البارت الثالث والثلاثون

ابدأ من البداية
                                    

استدار راكان بكامل جسده، ينظر إلى والده ونار أشعلت صدره
-ودا في حكم مين ان شاء الله..ضغطت ليلى على كفيه عندما وجدت الغضب يتحكم فيه فهمست
-راكان لو سمحت اتأخرنا، نظر أسعد إلى كفيهما المتشابكتين، فتحدث متهكمًا
-هو انت رجعت مراتك تاني حتى من غير ماترجعلنا، يعني وقت ماتحب تطلق تطلق، ووقت ماتحب تتجوز تتجوز، طيب نورسين ال عمال تلف العالم كله تشتري فستان فرح، انت ناوي تتجوز الاتنين
سحبت ليلى كفها سريعًا واختلج صدرها شعورا متألمًا جعل قلبها يتقاذف بدقات عنيفة، ويتمزق ماتبقى في رئتيها من أنفاس مبعثرة، رفعت نظرها إليه، ثم اتجهت إلى أسعد والدمع يترقرق كطبقة كرستالية زينت عيناها السوداء فتحدثت بصوتًا متألم
-إحنا مرجعناش لبعض، بس كالعادة ابن حضرتك المتجبر جابني هنا غصب عني، بعد مافيه ناس معندهاش ضمير هجموا علينا وحاولوا يخطفوا أمير
شهقة خرجت من جوف زينب تصرخ به
-ابن اخوك فين ياحضرة المستشار؟! اتجهت لليلى تهزها بعنف
-فين ابنك؟! إزاي تسبيهم ياخدوه..ربتت ليلى وحاولت تهدئتها فجذبها راكان من رسغها متحركًا
- ماما الكلام دا من فترة، أمير مع جدته، هبعتهولك مع بهاء ممنوع تفارقيه وداليا عينك عليها، ماما كفاية عليا كوين ليلى، مش يبقى انتِ وهي
تحرك سريعا وهي تتحرك بجواره، فخطواته السريعة جعلتها تتعثر بخطواتها
-اهدى ياحضرة المستشار، هتوقعني..توقف فجأة حتى اصطدمت بصدره، فتأوهت
-آه، يخربيت كدا
حاوط خصرها بذراعيه عندما اختل توازنها قائلا من بين أسنانها
-غباء متواصل مولاتي، أنا معرفش بتكلم في ايه، ناقص اخدك بالحضن وابوسك عشان الكل يشوفنا بنموت في بعض..أمشي ياليلى بدل مااديلك قلمين على وشك يمكن تتعدلي
دفعته بقوة مشيرة بسبابتها صارخة به
-احترم نفسك، أنا هنا حرة أعمل ال عايزاه، ومتفكرش بتلوي دراعي..ضيق عيناه مستغربا هجومها، فتح فاه للحديث ولكن اوقفته فريال
-مالك ياراكان، رجعت ليلى ليه كنا مرتاحين من
خناقات توم وجيري!!
دفعته بقوة متجهة لفريال كالقطة الشرسة
-مش ذنبي ان العيلة بتاعتكم دي عيلة مقرفة، عيلة عايزة جهنم وبئس المصير، وأولهم حضرة المستشار
مسح على وجهه كاد أن يشحذ جلده
-وحياة ربنا هموتك، مين دول ال عايزين جهنم وبئس المصير، ياسلام على عليك بتفكريني بالخنساء
ضربت فريال على كفيها
-وحياة ربنا البت جننت الراجل، بس يستاهل، بالهنا والشفا يازينب..استمعت لصوت السيارة التي تحركت للخارج، فتوقفت متسائلة
-ودي بتعمل ايه هنا النهاردة يوم فرح اختها، لا فيه حاجة غلط..استدارت إلى عايدة التي وصلت إليها
-ليلى رجعت ولا إيه يافريال..استدارت إليها تهز كتفها
-ولا أعرف حاجة، بس البت دي لسانها بينقط شهد، والله فرحانة في راكان..نظرت إليها
-إنتِ خارجة ولا إيه.!!.اومأت برأسها تتحرك أمامها بخيلاء وعنجهية
-أيوة رايحة بيت اختي، عايزة أتغدى معاها النهاردة ..قالتها وتحركت لسيارتها، وقفت فريال تعقد ذراعها
-ياترى ناوية على إيه يا عايدة، ياخوفي منك، قالتها وتحركت متجهة لمنزل أسعد
❈-❈-❈
بالمشفى وخاصة أمام غرفة العمليات
كانت تبكي بجسد مرتجف وتستجدي حضنا يحميها من ظلمة فراقه المميتة، فحديث الأطباء لا يبشر بالخير، استمعت إلى فتح باب الغرفة وخروج الممرضة سريعًا
توقفت أمامها تحادثها بصوتها المبحوح من كثرة بكائها
-لو سمحتِ طمنيني، هو ليه محدش بيتكلم
طالعتها الممرضة بشفقة قائلة
-ادعيله، لو سمحتِ لازم اجيب دم، محتاجين دم
قالتها وتحركت سريعًا، توقفت تنظر حولها كالتائه بجيبات الجب، احتضنت جسدها ودموعها كالشلال تندفع بقوة..توقفت تهاني والدة نوح
-تعالي ياحبيبتي اقعدي الوقفة غلط عليكِ، استدارت تنظر إليها بحدقتين متسعتين كالذي فقدت صوابها
-هو مات ومخبين عليا ولا إيه!!
