part (6)

3.8K 280 18
                                    

أقبل الصباح والكل منشغلون بتجهيزات حفل زفاف فرعونهم الجديد على إيزيس ، الزينة ملأت القاعات والقرابين قدمت للآلهة لتبارك لهم زواجهم، والموائد افترشت وخارجاً بدأ السكان يهللون ويرقصون لحفل الملك ، وزينت الشوارع،جوٌ من البهجة عبق بالأرجاء وكأنهم نسوا أو تناسوا مجبرين فرعونهم الفقيد !
نعود للداخل، فتح الباب وولجت الجارية لتجهيز العروس ولكن ما من عروس ! بحثت بالارجاء ثم ولولت بعد أن تيقنت من هروبها: ساعدوني هربت العروس .....لقد هربت عروس الفرعون.....هربت ايزيس
خرجت الجارية من الحجرى وهي تصرخ راكضة باتجاه مخضع الفرعون الذي ما إن سمع هذا النبأ حتى جن جنونه واستشاط غضباً فكيف لهذه الوضيعة أن تفكر بالهرب منه بهذه الطريقة،وسرعان ماانتشر الخبر بأرجاء القصر فأمر حراسه بالإنتشار بالمدينة للبحث عنها وقد تغيرت خططه تمامًا هذه المرة وتوعدها بعذاب شنيع فما من أحدٍ يستطيع الخروج عن طاعته ويبقى حياً

أدركت إيزيس أن الفرعون إن عثر عليها فهي ميتة لا محالة،حملت ما استطالعت من عتاد وغذاء وشراب مقابل سوارها الذهبي وأسرعت الخطى بالعربة الخشبية بعيداً عن المدينة واتجهت شرقاً، أرهقتها شدة القيظ والحرارة الخانقة ورمال الصحراء تلتهب تحت أشعة الشمس اللاهبة ،جسد نرجس الضعيف الهزيل لم يعد يقوى على تحمل مشاق الطريق بالإضافة للألم الذي تسببه لها إيزيس عندما تستحوذ على جسدها وإرادتها فتصبح كمن يشاهد بعينيه فقط مايجري دون أن تستطيع التحكم حتى بلسانها أو يدها ولكن مع الإحساس بكل ذرة ألم فهو جسدها على كل حال،كانت تسير وتنظر إلى تميمتها من وقت لآخر علها تكون قد اقتربت من موقع القطعة الأولى فتضيء التميمة وتنهي هذه المسألة ،أيام مرت عليها دون أن تيأس ودون أن ييأس الفرعون في البحث عنها بأرجاء مصر وتوعد من يعثر عليها بمقدارٍ من الذهب حتى أقبل ذلك اليوم الذي توهجت فيه تميمتها باللون الأحمر القاتم الذي اشتاقت لرؤيته ودفعت ثمنه عذاب أيامٍ و ليالٍ من البحث المضني وأخيرًا وجدت الصندوق الأول ...أما نرجس المسكينة فهي مسيرةً لا مخيّرة فلكم تمنت أن تعود لعالمها وحياتها السابقة فألمها وعذابها أهون من شقائها الذي تعيشه الآن مع إيزيس، كانت دموعها هي الشيء الوحيد الذي تستطيع التحكم فيه والذي تعبر من خلاله عن حزنها حتى أن تلك الدموع لم تتوقف منذ زمن طويل.

تتابعت الايام والليالي وايزيس تجول أقاليم مصر شرقاً وغرباً بإصرارٍ وحب، لتجمع الأشلاء المتبقية من زوجها وتكدست الصناديق الخشبية بعربتها حتى اكتمل بحثها على أربعة عشر صندوقاً تتفاوت في الأحجام والمقاسات .
ومجرد تفكير نرجس أنها تقود عربة مليئة بأشلاء بشرية يدفعها إلى التقيؤ !وصلت أخيراً لوادي الملوك، إنحرفت قليلاً باتجاه الغرب وأطالت المسير حتى استدلت على مدخل كهفٍ مختبئٍ بين صخور الجبل، عبرته وقررت أن هذا هو المكان الأمثل لإكمال مهمتها .
كان المدخل الرئيسي طويلٌ و ضيقٌ نسبياً و بقليلٍ من الإنحناء يستطيع شخص بالغٌ الدخول فيه، وعند نهايته يتفرع إلى قسمين إختارت إحدهما وسارت فيه حتى انفرج عن ساحةٍ كبيرةٍ يبدو أنها المكان المناسب لدفن الفرعون، بزغ مجدداً من المجهولِ حتب سخت
فتبددت الظلمة بمشاعل خشبية توزعت بأرجاء الكهف ومصطبة حجرية استعملتها كطاولة لتحنيط الجثة..
أخرجت الأشلاء من الصناديق فعبق الكهف برائحة نتنة بسبب تحلل بعض الأجزاء .وبدأت بترتيبهم وقلبها يمتلئ بكمية حقدٍ لو وُزعت على سكان مصر كلهم لما وسعتها صدورهم.أنهت تجميع الجثة أخيراً فسقطت دمعتان من روح إيزيس على جبين أوزيريس ولتمعت عيناها فبرقت التميمة وتوهج الكهف بضوء قوي .

