البارت الرابع والعشرون

49K 807 33
                                    

اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا وحبيبنا محمد صلى الله عليه وسلم

الوجع الحقيقي هو أن تخالط أناس لا يقدرون قيمة وجودك بينهم ويعتقدون أن الحياة تسير طبيعية عند غيابك. كم أوجعَني أن تجاهلتني وتسببت لي بألم عظيم لا ينتهي. السهم الذي يأتيك من أقرب الناس إليك يتضاعف ألمه ملايين المرات. من أكثر الأشياء التي توجع القلب الاضطرار إلى تغيير المبادئ التي تمضي وفقها كي تساير تستطيع أن تساير الحياة. نضطر أحياناً بالتظاهر بما ليس في القلب كي نحافظ على مظهرنا وملامحنا الخارجية ولا نقلل من أنفسنا أمام من أحببنا.

❈-❈-❈
في مستشفى يونس البنداري
دلفت إلى غرفة ابنتها وجسدها ينتفض رعبًا عليها، شهقة وهي تضفع كفيها على فمها
-"سيلين" حبيبة قلبي يابنتي..ربت نوح على ظهرها وأردف:
-هي كويسة هي نايمة بس من المهدئ..التفتت إليه بعيونًا دامعة..
-إيه اللي حصل وصلها لكدا؟!
سحب نفسًا طويلا وأجابها:
-إحنا منعرفش حاجة، هي اتصلت باخت ليلى وقالت قتلت يونس، إيه اللي حصل منعرفش
ولما جبناها كانت منهارة ومبتتكلمش خالص، ويونس وضعه مش مطمن
صرخت بقهر نابع من وجع قلبها وهي تردف:
-برضو يونس عمل اللي في دماغه وعايز يتجوزها غصب
جلست بجوارها وهي تهز رأسها والعبرات تتساقط كالمطر تمسد على خصلاتها، ثم اتجهت إلى نوح
-"اتصل براكان يانوح، لازم يعرف توفيق مش هيسيبها في حالها؟!"
أومأ برأسه وخرج وأغلق الباب وهو يتنفس بهدوء
-ياترى هتعمل إيه ياراكان في المصيبة دي
عند راكان قبل ساعات
نهض كالملسوع عندما وجد نورسين بغرفته
-دخلتي هنا ازاي، وازاي تتجرأي وتقعدي جنبي كدا من غير ماأسمحلك ..قالها وهو يعقد ذراعها خلف ظهرها ويضغط عليهما بقوة آلمتها
نزعت يدها بغضب من قبضته وصرخت وهي تبكي بتصنع
-إيه اللي حصل لدا كله، ماطول عمرنا واحنا بنقعد جنب بعض وبأي طريقة إيه اللي وجعك قوي كدا
توجه إليها بخطوة وامسكها بعنف عندما أشعلت كلماتها جحيم غضبه واكفهرت ملامحه وتحولت عيناه للهيب
-من إمتى وانتِ بتقعدي جنبي كدا؟! ، قولي بتخططي لأيه، جذبها بعنف يجذبها من خصلاتها
-اوعي تفكري لعبتك دخلت عليا، لا فوقي واعرفي اللي واقف قدامك دا مش مختوم على قفاه، ودلوقتي لو لمحتك قربتي مني هفعصك وزي الحشرة
دفعها بقوة حتى سقطت أمامه على الأرضية وانكشف معظم جسدها..أشار عليها وتحدثت بنبرة مشمئزة
-والله لو قعدتي قدامي ملط ولا تهزي فيا شعرة، ولو مفكرة جوازي منك حبا فيكي تبقي غبية
وصل إليها وأمال بجسده ينظر لمقلتيها نظرات جحيمية
-عايزة تعرفي هتجوزك ليه عشان انتقم من اللي حرق قلبي، ومش بس كدا، عشان أعرف توفيق باشا انه اختيارته وتفكيره غلط
اعتدل ثم أشار إلى باب الغرفة وتحدث:
-دلوقتي اطلعي برة ومش عايز اشوف وشك
نهضت واتجهت إليه وتحدثت بإنفعال طال كل جسده قائلة
-اوعى تفكر أني غبية ومعرفش علاقتك بمرات اخوك، لا انا عارفة انها وجعاك قوي وهتموت وتطولها، بس تفتكر هقعد اتفرج على الحقيرة دي وهي بتحاول تغريك وأسكت