شهقة خرجت من بين شفتي والدته وهي تهز رأسها
-بعد الشر عليه، ليه بتفولي عليه..وصل راكان وهو يحاوط ليلى
-ليلى حبيبتي متنسيش أنك حامل..تركت ذراعه وأسرعت تلقي نفسها بأحضانه خالتها
-خالتو نوح عامل إيه..ضمتها والدته وهي تشهق ببكاء
-محدش عارف حاجة، مفيش حد بيطمنا يابنتي..اتجه راكان إلى يحيى الجالس بصمت  وتنهيدة متألمة خرجت قائلا:
-لسة مفيش جديد..رفع رأسه قائلا
-عايز أعرف مين ال عمل في ابني كدا ياراكان، مش انت وكيل نيابة، شوف شغلك ياحضرة الوكيل
ابتلع غصة مسننة جرحت حلقه فخرج صوته مرتعشًا
-يقوم بالسلامة الأول ووعد اجبلك ال عمل كدا واعمل فيه زي ال عمله معاه، قالها بصوت فظ غليظ
بينما اتجهت ليلى لأسما التي تستند رأسها على الجدار، وتنزرف عبراتها بقوة تدعو من الله أن يقوم زوجها بكامل صحته
-"اسما" همست بها ليلى بتقطع..استدارت إليها تطالعها بهدوء وظلت كما هي، ثم اتجهت بنظرها إلى راكان ورجعت تستند على باب الغرفة وهي تتحدث
-نوح هيموت ويسبني صح، ولا هو مات اصلا وبيضحكوا عليا، هو فيه عملية تقعد الوقت دا كله..جذبتها ليلى لأحضانها وشعورًا بألم قوي يفتت عظام كلتاهما مصحوبًا بضيق تنفس، اتجه راكان إليهما
-مش عايز حد يعيط، هو جوا لسة في العمليات، ادعوله بدل المحزنة ال عملنها دي، دي؛ والدته معملتش ال بتعملوه
مسحت ليلى دموعها وسحبت أسما من كفيها المرتعش
-تعالي حبيبتي لازم ترتاحي، وأن شاء الله هيخرج بالسلامة، قاطعهم خروج الطبيب، توقف راكان أمامه
-ايه الأخبار يادكتور!!
اتجه الطبيب ليحيى الصامت مردفًا
-الضرب كان شديد، مش هخبي عليك الوضع يادكتور يحيى، فيهم ضربة أثرت على عموده الفقري، وطبعا حضرتك عارف النتيجة ممكن تكون ايه
صرخات وشهقات خرجت من الجميع حتى صرخ راكان بهم
-مش عايز أسمع صوت، المهم انه عايش، وبعد كدا كله هيكون تمام..الحمدلله المهم يكون عايش، اتجه للطبيب
-حياته في خطر ولا إيه عايزين نعرف..وضع الطبيب يديه بجيب معطفه الطبي
-طبعا زي ماالدكتور يحيى كشف وعارف، كان فيه ضربة شديدة على الدماغ، ودي مش هنعرف نتيجتها إلا لما يفوق بالسلامة
جثت أسما على الأرضية بعدما تلاشت قواها وجلست تنظر حولها بضياع تتمتم
-كذب، بتضحكوا عليا، هو هيفوق ويقولي
-تعالي نربي ولادنا مع بعض..كتمت ليلى شهقاتها الباكية بشق الأنفس وهي ترى حالة أسما، رفعت نظرها لراكان وضعت نفسها مكانها انسدلت دموعها تغرق وجنتيها تحاول توقفها
-أسما قومي معايا، نوح هيقوم بالسلامة
آهة صارخة من جوف عاشقة وهي تصيح بأسمه
-هموت ياليلى لو حصله حاجة، أنا راضية بكل حاجة، راضية حتى لو خرج عاجز بس أهم حاجة يحاوطني بحبه وبدفء حنيته، مقدرش أعيش من غيره ..وضعت كفيها على صدرها وهي تبكي بنحيب وتصرخ منادية الواحد القهار
-" يااااااارب" ..وقف راكان عاجزًا بعد تركه للطبيب بعدما سحبه من أمام الجميع متسائلا
- متخبيش عني حاجة لو سمحت، حياته عن حالته
انزل الطبيب بنظره للأسفل بأسى
