الفصل السابع عشر

347 22 5
                                    

بعتذر عن التأخير

الفصل السابع عشر
ابن
وصلت السيارة بآدم وقد كانت أميرة تقف أمام الباب لاستقباله حيث أسرع الطفل يجري إليها فحملته بحب وحنان وقبلته كما فعل هو
قالت "كيف حالك؟ من ساعدك بارتداء الملابس؟"
قال ببراءة الأطفال "أبيه أحمد، نهلة رحلت للكلية"
قالت "حسنا هل تحب المفاجآت؟"
هز رأسه وقال "نعم بالطبع"
أشارت إلى غرفة جانبية وقالت "هناك مفاجأة خلف هذا الباب فهل تخمن من هو؟"
قال "من هو؟ لا أعرف أميرة أنت أخبريني"
نظرت للطفل وقالت "ألا تحب أن ترى دادي؟"
صمت الطفل قليلا ثم قال "لا، لقد كان غاضبا المرة السابقة وكاد يضربك و"
قاطعته بحب "لا حبيبي دادي هذه المرة مختلف فهو أتى من أجلك فلا تخاف هو فقط يحتاج أن تلعب معه كما كنا نلعب وتضحك معه و"
فتح باب الغرفة ورأته يتحرك للخارج ولكنه توقف عندما رآهم أمامه فهمست "هيا آدم اذهب ورحب به"
أنزلت الطفل الذي ظل واقفا ينظر بعيون والده الذي تسمرت قدماه بالأرض ولم يعرف ماذا يفعل ولكن آدم تحرك إليه حتى وقف أمامه وقال "هل حضرتك غاضب؟"
ظل ينظر بعيون الطفل ولا يفهم ماذا يعني ولكنه قال "لا، لماذا تسأل؟"
قال آدم "لأني لا أريدك أن تغضب على أميرة"
نظر إليها فابتسمت فركع أمام الطفل بدون وعي منه وقال وهو يتأمل ملامح ابنه الذي بدا شبيه به وقال "تحبها؟"
هز آدم رأسه وقال "جدا، وحضرتك؟ هل تحبها مثلي؟"
ذهبت ابتسامتها من سؤال الطفل بينما نظر هو للطفل بصمت ثم نظر إليها فواجهته وهو لا يعلم ماذا يعني الحب فعاد للطفل وقال "وهل لابد أن أفعل؟"
قال الطفل "نعم أميرة أخبرتني أن الحب بين الأم والأب أساس السعادة ولو حضرتك وهي سعداء سأعرف أنا السعادة"
لم يصدق أن كلمات كهذه تصدر من طفل مثله فقال "أخبرني أولا لماذا تحبها؟"
قال "لأنها تفعل كل شيء لإسعادي، تلعب معي وتعلمني وتشاهد معي الكرتون، هي أخبرتني أن لديك بحيرة كبيرة وستأخذني إليها لنسبح سويا وتعلمني السباحة فهي تقول أنك سباح ماهر وهي تحبك جدا وأنت تسبح"
أخفضت عيونها ولم تواجه نظراته لها ثم عاد للطفل وأحاطه بذراعيه وقال "وأنت تريد أن تأتي معي وأعلمك السباحة وتشاهد البحيرة الكبيرة؟"
ابتسم الطفل وقال "نعم جدا، ألست دادي؟ إذن عليك بتعليمي، أنا أريد أن أكون معك بكل مكان وتلعب معي وتشاهد معي تلك الأفلام التي أحضرتها أميرة، وتشاهدني وأنا أتدرب بالنادي إن جسدك رائع وأتمنى أن أكون مثلك"
شعر بشعور لم يعرفه فمرر يده على وجنة الطفل وقال "هذا يتطلب تدريب قاسي"
قال الطفل "سأفعل لو كنت أنت معي"
ظل ينظر بعيون الطفل ثم قال "ولكنك تعلم أني مشغول والعمل يأخذ وقتي"