صفعة قوية على وجهها حتى شعرت بألمًا يفتك خديها ثم صاح بغضب:
-اللي بتتكلمي عنها دي مراتي، سامعة يعني ايه، يعني اللي يدوس عليها بدون قصد ادبحه، تخيلي بقى لو بقصد
أشعل تبغه وهو ينفثه بوجهها ويدور حولها عايزة تسمعي إيه يانورسين عايزة تسمعي وانا بقولك اني بحبها، دنى واقترب يهمس بجوار أذنها
-انا مش بحبها بس، أنا بعشقها ولو طلبت حياتي مش هتأخر..أمسك ذراعيها يضغط عليها بقوة وهو يتحدث بغضب من بين أسنانه
-اوعي تفكري نسيت لعبتك الحقيرة عليها وانت بتقولي انك حامل مني، انا بعدي اه بس مبنساش؛ وافتكري بسببك إحنا بعيد عن بعض دلوقتي
أشار إلى الباب وصرخ بها:
-غوري من وشي ..اتجهت تنظر إليه نظرات جحيمية
-وانت خليك فاكر انك اهنتني بدل المرة مرتين ياراكان، بكرة هاخد حقي منك، وخلي مراتك الحلوة تنفعك
-برررررة..صرخ بها بقوة، حتى هرولت للخارج دون حديث
جلس يلتقط أنفاسه بصعوبة حينما شعر بإنسحابها، كلما تذكر وجه ليلى بعدما رأت تلك الحية
أرجع خصلاته للخلف بغضب كاد أن يقتلعها بيديه وحدث نفسه
-ياترى عاملة ايه دلوقتي، وازاي هتثق فيا مهما حلفت..امسك هاتفه وظل يحاول الإتصال بها ولكنه مغلق
صرخ بقوة يلقي الهاتف بغضب حتى هشمه وتناثر إلا قطع متناثرة
عند ليلى بعد خروج توفيق
جلست تبكي بإنهيار وتهمس بإسمه، اتجهت إلى هاتفها سريعًا تفتحه بعد أن أغلقه ذاك المتجبر، فتحته بأيد مرتعشة ودموع كالشلال، وشهقات تخترق القلوب
فُتح الهاتف وماهي إلا لحظات ووصل إليها العديد من الرسائل لزوجها بأوضاع مخلة مع تلك الشيطانة
هزت رأسها رافضة ماتراه، أظلم قلبها واحترق بنيران الغيرة حتى أصبح بركان متقد الإشعال للأنفجار، وهي تصرخ وتجذب خصلاتها بعنف
-ليه !! ليه تعمل فيا كدا ياراكان ليييييه
صرخة قوية خرجت من أعماق روحها المحترقة وصارت تدفع كل مايقابلها بعنف حتى تحولت الغرفة إلى اشلاء متناثرة حولها
دلفت زينب التي وصلت للتو، شهقة خرجت من فمها بعدما وجدت حالتها الرثة، كانت تحمل أمير الذي بكى بنشيج
اتجهت إليها وهي تجثو على الأرضية وعيناها التي تحولت لإحمرار كالون الطماطم الناضجة، وخصلاتها المبعثرة العشوائية كالتي فقدت عقلها..بكى الطفل، رفعت نظرها إليه سريعًا، وجذبته بعنف تضمه لأحضانها وتقبله بهستريا
جلست زينب تمسد على خصلاتها
-ليه قفل عليكي يابنتي؟! وليه أخد منك أمير؟! قولتلك ابعدي عنه دا شيطان، استغل سفر راكان وشوفي عمل ايه، دا كان جايب البوليس عشان ياخدوا سيلين لولا نوح وحمزة مخبينها كان زمانه سجنها
بعينين هالكتين وقلب تحمل قساوة البشر، اتجهت إليها وهمست بنياط قلبها المتمزق
-عايزة أطلق من ابنك، ولو إنتِ ام فعلا حق وحقيقي اعتبريني بنتك وخليه يطلقني
صاعقة نزلت على رأس زينب تصفعها بقوة حتى صرخت تضع كفيها على فمها
-بسم الله، جرالك إيه ياليلى، انت الصبح وقفتي تقولي على جثتي لو حد بعدني عن جوزي، دلوقتي حصلك إيه
نهضت تضم إبنها واتجهت إلى خزانتها
-كنت بضحك على نفسي، دلوقتي هاخد ابني واروح بيت بابا ولو ابنك راجل يطلقني
توسعت بؤبؤة زينب وتصنم جسدها للحظات، ثم توقفت متجهة إليها
