part (4)

5K 319 56
                                    

ساعات انقضت وهي حبيسة هذه الحجرة الواسعة، كانت نرجس لاتفقه شيئاً مما يدور حولها وبها، تصرخ بجنون وكأن هنالك قوى خفية تتحكم بها وكأن إرادتها قد سلبت منها ، والأهم من هذا كله مازالت غير مصدقة أنها بأرض الفراعنة بل وتشاهد بثاً مباشرة لأسطورة أوزيريس التي قرأتها مرارًا في طفولتها ! وبدأ صدى الصوت الأنثوي بعقلها يشدو و ينوح بعبارات غريبة :

قتلتم حبيبي ومليكي
وحيدة صرت وسط الوحوش
خيانة بقصري أودت بعرشي
قلبت حياتي ودمرت ملكي "

الكلمات تتبثق بتلقائية من داخل عقلها وكأن روحًّا شيطانية قد استحوذت عليها، هل تعاني مساً شيطانياً حقاً ! أو هلوسة بسبب ما عانت منه طيلة سنوات الظلم والحرمان ؟، تعددت الاحتمالات في رأسها لكن الأكيد أن هنالك من يسكنها ويتحكم بها بالتاكيد طبعاً اثناء الحلم فلا تفسير آخر بالنسبة لديها ،وحتى لو كان حلماً فستعيش احداثه حتى النهاية .صاحت بها نرجس وهي تمسك برأسها وتصرخ ألما وكأن جيوشا تنشب حرباً طاحنة داخل رأسها :

-من أنتِ يامن تسكنين روحي وتتحكمين بي ؟
فبدأ الصوت بالنواح من جديد :
-أنا إيزيس.... عروس النيل وحبيبة الفرعون الأعظم.
صمتت نرجس لثوان وهي تحدق بالفراغ بعد أن التمست استجابة من تلك الروح فعادت تسألها بفضول وتوجس وارتباك

:ما..... ماذا تريدين مني ؟
لكن الصوت صمت، وطال صمته حتى عاودت نرجس محادثتها من جديد : أجيبي على تساؤلاتي رجاءاً .
بعد صمت قصير تكلمت الروح :
-،من يقطنون قصري، تآمروا ضدي وضد الملك، قتلووووه .....فٱزهقوا روحي.

سمعت نرجس تلك الكلمات فقالت مجدداً:
-ماذا تريدين مني لما تفعلين هذا بي؟ ماشأني أنا بكل ما يجري معك ؟؟..
صاح الصوت من جديد :
قفي واستعدي للانتقام فهاهوذا النيل قد بدأ بالهيجان وقلبي ثائر غضبان. الخيانة عدونا والإنتقام سبيلنا فاستعدي.

فردت نرجس بحنق:
ولكني لاأريد الإنتقام من أحد اتركيني وشأني.
صاح الصوت بعقلها يغني من جديد بطريقة مستفزة:
الأقدار جمعتنا و الفاجعة وحدتنا
الانتقام سبيلنا و التوحد طريقنا
القلب لصاحبه يبقى والجسد من الروح يؤتمر.

صاحت نرجس :كفى هراءًا لا علاقة لي بالأمر !
هدر صوت إيزيس بغضب وكأنه ينبثق من كل مكان يحيط بنرجس !
فلترحلي أيتها الشمس... فلا مكان لنورك الدافئ معنا
فلتخرجوا يا وحوش الأرض ولتقبلوا يا شياطين الليل .
ولتفيض أيها النيل العظيم فإيزيس بدأت انتقامها "

أدركت نرجس نفسها تقوم ببطئ من على الأرض وتتجه ناحية المرآة المزخرفة ذاتها وكأن لا وجود لسواها في هذا الحلم الغريب .أردفت الروح بعد صمت طال :أنتِ قدري ...وأنا قدرك
انظري لنفسك في المرآة كم تشبهيني، كأنك انا وكأنني أنتِ، أتظنين أنها مصادفة !
لم تعد نرجس قادرة على المجادلة أكثر فصمتت تحاول السيطرة على أعصابها، فتح الباب فجأة و حضر حارسان عريضا المنكبين وجهيهما ذا تقاسيم غليظة، اقتاداها إلى قاعةٍ كبيرة بداخلها عدة أعمدة منقوشة ومزينة، وآخر خيوط الشمس ترسل ما تبقى من أشعتها مودعة المكان من خلال نوافذ عريضة طويلة لاتنير بقدر ما تخفي العتمة من تماثيل غريبة الهيئة، وعلى الركن الشمالي كان (ست) واقفاً يتحدث مع كبير الكهنة وعدد من الرجال وشخص يبدو من ردائه الأسود الطويل أنه ساحر، كان يتزين بعقدٍ كبير مليء بالطلاسم وكأن آلاف الشياطين تساعدت على إعداده.
والتابوت الذي يحمل جثة أوزوريس متواجدٌ في منتصف القاعة حوله الشموع مشتعلة وكأنه طقس من طقوس وثنية !! رأها ست من بعيد ، فشف ثغره عن ابتسامة عريضة وتقدم نحوها، حاوطها بذراعيه ممازحاً :
-لأجمل عروسٍ في النيل أقدم هذه الهدية الصغيرة"
و اقترب أكثر وهمس بأذنها:
-أتعلمين أن أجمل ما ورثته من أخي هو أنتِ يا حلوتي،
ثم أردف بعد صمتٍ قصير بصوتٍ شيطاني: خطرت لي خاطرةٌ بعد انقاذك له ...... تمتعي بالعرض حتى نهايته.
وصاح مردفاً بصوت جهوري :إبدأ يا كبير الكهنة "

بين عالمينWhere stories live. Discover now