاءاً ارغب بأخذ غفوة بينما نصل.
- حسناً.
اجابت جولي وهي تفتح الباب من اجله وتساعده على تسلق الشاحنة الحمراء القديمة ثم تصفق الباب بعنف لكي تحرص على اغلاقه بشكل جيد بينما صعدت ماريا الى جانبه واغلقت بابها بدورها دون ان تتحدث بأي كلمة...
- ارجو ان لا تشعري بأنكِ ملزمة على مرافقتي في هذه الرحله.
قال بلو وهو يلتفت بأتجاه ماريا فتعجبت ثم تنهدت واومأت بالنفي:
- هل اومأتِ مجدداً؟
سألها بنصف ابتسامة ففتحت عينيها تعجباً واجابت:
- لكن كيف علمت؟!
- لأنكِ لم تجيبي... لا اريد ان افسد رحلتكِ بالجلوس الى جانبي.
- هراء!انت لا تفسد شيئاً!
قالت جولي وهي تجلس في مقعد السائق وتبعث الحياة في المحرك القديم ثم اكملت:
- ماريا تخاف من المقعد الامامي ، لقد تعرضت لحادث برفقة صديقتها حين كانتا عائدتين من حفلة تخرجهما...لحسن الحظ لم تصب الا برضوض بسيطه لكنها لا تزال تخشى المقعد الامامي هل تصدق هذا يا بلو؟!
- اسف لسماع ذلك انسه ماريا.
قال بلو بلكنته الجميله وهو يحرك رأسه ليجد موضعاً مريحاً. كادت ماريا ان تجيب حتى فعلت والدتها عنها:
- لا عليك ، في الواقع ربما بأمكانك ان تقول لها شيئاً فبالرغم من اصابتك في حقل الالغام ذاك الا انك لا تزال تعمل هناك دون ان تخشى الامر!
- الامر يختلف يا جولي...
تمتم بلو وهو يغلق عينيه ليطلب اذناً للراحه وخلال دقائق بعد انطلاقهم على الطريق الصحراوي لم يسمع له صوت...
- هل هو نائم؟
سألت ماريا وهي تتأمل تقاسيم وجهه المنحوته.
- اجل...فهو يكره السفر كثيراً...الحركة المستمرة تتسبب له بعودة الصداع.
اجابت جولي وهي تنظر اليه بمرأة السائق.
- من اين تعرفينه يا امي؟
سألت ماريا وهي تستمر بالنظر اليه والى اهدابه البنية الطويلة التي بدت اطرافها كأشعة الشمس بعد ان لاحها ضوء النافذة.
- عزيزتي... الجميع في البلدة يعرفون بلو...انه كالابن المفضل في العائله.
- لكني لم التقي به من قبل...
- ذلك لانك كنت تعودين من الجامعة حين يكون هو في طريقه للالتحاق...كما انه يعيش في اطراف المدينه، لو كنت تقومين بالتسوق وواجباتك المنزليه لقابلتيه سابقاً.
تنهدت ماريا واتكأت على المقعد الجلدي...
- هل اسمه بلو حقاً؟ ام تدعونه هكذا؟
- او كلا اسمه مايكل...مايكل غلادستون ...لكن الجميع يدعوه ببلو بسبب لون عينيه.
- اه هذا ملائم ...
اجابت ماريا وهي تتأمله...لقد كان لديه لون عينين جميلين حقاً...
- اقترح ان تأخذي قسطاً من الراحه، فهناك احتفال قام بتجهيزه اهل البلدة من اجل بلو وسنذهب جميعاً...
قالت جولي وهي تركز انتباهها على الطريق الوعر فوافقت ماريا دون ان تقول شيئاً وتزحزحت قليلا في مقعدها حتى وجدت مكانا مريحاً ثم اغمضت عينيها لتنام وهي تتأمل وجه الجندي قبل ان تغلق عينيها...

In the soldier's dark paradise  فْيّ جَـنّةِ أَلجُنْــديّ أَلمُظّلِــمّةWhere stories live. Discover now