-ليلى حبيبتي اهدي، متسمعيش كلام الشيطان دا، هو أهم حاجة يبعدك عن راكان عشان عارف بعدك عنه يعني تنازلك على كل أملاك سليم ومش بعيد ياخد ابنك
-مش عايزة أسمع حاجة، ابنك يطلقني بهدوء بلاش يوصلني اخلعه
قالتها وحملت حقيبتها بعدما وضعت حجابها على خصلاتها،
جذبت سلسالها بعنف وألقته على الأرضية وتحركت للخارج دون حديث آخر
❈-❈-❈
بالمستشفى عند يونس وخاصة بغرفة سيلين
فتحت جفونها بتثاقل وهي تتلفت حولها، انسدلت دموعها عندما تذكرت ماحدث، اغمضت عيناها وصرخة خرجت من جوفها شقت جدران الغرفة، أسرع الطبيب إليها وقام بحقنها بمهدئ، دقائق وهي تبكي بنشيج
بالخارج عند نوح أمسك هاتفه وقام الأتصال على راكان
خرج راكان من منزله وقام بمهاتفة مدير اعماله -ألغي كل حاجة، لازم أرجع القاهرة دلوقتي..قاطعه
-راكان باشا إحنا بخسر..صاح راكان بغضب
-هو أنا المالك ولا إنت، قولتلك ألغي كل حاجة، عايزة تكمل مع المحامي براحتك معاك كل الصلاحية أما أنا مستحيل اقعد دقيقة واحدة هنا ..انهى مكالمته وإذ بنوح
-راكان إنت فين؟!..زفر راكان يخرج هواءً من رئتيه محملا بكم الألم الذي يجتاح جسده فأجابه
-في الكباريه، هكون فين يانوح!
انا في برلين..على الجانب الآخر
-راكان لازم ترجع القاهرة في أقرب وقت
توقف عن السير ظنا بأن ليلى قامت بفعل شيئًا فأجابه
-إيه اللي حصل ؟!
حمحم نوح مردفًا، يونس في المستشفى وجدك مُصر يحبس سيلين، وحمزة مش عارف اوصله وكمان درة احتمال تكون اتخطفت او حصل معاها حاجة خطيرة
سحب كمًا من الهواء ودفعه مرة واحدة قائلا
-يخربيت أحلامك يانوح، ناقص تقولي موتوا ليلى، مش عايز حرق أعصاب، أنا أعصابي تعبانة من غير أي حاجة
اتجه نوح ينظر إلى يونس المسطح على الفراش لا حول له ولا قوة فتحدث بألم
-ياريت كان حلم ياراكان الموضوع خطير فوق ماتتوقع، ثم التقط صورة وأرسلها له
وقف ملجم اللسان وكأنه تلقى صاعقة ادت إلى تصنم جسده فأردف بلسان ثقيل
-مين اللي عمل فيه كدا؟!
مسح على وجهه وارجع بخصلاته للخلف يفكر في تلك المعضلة الصعبة وكيف له أن يجيبه فأردف
-"سيلين"
سقط قلبه بين أضلعه حين استمع إلى اسم اخته، حاول التنفس وكأن الأكسجين سحب من المكان، لحظات مرت عليه كالدهر وكأن الأرض تحت أقدامه فوهة بركانية فهمس بصوتا كاد أن يخرج
-انا في المطار وراجع القاهرة كلها كام ساعة وأكون عندك..
توقف ينظر حوله بتشتت وتيه، يعني إيه اللي بيحصل دا؟!
يونس عمل ايه خلى سيلين تحاول تقتله، أطبق على جفنيه عندما شعر بمداهمة افكار شيطانية تتفرع إلى داخل عقله
-لا مستحيل يكون واطي ودنئ، مستحيل يغدر ببنت عمه، قاطعه رنين هاتفه؛ نظر إلى الهاتف بإستغراب
-ودول عايزين ايه؟!
-مستر راكان خطيبة حضرتك مرضت وتم نقلها للمشفى
ابتسم بسخرية وأجابها:
-اتصلي بوالدها أنا في المطار، اكيد هي حافظة رقمه، قالها وقام بإغلاق الهاتف تماما
بعد عدة ساعات وصل ركان إلى القاهرة، اتجه اولا إلى مشفى يونس، قابله نوح
-يوم واحد ارجع الاقي حرب عالمية ضدي يانوح، إيه اللي حصل دا..قالها بوجه مكهفر
اتجه بانظاره متسائلا
-فين سيلين يانوح؟!
