فتاة مريبة

24 1 0
                                    

...حدقت بالجسد يهوي ببطء حتى استقر بلاحراك على الأرض الباردة ثم التصقت أنظاري  بالرأس الذي هبط إلى الأرض قبل مدة وجيزة، لأحدق بعدها بالفراغ أمامي...شعرت بدوار عنيف في رأسي وترنحت في مشيتي عدة مرات، لقد اعتدت القيام بهكذا أمور إذاً لماذا أنا مضطرب بهذا الشكل؟..آآه رأسي..
"كيلوا"
تنبهت إلى صوت خفيض ينادي، كان الظلام دامساً والمكان خال، أين أنا الآن؟
"كيلوا" ارتفع الصوت
(من..من هناك؟) كان سؤالاً على طرف لساني إلا أني لم أقدر على التلفظ به.
"يبدو أنك لم تمزني، لابأس، أرجو منك ألا تفزع من ما أنت فيه..من الظلام..من السواد..من الوحدة..أمور اعتيادية صحيح!"
لم أجب، لم يكن بإمكاني الإجابة على أية حال
"علمت أنك توافقني الرأي..{قهقهة صغيرة}.. أردتُ فقط التأكد من أنك بخير، تعرف، ظروف الحياة قاسية للغاية..بالمناسبة لا تسمح لهم بالتهامك فهم يريدون ذلك بشدة، أو على الأقل لا تكن لقمة سائغة"
ما الذي يتحدث عنه، أنا...
"أنت لا تفهم شيئاً ها؟ لا عليك، ستفهم عاجلاً أم آجلاً ، أعدك...اعتني بنفسك"
"ماذا؟...
.
.
فتحت عينياي بصعوبة، متى أصبح جفني بهذا الثقل؟..لحظة أين أنا؟ كنت مستلقياً في شيء يتحرك، لم اجد قوة كافية لرفع جسدي والتأكد من مكاني، فحاولت على الأقل أن أتكلم فقط..
" أي..أين.."
"آه كيلوا ساما استيقظ أخيراً؟"
"ماذا"
شعرت أن ذاك الصوت بدد ضباب رؤيتي، فهو مألوف! رفعت قامتي بهدوء وصداع مدوي
"أما..أماني؟"
"صباح الخير كيلوا ساما أرجو أنك نمت جيداً"
"متى جئتي إلى هنا؟"
"كيلوا ساما نحن في السيارة، كما أنك أنت من جئت إلي وليس العكس"
"حقاً؟ متى؟"
"ما بك سيدي الصغير؟ لقد جئت منذ حوالي نصف ساعة"
هل هذا معقول؟
"في الواقع، بدوت متعباً بعض الشيء وشارداً بشكل كبير، حتى أنني عندما سألتك عن كيفيّة مرور الوضع لم تجبني"
"أنا فعلت ذلك؟"
أنا لا أذكر أصلاً أنني عدت، لقد كنت خارجاً من تلك الغرفة ثم..ثم..ثم ماذا؟
"سيدي الصغير، ربما أصبت بالحمى، هل تريد أن نمر على الطبيب في طريقنا؟"
"لا.. لاداعي، أنا بخير"
.
.
.
{صوت فتح باب السيارة}
"تفضل سيدي"
" وأخيراً وصلنا، كانت رحلة طويلة بالفعل"
"أجل،{ضحكت بقلة حيلة} للأسف لدينا أطول منها غداً"
"آه معك حق"
"حسناً سيدي الصغير، لتدخل الآن وبسرعة لتغير ملابسك وتأكل وترتاح{أردفت بابتسامة}"
"هيا"
فعلت ذلك بعد دخولنا إلى غرفة الفندق، وبعد مرور مدة وجيزة شعرت برغبة بالحصول على بعض الهواء النقي، فذهبت للتنزه وحدي بعد أن أخبرت أماني أنني أحتاج إلى القليل من الوقت مع نفسي، لم تعترض على ذلك وبادلتني بابتسامة.
