الفصل السادس

Start from the beginning
                                    

دلفت يمنى مع والدتها نجيه، لتجده مازال يحاول الوقوف وقد تمكن منه الأجهاد والألم، وشحب وجهه بدرجة مخيفة، صوت انفاسه الحادة وتعرق بشرته البرونزية، مع تغضن ملامح وجهه وهو يضغط بكفاح أظهروا جميعهم، مدى حجم الألم الذي يشعر به، اقتربت منه يمنى تستوقفه
بيدها على تردد وخجل :
- براحة شوية على نفسك حضرتك، انت كده بعمايلك دي بتأذى نفسك!
رفع انظاره اليها يردف بصوت ضعيف وبالكاد مسموع :
- ساعدوني اقوم، انا حاسس انىةي هاقدر اكمل وامشي.
سألته نجيج بلوم وعتاب:
- يابنى انت ليه راسك ناشفه كده؟ هو احنا قصرنا معاك في حاجة ؟
برقت عيناه تأثرًا بكلمات المرأة الطيبة وهي تتكلم بمودة وكأنها نست فعله معهم في الأمس، اسبل جفنيه خجلا قبل ان يهم ثانية برفع نفسه ويطلب برجاء :
- ابوس ايديكم سيبوني امشي، انا مااستهالش منكم الكرم دا كله،
كفايه بقى لحد كده.
- ويعنى احنا اللي ماسكين فيك!
قالها سالم وهو يدلف لداخل الغرفة ثم اكمل بعدها ؛
- بس انت اصلب طولك الأول، وبعدها انا بنفسي اللي هاقولك امشي
رد صالح :
- عمي سالم انت راجل واشد منهم، ساعدنيداقف على رجلي، واحاول عشان اقدر امشي، ياجماعة انا بطلب منكم بس تساعدوني، ممكن؟
- أساعدك انا.
التفت انظار الثلاثة نحو الذي تفوه بها ومنهم صالح الذي نظر للواقف على الباب امامه ليساله بدهشة:
- انت مين؟
يونس وهو يتقدم لداخل الغرفة:
- انا اخو سالم واسمى يونس، وانا شباب زى ما انت شايف كدة يعنى عودي اشد منهم كلهم، وانا اللي هاقدر اساعدك.
قالها يونس وهو يتقدم بخطواته دون انتظار الجواب من صالح، امام نظرات اخيه وزوجته وبنت اخيه المعترضه، ودهشة صالح التى ازدادت اكثر حينما لف يونس زراعيه على خصره بقوة ليوقفه على أقدامه المرتخية ثم يسير به عنوة..
دارت الأرض بصالح، الذي ازدادت اَلاَم رأسه أضعاف، حتى فقد القدرة على الشعور واسودت الدنيا بعيناه ، وقبل ان يخطوا خطوتين، وقع ارضاً مغشيا عليه، فلم يسمع صرخات يمنى ووالدتها.
زفر يونس بتأفف وهو يسب ويلعن حظه بغيظ، ليفاجأ بأخيه سالم وهو يصيح عليه من الأسفل بغضب:.
- شيل معايا يا يونس بدل ما انت واقف كده.
نظر اليه يونس من علو ليجد اخيه يتحامل مع زوجته وابنته ليرفعوا صالح عن الارض، فاردف وهو يجز على اسنانه:
- بس لو كان اتحامل على نفسه دقيقتين بس؛ على ماكنت طلعتوا من عتبة الباب، وبعدها يغور في اى مصيبه
هدر سالم عليه بغضب ونفاذ صبر:
- ماتخلص يا يونس مش وقت كلامك ده، الراجل تقيل والحريم مش قادره تشيل معايا.
زفر ثانية قبل ان يهم بمساعدة اخيه في رفع صالح واعادته الى فراشه ثانية، امام نظرات نجيه المشفقة، وشعور يمنى بهذه القبضة المؤلمة بداخل صدرها، دون أن تعلم لها سبب!
................ .................

