4 : الحضور

16.2K 2K 77
                                    

فتحتُ عينيّ بصعوبة ثم التفت ولم أجد هيلين بجانبي، ولكني وجدتُ ورقة فوق الطاولة.

"لم تستيقظي واضطررتُ للخروج للجامعة بسيارة أُجرة، لقد نكثتي بوعدك :( - هيلين - (لن أضع القُبلات لأني غاضبة)"
ضحكتُ على رسالتها الطفولية، ولكني شعرتُ بأنه يجب عليّ الخروج أيضاً لأني لن أتحمل فكرة الجلوس في المنزل وحدي.
لم أتناول إفطاري ولم أقم بغسل أسناني حتى، كُل ماكان يشغل تفكيري هو الخروج وقتل الوقت حتى تنتهي هيلين من جامعتها.
ارتديتُ ثيابي ثم خرجتُ من غرفتي ولكن..
تجمد الدّم في عروقي وقد تسارعت نبضاتي حين رأيتُ السلاسل والأقفال الحديدية التي تملأ باب الخروج.
فقدتُ صوابي ولم أعرف ماذا أفعل، شعرتُ وكأن قلبي سيخرج من بين أضلاعي لشدة نبضه.
لا أملكُ خياراً آخر..
ركضتُ نحو المطبخ وأنا أرتجف، ثم فتحتُ أحد الأدراج وسحبتُ السّكين الحاد ثم وجهتهُ نحو معصمي.
سمعتُ صوت ستائر النوافذ تُغلق وحدها وبدا البيتُ مُظلماً دون أشعة الشمس.
ركضتُ نحو مفاتيح الإضاءة ولكنها لا تعمل.
وكُلما أفتحُ الستائر تُغلق مُجدداً بعُنف.
تجمدتُ مكاني في البيت المظلم، وقد أضعتُ السّكين الذي كنتُ سأنهي حياتي به.
سحبتُ هاتفي من جيب بنطالي وفتحتهُ ليُضيء لي ولكن عندما أضاء الهاتف رأيتُ عينين خضراوين تُحدّقان بيّ.
صرخت بكُل قوتي وأطفأتُ الهاتف.
هدأتُ قليلاً ثُم أضأتُ هاتفي مُجدداً، لأجدَ رجُلاً نصف عاري يجلسُ في الركن مستديراً ليواجهني بظهره.
كان ظهرهُ مليئاً بالندوب والجروح وقد بدا وكأنه إنسان وفي الوقت ذاته لم يكن إنساناً.
"دعني وشأني، أرجوك." قلتُ باكية.
لم يُجيب ولكني أستطيع سماعه يتنفس من رُكن غرفة المعيشة.
"ماذا فعلتُ لك؟ لماذا أنا؟" عُدت أسألهُ باكية.
"إيڤيان." سمعتُ صوته ينطلقُ من الركن، وسقط الهاتف من يديّ.
بدا صوتهُ خشناً، ضخماً، ومرعباً.
ما الذي يحدث؟
لا أملكُ الجُرأة الكافية لأنهض وأجلب هاتفي فبقيتُ مكاني.
"ألن تشكُريني؟" سأل، وكُلما سمعتُ صوته كُلمّا إقشعرّ جسدي.
لا أستطيع رؤيته جيداً في هذا الظلام ولكن صوتهُ فقط كان كفيلاً بإرعابي.
"علامَ؟" همستُ مُرتجفة.
"لولايَ لما كُنتِ حية تُرزقين." عاد يقول وقد سمعتُ صوته من زاوية مختلفة عن الرّكن، بدا صوته أقرب.
"أرجوكَ لا تقترب.." همستُ مجدداً وقد أغمضتُ عينيّ بشدّة.
"لا تتركيني." همسَ صوتهُ بجانب أُذني.
صرخت ولازلتُ مُغمضة عينايّ، لا أُريد رؤيته ويُرعبني.
"إيڤ!" سمعتُ صوت هيلين.
فتحتُ عينيّ لأجد البيت مُضيء وهاتفي بجانبي، وباب الخروج مفتوح، بإختصار.. كُل شيء كما كان.
"لماذا تصرخين؟!" سألتني مندهشة.
"إنسي الأمر.." قلتُ لها وأنا أمسحُ دموعي.
هي لن تصدقني، وستظنني مجنونة.
لربما أنا فعلاً مجنونة..
ولكن ما الذي كان يقصده؟
كيف لولاه لما كنتُ حيّة أُرزق؟
"إيڤ، إنكِ تُقلقينني." قالت هيلين وقد وضعت حقيبتها جانباً وجلست بجانبي.
"قلتُ إنسي الأمر ياهيلين." قلتُ بحدة.
"أهذا سكين؟" سألت هيلين بصدمة وهي تنظر للسكين الملقي فوق الأرض.
لم أُجيب.
"لقد كُنتِ تنوين الإنتحار لو لم آتي! إيڤيان أجُننتِ؟!" سألت هيلين غاضبة.
"هيلين كُفي عن الضغط عليّ! أنتِ لا ترين ما أراه ولا تشعُرين بما أشعر به!" صرختُ بها.
"ولكن هذا لا يمنعني من محاولة حمايتك!" جادلتني.
"لا أحتاجُ حماية أحد!" جادلتُ بالمقابل.
"حسناً إذاً!" صاحت هيلين حانقة وقد ظهرت عروق عنقها.
ثم نهضت وجمعت أغراضها وخرجت.
لقد أخطأت بصُراخي ولكنها لا تعلم ما أعيشه، لا أحد يعلم..
صوتُ الرجل لازال يتردد في أُذني "لا تترُكيني."
ما الذي يقصده؟
كُل ما فهمته مما حصل هو أنهُ لا يُريد إيذائي وهذا جيد.

خطيئة | h.sWhere stories live. Discover now