-تحت في اوضة عادية عشان توفيق مش يعرف يوصلها ..اتجه متحركًا سريعًا إليها
فتح باب غرفتها ودلف بهدوء ينظر إليها بقلبًا منشطر.. أطبق على جفنيه متألمًا ثم تحدث
-ايه اللي حصل لك ياحبيبة أخوكي..مسد على خصلاتها متنهدًا بحزن، فتحت جفنيها ونظرت للذي يجلس أمامها
هبت والقت نفسها بأحضانه تبكي بنشيج
-را..كان..را..كان قالتها بتقطع كطفل يتعلم الكلام، شوفت حصلي ايه، شوفت عملت إيه في يونس..أردفت بها ببكاء
ضمها يربت على ظهرها:
-أشش اهدي حبيبتي، كله هيعدي انا معاكي..تحدثت من بين بكائها
-انا قتلته ياراكان، قتلت يونس هو مات مش كدا
احتضن وجهها بين راحتيه ينظر لعيناها
-يونس كويس، فوقي كدا عشان تحكي لي إيه اللي حصل
أنزلت كفيه بهدوء واردفت بتقطع
-راكان عايزة أنام ..قالتها وتسطحت على الفراش تواليه بظهرها
طبع قبلة على خصلاتها ودثرها وتحرك للخارج، اتجه إلى الطبيب المسؤل عن حالة يونس
-يونس عامل إيه؟! عايز أعرف كل حاجة حتى لو بسيطة
وضع الطبيب الأشعة أمامه وتحدث
-هو كويس، بس الطعنة نالت جزء بسيط من الكلية، هو دخل غيبوبة للأسفل، فقد جزء كبير من الدم
تنهد راكان يسحب كم من الهواء وهو يضع يديه بخصره متسائلا
-الغيبوبة دي هيفوق منها إمتى؟!
رفع نظره وتحدث بعملية:
-ممكن يوم، شهر، سنة، دي علمها في الغيب
نظر إليه بضياع وهز رأسه متفهما
-تمام ..تحرك الطبيب بعدما انهى حديثه
-سلامته ان شاءالله
خرج إلى نوح الذي كان يحادث أسما
-خلاص ياأسما حاضر،
جلس مطبق على جفنيه محاولا السيطرة على نفسه
-خايف على يونس قوي، تفتكر ممكن يموت
ربت نوح على كتفه:
-لا يونس قوي وان شاء مش الله يفوق وهنقلش على بعض كمان، ويعاندني الغبي دا
انزلقت عبرة رغمًا عنه ازالها سريعًا ثم نهض واقفًا
-أنا لازم اروح البيت ضروري، فيه مصيبة ولو مرحتش هتنتهي بكارثة
ضيق نوح عيناه متسائلا
-قصدك إيه؟!
تحرك وهو يلوح بيديه
-خليكي الليلة مع يونس وهجيلك الصبح
جلس نوح وهو يمسح على وجهه بغضب
-ربنا يستر ياراكان، معنى إنك تسيب يونس وهو بالحالة دي يبقى فيه مصيبة فعلا
قبل عدة ساعات
وصلت ليلى إلى منزل والدها
دلفت للداخل ووضعت إبنها على فراشها بغرفتها، وجلست تبكي بنشيج وهي تنظر بأركان الغرفة، نهضت وكأنها تبحث عن والديها
دقائق ودلفت والدتها واخيها
احتضنت والدتها تبكي بقهر
-بابا فين ياماما؟!