وكان حتب سخت يتابع ما تقوم فيه من بعيد، تراجعت إيزيس خطوتين إلى الوراء وقلبها يصرخ بعنفٍ عندما التحمت أجزاء زوجها بتلقائية وعادت جثته سليمة كما السابق انتفض الجسد فجأة وخرجت روح شاب نقية شفافة منه وبغير وعي من إيزيس غادرت هي الأخرى جسد نرجس لتصبح وزوجها روحان هائمتان في فضاء الكهف، بضع دقائق مرت عليهما وكأنها دهور كانت كفيلة بإسعاد ذلك القلب الحزين ،ودعت زوجها الحبيب ووعدته بأنها ستنتقم لروحه وستستعيد عرش مصر وعادت من جديد لتسكن جسد نرجس .
-انتقلت روحه لتطمئن في مملكة الأموات
أخيراً وبعد هذا الألم سيعيش زوجي عظيما في العالم الآخر كما كان في الدنيا سيعيش بمملكة الأموات وإلى الأبد وأنا سأعيش لأجل الروح التي تنبض بداخلي فهي التي ستنتقم لي من ست) "
لأول مرة منذ سنوات تستشعر الفرح فيبدو أن جسدها أخذ من روح إيزيس هذه السعادة البالغة فنسيت آلامهت وارهاقها عندما همّ حتب سخت بتحنيط الجثة ثم بدأ بلف جسد أوزيريس بحرفية ليصبح أخيراً مومياء ملكية ارقده بتابوتٍ نقشته إيزيس بيديها ورسمت تفاصيله بدقة وسجلت بأعلاه
أوزيريس. أعظم ملوك مصر
ألقت نظرة أخيرة عليه وأقفلت التابوت وظلت بعدها بضعة أيام تكتب قصتهما على جدران الكهف دون كللٍ او ملل ليعرف العالم ماذا فعل ذلك الشيطان ست برمز الحب إيزيس وأوزيريس.
وكانت نرجس صامتة لاتحرك ساكنـاً تركت إيزيس تنهي مابدأته واكتفت بالمشاهدة وحسب وإن كانت تشعر بالغبطة لأنها أخيراً اكتشفت كيف يقوم الفراعنة بالتحنيط ولمست تًلك الحروف والنقوش وعرفت معناها و قصتها.

كانت تشعر برهبةٍ عظيمة وأيقنت كم هي مهمة للفراعنة مرحلة تحنيط موتاهم ليصلو إلى دار الخلود باعتقادهم للحظة نسيت نفسها وأمها الخائنة وسمر ، للحظة تناست وائل الذي قتل والدها بكل حقد وغل وأبحرت في هذا العالم الساحر الذي طالما قرأت عنه بالكتب ولكنها الآن تعيشه وبالتفصيل وأخيرا أنهت إيزيس عملها وخرجت من جسد نرجس تحوم في أرجاء الكهف لتلقي نظرة شاملة على هذا القبر الذي صنعته ، وابتسمت راضية ووقتها ظنت نرجس أن كل شيء سينتهي أخيراً فتشجعت لتقول : والآن بعد كل الذي حققته ياإيزيس أعيديني لزماني ولننفصل فهاهو ذا زوجك يرقد بسلام وطمأنينة .
فجأة صرخت إيزيس : لااا لم أحقق انتقامي بعد
مازال هنالك الكثير لافعله .
صمتت نرجس لمعرفتها الأكيدة أن كلام إيزيس هو الذي سينفذ وليس عليها سوى الطاعة والمضي قدماً في هذه الرحلة التي لن تنتهي إلا حين تقرر هي ذلك وعاودت ايزيس احتلال جسد نرجس وخرجت من الكهف. مشت عدة أمتار تحت اسوداد الليل وبين مدافن أجدادها الفراعنة احتضنت تلك التميمة وبدأت بترتيل تعويذة
ألقت نظرة أخيرة من حولها ، أغمضت عيناها وقالت حان وقت الرحيل "
*****
*****
رأيكم يهمني ^ - ^

بين عالمينWhere stories live. Discover now