-للأسف الكام ساعة دول صعبين، الضرب كله مميت في أماكن حساسة ..سلامته ان شاءالله
قالها وتحرك، انحبس النفس بصدره ونبضات قلبه التي ارتفعت بشكل عنيف، حتى شعر بتجلط دمه ..وصل حمزة الذي وقف أمامه بقلبًا منتفض بخوفًا
-راكان نوح، نوح حصله حاجة، واقف كدا ليه
تراجع راكان بعض الخطوات يجلس على المقعد عندما شعر بتثاقل أنفاسه
-حالته خطيرة ياحمزة، نوح لو حصله حاجة مش هسامح نفسي ابدا..استمع لصرخات ليلى على أسما التي تهاوى جسدها وسقطت مغشيا عليها، أسرع إليهما في حضور المسعف ونقلها لغرفة للمعاينة
❈-❈-❈
ألقت ليلى نفسها بأحضانه تبكي وجسدها يرتجف، حاوطها بذراعيه
-ليلى اهدي، نوح هيقوم بالسلامة، تمتمت بصوتها الهامس
-راكان أنا بحبك اوي، بحبك أوي، ظلت تتمتم بها..أطبق على جفنيه متألمًا من حالتها التي شعر بها، حاوطها متجهًا للمقعد ثم اجلسها يضمها لأحضانه
-ليلى أنا كويس أهو قدامك، ممكن تبطلي عياط متنسيش إنك حامل، مكنتش عايز اجيبك معايا..ارتفعت شهقاتها كلما تذكرت ماأصاب نوح وحالة أسما التي تدهورت فتحدثت
-قتلوه، كانوا عايزين يقتلوه، زي ماكانوا عايزين يقتلوك، صح هم مش هيبطلوا لما يقتلوك
وصلت والدتها ووالدها بجوار درة التي أسرعت إلى ليلى
-نوح حصله ايه ياليلى، رفع راكان نظره لحمزة
فجذبها حمزة قائلا
-اهدي حبيبتي هو كويس، في العناية، توقف عاصم أمام يحيى
-حمدلله على سلامته يايحيى..أومأ يحيى برأسه ثم توقف متجهًا للعناية
-ان شاءالله هيقوم بالسلامة، ابني هيقوم بالسلامة، قالها وهو يتحرك بتثاقل، احتضن عاصم ذراعه ينظر لزوجته
-شوفي أختك فين مش باينة..تحركت تبحث عنها حتى وجدت ليلى المنهارة بحضن زوجها فاتجهت إليها:
-ليلى حبيبتي، جلست بجوارها تمسد على ظهرها تطالع راكان بصمت
-هو عامل ايه دلوقتي فيه أخبار عنه
نهض راكان وأجابها
-لحد دلوقتي كويس، أمير بهاء اخده القصر
أومات برأسها
-أيوة اخدوه، اتصلت بليلى كتير مردتش..أشار عليها قائلا:
-خلي بالك منها، لازم اروح النيابة، وزي ماحضرتك شايفة منهارة
أمسكت كفيه تهز رأسها بالرفض
-متسبنيش، لو سمحت ياراكان متسبنيش
جلس بجوارها يحتضن وجهها
-حبيبي أنا جنبك أهو، مش هسيبك، هروح نص ساعة وارجع
انسدلت عبراتها بشهقات هامسة
-هيقتلوك زي نوح!!
-ليلى عايز اشوف شغلي، لازم أعرف مين اللي عمل كدا ..احتضنت ذراعه وبكت بصوت مرتفع
-هيقتلوك مش هقدر ياراكان لو سمحت بلاش ترحلهم..توسعت أعين سمية وهي تشير على ابنتها
-هي مالها يابني، ومين ال عايز يقتلك
احتضن وجهها وقربها يطبع قبلة على جبينها
-حبيبتي دا مجرد حادث مفيش قتل ولا حاجة، ممكن يكونوا حرامية، لازم اشوف شغلي
ضمته بقوة تهز رأسها رافضة مغادرته
-لا، دول كانوا هيقتولك، وسليم مات، مش هقدر أعيش لو بتحبني متسبنيش انا خايفة ترجعلي زي نوح
سحب نفسًا ينظر لوالدتها التي تسائلت
-راكان ايه اللي بيحصل يابني، طيب عرفت مسرحية الطلاق عشان تحميها، طيب من مين، ونوح ذنبه ايه؟!

عازف بنيران قلبي حيث تعيش القصص. اكتشف الآن