كم مضى؟

43 3 3
                                    


أنا استسلم.

إن الأرض الثابتة أسفل قدماي صرتُ أشكك ما إذا كانت موجودة أم ان هذا صنع عقلي أيضًا، عمّا لو كنت قد حصرت نفسي يومًا تحت سجن حواسّي الخمس، متمسكٍ بأغلال من المنطق والواقعية دونما أي تلاعبٍ من عقلي، أو اي صرخات شعور من قلبي ملّتِ التجاهل فصارت تتمثل بشخصياتٍ اخرى، كأن قلبي وعقلي قد عقدا إتفاقًا لنبذي، لكي اكره الجسد، لكي اكره الشعور، لأكرهني أنا.

إن مرساتي الوحيدة في هذا العالم في الفترة الماضية كانت بدر، لقد كان صاحبي، الصديق الوحيد الذي عرفته يومًا..
لكنه أيضًا كان كاملًا جدًا لكي يكون واقعي.

الثلاثاء في الثاني من يناير، أوجستُ خيفةً من أي سوءٍ قد اصاب بدر بينما أنا أحبس نفسي في غرفتي بإنتظار عداد الأيام ليهبط للصفر، عما لو كنت قد أرسلت صديقي الوحيد أبعد مما يلزم، ولإسكات تساؤلات الحيرة عمّا يفعله الآن ولما لم يطرق الباب ولو لمره منذُ آخر نقاشٍ بيننا، سألت عبدالله:"هل تعلم أين من الممكن أن اجد بدر؟"

كانت إجابة عبدالله:"بدر مَن؟ نَحْنُ لا نملك أي صبيٍ هنا بهذا الاسم!"
كل ما يستلزمه الأمر ليتحول كل ما كنتُ اعرفه، كل يقينٍ ثابت استندُ عليهِ كلما أفقدني عقلي القدرة على معرفة ما هو واقعي، كل أسبابي المتبقية لأملك أفكارًا اخرى عما قد تؤول إليه صراعاتي، لسراب، لخدعةٍ واهية، لكفر بكل فكرة قد إعتنقتها أو لأي إيمان.

هل كان بدر محاولات قلبي لسد باب الوِحدة الذي عاث فيه فسادًا لوقتٍ طويل؟
هل ملّ قلبي من الركوع، من ضمِ راحة اليدِ لراحة اليد ومناجاتي مرارًا وتكرارًا لأتوقف عن بناء الحواجز، لأسمح لعيناي أن تستبصر محاولات الآخرين للإقتراب، لفتح محادثةٍ ما، لسماع صوتٍ آخر يخاطبني، صوتٌ لا يكرهني أكثر مما افعل، لا يريد بي سوءًا اكثر مما أريد بنفسي، لذلك جرب مناجاة عقلي لخلق شخصٍ ما يسدُ هذا الفراغ؟

إنها حياتي، إنه جسدي، إنهما عقلي وقلبي ولكني لم أعد اعلم بعد الآن..
لا اعلم كم مضى منذُ اخر مرةٍ قد كتبتُ فيها، أو تكلمت، قضيتُ فترتي السابقة محدقًا بالسقف متسائلًا عما إذا كان واقعيًّا هو بدوره، متجاهلًا أي صوتٍ يحاول خلق حديثٍ ما برأسي.

إنها حياتي، إنه جسدي، إنهما عقلي وقلبي ولكني لم أعد اعلم بعد الآن لو كانوا ملكي..
الأصوات والشخصيات تستحلُ هذا الجسد بضراوة، هناك قتالاتٍ ومناقشاتٍ حادة للسيطرة، لفرضِ فكرة
كمسرحيةٍ مكررة مرارًا وتكرارًا حتى فقدت عنصر الدهشة أو الجذب، هذِهِ هي الصراعات بداخلي..
وأنا، كمتفرجٍ قتلت محاولاته للفهم، لخلق نهاياتٍ أخرى تحت وطأة هذا التكرار المُمل..
فقدتُ تركيزي
فقدتُ إهتمامي
فقدتُ ملكيتي لهذا الجسد، أو حتى الرغبة بإستردادها.

NOTE BOOKWhere stories live. Discover now