الإخلاص

111 15 0
                                    

الإخلاص

عباس هادي

في إحدى المرات كنا نتحدّث حول الرياضة معًا، فقال لي إبراهيم: "عندما أبدأ بالرياضة أو بمباريات المصارعة، أكون على وضوء دومًا. قبل المباريات أيضًا، أصلي ركعتين". 

- وما الصلاة التي تصلّيها؟ 

- ركعتان مستحبتان، لأطلب من الله أن لا أحرج أحدًا خلال اللعب. 

لكن أهم ما يجعل إبراهيم مثالًا وقدوة لبقية أصدقائه هو ابتعاده عن المعصية. فهو لم يكن يقترب من المعصية أبدًا. حتّى إنّه إذا حضر في مكان يدور الحديث فيه عن المعصية، كان يغيّر الحديث مباشرة.

أحيانًا، عندما يرى الشباب مشغولين باغتياب أحدهم كان يقول: "صلّوا على محمد وآل محمد"، أو يغيّر الموضوع بأي طريقة.

لم يكن يتحدّث بالسوء أبدًا عن أي شخص، إلّا إذا أراد الإصلاح. لا يرتدي أبدًا ثيابًا ضيّقة أو أكمامها قصيرة. 

كان يُشغل نفسه بأعمال صعبة، وحين نسأله عن السبب كان يجيب: "هذه الأمور ضرورية لنفس الإنسان".

229

روى لنا "جعفر جنكروي" هذه الحادثة قائلًا: "في إحدى المرّات، بعد مجلس العزاء، جلسنا وتكلمنا مع الشباب، وكان إبراهيم في غرفة أخرى وحدَه. حين انصرف الشباب، جئت إلى إبراهيم الذي لم ينتبه لدخولي الغرفة. تعجبت حين رأيته يحمل في يده إبرة وبين الحين والآخر يوخز وجهه وجفونه بها. قلت له مباشرة: "ما الذي تفعله يا أخي أبرام؟". 

في تلك اللحظة، انتبه لحضوري فقفز من مكانه وقال: "لا شيء، لا شيء". 

قلت: "أقسم بحياتك يا أبرام، لن أتركك وشأنك. لماذا كنت توخز وجهك بالإبرة؟". تمهّل قليلًا وأجابني والعبرة تخنقه: "هذا جزاء العين التي تنظر إلى غير المحرم".

من الصفات الواضحة في شخصية إبراهيم أنه كان يتجنّب كثيرًا الحديث مع النساء من غير محارمه. عندما كان يريد الكلام مع امرأة من غير المحارم لم يكن يرفع وجهه أو ينظر إليها، وكما كان بعض الأصدقاء يقولون ممازحين: "يعاني إبراهيم حساسيةً من النساء". وما أجمل ما قاله الإمام الصادق عليه السلام: "اَلنَّظَرُ سَهمٌ مِن سهامِ إبليس"1!

*******

كان إبراهيم يولي اهتمامًا كبيرًا لإطعام الآخرين وإشباعهم، فكان يدعو باستمرار الأصدقاء إلى منزله.

في الفترة التي قضاها في المنزل بسبب إصابته، كان يوميًا يجهّز الطعام، وكلّما جاء صديق لعيادته، كان يتناول الطعام معه. كان يفرح كثيرًا بهذا العمل، ثم يقول: "نحن وسيلة، هذا رزقكم، رزق المؤمنين كلّه بركة". 

كان يقوم بالعمل ذاته في مجالس العزاء والجلسات الدينية. فحين يرى أن صاحب البيت مثلًا لديه مشكلة في تجهيز الطعام، يقوم هو، من دون أي

230

تكلّف، بإحضار الطعام لكل الضيوف. 

كان يقول: "يجب أن يكون مجلس الإمام الحسين كاملًا من كل النواحي". 

في معظم ليالي الجمعة، بعد برنامج التعبئة، كان يجهّز العشاء للشباب، وبعد تناول الطعام كانوا يتوجهون بشكل جماعي إلى زيارة عبد العظيم الحسني أو إلى مقبرة "جنة الزهراء".

لن ينسى شباب التعبئة وشباب مجالس العزاء تلك الفترة أبدًا، على الرغم من أن ذلك الزمان الجميل لم يطل كثيرًا.

سألت إبراهيم مرةً: "من أين لك كل هذا المال؟ إن الراتب الذي تحصل عليه من التعليم لا يتخطى الألفي تومان، وأنت تقدم للآخرين أضعاف هذا المبلغ". 

نظر إليّ وقال: "الله هو الرازق، وأنا وسيلة. طلبت من الكريم أن لا تفرغ جيوبي من المال. وها هو لأجل عمل الخير يرسل لي من حيث لا أحتسب". 

*******

231

هوامش

1- حار الأنوار، العلّامة المجلسي، ج 104، ص 40.

ســلامٌ عـلى إبراهيــم "مكتمل "Where stories live. Discover now