الفصل الخامس والعشرون

7.1K 217 5
                                    

الفصل ٢٥

دافنة وجهها في جبلبابه بين يديها تتنشق رائحته وكأنها الحياة، وهي تبكي بحرقة ألم الفراق ، متى جاء وكيف تغلغل عشقه بداخل قلبها لاتعلم ؟ كيف ستقضي الباقي من عمرها وقلبها معلق بعشقٍ مستحيل لاتعلم ؟ كيف لها أن تتزوج من رجل اَخر وهناك من امتلك وجدانها بل والنفس الذي تتنفسه لاتعلم ، نزعت الجلباب عن وجهها بصعوبه بعد أن اغرقته بدموعها ، لتطويها داخل الحقيبة الجلدية الصغيرة ومعها بعض الاشياء الخاصة به  كالمحفظة وبطاقة الهوية التي اظهرت صورته بها كم كان جميلًا ووسيمًا قبل سجنه وظلمه ، وضعت معه ادويته وبعض الأشياء الضرورية التي قد تلزمه في منفاه طريدًا في الجبل.
- بت يا يمنى خلصتي ترتيب الشنطة :
قالت نجية بعد أن دلفت فجأة لداخل الغرفة دون استئذان ، مسحت يمنى بكفها على وجهها لتمحو اَثار الدموع العالقة ، ولكن قد فات الاوان .
- كنتِ بتقولي حاجة ياما ؟
قالت يمنى وهي تلتفت لوالدتها التي تسمرت محلها بعد رؤية ابنتها ، ردت نجية وهي تناولها حقيبة بلاستيكية كبيرة :
- كنت جاية اسألك خلصتي ترتيب الشنطة ولا لسة عشان اديكي الكيس دا تحطيه جمب حاجة صالح .
قالت يمنى تداري ارتباكها :
- في ايه اللي حطاه الكيس ده ياما ؟
- الكيس ده في وكٌل ونواشف يقضي بيها ايامه على ما ربنا ياخد بيده ويشفى عنه هناك .
قالت نجية ، فردت يمنى بابتسامة شاحبة :
- كويس ياما ، كويس قوي ، دا هايدعيلك اكيد .
قالت نجية بمغزى :
- انا مش عايزاه هو يدعيلي، انا كفاية عليا انتِ بس تفوقي لنفسك ، وتطلعي من الأوهام اللي انتِ عايشة فيها .
حدقت في والدتها بصدمة فتابعت نجية:
- كان قلبي حاسس من الأول بس كنت بكدب نفسي ، اصحي يايمنى وقومي اغسلي وشك وتعالي برة اقعدي معانا زيك زي بقية اخواتك ، صالح حبناه ولا كرهناه برضك في الاَخير ماينفعكيش وانت عارفة من غير ماقولك ، صح ولا لاه يابت بطني ؟
اومأت برأسها لها يمنى بأعين دامعة تظهر حجم الالم بصاحبها:
- صح ، صح قوي ياما .
...................................

بوسط الردهة الفسيحة للمنزل كان جالسًا بينهم على كنبة خشبيه بجوار سالم ومحمد ، والبنات سمر وندى في الجهة الأخرى ومعهم والدتهم التي انضمت اليهم اخيرًا ، بعد ان فرغت من مجموعة الاطعمة التي احضرتها لصالح ، يتعرف ويتسامر معهم بعد ان قضى معظم اليوم بينهم وتناول وجبتي الغذاء والعشاء معهم، وكأنه احد أفراد الأسرة  .
- يعني انتِ على كدة في ثانوي عام بقى ياسمر ، طب حلمك تطلعي ايه ؟
ردت سمر بتفاخر على سؤاله :
- ناوية بآذن الله ادخل هندسة ، عشان انا شاطرة في الرياضيات وبجيب فيها النهائيات .
- ايوة ياختي شاطرة بس هلكاني في الدروس .
قال سالم بتدخل في الحديث معهم ، زامت سمر بتأفف :
- ماهي الدروس لازم يابوي ، ولا انت فاكرني يعني هاجيب النهائي كدة لوحدي من غير مساعدة ، ماينفعش طبعًا .
ابتسم صالح وهو يرى رد فعل سالم الذي التوى ثغره بامتعاض قبل ان يردف :
- والنبي انتوا ولا حاجة نافعة معاكم ، لا اللي داخلة ثانوي رحماني ولا اللي داخلة فني برضك رحماني كلكلم ناحلين وبري وبس 
قلبت ندى عيناها دون رد على كلمات ابيها ، ولكنها تفاجأت بنظرة  غريبة من صالح نحوها ، قبل ان يتجه نحو محمد يسأله متصنع الجدية :
- وانت ياأستاذ محمد ، مش ناوي تقولنا بقى انت نفسك تطلع ايه ؟ عشان ناخد فكرة يعني ؟
- هادخل الزراعة عشان ابقى مزارع .
اجاب محمد بمنتهى البساطة جعل الجميع ينطلقوا ضاحكًين على عفويته، حتى قبله صالح بمشاكسة اثارت تأفف محمد بصوت عالي وجعل ضحكاتهم تزداد صخبًا ، بعد ان هدأوا قليلًا التفت صالح نحو سالم يسأله :
- هي الساعة كام دلوقت ؟
اجابه سالم وهو ينظر بساعة يده :
- الساعة داخلة على تسعة ونص ، يعني اصبر شوية على ما الحركة تهدى في الشارع ، عشان ماحدش يشوفك وانت طالع .
- خلاص طب انا عايز ادخل استنى في الجنينة ، ينفع ؟
قال صالح وهو ينظر بيأس لباب غرفتها التي اندست فيها ولم تخرج منها منذ ساعات .
رد سالم وهو ينهض معه :
- ادخل ياولدي البيت بيتك ، بس بقى انا هاطلع برا البيت عشان اراقب حركة الناس في الشارع وبالمرة استنى يونس اللي اتأخر قوي النهاردة مش عارف ليه ، لا وكمان مابيرودش على تلفونه .
ردد من خلفه صالح :
- خير ان شاء الله ياعم سالم ماتقلقش .
................... ...........

المطارد حيث تعيش القصص. اكتشف الآن