معجزة الأذان

169 14 6
                                    


معجزة الأذان

حسين الله كرم

كنّا في مرتفعات "أنار". طلع الصباح. ضمّد المسعف جرح رقبة إبراهيم، فيما كنت منشغلًا بتوزيع الشباب والرّد على اللاسلكي. فجأة وصل أحد الشباب وقال لي: "يا حاج، هناك مجموعة من العراقيين، أفرادها قادمون نحونا وهم يرفعون أيديهم مستسلمين"!

قلت له بتعجب: "أين هم؟". ذهبنا معًا إلى إحدى الدشم المطلّة على التلة. ما يقارب عشرين عسكريًا، يتقدمون نحونا وهم يحملون علمًا أبيض. قلت للشباب: "جهّزوا أسلحتكم، قد يكون فخًّا". 

بعد لحظات، سلّم سبعة عشر عراقيًا أنفسهم بينهم قائدهم. فرحت كثيرًا لأنّنا أسرنا عراقيين في هذا المحور. فكرت في نفسي أن قوة الشباب وهجومهم الجيد أدى إلى خوف العراقيين وبالتالي إلى استسلامهم. أحضرت الضابط العراقي إلى داخل الدشمة، وناديت أحد الشباب الذي يعرف اللغة العربية. 

سألته كما يفعل المحققون: ما اسمك؟ ما هي رتبتك؟ ما هي مسؤوليتك؟ 

عرّفني إلى نفسه، ثم قال: "أنا عقيد وقائد القوات الموجودة على التلة. أتينا من فرقة الاحتياط في البصرة".

175

- كم تبقّى من القوات الآن على التلة؟

- لا أحد. 

ردّدت وعيناي شاخصتان من الذهول: ماذا؟ لا أحد؟ 

- لقد أتينا وسلّمنا أنفسنا. وأرسلت ما تبقى من القوات إلى الخلف. والتلة فارغة الآن. 

نظرت إليه بتعجب وسألته: لماذا؟ 

- لأنهم لم يقبلوا بتسليم أنفسهم معنا.

تعجبت أكثر: ما معنى هذا؟ 

لم يجبني الضابط العراقي؛ بل سألني: أين المؤذّن؟ 

لا تحتاج هذه الجملة إلى الترجمة. قلت له بتعجب: المؤذن؟ 

اغرورقت عيناه بالدموع، وبدأ يتحدث وصوته يختنق بالعبرة والمترجم ينقل لنا ما يقوله: "لقد قالوا لنا إنّكم مجوس، تعبدون النار. قالوا لنا إنّنا نهجم على إيران في سبيل الإسلام. صدّقوا، إنّنا جميعًا شيعة. عندما رأينا أنّ الضبّاط العراقيّين يشربون الخمر ولا يصلّون، تردّدنا كثيرًا في مساعدتهم في هذه الحرب. هذا الصباح، عندما سمعنا صوت الأذان الذي يرفعه أحد مقاتليكم بصوته الجميل والمؤثر، ارتجف بدني. حين ذكر اسم أمير المؤمنين قلت في نفسي: "أنت تقاتل إخوتك. ماذا لو كانت هذه الحرب مثل كربلاء؟!". 

ســلامٌ عـلى إبراهيــم "مكتمل "Where stories live. Discover now