1 ديسمبر

103 7 0
                                    

غرفتي بالمهجع باردة على غير العادة، إني اسمع صوت رياح الفراغ تعصفُ في قلبي..
الجميع يتصرفون بطبيعية، إنها ذكرى وفاة أبي لكن الجميع لا يتصرفون وكأنها نهاية العالم، إنها فظاظة منهم.. يجب أن يظهروا بعض الحزن على الأقل، أن يتشاركوا معي هذا الحمل على صدري، فمهما بكيت، إن الحمل لا يزال بنفس الثقل.

إن تساؤلي في كل مرّه يقتلني، عن ماذا لو لم تختار أمي إنجابي؟ هل كان يمكن أن يكون الحال لهما أفضل؟
أن تتبنى طفلا آخر، أكثر طبيعية، وأنا متأكد من قدرتهما على إعطائه كل الحب الذي يريده.
فهو لن يقتلهما على أي حال، مثل ما فعل ابنهما.. ابنهما الذي لا يستحق العناء حتى.
ديسمبر، شهر المعجزات.. لكنّه الشهر الذي سَلب مني معجزتي الوحيدة.
إن الله يعلم أني سيء لأحظى بأي معجزات، فأنا وعلى طوال سنيني الفائتة كل ما كنت أفعله هو إستنفاذ بريق الحياة من معجزتي الخاصة، لذلك أعاد الله أبي إليه.. لأني لا أصلح لأي شيء، لأني أكثر نقصًا من الجميع، ولأن داخلي، لأن شخصي الحقيقي وما أنا عليه مريع. شديد السواد.
أنا أفتقده، انا لم أكن اشعر قبلا بالحياة.. لم أكن أشعر، لكن حياتي لم تكن فارغة جدًا كما هي عليه الآن، كان صوته يقطع ضجيج أفكاري دائما، كانت قصصه تسحبني من براثن التفكير المزعج للحياة، للدفء، إليه.
كان يؤمن بي، بأنّي أفضل ما يمكن أن يحصل عليه أي أب، وأن الجميع غير مبصرين لأنهم لا يرون ذلك.
أنا لا أعرف طبيعة المشاعر أو الشعور، حتى أن أدويتي المضادة لإكتئابي ولهذياني وذهاني تقتل أي نهضة أحاسيس بي، أو تفكير، كما لو كانت غيمة ثخينة تهيمن على بصيرتي وحسّي لتقوم بحجبهم بشكلٍ كامل..
لكن، هنالك شيء ما.. يجعلني أكره رؤيتي في المرآة، يجعل أكبر مخاوفي نفسي، وكل ما أتعالج منه لسنوات في الواقع هو خوفي من كوني ما أنا عليه.
أعتقد أن الأمر بدأ بعد موت أبي لأني وقتها كنتُ املأ الفراغ الظاهر بيسار صدري به، ولأني كنتُ احمله يسار صدري كل ما كان ينبضُ فيّ هو بياضه الذي كان يقاوم سوادي الخاص.
أتخيل نوع ترقب أبي ليوم إتمامي الثامنة عشر بعد شهر، كان ليحتفل بالأمر كما في كل مرّه.. وكل ما احمله لذاك اليوم أنا الآن، الكثير من الذكريات السيئة، في الواقع، كل عام يتجددُ كرهي لهذا اليوم.

إنها تمطر الآن.

يبدو أني لستُ وحيدًا في نهاية الأمر، إن السماء تشاركني حزن هذا اليوم.. أو هذا ما أريد أن أظنه.
إن نومي بالأمس كان مليئا بالكوابيس.. لم أستطع أن أرى السلام ولو لساعة.
هناك فلم ما كانوا يشاهدونه قبل أسبوع هنا، وأتى ذاك المشهد التي تركضُ فيها الفتاة لأبيها من الكابوس السيء.. كان الأمر مضحكًا أن أتمنى فعل الأمر نفسه بينما أنا بهذا العمر، لكنّي كنت مشتاقًا للإرتماء بحضنٍ ما، للإحساس بنبض أبي من جديد.
أعني، أنا أناضل لاجد اسبابًا لأرغب بالعيش الله يعلم بذلك، يعلم كم اردتُ إنهاء الامر والموت فقط لكني اتراجع في كل مره لأني لا اريدُ التخليد طويلًا بعيدًا عن أبي، فإن هذه الحياة القصيرة طويلة جدًا علي لأخوض بها بدونه فكيف بالخلود؟
لذلك أنا اناضل كي لا اتخذ قراراتٍ ساذجة تجعلني بائسًا اكثر.
إن الدموع تبللُ أوراقي، وتحجب عني الرؤية الصحيحة بسبب الضبابية، وعقلي.. إن عقلي مليء بأفكارٍ بلا أي صلة ببعضها.
أعتقد أن الغد سيكون أفضل للكتابة, فكل ما يخطر ببالي الآن أني حزين.. حزينٌ جدًا.

NOTE BOOKحيث تعيش القصص. اكتشف الآن