بعد قليل وبردهة المنزل الفسيحة كانت الجلسة على كنب المنزل الخشبي ، تجمع بين سالم وزوجته ويمنى ابنته، ويونس شقيقه والذي كان يضرب بكفيه بحسره وضيق متمتمًا بالكلمات:
- دا انا كنت خلاص هاطلع بيه، وبعدها ارميه في اى حته ونخلص منه ومن قرفه، مكانش قادر يتحمل يعني الخطوتين الصغيرين دول، ولا اكنه بيستهبل ابن ال.... ولا استحلى القعدة والناس تخدم عليه وتعالجه، ابن الفرطوس ده، أكيد بيمثل انا متأكد .
فاض بيمنى التي لم تقوى على السكوت اكثر من ذلك، فهتفت على عمها بانفعال :
- هايستهبل ولا يمثل كيف بس ياعمى؟ دا المخ اللي اتصاب، ودا الجزء المسيطر على كل أجهزة الجسم، يعنى لو هو في مستشفى حاليا؛ كان اتعملوا اشعه عشان تبين ان كان عنده ارتجاج ولا حاجه تانية اكبر من كدة.
- لو في المستشفى يابت سالم ، لكن هو قاعد هنا في بيتنا، وكاتم على نفسنا وجابرنا بالعافية اننا نراعيه ونداويه.
اردف بها يونس فردت يمنى :
- بالجبر ولا بالذوق، في الحالتين نشد على الراجل في حالته الصعبة دي، وهو مسكين ماقدرش يصلب طوله حتى.
ًاللتفتت لها يونس مائلا برقبته يتكلم بنبرة متهكمة:
- افندم ياست يمنى، انت بتلقحي عليا بالكلام وعايزة تجبيها فيا وتطلعيني انا العفش بعد دا كله، طب افتكري حتى ان لولايا انا بس، كان زمان اللي بتقولي عليه مسكين جوا ده، خطفك في الجبل عنده وياعالم كان هايحصل ايه ساعتها.
- ماخلاص فوضها بقى يايونس.
صاح بها سالم في بغضب مقاطعًا أخيه بحدة واكمل ببعض التعقل:
- يُمنى لا بتجيب ولا بتودى في الحديت ولا تقصد انها تلقح عليك، هى بتقول اللي حاصل ، وانت شوفت بعينك كيف الراجل حاول وضغط على نقسه، وماقدرش يكمل لحد اما وقع سطيحه على الارض، وماحاطش منطق.
تدخلت نجية بالحديث معهم قائلة بتأثر وحزن :
- ايو والنبي صح يا ابو محمد، دا انا قلبي وجعني لما شوفته مرمي على الأرض بلا حول ولا قوة .
يونس مستنكر ا :
- قلبك وجعك برضوا يامرة اخوي! طب اللي بتتكلمي عليه ده وصعبان عليكي، مش بعيد لو هو بصحته دلوقتي ، لكان قطعنا احنا حتت ولا اثرنا فيه نهائي!
فغرت يمنى فاهاها قائلة باندهاش :
- مش لدرجادي ياعمي
اوما يونس برأسه ساخر ا
- لا لدرجادي ياروح عمك واكتر من كده كمان، بس انتوا اللي مش عايزين تصدقوا وسادين ودانكم ، رغم انكم عارفين ومتأكدين انه راجل مجرم ومش بعيد عليه يعمل أكتر من كدة كمان .
صاح سالم بملل من مواصلة حديثهم:
.
- ماتخلصوا انتو الاتنين وفضوها، الواحد مافيهوش دماغ للهرى
بتاعكم ده.
- طب انت رسيت على ايه في النصيبة اللي احنا موحولين فيها دلوقتي دي؟
سأل يونس بصوت متزن بعد الشئ وكان رد أخيه سالم بصوت يحمل في طياته الهم :
- ودى فيها قرار برضوا؟ احنا هانستنى بس يقوم على حيله وبعدها بقى نبقى نمشيه على طول.
رجع يونس بظهره للمقعد وهو يردف بضيق:
- ماشى يااخويا، خليك انت بقلبك الحنين ده، لحد اما يقوم هو بصحته ويخلص علينا، أو نتورط معاه في نصيبة هو عاملها .
نفض سالم جلبابه متأفافًا وهو يميل بجلسته للجانب الاَخر بعيدًا عن أخيه، وقد مل الجدال معه في هذا الأمر الثقيل على قلبه ولكنه مضطر لفعل ما ضد رغبته في تحمل هذا الرجل حتى يستطيع أن يرحل ويريحه من همه.

المطارد Where stories live. Discover now