{خرج إلى الشارع وراح يتجول}
التمشي في الهواء الطلق مريح حقاً، صرت أعتمده كثيراً في الفترة الأخيرة، نظراً إلى ما أحس به من إرهاق وضغوطات، وسواء كان الجو صيفاً أم شتاء فالحال واحد، في الصيف، يوجد نسيم خفيف يلاطف الوجه بنعومة ويدغدغه فيهون عليه القلق والضيق، وفي الشتاء، تدفع الريح القوية المشاكل والهموم وتنحيها جانباً، لتكون النتيجة في النهاية تقضي بالراحة.
" أليس الجو جميلاً اليوم؟"
استدرت للخلف ببطء لأرى صاحب الصوت، وكانت مفاجئة
"ييي، آسفة إن أخفتك، أحب الظهور بشكل مفاجئ وقد اعتاد أصدقائي على ذلك، نسيت أنك لا تعرفني جيداً"
كانت الفتاة ذاتها ذات الشعر الوردي مجدداً..هل هذه صدفة؟  ثلاث مرات متتاليات، بدأ الأمر يصبح مثيراً للشك، ثم لماذا قدمت من الخلف؟ هل تعمدت السير خلفي؟
"لا تنظر إلي هكذا!! ما أنا بحاملة سوء، حسناً، على الأقل ليس بالنسبة لك"
تراجعت إلى الخلف في حذر وتشكيك، فأردفت بانزعاج طفولي:
"هاااي! قلت لك أني لا أنوي شراً، كف عن التصرف بهذا الشكل الحذر"
"ماذا تريدين" قلت بعينين ضيقتين
"عندما نبدأ الحديث مع أحد نقول مرحباً أهلاً كيف حالك ما الأخبار وليس{قلدت نبرة صوته الحادة} ماذا تريدين"
" ماذا؟ هل أعرفك أصلاً ؟"
"ممم.. صحيح أننا لسنا مقربين ولكننا التقينا بالطبع"
"أجل، بالحديث عن ذلك، أظن أن هنالك شيئاً خاطئاً في الأمر"
" ماذا تقصد؟"
"التقينا في محل الحلويات صدفة، ثم بالشارع صدفة والآن في منتصف الطريق أيضاً صدفة...هذا لا يبدو طبيعياً"
"آه محل الحلويات ذاك إنه الأفضل!"
"لا تغيري الموضوع" صرخت بوجه واجم
"اهدأ يا قليل الأدب ولا تصرخ، أنا أكبر منك، عليك احترامي!"
"أجل معك حق، نسيت أنني أتحدث إلى عجوز"
"عجوز ها؟ لعلمك أنا في الثالثة والعشرين شابة في مقتبل العمر ولا وقت لدي لأضيعه مع طفل صغير"
" ألست من بدأ الحديث أساساً؟"
"ربما أنت محق"
"هلا قلت مالديك بسرعة" أردفت بملل
"بصراحة، أنا لم أتبعك لسبب معين"
"تتبعينني؟"
"أوه أجل، أتذكر محل الحلويات الذي رأيتك فيه أول مرة؟ حسناً، أنا أذهب إليه كثيراً حتى قيل أنني سأصاب بالسكري! المهم، لأنه يقع في حي مغلق ومحاط بعصابات المافيا والمجرمين أصبح السكان الأصليون فقط هم من يتجولون في تلك الشوارع وبات نادراً جداً أن ترى وجهاً جديداً، إلا من يستطيع التغلب على رجال المافيا"
" وإذن؟!"
" وإذن، عندما جئت أنت علم الجميع أنك غريب عن المكان بمن فيهم أنا، كنت متحمسة لسؤالك عن كيفية وصولك إلى هنا ومازاد حماسي هو رؤيتي لمدى نهفك بالحلوى مثلي تماماً، ولكن هذا الحماس أخذ يتلاشى عندما تحسست أصابعك"
" مابها أصابعي؟"
" لقد كانت تحوي الكعديد من الالتواءات والانحناءات التي تدل على أنها مدربة بإتقان،كانت جميلة بالفعل!"
"كيف عل..."