خارت سمية جميع قواها وهوت على الأرضية وشهقات من بين شفتيها
-منعرفش راح فين، إحنا ركبنا عربية آسر، ودرة وحمزة ركبوا معاه الإسعاف ووصلنا إلى المطار، واستنينا كتير، آسر سابنا وراح يدور عليهم ورجع قالي العربية مالهاش آثر
انهمرت دموع ليلى بنزيف روحها واقشعر جسدها عندما تذكرت صورة والدها
جلست بجوار والدتها تضم ركبتيها إلى صدرها وتضع رأسها تنظر إلى البعيد..قاطعهم دلوف آسر
-مفيش جديد، رُحت بلغت قالوا بعد أربعة وعشرين ساعه
نهضت سريعًا تنظر إلى والدتها
-عندي مشوار مهم، خلي بالكوا من أمير
تحركت إلى أن وصلت إلى شركة توفيق البنداري، دفعت الباب ودخلت إليه، حاولت السكرتيرة إيقافها ولكنها لم تتمكن
وقفت أمامه تناظره بنظرات كاره وصاحت بغضب
-همضي على قضية الطلاق، بس بشرط بعد مااتأكد من سفر بابا
نصب عوده وتقدم منها وهو يرمقها بنظرات شامتة
-ماكان من الأول، كان لازم تعملي فيها..صرخت بقهر واردفت:
-قدامك دقيقة بابا لو مسافرش وفي طيارة خاصة كمان زي ماراكان كان مرتب صدقني هخليك تعيش في جحيم ومتعرفنيش لما أقلب بكون عاملة أزاي
جلس وأشعل سيجاره وضحكات متهكمة
-طيب وريني اخرك ياباشمهندسة
ابتلعت جمرة حارقة واقتربت منه
-عندي ورق اخدته من مكتب راكان يوديك في داهية إنت وقاسم الشربيني والنمساوي
تراجعت تنظر لمقلتيه بشماته وأكملت
-إيه رأيك ياباشا..هب من مكانه كالملسوع وامسكها بعنف يهزها
-ورق إيه يابت دا..نزعت يديها بغضب
-الدقيقة عدت..استدارت تتحرك ولكنها توقفت وهي تسمع صوت سلاحه واقترب متهكمًا
-تعرفي ممكن اموتك دلوقتي ومااخدش فيكِ يوم واحد، والكل هنا يشهد دخولك وتهديدك
حاولت السيطرة على خوفها وتحدثت بصوتًا جاهدت ان يكون طبيعيا
-وريني آخرك ياباشا، ومتثقش في شيطانك قوي، أنا عاملة حساب كل حاجة
جلس وهو يمسك هاتفه
-وصل عربية الإسعاف المطار، ومتسبهاش إلا لما تتأكد من سفرهم ..قالها وأغلق الهاتف ثم اتجه يقف أمامها وهو ينفث دخان تبغه بوجهها
نفرته مشمئزة وتراجعت خطوة واحدة ترمقها بنظرات مشمئزة
-معرفش إزاي انت اب وجد، انت مكانك مع المجرمين، اللي موت ابنه واحفاده دا مالوش غير الشنق في ميدان عام
تحرك إليها يشير بسبابته متهكمًا:
-لما تكوني قاضي يبقى احكمي عليا ..دلوقتي ورق القضية تمضي عليه، عايز وقت ماراكان يرجع يطلقك
دنى ينظر إلى مقلتيها
-عارفة لو لعبتي بديلك..تحركت وهي تتحدث
-متخافش حفيدك معدش يهمني، الراجل اللي يخون الست اللي على اسمه ميستهلنيش
قالتها وتحركت للخارج سريعا
عادت إلى منزل والدها تنتظر إتصال حمزة بشق الأنفس ..ساعة تلو الأخرى حتى استمعت إلى رنين هاتفها
-درة انتو فين..أجابتها درة وهي تدلف إلى المطار بجوار حمزة
-إحنا وصلنا حبيبتي بالسلامة، وكمان ماما وكريم وصلوا ماتقلقيش..هزت رأسها بإرتياح وعبراتها على وجنتيها
استندت على المقعد تضم نفسها وتبكي بنشيج وهي تتذكر عودتها من زيارة توفيق
-ياله ياماما اجهزي، أنا كلمت نوح وهو عرف يوصل لمكان بابا، دول خطفوا العربية بالغلط كانوا مفكرينها لرجل أعمال
هبت واقفة تمسح عبراتها
-حقيقي ياليلى يعني بابا دلوقتي سافر..ربتت ليلى على كفيها
-يالة حبيبتي الطيارة هتفوتكم
اتجهت بأنظارها إلى كريم
-انت راجلنا ياكريم خلي بالك من ماما وبابا، وأنا وقت ماراكان يرجع هسافرلكم
أقترب كريم يطالعها
-ليلى هتفضلي هنا ولا إيه..هزت رأسها رافضة وهي تزيل دموعها
-لا ياحبيبي هظبط شوية حاجات في البيت وارجع على بيتي
خرجت والدتها وهي تحمل بعض الأغراض التي تناولها كريم متجهًا للأسفل
