البارت الخامس والاربعون

Start from the beginning
                                    

بالمشفى وخاصة من أمام غرفته
تجلس بكتفين متهدلين وعينان
انطفأ بريقها،تراجعت بظهرها على المقعد، تضع كفيها على احشائها، بملامح يكسوها الألم
وصلت أسما تجلس بجوارها تربت على كتفها
-ليلى عاملة ايه ياقلبي؟!
-الحمد لله.. الحمد لله كتير اوي يااسما، المهم هو عايش ونفسه في الدنيا، دي أهم حاجة عندي
بكرة يفتكر، حتى لو متذكرش وفضل كدا، كفاية اشوفه قدامي واسمع صوته
انسابت عبراتها وارتجف جسدها من شهقات بكائها
-على الأقل ولاده ميبقوش من غير أب، مش مهم انا حتى لو فضل يكرهني، المهم ولادي وهو عندي
ضمتها اسما إلى أحضانها، وكأنها كانت تنتظر ذاك الحضن، فبكت بصوت مرتفع
حتى وصل إليه بالداخل، عم الصمت بداخل الغرفة..نهض نوح متجها للخارج للأطمئنان عليها، ولكن توقف عندما استمع الى حديثه
-خليها تمشي يانوح، مش عايز اشوفها، ولا اسمع صوتها
كور نوح قبضته، واستدار لمحاكاته ولكن أشار يونس له
-نوح اصلا كان جاي ياخدها، بقالها اسبوع هنا ماروحتش والولاد بيسالوا عليها
سحب نوح نفسا وطرده على عدة مرات ثم أردف
-هتمشي ياراكان، بس قبل ما تمشي، عايز اقولك الدنيا اتغيرت بينكم، وبقى عندكم بنت، وهي حامل دلوقتي
أطبق على جفنيه وهمس:
-مش عايز اشوفها، خليها تمشي قولت، أردف بها بصوت مرتفع حتى شعر بتألم صدره
خرج نوح وجدها بحالة لاترثى لها، عيناها المنتفخة، ووجهها الشاحب
بسط كفيه وتحدث
-ليلى تعالي اروحك، كيان مش مبطلة عياط وعيزاكي، ياله حبيبتي يونس هيفضل معاه
هزت رأسها رافضة
-مش هسيبه متحاولش ولا انت ولا هو، هفضل هنا ودا اخر كلام
جلس على عقبيه أمامها
-ليلى راكان كل ال فاكره من علاقتكم، جوازك من سليم وبس، ال بعد دا كله منسي، والدكتور بيقول مفيش وقت محدد، مش عايز ازعلك حبيبتي
امسك ذراعها وحاول ايقافها، ثم أشار إلى اسما
-ليلى يالة..دفعت يديه وتحدثت بغضب
-قولتلك مش هسيب جوزي يانوح، ثم نهضت متحركة إلى الداخل
-محدش له حق هنا يقولي اعمل ايه سمعتني، انت جوزي، عايز تقتنع اقتنع مش عايز انت حر
اغمض عيناه وأشار إلى يونس
-يونس اطلعوا برة وخدوها معاكم عايز ارتاح
اتجه يونس بهدوء إليها
-مدام ليلى ياله
ربعت ذراعيها على صدرها
-هنرجع البيت مع بعض، ممكن حضرتك تمشي، انا مش هتحرك يادكتور..قالتها واتجهت اليه تجذب المقعد تجلس عليه، محاولة السيطرة على نفسها حتى لا تنهار امامه، يكفي ليلى، لازم يفوق زي ماالدكتور قال،
خرج يونس عندما وجد صمت راكان، اخرجت هاتفها وهاتفت اولادها
-ميرو حبيبي عامل ايه
-الحمد لله يامامي، هترجعوا امتى وبابي عامل ايه!!
اتجهت بنظرها إليه واجابته:
-بابي كويس حبيبي وبيسلم عليك، كوكي بتعمل ايه
كوكي جنبي مع انطي داليا، بتلون في النوتس بتاعها
-مامي انتي وحشتيني، وبابي كمان
انسابت دمعة إزالتها سريعا ثم اردفت
-كوكي متتشاقيش واسمعي كلام انطي داليا، وبلاش تروحي عند البيسين
فتح عيناه وتحدث
-ممكن تليفوناتك دي تعمليها برة.