"لا تسألني كيف ميزت ذلك منذ أول مجرد اللمس، لأنني{ وأبرزت أظافرها تماماً كأسلوب كيلوا وابتسمت بمكر ممزوج ببراءة} أنا أيضاً أجيد هذا الأسلوب"
تدفقت منها هالة لا تبعث على الراحة، جعلتني أجفل لكنها سرعان ما تلاشت لتعود تلك الابتسامة المرحة وتقول بصوتها الطفولي:
"على أية حال، وجود طفل غير مألوف بمفرده في الحي ويستطيع تعديل أظافره لتصبح كالسكاكين أمر يثير الفضول أليس كذلك؟ أوه كما أنني حين خرجت سمعت المارة يثرثرون عن طفل غريب خرج من زقاق عصابة الظلال قطعة واحدة بل بدون خدش واحد حتى! استفسرت أكثر عن شكل الفتى وعلمت أنه أنت، الأروع من ذلك أنني عندما ذهبت إلى الممر المذكور لأرى ماذا حل بتلك العصابة وهناك كانت الصدمة، جميعهم قد أغمي عليهم، كنت متأكدة أنك من فعلت كل ذلك فصرت أبحث عنك قاصدة الحصول على فرصة للتحدث إليك وفي اليوم التالي وبينما كنت أبحث أبصرتك تسير مع امرأة ترتدي بذلة رسمية، لم أرد أن يتواجد معنا أحد فلم أتكلم واكتفيت بمراقبة وجهتك حتى عثرت على مكان إقامتك الفخم، في اليوم الذي يليه لم تخرج إلى في الصباح وركبت سيارة سوداء وعدت قبل حلول المغيب، وقد كررت ذلك صباح اليوم أيضاً، فكرت باللحاق بالسيارة لكني شعرت بالضجر والكسل في هذه الساعة المبكرة فلم أفعل وانتظت عودتك..إلا أنك عندما عدت..كان ثمة قطرات دماء متناثرة على ملابسك... أتعلم، في تلك اللحظة فقط بدأت أشك في هويتك..أسلوبك، مهارتك، قوتك، برودك،وجود خادمة منضبطة برفقتك وأخيراً قطرات الدماء...أنت قاتل مأجور صحيح؟!"
"م..ن..من أنت؟" سألت بتعلثم
"لاتقلق{رفعت يديها كمن يسلم نفسه} سبق وقلت لك أنني لا أنوي سوءًا، أعجبت بشخصيتك فحسب"
"ماهذا الذي تقولينه؟"
"{قهقهة} أيها الفتى، يبدو أنها المرة الأولى لك في هذه المدينة"
"ماعلاقة هذا؟"
"هل سمعت بالعنكبوت من قبل؟ أنا واثقة بأنك لم تفعل!"
" لا يهمني!"
" العناكب هم أحد أشد العصابات في العالم، المعلومات عنهم ضئيلة ولا تذكر، يجوبون العالم حيث ليس لديهم مكان للاستقرار، ولكنهم في الوقت الراهن يعسكرون في أحد أوكارهم في يورك، أجل، إنهم هنا، والمثير أيضاً أنني عضوة منهم"
"يوجد عشرات العصابات هنا ما الفرق؟"
" لا لا يا صغيري، لا تقارن العنكبوت بمافيا الشوارع، أنت حقاً بحاجة إلى الخبرة{ وضعت يدها على ذقنها مفكرة ثم ابتسمت} لدي فكرة سأعرفك عليهم!"
"أتعرف على من؟"
أردفت بينما أمسكت معصمي وهمت بجري معها
"بزملائي، سيرحبون بطفل موهوب مثلك، لكن لا تغضهم"
"لا أريد المجيء!"
تذمرت وسحبت يدي من يدها، فجهدت حاجبيها وقالت مع ابتسامة صغيرة:
" عنادك هذا دليل على قلة وعيك بأمور عديدة{تنهدت وهي لا تزال مبتسمة} صحبتك ستكون ممتعة بلا شك...أتعرف، الجو أخذ يصبح بارداً قليلاً، دعنا نتحدث في مكان آخر"
أشارت بيدها إلى مقهى قريب، لم أعترض، كنت أنا الآخر قد بدأت أشعر بتقلب الطقس وميوله إلى البرودة، يوجد ما تخفيه هذه الفتاة، على كل حال، دخلنا المقهى وأنا أحسب أن هدفنا هو التحدث فحسب لكنها صدمتني حين بدأت تفكر في طلبها وصدمتني أكثر حين سألت:
"ألن تطلب شيئاً{ بدأ لعابها يسيل} لديهم هنا مثلجات الدراق والعسل وعصير التوت البري المشكل مع قطع الأناناس، هيا هيا اطلب بلا خجل"
لم أرفض عرضها الكريم وسمحت لها باستضافتي، كنت آكل بتأني على عكسها فقد كانت تأكل كالأطفال مع أنها نعتتني بالطفل منذ قليل، هل تبدل الحال الآن؟..بينما كنت أراقب طفوليتها المضحكة تذكرت داني فضحكت.
