part (10)

3K 237 14
                                    

((ميونخ -المانيا ))

-هيا سنتأخر أسرعي.
قالها لزوجته وهو يعقد ربطة عنقه ويهندم بذلته السوداء فقاطعته بتململ :
-أووف ياسين ألا تستطيع الصبر قليلاً سأنتهي بعد برهة كما أنه أمامنا بعد ثلاث ساعات على موعد الطائرة.
زفر ضيقاًمن جدالها المتواصل بكل شيء وهتف بها
-وكأنك لا تعرفين كم الطريق بعيد هاا!! وأصلاًا ما الداعي لكل هذا الهراء ؟! وكأننا ذاهبون إلى حفلة ؟!"
-هيا اصمت لم أكثر من مساحيق التجميل لتتكلم معي بهذه الطريقة كما أنني انتهيت فلا تفتعل مشكلة الآن حسناً!
حمل الحقائب حانقاً عض على شفتيه غيظًا واستبقها على السيارة ،وبدأ يعيد النظر لأوراقه الشخصية وجواز السفر وبطاقات الحجز والنقود اطمأن عليهم للمرة الألف وتنهد عندما ركبت أخيراً إلى جواره ناظرةً بطرف عينيها الكحيلة التي كاان يذوب فيهما عشقاً قبل بضع سنوات.
أدار محرك السيارة وانطلق ينهب الطرقات حتى قطعت رولا ذلك الصمت المخيم بينهما
-كنت أرغب في توديع اهلي .
فصحح وضع نظارته بعصبية وزفر قائلاً:
-الم تبقي عندهم طوال الأسبوع الماضي لتوديعهم أم أن هذا لاا يحسب ،وأصلاً مالداعي لتوديعهم ، إنها مجرد رحلة لعينة لبضعة أسابيع فقط ؟
-ياسين أنت دائما هكذا وكأ ...
دعس على الفرامل بقوة كانت تطيح براسها على الزجاج وصاح
شش وصل خالد اصمتي الآن "
-حسناً سأخرس وكأن خالد هذا كان ينقصني
خالد:السلام عليكم لم اتأخر أليس كذلك؟
ياسين:وعليكم السلام.لا لم تتأخر ولكن إن بقيت واقفًا مدة اطول ستفوتني الطائرة هيا اصعد.
تدحرج خالد وارتج وهو يجلس على المقعد الخلفي للسيارة

كان خالد بديناً جداً لدرجة أنك تشعر بأن كرشه وأردافة ستندفع متفجرة بأية لحظة من فوق عظامه..وجهه مستدير ممتلئ يبعث على الارتياح والثقة وابتسامته لاتفارق محياه وهذا ما ساعده في عمله كطبيب نفسي فبمجرد رؤيته يتبدد الخوف لدى المرضى ويشعرون بالأمان والسكون وهو إن صح التعبير نقيض ياسين بكل شيء اللهم إلا من حظهما السيء الذي يوقعهما بالمشاكل أغلب الاوقات
أما ياسين فهو طويل جسمه رياضي متناسق بشرته بيضاء عيناه زرقاوان حادتان ورثهما من والدته الألمانية تقدحان ذكاءاً وفطنة لولا أنه يخفيهما تحت تلك النظارة التي لايستطيع خلعها لنقصٍ في نظره
كان يعشق التشريح بجنون منذ صغره فكم من ضفدع مسكين فقد أعضائه بسببه و حتى سحلية تقطعت أوصالها بين يديه، حتى كبر وتخرج من كليه الطب واختص بالجراحة ومع هذا سعى جاهدًا للعمل كطبيب شرعي ونجح في ذلك..
كان يعشق حالات التشريح المتعلقة بجرائم القتل العنيفة وخاصة عندما يقف بشموخ أمام المحقق ليخبره بسبب الوفاة وساعتها وأثرها على جسد الضحية وكأنه كشف سراً غامضًا أو حل معضلةً كبيرة ولكن والحق يقال أنه كان بارعاً في عمله فنشأت علاقة فريدة بينه وبين موتاه المساكين فكان يحدثهم ويمازحهم وكأنهم يحتاجون من يؤنسهم في هذا المكان البارد الموحش!
أما المتدربون فيعتقدون بأنه مخبولٌ نوعا ما وخاصة الجدد منهم حتى اعتادوا على طبعه الغريب مع الموتى وتماشوا معه بل وأقروا بنجاحه رغم سنه الذي لم يتجاوز الخامسة والثلاثين ..
ومشكلته الوحيدة كانت ابنة طبيب عربي يعمل معه بنفس المشفى .
رولا ذات العيون العسلية والضحكة المخملية التي أذابت قلبه وخلبت لبه وذاق المر واستدان الآلاف حتى تزوج بها ولكن هذه المشكلة ما لبثت أن اصبحت كارثة بعد الزواج فطباعها العنيدة عن تحرر المرأة واستقلاليتها التي استمدتها من الغرب وتذمرها الذي لاينتهي قلبت حياته لجحيم حقيقي فكان يتهرب منها أغلب الاوقات ليقضيها في المستشفى أو في المشرحة بين موتاه الاعزاء لقوله:
(انتم هو عشقي الوحيد ).
وحكمته التي تعلمها بعد الزواج "المرأة الجيدة هي المرأة الميتة لأنها لا تنطق.

بين عالمينحيث تعيش القصص. اكتشف الآن