❈-❈-❈
أغلقت هاتفها بعد إنهاء مكالمتها، ثم نهضت متجهة إليه تعدل من وضعية نومه قائلة:
-حاول تخلي راسك معدولة على المخدة عشان متحسش بتشنجات
تجمد جسده من قرب أنفاسها ورائحتها التي تسربت إلى رئتيه، وكأنها سهام مسمومة هزت كيانه وتثاقلت أنفاسه شيئا فشيئا حد الأختناق عندما تذكر انتمائها لأخيه
حاول الابتعاد بجسده عن ذراعيها، حينما أصبح بأحضانها، ولكنه لم يقو ، صاح بغضب :
-ابعدي عني م تلمسينيش قولتلك
ابتسمت من بين حزنها، ودنت منه
-ليه خايف قربي يأثر عليك، اقتربت حتى اختلطت أنفاسهما تنظر لشمسه التي تسحرها كالمنوم المغناطيسي ثم همست بالقرب من شفتيه :
-ماهو انت كمان بتأثر فيا، رفعت كفيها على خصلاته مرة وعلى ذقنه التي طولت بعض الشئ
-حتى وانت تعبان خاطف قلبي..دفعها بقوة بعيدا عنه
-اطلعي برة بدل ماخليهم يرموكي برة
انسابت عبراتها من محاجرها وخرجت الكلمات متقطعة
-تمام أهدى هطلع، ايدك بتنزف،
أشار بسبابته
-قولت لك امشي، لو عندك كرامة
استدارت بخطواتها المتهالكة كقلبها النازف بعد سماعها كلماته التي احرقتها ..تلاحقت أنفاسها وهي تسرع لخارج الغرفة، وعبراتها تفرش طريقها
دلفت الغرفة التي بجاوره، وضعت كفيها على فمها تمنع شهقات بكائها، تود أن تصرخ من أعماق قلبها على وصل الحال بها..جلست تضع كفيها على احشائها متألمة ..اتجهت الى الفراش وألقت نفسها عليه، تدعو من ربها ألا تستيقظ ابدا
ولكن كيف أن تغمض عيناها وحبيب روحها ومعذب قلبها لم يشعر بآلامها
أصبح وجهها شاحب، مع حزنها الصامت الذي احرقها
دلفت الممرضة
-مدام ليلى حضرتك كويسة، ابتسامة ضعيفة خرجت من بين شفتيها عندما ظنت أنه من أرسلها فتسائلت
-هو ال بعتك..اومأت الممرضة برأسها وقامت بحقنها
-قالي لازم تاخدي الحقنة دي عشان ترتاحي، وهو هيبعتلك لما تصحي الدكتورة نورة تشوفك
قطبت جبينها وأردفت متسائلة
-قصدك مين؟!
ابتسمت الممرضة وإجابتها
-دكتور يونس طبعا..أطبقت على جفنيها وهمست عندما شعرت بتخدرها
-تمام، سبيني عايزة انام
تمر الايام والخوف لا يمر بل ذبحها بفكرة افتقاده، وابتعادها عنه، اليوم هو اليوم المقرر، لخروجه من المشفى
دلفت بجوار درة وزينب
-صباح الخير ياحبيبي ..ابتسم لها
-صباح الخير حبيبتي..رفع نظره للتي تقف تستند على النافذة بوجهها الشاحب وعيناها الذابلة، فتحدث
-ماما جاية ليه؟! يونس ونوح برة
اقتربت درة بحذر ثم تحدثت
-حمدالله على سلامتك ياحضرة المستشار
اومأ برأسه ورسم ابتسامة
-شكرا..اعتدل حتى ينهض، أوقفته زينب
-ليلى تعالي ساعدي جوزك..رفع كفيه أمامها
-مالوش داعي ياماما أنا مش عاجز، خلي الباشمهندسة مرتاحة
اقتربت تجلس بجواره تربت على كتفه:
-حبيبي عارفة انك مش عاجز، بس محتاج مساعدة ومراتك أولى أنها تساعدك
رفع بصره إليها وتقابلت النظرات:
-آسف ياماما أنا مش فاكر غير أن الباشمهندسة مرات اخويا الله يرحمه
رفعت زينب كفيها على وجنتيه، وانسابت دموعها
-اخوك عند ربنا اكتر من ست سنين حبيبي ربنا يرحمه، وانت اتجوزت ليلى، وهي دلوقتي حامل في ابنك، وعندك بنت تاخد العقل
أطبق على جفنيه عندما أصابته حالة غريبة يشعر بها في خضم احاسيس ارهقته واثقلت كاهله بالتفكير، منذ أن فاق وعلم أنها زوجته
رفع بصره إليها واخترقها بنظراته متسائلا
-ازاي اتجوزتها ياماما، وهي وسليم كانوا بيحبوا بعض، ازاي رضيت اخد حق مش حقي، انا فاكر كويس حب سليم ليها
ضغطت على ثيابها بقوة وهي تهز رأسها رافضة حديثه
صمتت زينب لثواني تقاوم غلالة دموعها التي استحوزت عليها، ثم أطلقت تنهيدة مرتعشة
-اخوك عمل حادثة، وليلى كانت حامل في ابن سليم، وجدك هددها أنه ياخد الولد، اتجهت بنظرها الي ليلى وأردفت ماجعل ساقيها كالهلام ثم اردفت:
-وأنا اجبرتك تتجوزها عشان تحمي ابن سليم، وليلى ماتخدوش وتمشي، خصوصا ابن عمها عرض عليها الجواز وكان موافق أنه يربي الولد
تهكم بسخرية:
-هتقوليلي ياماما، أنا اكتر واحد عارف معجبين المدام
لا تعلم لما ابتسمت من كلماته، اشاحت ببصرها بعيدا عنه، وتوسعت ابتسامتها، رفع حاجبه ساخرا وأردف حتى يمنع تلك الشفاه التي تمنى أن يسحقها الان
-الحمد لله طمنتيني ياماما، انك غصبتيني على الجواز، فكرت انا اتجوزت المدام برضايا ..قاطعته ليلى عندما استدارت ووصلت إليه تجذبه من ذراعه
-أنا بقول كفاية كلام ياحضرة النايب، لسة خارج من حادثة، وعشان نعرف نرجع عقلك الهربان
ابتسمت زينب، ثم أشارت إلى درة التي كانت تقف بصمت رغم حزنها الكامن على أختها
تحركت زينب ودرة إلى الخارج، بعدما تحدثت
-ليلى ساعدي جوزك يابنتي
نزع ذراعه منها بغضب ونظر إليها نظرات جحيمية
-لو قربتي مني تاني هندمك..وضعت ثيابه بالحقيبة وكأنها لم تستمع إليه ثم اتجهت إليه تضيق عيناها
-لا ياحبيبي هقرب وأقرب اكتر واياك ياراكان تتكلم معايا بالطريقة دي تاني
جذبها بذراعه السليم، حتى سقطت بجواره على الفراش متأوه
-اومال لو مش متجوزك غصب كنتي عملتي ايه
أطلقت ضحكة بعدما نسيت كيف الضحكات ودنت منه
-انا فرحانة بيك ياحبيبي عارف ليه
نظرات نارية أراد أن يحرقها بها من قربها الذي اضعفه
دنت وهمست أمام شفتيه كادت أن تلامس خاصته قائلة:
-المهم تنيني رجعلي بالسلامة، وبدأ يبخ نار ويعمل فيها سوبر مان
جذب رأسها واقتنص ثغرها على حين غرة منها، مبتلعا حروفها ، ظل يقبلها بعنف ليثبت لنفسه أنها ليس سوى عدوته التي ألقت به في غيبات الجب..حاولت دفعه عندما شعرت بدماء شفتيه، انسابت عبراتها حتى تذوقها ثم القاها بعيدا عنه وكأنها عدوى..، مش دا ال انتِ عايزاه، بس مش ذوقي ، قالها ثم نهض يتحامل على نفسه واقفا، وتحرك للخارج وكأنه لم يفعل بها شيئا
جلست بقلبًا ممزق وروحًا محترقة وعيناها تدفع الدمع بالدمع رافضة مافعله..همست لنفسها
-مين دا، دا واحد معرفوش ..توقفت تجمع اشيائه وتحركت للخارج بعدما اعدلت من وضعية حجابها، ثم تحركت للخارج..وجدت زينب ودرة بجوار يونس، بينما هو تحرك مع نوح وحمزة
رفعت درة نظرها إلى شفتيها المجروحة وعلمت بما صار بالداخل ..اقتربت تربت على كتفها
-عاملة إيه حبيبتي!!
ابتسمت لها وأردفت
-انا الحمد لله كويسة، ليه بتسألي، رفعت أناملها تضعها على شفتيها
استدارت بعيدا ثم حملت الحقيبة وتحركت دون حديث