"لماذا تضحك؟"
"تذكرت أحداً أعرفه"
"حقاً هل هي جميلة مثلي؟"
"هو ليس هي"
"ماذا؟ هل تشبهني بفتى؟"
"وأين المشكلة، لديكما نفس الصفات تقريباً"
"هذا يعني أنه ذكي وقوي وأنيق مثلي؟"
"ماذا؟ أقصد طبعاً طبعاً، في الواقع إنه مضحك ومرح...اسمه داني و.."
"انتظر! داني؟! ما اسمه الأصلي؟"
" اسمه دانيال ولكن قال أن الجميع ينادونه داني"
"هل هو من هنا؟"
"أجل إنه من يورك"
"أرجوك لا تقل أن له شعر بنفسجي غامق"
"ب..بلا"
"ذلك الأحمق!"
"هل..هل تعرفينه؟"
" بل قل من لا يعرفه، اذهب واسأل أي عصابة تجدها في طريقك عن دانيال جوردنز واسمع ما سيوقولونه، ذاك الفتى معروف بقبوله السريع للتحديات المجنونة، لديه اصدقاء متخلفين مثله، في إحدى المرات تحداه رجل بأن ينضم إلى العناكب حيث كان واثقًا أنه سيرفض لكنه فوجئ بقبوله الصريح دون لحظة تفكير، وانضم إلينا حقاً وظل شهران تقريباً دون أن يبدو عليه السقم{ وبدأت تضحك وهي تروي قصص لتحديات أخرى كثيرة، كان كيلوا يعرف بعضها بالفعل}....وبعد أن عاد من الغابة كان قد كسر ثلاثة وعشرين عظمة والابتسامة البلهاء تعتلي شفتيه وكأن شيئاً لم يكن..{ وسط الحديث توقفت ميتسا عن الكلام ونظرت إلى كيلوا باستهجان}
"ولكنك يا كيلوا لست من هذه المدينة فكيف التقيت داني؟"
أخبرتها عن القصة كاملة
" هكذا إذن!"
نظرت إلي بحدة من الأعلى إلى الأسفل
" لكنك لا تبدو من الزولديك أبداً"
"ماذا تقصدين؟"
"أقصد أنك مرح ومنفعل، وليس كما سمعت، يقول البعض أن أطفال الزولديك منذ نعومة أظفارهم يعدمون مشاعرهم ويتبعون الظلام"
أحنيت رأسي في حزن وزممت شفتاي بأسى، لتلفتني عبارة كنت بحاجة ماسة إليها:
"لكنك مختلف"
فأخذت أردد في رأسي ، أنا مختلف..أنا مختلف، لاحظت ميتسا تعابيري وحدقت بي بنظرات لم أفهمها وابتسمت بشكل يبعث على الراحة
"أتعرف، هناك شيء عني لم أخبرك به، أنا ماهرة للغاية في قراءة العواطف والأفكار وتفسيرها ويبدو أنك تحمل الكثير منها"
ولم أجد نفسي إلا متحدثاً لها عن أمور كنت أخشى حتى مصارحة نفسي بها، لم أعلم لماذا أبوح لها بهكذا تفاصيل، ربما لأنني احتجت بشدة للتحدث مع أحد ينصت إلي دون مجادلة، كما أن نظرتها الجادة وعيناها الملتصقتان بي دليلا على الإصغاء ساهما بشكل كبير، على أية حال أنا لم أجد ضرراً في إخبارها، ماذا يمكن أن يحدث؟

يتبع....

1657 كلمة

الضحية القاتلةWhere stories live. Discover now