الفصل الحادي والعشرون

Depuis le début
                                    

بداخل السيارة الأجرة التي كانت مصطفة مرابطة تحت المبني الشاهق الإرتفاع في المدينة ، والخاص بعيادات الأطباء ومكاتب المهندسين والشركات الصغيرة ، كانت تضم يونس في الكرسي الأمامي بجوار السائق ، وفي الخلف كان سالم وبجواره صالح الذي كان متخفي بنقاب اسود غطى جميع جسده ، ولم يظهر من وجهه سوى عيناه .
- وبعدين ياجماعة احنا هانفضل مستنين كتير كدة ؟
تفوه يونس بالسؤال ، رد سالم في الخلف :
-  لسة الميعاد يا يونس ، على ملام غم فضل يبقى فاضل على كدة يجي نص ساعة .
قال يونس بتأفف :
- ولما هو لسة الوقت ، جيبتونا ليه بدري نتلطع بالساعات؟
- وه يا يونس عليك وعلى قلبك الحامي ، ما احنا ناخد حذرنا عشان نشوف الوضع ايه ، اهدى كدة وارسى ياواد ابوي لما انت بتقول كدة ، امال السواق اللي وقفنا حاله معانا يقول ايه بقى ؟
جاء رد السائق في الأمام :
- ماتقولش حاجة ياعم الحج ، انا جاي بناءًا على توصية جدي فضل بعد مأمني على السر معاكم ، والله دي قعدته في البيت على عينه ، بس هو مش عايز يلفت النظر لو حد عرفه منهم .
ربت سالم على كتف الفتى مردد :
-  بارك الله فيك وفي جدك ياوالدي ، دا راجل زين صح ،  وربنا هايجازيه كل خير  على فعله معاكم ، ساكت ليه ياوالدي ، مش تاخد وتدي معانا في الكلام ؟
قال الاَخيرة بإشارة نحو صالح الذي أخرج صوته بصعوبة من فرط ما يشعر به من قلق :
- معلش ياعم سالم مش قادر اتكلم ، خلي الكلام بعدين .
اومأ له سالم متفهمًا قبل ان ترتفع راسه على صوت السائق وهو يهتف :
- وصلوا ياجماعة وصلوا ؟
التفت الرؤوس بحدة نحو الوجهة التي يقصدها الفتي ، فا اردف لهم محذرًا :
- براخة ياجدعان اتقلوا شوية عشان ماحدش ياخد باله .
اذعنوا للطلب الفتى مضطرين، حتى اصبحوا يتابعون السيارة السوداء التي توقفت امام المبني ، وترجل منها الحراس ضخام الأجسام بملابسهم السوداء ، قبض صالح بكفه على رسخ سالم يردد بصوت مرتعش :
- وردة اهي ، اختى نازلة من العربية دلوقت ياعم  سالم .
- فينها دي ؟ انا مش شايف حد .
سأل سالم وهو يدقق النظر ، اجابه الفتى السائق :
- البنية الصغيرة اللي نازلة ورا الست الكبيرة ياعم سالم ، وراهم عمتي سيدة شايلة بتراعي الست وردة .
ربت سالم بكفه على ذراع صالح بغرض تهدئته ، بعد أن وصل اليه ارتجافه وقال مداعبًا :
- اعذرني ياولدي لو معرفتهاش من الاول ، دي بسم الله ماشاء الله عليها ، كيف الهوانم الصغيربن اللي في البندر .
- هوانم مين ياسالم ، دي تقول للقمر قوم وانا اقعد مكانك ، بقى البت اللي زي القشطة دي تبقى اختك ياصالح ؟
اردف بها يونس بعفوية اجفلت الثلاثة نحوه ، تمتم سالم بخجل من تصرفه :
- الله يخرب مطنك ياشيخ .
استدرك يونس نفسه يتمتم معتذرًا :
- لا مؤاخذة يعني ياصالح ياخوي ، دي طلعت كدة مني من غير قصد .
التزم صالح الصمت ولم يرد ، تابع يونس مغيرًا دفة الحديث وهو يبحث بجيب بنطاله :
-  اا احنا يدوبك بقى نتصل !
................................

وفي الأعلى كانت  بداخل غرفة الاستراحة بعيادة الطبيب الشهير كانت واقف  تنظر  من النافذة نحو الشارع ، لترد على المكالمة التي اتتها فجأة:
- ايوة تمام ..... ما انا شوفتها قبل ماتدخل العمارة ..........تمام تمام ، اطلعوا بس انتوا بهداوة من غير ما حد يحس وانا هاتصرف ...... ماشي سلام .
- والنعمة يا يمنى لو اتأذيت في شغلي ولا حصل حاجة للبت لكون مبلغة عنك .
قالتها الفتاة الممرضة من خلفها فالتفت اليها بابتسامة واسعة :
- لا متخافيش ، لأنه لو حصل ، انتِ مش هاتلحقي تبلغي اساسًا ، عشان هاتتسحبي على السجن دوغري من غير كلام .
شهقت الفتاة تنكزها بقبضتها :
- وليكي عين كمان تستظرفي وتغلسي بالكلام ، والنعمة انت بت ناكرة للجميل وعفشة صح .
ضحكت يمنى وهي تدلك بكفها على ذراعها لتخفيف الألم ، بعد ان ابتعدت عن الفتاة :
- معلش يارورو ، نصيبك بقى يا حبيبتي تتصاحبي على واحدة زيي عشان تورطك معاها .
صمتت الفتاة قليلًا مضيقة عيناها ثم تحدثت بجدية :
- لولا بس غلاوتك عندي ، دا غير ان البنت نفسها  صعبانة عليا ، مكنتش هاوافق واصل على حاجة زي دي .
سألتها يمنى بجدية هي الأخرى :
- لدرجادي حالتها متاخرة يارويدا ؟ ولا الدكتور بتاعك نفسه مش فاهملها ؟
اجابتها الفتاة :
- لا فاهملها يايمنى ، وانا كمان فاهمالها ، البنية دي اللي تعبها نابع من نفسها ، وعلاجها متعلق بحاجة هي مرتبطة بيها ، والحاجة دي ؛ هي بس اللي تقدر تخليها تستجيب للعلاج وترجع لطبيعتها ، فعشان كدة بقى لما انتِ كلمتيني امبارح ، في مساعدة  اخوها اللي محروم من رؤيتها انه يشوفها ، قولتلك على طول امين ، اهو نكسب ثواب ويمكن يكون سبب في رجوع ضحكتها ، الله اعلم .
انشق ثغر يمنى بابتسامة بعرض وجهها تردف لصديقتها :
- والله ما انا عارفة ، السر يبقى في  مين فيهم ؟ يعني انا مثلًا  لما عرفت بالصدفة من ابويا عن اسم الدكتور بتاعك ، ماصدقتش نفسي لما افتكرت انك شغالة معاه ، لدرجة اني اتوقعت رفضك رغم علمي بجدعتنك وطيبة قلبك ، لكن اقول ايه بقى ؟ ربنا اكيد لو حكمة عشان يجمع الاخ واخته بعد اربع سنين فراق  .
اومأت رويدا برأسها ثم قالت مستدركة وهي تتحرك للخروج :
- طب اطلع انا بقى اروح اشوفهم ، زمانهم وصلوا اوضة الانتظار .
تفوهت يمنى من خلفها :
- تمام حبيبتي ، بالتوفيق يارب .
...........................

المطارد Où les histoires vivent. Découvrez maintenant