وصل الجميع إلى قصر البنداري بعد فترة، كان الجميع بانتظارهم، تحركت سيلين  تحتضنه بكل شوق
-حبيبي حمدالله على السلامة نورت البيت..بينما عاصم والد ليلى وكريم أخاها
-حمدالله على سلامتك ياحضرة المستشار..اومأ ورسم ابتسامة، تحرك إلى والده الذي وقف بجوار أخيه جلال
-نورت البيت والدنيا كلها يابني..
-شكرا يابابا..قالها وهو ينظر بجميع أرجاء المنزل، ثم تسائل
-توفيق باشا مش عايز يقابلني ولا ايه
ربت جلال على كتفه
-جدك الله يرحمه حببيبي..قطب جبينه متسائلا:
-هو انا غايب كتير، استدار إلى حمزة وتسائل
-هو ايه سبب الحادثة، ازاي عملت حادثة تخليني مش فاكر دا كله
حمحم حمزة مردفا:
-راكان ارتاح دلوقتي وبعدين نتكلم، انت لسة خارج من المستشفى، والدكتور بيقول متحاولش تضغط على نفسك عشان ميحصلش انتكاسة
أسرعت كيان التي كانت بالحديقة
-بابي جه، وحشتني بابي..قالتها وهي ترفع يديها حتى يحملها
-مين دي؟!
حملها يونس ثم طبع قبلة على وجنتيها
-كوكي شوفتي بابي رأسه متعورة ازاي، بابي تعبان ولما يشيل البتاعة الوحشة دي، هيشيل كوكي كتير
ألقت نفسها على راكان، ويونس يحملها ثم طبعت قبلة على وجنتيها
-بابي وقع وهو بيجري ورا القطة ياعمو، وراسه جابت دم كتير عشان كدا مربوطة
رفع كفيه على وجنتيها وابتسم، طفلة جميلة بريئة تجمع الكثير من ملامحه، عيناها الذهبية التي باللون الشمس، وخصلاتها التي بسواد الليل، انحنى متألما
-كيان..همس بها..صفقت بيديها
-بابي اخيرا رجع من السفر..أمسكت كفيه وبدأت تحسب له على أنامله
-انت مشيت بعيد اوي، ومامي قالت بكرة بابي هيرجع
بس يابابي بكرة دي مكنش تيجي خالص، دي بكرة ودي بكرة، اد ايدك كلها، لحد ماكوكي زهقت
ابتسامة أنارت وجهه، فأشار إلى يونس
-يونس قربها عايز ابوسها، هنا بكت ليلى بصوت مرتفع، ثم تحركت سريعا الى غرفتها، كانت نظراته عليها..حاوط ابنته التي يحملها يونس، يستنشق رائحتها مطبق العينين ثم همس
-روح بابي إنت.. ياقلب بابي..خرجت من أحضانه تطبع قبلة على وجنتيها
-كوكي بتحب بابي كتير، اد مابابي بيحب مامي..صدمة ألجمت لسانه حتى رفع نظره إلى يونس
-عايز أقعد..انزل يونس كيان بهدوء
-كوكي روحي ألعبي مع قمر بابي تعبان هيرتاح وبعدين يقعد مع كوكي
وصل أمير بجواره سيف ابن حمزة..توقف للحظات أمامه ينظر إليه باشتياق، فأردف بصوته الطفولي:
-بابي حضرتك رجعت..كان جالسا على الأريكة مغمض العينان، فتح عيناه ينظر لذاك الطفل الذي يبلغ عمره مابين الست والسبع سنوات هذا ماارجعه راكان
أشار له بيديه وانتظر كلامه
-اذيك ياحبيبي قالها بتجاهل، ظل يدقق بملامحه رفع نظره إلى والده
-دا ابن سليم..دنى أمير منه واحتضنه
-وحشتني يابابا..بكت زينب على كلمات راكان، عندما تحدث بتلك الكلمات
حاوطه بذراعه ثم طبع قبلة على جبينه
-حبيبي وانت كمان وحشتني، امير ياسيدي شكلك وحشته اوي، كل يوم يسأل عليك