-ياله ياماما عشان منتأخرش..احتضنت سمية كفها
-ليلى معرفش ليه حاسة عندك مشكلة وبتحاولي تخبي، انتِ زعلانة مع جوزك
هزت رأسها رافضة حديثها:
-ابدًا ياماما، انا خايفة على بابا حتى كلمت راكان وقالي وقت مايخلص شغل هيجي واروح اقعد كام يوم
قبلت رأسها وطبعت قبلة على جبينها
-ربنا يسعدك ياحبيبتي، يبقى سلميلي على راكان
اتجهت إلى طفلها بعدما خرجت والدتها وأغلقت الباب خلفها
-حبيبي بتعيط ليه..ماما هنا اهو...ابتسم الطفل يصفق بكفيه
-با. با ..حملته تقبل وجنتيه، واتجهت متحركة إلى المطبخ لأعداد وجبته
حملته بضحكات من شفتيها وليس قلبها الملكوم حينما استمعت إلى همهمات طفلها بكلماته بابا
وضعته بكرسيه وجلست تحاوره كأنه يفهمها
-شوفت بابا عمل في ماما ايه، كذب عليها
انسدلت عبراتها على وجنتيها
-بابا مزعل ماما قوي ياأمير، عايزة اضربه، عايزة اخنقه واخلص منه الكذاب دا
أطبقت على جفنيها متألمة وتحدثت:
-أنا حاسة إن فيه حاجة غلط، بس الإحساس حاجة، وإنك تشوف وتسمع حاجة تانية، كان ممكن اكذب اي حد يقول كدا، إنما أنا شوفت وسمعت
بدأت بإطعامه وهي تقص له وهو يداعبها بكفيه الصغير ويطلق ضحكاته
داعبته بأنفها
-بتضحك على إيه فرحان بعمك بتاع الستات دا، طيب اقعد واتفرج شوف ماما هتعمل فيه إيه، لحد دلوقتي انا مش مصدقة ماهو مش معقول هيكون بيخني ويفتح الكاميرا، لا وكمان عايدة زفت وتوفيق الحقير يقنعوني انه بيخوني، دا يخليني لازم أتأكد انه فخ، والحقيرة دي هعرف أربيها
❈-❈-❈
عند راكان وصل إلى قصره دلف سريعًا يبحث عنها، قابلته والدته التي كانت متجهة إلى المستشفى، تسمرت بوقفتها وشهقت ببكاء مرتفع
-راكان..ضمها إلى أحضانه يربت على ظهرها
-حبيبة قلبي خلاص إهدي، أنا هنا
خرجت من أحضانه ورفعت نظرها تطالعه بعتاب
-كدا تسيب اختك إلى يونس يابني، مش حذرتك منه مليون مرة
رفع كفيها يقبلها ثم ضم رأسها يطبع قبلة
-ماما حبيبتي اتأكدي إن يونس مستحيل يأذي سيلين، مستحيل فاهمة، يارب ياماما منحكمش قبل مانعرف إيه اللي حصل
تصلبت أنظارها عليه واردفت معاتبة
-قصدك إن سيلين كانت عايزة تموته كدا لله في لله
مسح على وجهه وعينيه على الدرج يتمنى لو يصل إليها بخطوة فتحدث:
-ومين قالك انها كانت عايزة تموته إحنا منعرفش مين اللي ضربه
تراجعت زينب وهي تهز رأسها
-انت مشفتهاش دي مش حاسة بحاجة والدكتور بيقول إنهيار ..زفر راكان وحاول إنهاء النقاش فتحرك خطوة
-انا لسة جاي من عندها ياماما وقالتلي مفيش حاجة حصلت..تصنم بوقفته مستديرًا إليها بهدوء وهو يبتلع غصة بجوفه عندما أردفت والدته
-ليلى مش هنا، سابت البيت
أحس بإرتفاع ضغط دمه، واختنق حلقه بغصة فتسائل:
-بتقولي راحت فين؟!
عقدت ذراعها على صدرها وأكملت
-ليلى سابت البيت وقالت خليه يبعتلي ورقة طلاقي
استدار متجها إلى والدته وعينيه متعلقة بعينها وهو يريد إستيعاب ماقالته
-"طلاق" قالت عايزة تطلق
رمقته والدته بشك، فباغتته بنظره مستفهمة
-راكان إيه اللي حصل خلى ليلى تبقى زي المجنونة كدا، لا وكمان معرفش توفيق جه قالها إيه خلاها تكسر الأوضة
لكزته بسبابتها ونظرت لمقلتيه بغضب
-النهاردة توفيق ضرب ليلى بالقلم على وشها عشان رفضت تطلق منك وقالتله على جثتي ياحضرة النايب
شعر بجسده ينتفض ألمًا مما استوعبه، تعاظمت نيران قلبه متراجعًا بخطواته للخلف ثم اتجه سريعًا يبحث عن جده زي المجنون
بمكتب توفيق استمع إلى رنين هاتفه
-راكان رجع مصر من ساعتين تقريبا ..نهض سريعًا يحمل الأوراق المطلوبة وتسائل
-ليلى فين لسة في بيت أبوها؟!
