رصاصة الرحمة..

Start from the beginning
                                    

هي التي التجأت إليه فور سماع الرصاص..و أصبح هو درعا لها..
ردة فعلها العفوية تركته مصابا بالحب و مهملا للرصاص..
هي التي لطالما أرادت أن تحميه اليوم و بكل تلقائية تطمئن لدرجة أن تطلب حمايته..اليوم هما وجهان لدرع واحد و الهايم يرتدي هذا الدرع و يقف في المنتصف..
إذ ارتمت بين ذراعيه تهاوى بها إلى الأرض سريعا..منكبا عليها..
يحاوطها بكل ما أوتي من قوة..يخفيها بين ثنايا صدره، قلبه، جوارحه كافة بل يخفيها حتى في نسيج ملابسه..

هما جسدان متكوران على بعضهما البعض كأنما هما في التحام تام..
لا تستطيع عين مجردة الفصل بينهما..
منكب عليها و هي ترضى بالانكماش داخله..

أما يوسف فقد فقد وعيه بينما يهمس باسمها..و بهذه البساطة حل وجوم ثقيل على المكان..لا أحد قادر على الاقتراب..الجميع يراقب من خلف الأبواب الزجاجية للمشفى..
طاقم طبي كامل و لا يجرؤ أحدهم على الخروج لسحب يوسف و لا الاطمئنان على الباقين..
الجميع في انتظار الشرطة..و الشرطة لا تزال منهم ببعيد..

كأنهم أُسروا في إطار لوحة..تحولوا ألوانًا حارة و لكن بلا حركة أو أنفاس..
جامدون..سُحبت أرواحهم إلى متاهة من ذهول و خوف مدقع و شلل عظيم..

زين كان أول المتحركين..إلى بيان مسيره هكذا يهيأ للناظرين..و الحقيقة أنه يسير إلى أكبر اختباراته في الحياة..إلى سديم..

بيد مرتعشة..و أعين تفيض وعيدا، خوفا، شفقة، انهيارا و شيئا ما أعمق من ذلك الذي يسمونه العشق..
وضع زين كفه على كتف بيان..
بيان الذي نسى الموقف و نسى نفسه و نسى التنفس..
بيان الذي كان يعرف شيئا واحدا في تلك اللحظة هو أنه جاهز أن ينصهر مع سديم و يفنى كلاهما من العالم..بعيدا عن كل القسوة و الظلم فيه..

كم يتمنى الآن لو أنهما نبتتان..أو بضعة رمال على شاطيء ما..أو أي شيء..
أي كيان يضمن لهما بعضا من الراحة و بعضا من سلام..

-" بيان.."

بهدوء همس..و كأنه يعرف أن سديم مستقرة في نوم ما و لا يريد أن يقلق سكينتها..و لكن من أين له أن يعرف بنومها..
ربما لأنها لو كانت مستيقظة لما ظلت مستكينة إلى هذا الحد..لزلزلت الدنيا حتى تتأكد من سلامة بيان..لانتفضت و انتفض جسد بيان استجابة لها..
لتتاثر عبق مشاعرها في الأجواء..
لو كانت مستيقظة لغلبت بهالتها المحبة أثر الرصاصة..

-" بيان.."

هزه هزة بسيطة هذه المرة..بيان يرفع رأسه رويدا رويدا..سديم نائمة على صدره..مغمضة العينين..نظارتها سقطت بالفعل في مكان ما تحت الأرجل..

-" هل أنت بخير؟! هل سديم بخير؟! "

سأل أخيرا..و بيان ينظر إليه بأعين زائغة غير مستوعبة للموقف..
يطالع كفيه فلا يجد دماء عليهما..لهذا اليوم أديمه غير مخضب بحنائها..
و لكن لماذا يبدو و أن أحدًا يحاول انتزاع آثارها؟!
لم كل هذا الخوف و السكون إن كانت حقا حاضرة؟!

ظلالWhere stories live. Discover now