إقتباس

76.2K 681 25
                                    

رمق الجد الجميع بنظراته الصقرية
طبعا انتوا متعرفوش أنا مجمعكم هنا ليه دلوقتى على غير عادتنا
رفع الجميع أنظارهم له إلا من ذلك الذي يجلس يتفحص الجريدة وكأنه لا يعنيه حديث جده
إستشاط الجد من أسلوبه البارد والغير المحبب لديه لعدم احترامه له
صاح بصوته
أنا بتكلم ياراكان إيه مفيش إحترام لجدك
- أنا سامعك ياجدي...
قالها وهو مازال ينظر للجريدة ولم يعتريه حتى يرفع نظراته لجده
ضرب بعصاه الانبوسية بجواره
- من الإحترام لما  جدك يتكلم تبصله يابن زينب... هنا رفع نظره لجده وظهرت علامات الغضب قائلا بفظاظة
- إيه ابن زينب دي محدش قال لحضرتك إننا بنسمع بودانا.. بقالك ساعة عمال تتكلم في مقدمات وأنا عندي شغل.. واكمل باإبانه
- كلنا متعطلين علشان وصايا حضرتك اللي مبتخلصش... وفي الاخر تقولي يابن زينب
نصب عوده ووقف وهو يلقي الجريدة من يديه. بغضب.. مالها أمي كل شوية إهانات ليه
نظر لأخيه الذي يرمقه بنظراته أن يهدأ
بتبصلي ليه... اتجه مرة اخرى لجده
-زينب اللي مش عجابك ولادها هما اللي رافعين اسم عيلة البنداري... بص حواليك وشوف مين هي زينب اللي دايما بتقل منها
رفع سبابته أمامه
- لوحضرتك شايف إن سكوتي على إهانة أمي دا يعتبر أحترام... فأحب اقولك ياجدي العزيز وقتها اعرف إن احفادك متربوش صح
قام بجمع أشيائه الخاصة
- أنا عندي شغل وقررات حضرتك يونس أو سليم  يبقى هيبلغهالي... بعد إذنك
جحظت أعين الجد من تمرد حفيده الأكبر عليه... فهو رجل ذو هيبة يستمع إليه الكبير قبل الصغير واوامره تطاع على الجميع إلا من ذلك المتمرد

تجلس تتابع شرح دكتور المادة بكل تركيز... فهي من الطالبات المتفوقة ودائما من أوائل دفعتها
كان يناظرها من حين لأخر... برأتها وجمالها الهادي يخطف السلام النفسي لروحه
رفعت نظرها عن دفترها التي تدون به بعض المعلومات المهمة... وجدته يصوب نظراته اتجاهها وحدها... لكمتها صديقتها
أروى..
- الدكتور نور ماله مش منزل عيونه من عليك ياجميل.. اتجهت بنظرها إليها
- ايه اللي بتقوليه دا يااروى... إنتِ عارفة انا مش بتاعة الحاجات دي
قاطعهم زميل لهما
- درة ممكن اشوف كشكولك فيه حاجة معرفتش ادوّنها
ناولته دفترها بكل هدوء،.. الا أن ذلك الغاضب الذي كان يتابعها بعيناه الصقرية
ممكن المهندسين اللي ورا يركزوا معايا

دلفت  إلى  مكتبه دون إستئذان  وهو يقوم بعمله
- إيه اللي بيحصل دا
استجمعت شتات نفسها وقوتها وسارت بخطوات  ثابتة نحوه
وقفت أمامه ورفعت سبابتها
- أنا مستحيل أوافق على المهزلة دي... سامعني اقتربت ونظرت له كقطة شرسة
- اللي يقرب مني يستاهل اللي يجراله
نصب عوده الفارغ وأقترب بخطواته السُلحفيةالتي  بعثت الرعب لقلبها وقال بجانب أذنيها بصوت كحفيح أفعى
-  خفت أنا من تهديدك ولازم اتخبى مش كدا... ثم رجع بجسده للخلف ينظر،من النافذة وكأن القدر وصفعاته لم ترحمه ...
حاول أن يأخذ شهيقا ثم زفره بهدوء مستديرا بخطوات هادئة... رغم ضجيج قلبه الذي أشعلته من لا تُرحم...
تحرك واضعاً يديه بجيب بنطاله وتحدث وهو ينظر لسواد عيناها الذي بدأ يكرهه على غير تلك الأيام التي تمناها
-  أنا مستحيل أخلي ابن أخويا يتربى برة... حاولي ترضي بالواقع علشان ماتخسريش.. ثم ولاها ظهره وأكمل
-  مستحيل أضحي بوالدتي اللي عجزت بسبب موت إبنها وهو في مقتبل عمره لسة شاب يادوب بيعرف الدنيا... ولا احطم أبويا علشان واحدة هبلة  عايزة ترضي غرورها وقال متكنش زوجة تانية...
هدأ قليلا من إنفعاله وأكمل بهدوء
إن كان على شرطك هكتب عليكي قبل خطيبتي بس لازم نتجوز
أتقن رسم الجمود على ملامحه.. كانت نظراته قاتمة يغمره الوجع لمن يعلم شخصيته الحقيقة
أشار بيديه على الباب وأردف ببرود مستفز
- لو خلصتي ثورانك مدام ليلى فيك تطلعي على أوضتك... وبعد كدا مفيش خروج من البيت إلا بإذني