اجابه الرجل:
-ايوة ..تحرك متجهًا إليها ..
عند ليلى كانت تلعب مع طفلها بقلبًا حزينًا تحدث نفسها
-ياترى بابا حالته إيه دلوقتي...أمسكت الهاتف وقامت الأتصال على اختها
-ليلى ..عاملة ايه
-بابا عامل ايه يادرة، وحمزة كويس حد منكم أتأذى، ماما متعرفش حاجة
اتجهت درة بنظرها إلى حمزة الذي يجلس مغمض العينين يتذكر ماصار منذ ساعات
فلاش
-توقفت سيارة الإسعاف فجأة..فتح الباب حتى يرى ماذا حدث، ولكن تفاجئ بأحدًا يضع سلاحه على رأسه
-هتنزل من غير ولا كلمة ولا نقتل الحلوة اللي جنبك دي، بعدها غاب عن الوعي واستيقظ والظلام يحاوطه، بدأ يصرخ باسم درة لبعض الوقت، ثم دلف إليه رجلان ببنية ضخمة
-ياله عشان نوصلكم المطار، امسكه حمزة من تلابيبه
-انت مين ياحيوان ومين اللي وراك..أشار الرجل الأخر وهو يعقد ذراع حمزة ويجذبه متجهًا للخارج
خرج من ذكرياته على ذراع درة التي جلست بجواره تضع رأسها على كتفه
حاوطها بذراعيه ثم طبع قبلة على رأسها
-انتِ كويسة؟!
هزت رأسها واغمضت عيناها علها تنسى ماصار منذ ساعات
عند ليلى وصل توفيق إلى شقة والدها، استمعت إلى طرقات على باب المنزل، فتحت الباب متناسية أنها بمفردها بذاك المنزل، تفاجأت به يدفع ويغلق الباب خلفه، ثم بسط يديه بورقة طلاقها
-امضي اهلك دلوقتي في ألمانيا، وابوكي تحت الفحص ومتفكريش انهم بعيد عن عيني، دا الدكتور نفسه تحت ايدي
-امضي على قضية الطلاق وإلا
اهتزت حدقيتها وهي تمسك الورقة بأيد مرتعشة، انسدلت عبارتها وكأنها ترى صورته على الورق، أطبقت على جفنيها وغصة متألمة منعت تنفسها وهو يمد يديه بالقلم
-اللي يشوفك يقول جوزك حق وحقيقي، اومال لو مش جواز على ورق
رفعت نظرها ترمقه بنظرات نارية، تود لو تحرقه او تخنقه، لم تعلم كيف جأتها الجرأة وهي تقول له
-متفكرش بحتة الورقة والتمثيلية الحقيرة هتخليني أتنازل عن حقي في جوزي، ربنا على المفتري..مضت على الورقة ثم ألقتها على الأرضية تضغط عليها بحذائها وتحركت إتجاه الباب
-اطلع برة مش عايزة أشوف خلقة شيطان زي امثالك
أنحنى يحمل الورقة ونظر إليها متهكما
-المهم وصلت للي عايزه، مبروك عليكي الخسارة..تحرك خطوة؛ فاوقفته
-لو لمست أهلي هدخلك السجن بالورق اللي معايا ..
-وانتِ لو راكان عرف حاجة صدقيني ابوكي هيموت وهيكون قضاء وقدر، لازم راكان يطلقك إزاي مش شغلي، قالها ثم تحرك مغادرًا دون حديث
بعد قليل استمعت إلى طرقات مرة أخرى اتجهت تتسأل اولا:
-مين؟!..أجابها آسر من خلف الباب
-افتحي ياليلى أنا آسر، جبتلك شوية حاجات، طنط سمية قالت التلاجة فاضية
فتحت الباب نصف فتحة وتوقفت أمامه
-شكرا ياآسر..تناولت منه الحقيبة البلاستيكية ثم أومأت برأسها
-معلش مينفعش تدخل مفيش غيري
اومأ متفهما ثم تحدث
-عاملة ايه مع راكان، معرفناش نتكلم آخر مرة
وضعت الحقيبة بداخل البيت، فدلف آسر خطوة واحدة لداخل المنزل
-مبترديش يعني؟!
