الفصل الخامس والعشرون

Start from the beginning
                                    

بعد قليل
كان واقفًا بالحديقة الخلفية للمنزل اسفل شجرة الجميز ، ينظر للخضرة في الظلمة القاتمة ، ويستمع لصوت الليل بها ، بعد أن فقد الأمل بتوديعها وقد اقتربت ساعة رحيله ، وهو مازال ينتظر ظهروها قبل ان يدلف اباها ويخرج معه ، فجأة شعر بوجودها خلفه، تقافزت دقات قلبه داخل صدره مع شعوره بكل خطوة تخطوها وهي تقترب منه ، أغمض عيناه يستمع لنبرة صوتها الحنونة وهي تردف بخجل من خلفه :
- اا مساء الخير .
التف اليها قائلًا على الفور :
- مساء الفل اتأخرتي ليه ؟ انا كنت خايف لامشي من غير ما اشوفك.
اجفلها بسؤاله فقالت وهي تناوله ورقة بيداها :
- اصل كنت ببحث على النت على الأدوية المناسبة لحالتك ، وسألت دكتور كمان ، قالي على شوية نصايح ، دونتها هنا في الورقة . 
نظر للورقة جيدًا ثم اردف وهو يرفع عيناها اليها :
- بس انا جرحي خف من ساعة ما شوفتك يايمنى ، وكل اللي باقي دلوقت جروح سطحية مسيرها تخف مع الزمن لوحدها .
قالت بتوتر :
- النصايح دي ضروري تلتزم بيها عشان بس ما يحصلش تطورات ، متنساش انك مدخلتش مستشفى ولا عملت تحاليل وأشعة .
- لو تعبت يا يمنى هانزل من الجبل اطل عليكي واكحل عيني برؤياكي ، وانا متأكد ان ساعتها هاخف على طول .
- ياشيخ والنبي ، بلاش كلامك ده ، انا اساسًا ......
شهقت ولم تستطيع اكمال جملتها فتحركت لترتد وتعود ولكنه أوقفها :
- يمنى استني طيب ، ممكن منك طلب ؟
تسمرت محلها قليلًا تناجي التماسك قبل ان تستدير اليه بثبات زائف :
- طبعًا اكيد ، قول اللي انت عايزه .
- ممكن تبقي تراعي وردة وتصاحبيها في المواعيد اللي بتحضرها في عيادة الدكتور ، اصل انا اخري المحها من بعيد لبعيد على ما ربنا يحلها .
ردت يمني :
- اكيد هايحلها ان شاء الله ويجمعكم ببعض ، انا واثقة عشان قلبي حاسس .
- طب مش حاسة بحاجة تاني يايمنى ؟
قال وهو ينظر لها برجاء منتظر الإجابة منها ، فتابع :
- اصل انتِ صافية قوي وعندك من الطيبة اللي تفتح الف باب مقفول .
تبسمت بشحوب وردت وهي تومئ برأسها :
- مش في كل الاوقات الطيبة بتنفع صاحبها ، بس لو سألتني عنك هاقولك بقلب مليان ؛ ان انت ربنا هاينصفك ويجيب حقك ، دا اللي انا حاسة بيه دلوقت .
نظر اليها جيدًا يتحقق من كلماتها التي كانت تردفها بكل تصميم ، حتى اجفل الاثنان على صوت محمد وهو يهتف عليه :
- ياصالح ، تعالي كلم ابويا جوا عشان في ضيوف عايزينك .
ردد بدهشة وعدم تصديق 
- في ضيوفى عايزني انا ! طب ازاي ؟
..........................
خطا الى داخل البيت حتى اذا وصل الى الصالة تسمر واقفًا محله وكان صاعقة قوية ضربت رأسه وهو ينظر الى اَخر شخص يتوقع حضوره ، جالسًا بين  سالم و يونس ، وكانه واحد منهم .
-  دا ايه اللي جابه ده ، هو في ايه بالظبط ؟
اردف بها صالح وهو يوجه نظرات الإتهام نحوهم ، فرد يونس على الفور :
- قبل ما تتهمنا ومخك يروح شمال ، اسمع من الراجل واعرف هو عايز منك ايه ؟
- صح ياوالدي انا لو مطمنتش لكلامه ماكنتش  سمحتلوا أبدًا انه  يدخل بيتي .
قال سالم فرد صالح بعتب :
- اطمنتلوا ! انت برضوا ياعم سالم اللي بتقول كدة ؟ دا ولده ، ابن النج........
- متكملش ياصالح .
قالها عثمان بمقاطعة وهو ينهض بملابسه الباهظة ، وهي لا تلائم ابدًا المكان ، فقال متابعًا وهو يخطوا نحو صالح رافعًا كفيه في الهواء :
إيديا الاتنين اهم رافعهم قصادك فاضين مافيهمش سلاح ، هدومي اللي لابسها تعالي فتشها بنفسك ، زي ماعمل معايا يونس وعم سالم ، جايلك لوحدي ، مش معايا رجالة ابويا اللي طاردوك ولا حتى حراسي ، انا مش جايلك وانا ناوي على شر .
- امال جايلي ناوي على ايه ؟
سأله صالح بعدم تصديق ، فرد عثمان متجاهلًا تهكمه :
- جايلك في خير يا صالح ،
اعتلت شفته ابتسامة ساخرة وهو ينظر اليه قائلًا :