قبضة قوية  أعتصرت فؤادها وهو يطالعها ببروده المستفز.. نظرت لداخل مقلتيه بتحدي ودّت لو تصل إليه وقبضت على عنقه...
- فيه حاجة لسة عايزة تقوليها... زي ماحضرتك شايفة عندي شغل...
أشتعلت نيران قلبها... فكان التوتر سيد الموقف .. صمتا مقتولا ساد بينهم لدقائق فقط حرب النظرات
حقا شخصا مثيرا للفضول بصمته ولكن كلماته القليلة تشعل العقل قبل القلب..
زفرت باختناق وظهر اليأس على ملامحها ورغم ذلك ناطحته بقوتها الواهية
- وماله الأحلام مسيرة للكل ياحضرة المستشار بس وإنت  بتحلم خلي خيالك الواسع دا يأكدلك إن ليلى المحجوب مش البنت الضعيفة اللي الظروف تتحكم فيها...
أقتربت حتى لم يفصل بينهما سوى أنفاسهما
- ماهو مش بعد جوزي المحترم هتجوز واحد بتاع ستات... ضيقت عيناها باستفهام مصتنع.... وهزت رأسها وتحدثت
- بيقولوا عليه إيه... أيوة ايوة زير نساء
قالتها بسخرية  مشمئزة ناظرة لعيناه بقوة
صدى صوت ضحكاته التي لا تعبر عن شخصيته أو ذلك الموقف...
- ياه شكرا على معلوماتك القيمة التي وصلتلها ... مدام ليلى... حلو التشبيه بتاعك دا
كز على شفتيه بسخرية... وهو يجلس على أريكة مكتبه
- حضري نفسك ياعروسة... عريسك هيخطبك الليلة... وماتشغليش نفسك بألقابي

ثم رمقها بنظرة محاولا استكشاف ماتفكر به ورغم عدم وصوله لشيئا غير أن سواد عيناها التي تشبه السماء في ليالي الشتاء القاسية  تجذبه للنبض في تلك اللحظة لا يعرف ماهيته
شعرت بأنه سدد لقلبها طعنة قوية بنصل سكين بارد... إهانته المتعمدة لها جعلها ترغب في البكاء ولكنها رفعت نظرها إليه وتحدث بقوة أنثى شامخة
- احلم وياريت تستغطى كويس وإنت بتحلم... الموت عندي أهون ياراكان يابنداري
اتكأ بظهره على مقعده وأردف بهدوء
- انا مبحلمش يامدام قالها ناظرا بقوة إليها...ثم استطرد
دي حقيقية وواقعية أكتر مما تخييلي
فقدت قدرتها على الحركة او الكلام بعد ثقته من كلماته القليلة
شعرت بتمزق قلبها الى أشلاء عندما عجزت على المواجهة أمامه
اغمضت عيناها بقهرها وعجزها فهي كقلعة على تلال من الرمال الواهية... لمن ستلجأ ورغم ذلك استدارت له

- هنشوف ياسيادة المستشار... واقع ولا خيال... وخليك فاكر دا كويس... افتكر اني جيت وحذرت

استيقظت على ألما بأسفل بطنها حاولت الاعتدال ولكنها لم تقو... آهة خرجت من جوفها تبعها آنين مكتوم... ماذا تفعل في هذا الوقت
حاولت ثم حاولت.. إلى أن اعتدلت ووقفت متجهة للخارج... بحثت بعينها عن أحدهما ولكن لم تجد أحدا... اتجهت لغرفته التي تجاورها ببعض المسافات... فتحت الباب عندما وجدت قطرات الدماء تتساقط بين ساقيها... يكاد الألم يمزق أحشائها... انسدلت دمعاتها عندما شعرت بضعفها وكأن روحها تنسحب من جسدها
كان يغط بنوما عميق ولم يرتدي سوى سروالا واسعا يتناسب مع حرارة الجو
خطت إليه وقطرات العرق تغزو جسدها بالكامل... حاولت أن تناديه.. وكأن حروفها سرقت من شدة الامها
-" راكان "نادته بصوتها الهامس ورغم إنه منخفض إلا انه فتح عينيه ينظر بصدمة لوجودها بغرفته  لأول مرة بهذه الطلة
بثوبها الصيفي الرقيق وشعرها المنسدل على ظهرها ويتمرد بعضه على وجهها بعشوائية
كل ذلك ينظر فقط لها... ولا يرى ماصار لها
-" راكان" أردفت بها وهي تشعر بدوار يغزو جسدها... إلى هنا استيقظ من تأمله لها  وصدم عندما وجدها تغرق بدمائها عندما سقطت أمامه على فراشه... تلاقها بساعديه

عازف بنيران قلبي حيث تعيش القصص. اكتشف الآن