تنهدت وهي تشير بيديها
-آسر لو سمحت وجودك مينفعش ممكن تمشي..دنى خطوة أخرى وهو يتحدث قائلا
-ليلى اطلقي من راكان وتعالي نتجوز ونربي الولد مع بعض
كان يقف خلف آسر، استمع إلى كلماته وكأنه طلقات نارية استقرت بقلبه ليدمي قلبه دون رحمة، انتظر ثورانها او صراخها بوجهه ولكنها شطرت قلبه وجعلت أنفاسه كنيران حارقة، وإنقباض شديد بقلبه حتى مزقه من الألم وهي تجيبه
-أنا هطلق ياآسر..عايزة أربي ابني زي ماما وبابا ربوني، انت كان عندك حق، الناس دي مش من توبنا
-وايه كمان يامدام...هكذا قالها راكان بلسان ثقيل، وشعور بإحتراق بجسده من كثرة غضبه
تحرك ودخل يقف بينهما يوزع نظرات جحيميه عليهما
اختلج صدرها ضربات عنيفة تصدر من قلبها الذي ينبض بشدة من وجوده واستماعه للحديث ..اتجه بانظاره إليها وهو يتحدث بهدوء رغم نيران قلبه المحترق
-قولي يامدام إزاي عايزة تطلقي وتبعدي الولد عن أحضاني..خطى إليها بخطوات سلحفية ثم جذبها بقوة حتى اصطدمت بصدره وهي تنظر إلى آسر الذي يرمق راكان بنظرات نارية
حاوط خصرها يضغط عليها ثم داعب وجهها بأنفاسه الحارقة التي ود لو أحرقها بها فهمس أمام شفتيها يلامسها بحضرة آسر
-عرفي حبيبك إزاي هتطلقي منه، وازاي هتبعدي ابنه عنه..اعتصر خصرها بكفيه يضغط بقوة آلامتها وتحدث إلى آسر وهو ينظر إلى مقلتيها
-اطلع برة، مش عايزة اشوفك قدامي، معلش تقول ايه واحد ومراته بقى وهي وحشته
هزة عنيفة أصابت جسدها من نيرانه المتقدة بعينيه التي يطلقها لتخترق جسدها...تقدم منهما آسر وهو يتحدث
-بس حضرتك سمعت وهي بتقول عايزة تطلق منك..ظل يناظرها بتلك النظرات التي مزقت روحها لأشلاء..فهمست إلى آسر وهي تطالعه
-امشي دلوقتي ياآسر بعدين نتكلم
زم شفتيه وابتلع غصته المريرة التي شعر بطعم علقهما وهي تتحدث بتلك العيون والنظرات الهادئة إلى آسر، حاول السيطرة على نفسه حتى لا يصفعها ويدمي وجنتيها
خرج آسر مغلقًا الباب خلفه..تراجعت خطوة وهي تنزل ساعديه الملتف حول خصرها بهدوء رغم نيرانها المتقدة بجسدها كاملًا حينما تذكرت صوره
خطى إليها وهو يحاوطها بنظراته وكأنه يتحرك على نياط قلبه المتوجع الذي أحرقته بفعلتها
جذبها بقوة حتى آلامها، ثم داعبها بأنفه مررها على وجهها كأنه يحاول السيطرة على نفسه ليتناسى ماصار منذ قليل
-قولي أعاقبك إزاي، وبأيه..نفسي أعاقبك عقاب اخليكي تحسي بلي حاسه دلوقتي
اطبقت على جفنيه تمنع دموعها التي تشكلت بجفنيها، محاولة سيطرتها على نفسها من رائحته التي غزت رئتيها وتمنت أن تقترب أكثر حتى تشبع رئتيها كمدمن منتظر جرعته، ولكن كيف أن تمنع نفسها من ذاك الشعور الذي أدى بها إلى التهلكة، وهي لا تتمنى في ذاك الوقت غير قربه ورائحته فقط، تتمنى ضمه، قربه
عصرت عيناها حتى لا تضعف فهمست بصوتًا ضعيف
-ابعد، ماتقربش..ضغط على رسغها بقوة آلامتها ولا يرى سوى نظرات آسر وحديثه..حالة متناقضة بأحاسيسه بتلك الأثناء، ايعاقبها بشدة، أم يسحق شفتيها التي تدعيه لتذوق طعمها..حالة أرهقته وهو يطالعها بنظرات صامتة، حتى اودت بينهما لحرب نظرات جحيمية، هي بتذكرها بتلك الصور، وهو بتحطيم قلبه وفتاته عندما اكسرت كلماته

عازف بنيران قلبي حيث تعيش القصص. اكتشف الآن