الصلاة في أول الوقت

220 28 4
                                    


الصلاة في أول الوقت

مجموعة من أصدقاء الشهيد

كانت الصلاة أول الوقت محور كل أنشطته وأعماله. رأيته مرارًا، وفي أصعب الظروف، كيف كان وبهدوء تام، يصلّي أول الوقت جماعة ويدعو الآخرين إلى الصلاة أيضًا.

يقول أمير المؤمنين: مَنِ اخْتَلَفَ إلى الْمَسْجِدِ أَصَابَ إِحْدَى الثَّمَاني: أَخًا مُسْتَفَادًا فِي اللَّهِ، أَوْ عِلْمًا مُسْتَطْرَفًا، أَوْ آيَةً مُحْكَمَةً، أَوْ رَحْمَةً مُنْتَظَرَةً، أَوْ كَلِمَةً تَرُدُّهُ عَنْ رَدًى، أَوْ يَسْمَعَ كَلِمَةً تَدُلُّهُ عَلَى هُدًى، أَوْ يَتْرُكَ ذَنْبًا خَشْيَةً، أَوْ حَيَاءً"1.

وكان إبراهيم مصداقًا حقيقيًا لهذا الحديث. حتّى قبل انتصار الثورة كان يصلي الصبح جماعة في المسجد. يذكّرنا سلوكه بكلام الشهيد رجائي: "لا تقولوا للصلاة لديّ عمل، قولوا للعمل لديّ صلاة". 

أفضل مثال على ذلك، حين كان يحين وقت الصلاة والشباب مشغولون بالرياضة في "الزورخانه"، يوقف إبراهيم اللعبة، ثم يقيم الصلاة جماعة وسط الحلبة. 

مرات عديدة، في مسيرنا نحو الجبهة وعندما يحين وقت الأذان، كان

95

إبراهيم يؤذّن ثم يوقف السيارة ويشجع الجميع على الصلاة جماعة.

جذب صوت إبراهيم المؤثّر وأذانه الجميل الجميع إليه. كان إبراهيم مصداقًا لحديث الرسول الأعظم صلى الله عليه وآله وسلم: "إنّ الله وعد أن يدخل الجنة ثلاثة أنفار بغير حساب... رجل يتوضأ ثم يدخل المسجد فيصلّي في الجماعة"2.

لم يكن ملتزمًا بالذهاب إلى مسجد خاص لصلاة الجماعة؛ بل كان يذهب إلى كل مساجد الحي، وكان صديقًا لكثيرٍ من شباب هذه المساجد. منذ بداية نشأته ومنذ الأيام الأولى للرياضة في الـ"روزخانه" اشترى عباءة له وكان يصلّي دائمًا مرتديًا هذه العباءة. 

*******

في منتصف العام 1980م، استمرّ نشاط التعبئة إلى ما بعد منتصف الليل، وكانت تفصلهم ساعتان عن أذان الصبح. 

جمع إبراهيم الشباب، وبدأ يقصّ عليهم ذكرياته في الجبهة. كانت الذكريات جذابة جدًّا ومضحكة جدًّا. باختصار، أبقى الشباب مستيقظين حتّى أذان الصبح، وبعد الصلاة عادوا جميعًا إلى بيوتهم.

توجّه إبراهيم بالكلام إلى مسؤول التعبئة وقال: "لو انصرف الشباب مباشرة بعد الجلسة إلى بيوتهم، الله يعلم إن كانوا سيستيقظون لصلاة الصبح. لذلك في المرات القادمة انتبهوا، فإما أن تنهوا أنشطة التعبئة باكرًا أو عليكم أن تبقوهم مستيقظين كي لا تصبح صلاتهم قضاءً". 

*******

مع أنّ إبراهيم كان في النهار إنسانًا مرحًا وكثير المزاح ويتكلم بطريقة شعبية، لكنه ليلًا كان يستيقظ قبل السحر ليصلّي صلاة الليل. كان يسعى

96

كثيرًا كي يقوم سرًّا بهذا العمل. كلما كان إبراهيم يقترب من نهاية أيامه، كان وقت استيقاظه في الليل يطول أكثر.

كان يعرف جيدًا أن الأحاديث اعتبرت القيام في السحر وصلاة الليل من علامات الشيعيّ الحقيقي.

كان ملتزمًا بقراءة دعاء كميل ودعاء الندبة. كان يقرأ الأدعية والزيارات كل يوم بعد صلاة الصبح، يزور زيارة عاشوراء يوميًا أو يقرأ السلام الأخير فقط.

كان يكرر دومًا الآية "وجعلنا"3. قلت له يومًا: "يا أبرام، نقرأ هذه الآية للحفظ من الأعداء.. ولكن لا أعداء هنا". نظر إليّ إبراهيم نظرة عميقة وأجابني: "وهل ثمّة عدو أكبر من الشيطان؟". 

*******

ذات مرة، جرى الحديث حول الناشئة وأهمية الصلاة. قال إبراهيم يومها: "حين رحل أبي عن هذه الدنيا، كانت أعصابي متعبة جدًّا. ليلًا، وبعد ذهاب المعزّين، نمت من دون أن أصلي لأنني كنت مستاءً. حين أغمضت عينيّ رأيت أبي في عالم الرؤيا: فتح باب البيت ودخل غاضبًا جدًّا وتوجّه مباشرة إلى غرفتي، فتح الباب ونظر إلى وجهي للحظات عدة. فهمت من نظرات أبي كثيرًا من الكلام. استيقظت قبل أن ينقضي وقت الصلاة، توضّأت وأتممت صلاتي.

*******

من المسائل الأخرى التي كان إبراهيم يوليها أهمية كبيرة صلاة الجمعة. على الرغم من أنّه كان يقضي معظم أوقاته في كردستان وفي الجبهات الأخرى في الفترة التي بدأت خلالها إقامة صلاة الجمعة، لكن حين يحضر في طهران،

97

يكون برنامجه ليوم الجمعة هو المشاركة في الصلاة. قال مرّة: "أنتم لا تعلمون كم لصلاة الجمعة من ثواب وبركة".

يقول الإمام الصادق عليه السلام: "ما من قدم سعت إلى الجمعة إلّا حرّم الله جسدها على النار"4.

*******

97

هوامش

1- الأمالي، الشيخ الصدوق، ص390.
2- مستدرك الوسائل، الميرزا النوري، ج6، ص448.
3- ﴿هوَجَعَلْنَا مِن بَيْنِ أَيْدِيهِمْ سَدًّا وَمِنْ خَلْفِهِمْ سَدًّا فَأَغْشَيْنَاهُمْ فَهُمْ لاَ يُبْصِرُونَ . سورة يس، الآية 9.
4- وسائل الشيعة، الحرّ العاملي، ج 5، ص 3.

ســلامٌ عـلى إبراهيــم "مكتمل "Where stories live. Discover now