- جاي في خير للي قتل ابوك ! هو انتِ فاكرني عبيط يابني ، ولا فاكر صالح بتاع زمان اللي غدر بيه ابوك وضيعه وضيع اعز ماله ، هو نفسه ماتغيرش ، طب ازاي ؟
تنهد عثمان قليلًا ثم اردف :
- انا لو ما كنتش عارف صالح بتاع زمان كويس ، مكنتش جيت دلوقتِ اكلمك بقلب مليان وانا راجل اعزل .
مط شفتيه صالح وهو ينظر اليه بتمعن صامتًا ، قبل ان يلتفت على صوت سالم وهو يخاطبهم :
- خلوا كلامكم وانتوا قاعدين عشان تاخدوا وتدوا مع بعض زين ، تعالي يا استاذ عثمان ، تعالي ياصالح ياولدي اقعد هنا واسمع منه ، زي ما سمعنا انا واخويا منه ، وميز بعقلك ان كان بيتكلم صدق ولا بيبلفنا كلنا .
اذعن عثمان وارتد ليجلس على احد المقاعد ، يثني بنطاله ، زفر  صالح قبل ان يخطو ليجلس أمامه ويستمع اليه مضطر بناءًا بعد الحاح سالم عليه ، جلس مشبكًا كفيه يتنفس بغضب قبل ان يومئ بكف  يده اليه قائلًا :
- اتفضل يا استاذ عثمان ، اتكلم واتحفني بالخير اللي انت جاي فيه ، لواحد قتل ابوك !
- وانت مين قالك ان انت اللي قتلت ابويا ؟
مال صالح اليه برأسه فقال بنبرة غريبة وخطرة :
- اسمع اما اقولك ، من البداية كدة انا مش عاوز لوع معايا في الكلام ، دا لو عايزني اسمعلك ، انت عارف ومتأكد كويس اني قتلت ابوك بأمارة التلت طلقات اللي رشقتهم في صدره ، وشوفته وهو بيتقلب في الارض قدامي .
اغمض عثمان عيناه قليلًا قبل ان يردف بنفاذ صبر :
- الله يخليك بلاش الوصف ، عشان دا مهما كان يبقى ابويا .
- ولما هو ابوك ، ماجيتش ليه وخدت طارك مني ، لا وكمان جاي تكلمني بكل برود وتقولي انا عايزك في خير ؟
سأله صالح بتشكك ، رد عثمان :
- عشان مش عايز اكرر ظلمك من تاني ، انت رشقت في قلب ابويا وصدره تلت طلقات ، بس في المقابل هو عمل ايه عشان يوصلك لقتله ؟
ضيق صالح عيناه يستمع بتركيز ، فتابع عثمان :
- انا عارف كل الحكاية ياصالح من طق طق لسلام عليكم ، وما تستغربش لما اقولك ان عارف الحكاية من أصحابها الاساسين ، اللي حضروا وشاركوا في ظلمك بسكوتهم .
- تقصد والدتك ؟
اردف بها صالح بأعين مشتعلة من الغضب ، اجابه عثمان :
- ايوة ياصالح امي ، هي اللي قدرت تلم موضوع قتلك لابويا ، لما نبهت على الخدم اللي شافوك ، محدش فيهم يجيب سيرتك ، هي اللي وصت اخوها الدكتور اللي اتولى حالة ابويا وهو بيموت ، انه يكتم الخبر ومايبلغش عن قتله ، زي ما خلته بعد كدة يزور شهادة الوفاة وتبقى وفاة عادية مش قتل وسين وجيم ، امي ياصالح دخلت لابويا وهو بيطلع في الروح وقالتلوا بالفم المليان ، عالي هاتعملوا من بعده عشان يخفف عن ذنبه في حقك ، يمكن يشفع ليه عند ربنا ويخفف العقاب !
قطب صالح يسأله بعدم فهم :
- اللي ايه هو بالظبط ؟ عشان انا مش فاهم حاجة منك .
تنهد عثمان قبل ان يقترب منه قائلًا بجدية :
- امي هاتجيبلك حقك ياصالح .
انشق ثغره بابتسامة ساخرة تحولت لضحكة غير مفهومة ، قبل ان يتوقف اخيرًا يقول :
- اهي دي تبقى صحيح نكتة الموسم ، انت جاي تهزر ياعثمان ولا دي لعبة جديدة بتلعبها امك عليا ، بعد ما خرست زي الشيطان الأخرس ، وخلتني اشيل تهمة تمس عرضها قدام العيلة كلها .
رد عثمان :
- انا عارف ان انت ليك حق متصدقش بعد كل اللي حصلك ، بس اوزنها كدة بعقلك ، ابويا اللي اتدفن بسره ومحدش عرف انه مات مقتول ، انا اللي جايلك بنفسي بعد ما دورت وتعبت عنك ، لو كنت عايز اذيتك كنت خليت رجالتي مسكوك وانت لابس النقاب في العيادة  وبتقابل اختك سرقة ، اصلك متعرفش ان اللي حصل كان بناء على اتفاقي مع سيدة ، خدامة اختك اللي والدتي شايلاها في عنيها  من ساعة ماخرجت من المصحة.
برقت عيناه صالح وهو يستوعب كم المعلومات التي يدلي بها عثمان امامه ، والذي تابع :
- انا جاي برجلي بعد ماخليت رجالتي تراقب وتعرف مكانك ، جايلك وانا مادد ايدي لك عشان تشوف الحرية وتعيش عمرك اللي جاي وتعوض اللي راح منه .

......يتبع

المطارد Where stories live. Discover now