جذبه واجلسه بجواره، يدقق النظر به مسد على رأسه ثم تحدث:
-كبرت ياأمير وبقيت راجل، رفع امير كفيه على جروحه التي تظهر برأسه
-بابي بتوجعك اوي..قبل كفيه واجابه
-لا يابابي،..انا كنت بسأل مامي على طول وعملت معها زي ماحضرتك علمتني، مكنتش بخليها تعيط، بس كل مااسبها وامشي ترجع الاقيها بتعيط كانت خايفة عليك اوي، انا سألتها حضرتك روحت عند بابي هي زعلت اوي وقالت لي لا بابي هيرجعلنا، كنت خايف لتكون بتضحك عليا يابابي، بس مامي طلعت مابتكذبش الحمد لله وحضرتك رجعت بالسلامة،
صمت الطفل ورفع نظره إليه مرة أخرى وأمسك كفيه وتحدث:
-مش هتخلي مامي تبكي تاني، انا كنت بعيط زيها يابابي عشان خفت عليك اوي، خفت مايكنش عندي أب انا وكوكي
ضمه بقوة وانسابت عبراته رغما عنه، طبع قبلة على رأسه وتحدث بصوت متقطع
-لا ياحبيبي انا معاكم ومستحيل اسيبكم إن شاء الله
ازال الطفل دموعه
-هو حضرتك هتعيط زي مامي
-يونس ساعدني عايز ارتاح، قالها عندما شعر فقدان سيطرته على نفسه

❈-❈-❈

عازف بنيران قلبي Where stories live. Discover now