رضى الله

114 15 2
                                    

رضى الله

عباس هادي

من الصّفات التي كان يتميّز بها إبراهيم، أنه لا يُطلِع أحدًا على ما يفعله ولا يتحدث إلّا عند الضرورة. لطالما أشارت عباراته إلى هذه الفكرة: "إذا كان العمل لله، فلا داعي للإخبار عنه" أو "المشكلة أننا نقوم بالأعمال لكسب رضى الجميع، إلّا الله".

يقول الإمام علي عليه السلام : "مَنْ طَهَّرَ قَلْبَهُ نَظَرَ اللهُ اِلَيهِ"1.

يؤكد العرفاء الكبار في معظم كلامهم عن الإخلاص، أنّ العمل إذا كان لله اكتسب قيمة كبيرة, وعلى الإنسان أن يقوم بكل الأعمال حتّى الخاصة والشخصية في سبيل كسب رضى الله. أو كانوا يقولون: "إن كلّ نَفَسٍ يتنفّسه الإنسان في هذه الدنيا لغير رضى الله، سيكون مُضرًّا به في الآخرة". 

في الفترة التي جُرِح فيها إبراهيم، ذهبنا معًا إلى الـ"روزخانه" في "طهران"، جلسنا في إحدى الزوايا نشاهد التمارين. كلما دخل أحد اللاعبين القدامى، كان المرشد يدقّ جرس الحلبة، فيتوقّف اللعب لحظات، ويلوّح القادم بيده للحاضرين، ثم يجلس في إحدى الزوايا وهو يبتسم. كنت وإبراهيم ننظر بدقة إلى الرياضيين والناس وإلى حركاتهم، عندما التفت إليّ قائلًا: "انظر إلى

225

هؤلاء الناس الفرحين بصوت الجرس". وعقّب قائلًا: "إن بعض الناس يحبون جرس الـ"روزخانه"، لو كانوا يعشقون الله كعشقهم لهذا الجرس، لما كانوا الآن على الأرض؛ بل كانوا يمشون في السماء". ثم أكمل: "الدنيا أيضًا هي كذلك، ما دام الإنسان يعشق الدنيا ويتمسك بها سيكون حاله ورزقه هكذا، أما إذا رفع رأسه قليلًا إلى السماء وصار يقوم بأعماله لأجل رضى الله، تأكّد أن حياته ستتغيّر وسيعرف عندها معنى الحياة". وهناك أكمل حديثه: "في الـ"روزخانه" يريد كثيرون معرفة من الأقوى، ومن يتراجع ويتعب في وقت أسرع؛ أما إذا صرتَ في يوم من الأيام حكمًا للعبة ما، ما إن ترى أن أحد اللاعبين قد تعب، حاوِل ولوجه الله أن تغيِّر اللعبة بسرعة. أنا لم أقم بهذا العمل من قبل، بالطبع لم أقصد هذا الأمر، لكن من دون سبب صرت مهمًّا بين الشباب، لكن أنت لا تقم بهذا الأمر". 

كان إبراهيم يردد: "على البشر أن يقوموا بكل الأعمال حتّى الخاصة منها في سبيل الله". 

ومن لطيف الشعر: "انتبه إلى عالم الوجود الذي خلق بأفضل شكل لأجلك

إذا ما أردت شيئًا غير الله لن تحصل على شيء" 

*******

في صبيحة يوم جمعةٍ، وصل إبراهيم إلى البيت بثياب ملطّخة بالدماء. بدّل ثيابه بهدوء وبعد صلاة الصبح قال لي: "عباس، أرجو ألّا يزعجني أحد"، ثم صعد الطابق الأعلى لينام.

عند الظهر، بدأ أحدهم يدقّ الباب من دون توقف. ذهبت أمي لتفتح. كانت جارتنا. بعد أن سلّمت بعصبية وغضب، قالت: "هل إبراهيم ابنكم بعمر ابني كي يأخذه معه على الدراجة النارية ويخرجا معًا، ثم على أثر

226

حادث يكسر ابني قدمه؟". ثم أكملت: "يا سيدة، لقد أرسلت ابني إلى أفضل الثانويات ولا أريده أن يرافق أناسًا مثل ابنك و...". 

انزعجت أمي كثيرًا، وبما أنها لا تعرف شيئًا عن الموضوع، اعتذرت منها كثيرًا وقالت: "أنا لا أعرف عمّا تتكلمين لكن على رأسي، سأنقل كلامك إلى إبراهيم، نعتذر منك...". 

بما أنني سمعت كل كلامهما، أسرعت إلى الأعلى وأيقظت إبراهيم وقلت له: "يا أخي، ما الذي فعلته؟". 

- لماذا تسأل، ماذا هناك؟

- هل اصطدمت البارحة بالدراجة النارية؟

وقف بسرعة وسأل: اصطدام؟ ماذا تقول؟ 

- أوَلَم تسمع؟ جاءت والدة "محمد" إلى بيتنا وبدأت تصرخ وتهدد. 

فكّر إبراهيم قليلًا ثم قال: "حسنًا، الحمد لله، ليس بالأمر المهم". 

بعد الظهر جاء والدا "محمد"، وبأيديهما باقة ورد وعلبة حلوى، لعيادة إبراهيم. كانت الجارة لا تتوقف عن الاعتذار، قالت لها أمي: "لا أفهم كلامك الآن، كما إنني لم أفهم تصرفك في الصباح". 

اندفعت الجارة بالقول: "والله، لا أعرف ماذا أقول لشدة الخجل، لقد أخبرنا "محمد" كل ما جرى. لولا إبراهيم، لا نعرف ما الذي كان سيحصل. حتّى لا نقلق، قال لنا الشباب إنّ "محمد" خرج مع إبراهيم ثم جراء حادث اصطدام على الدراجة النارية، كسر قدمه.

يا حاجة، أنا أعتذر كثيرًا لأنني تسرّعت في إصدار الأحكام، أرجوك سامحيني. قلت لوالد "محمد": "إنّ إبراهيم قد جُرِح منذ أشهر، ولم تُشفَ قدمه بعد، ولم نزره إلى الآن، لذلك نزعجكم بزيارتنا".

227

سألت أمي: "وما القضية؟ ما الذي حصل؟". 

حوالي منتصف ليلة الجمعة، كان شباب التعبئة يناوبون أمام المسجد. كان إبراهيم مع رفاقه وسط الشارع، حين وضع "محمد" يده بالخطأ على الزناد وخرجت رصاصة من السلاح وأصابته في قدمه.

ارتبك الشباب، ولم يعرفوا ماذا يفعلون. وقع، وقدمه مجروحة، في وسط الطريق، ونزف كثيرًا من الدماء. حين وصل السيد إبراهيم على دراجته النارية. استطاع بمساعدة أحد الشباب أن يضمد جرح "محمد"، لينقله فيما بعد إلى المستشفى. 

بعد أن أنهت الجارة كلامها، نظرتُ إلى إبراهيم الذي كان يجلس قريبًا من الغرفة، وكأنه كان يعرف أنّ من يقوم بعمل ما في سبيل رضى الله، لا يهتم بما يقوله الناس أبدًا.

*******

228

هوامش

1- غرر الحكم، عبد الواحد الآمدي، ص 906.


ســلامٌ عـلى إبراهيــم "مكتمل "Where stories live. Discover now