قال آدم ببراءة "أميرة تقول أنك تفضل وجودك معي على أي شيء وكل شيء هل هي كاذبة؟"
هز رأسه بالنفي وقد أعاده الطفل بقوة للخلف بكلماتها فقال "لا، ليست كاذبة"
قال الطفل "إذن هل أحضرت لي لعب وأفلام وبلاي استشن؟"
احتار بالإجابة ونظر إليها ولكنها ابتسمت وقالت "نعم حبيبي لقد أرسل في إحضارهم ونزيه بالطريق"
لم تنتهي حتى كان نزيه يدخل بعلب كثيرة ويقول "مدام الأشياء وصلت"
تهلل وجه الطفل الذي أسرع للعلب ونزيه يضعها على المائدة والطفل يفتح ما يقابله وينبهر بكل ما يراه بسعادة ونهض هو على ساقه يتابع فرحة الطفل وقد تبدلت مشاعره بينما اقتربت هي من آدم وقالت
“ألا يستحق دادي حضن كبير وقبلة أكبر على كل ذلك؟"
هتف الطفل بسعادة "بلى يستحق"
وترك اللعب وأسرع تجاهه وتلقاه بيده فاحتضنه الطفل بقوة فتهدجت أنفاسه وهو يشعر بشعور رائع وجميل وهو يضم ابنه لصدره ويشتم رائحة الطفولة البريئة فأغمض عيونه ليرى نفسه عندما كان يقف أمام والده كالمذنب وهو ناجح ومتفوق وينتظر حضن كهذا مكافأة له على اجتهاده ولكن "مبروك" كانت هي مكافأته شعر بالطفل يلقي قبلة رقيقة على وجنته أعادته للحاضر والطفل يقول
“شكرا دادي أنت أفضل داد بالدنيا، هل سنلعب سويا؟"
هز رأسه وقال "حاضر، سنفعل"
نزل الطفل وأسرع للعب وقال "مامي أين يمكن أن نلعب؟"
توقفت دون حركة عندما نادها مامي فهي أول مرة! استعادت نفسها عندما شعرت بدموع تسيل على وجنتها فمسحتها والطفل يناديها "مامي أين سألعب؟"
نظرت لزوجها الذي قال "نزيه هل هناك غرفة أطفال جاهزة بالأعلى؟"
قال الرجل "لا يا دكتور ولكن من الغد يتم إعدادها"
هز رأسه وقال "حسنا آدم ما رأيك لو نلعب بغرفة عادية حتى يعدوا لك واحدة"
لم يهتم الطفل وهو سعيد بلعبه الكثيرة وقال "دادي كيف تعمل هذه اللعبة؟"
تقدمت أميرة لتساعده ولكنه قال "لا، هذه ألعاب الرجال، دادي تعالى من فضلك ساعدني"
ابتسمت وهي تنظر له وتمسح دموعها وتقدم هو بخطى بطيئة وهو ينساق لعالم لم يعرفه من قبل ولكنه يريده ولا يرفضه..
مضى اليوم بسرعة واتصل العم يسأل عنهم فأخبرته بما كان وشعرت أن العم يحاول إخفاء ضيقه وينهي المكالمة بسرعة..
بالنهاية سقط الطفل بالنوم قبل المغرب من كثرة اللعب واطمأنت هي عليه وتركته وعادت إلى غرفتها تبحث عنه فوجدته يقف أمام زجاج الفراندة وقد شاع لون أحمر بالسماء يعلن عن الغروب
أحاطته من الخلف بذراعيها فانتبه لها فجذبها أمامه وأبعد شعرها عن وجهها وتأمل ملامحها وقال "هل نام؟"
ابتسمت وقالت "كالمقتول"
ظل ينظر إليها فقالت وراحتيه تملأ وجنتها "ماذا بك حبيبي؟"
جذبها وقبلها قبلة طويلة ثم أبعدها وقال "أنت أجمل هدية من السماء أميرة"
حركت أصابعها على صدره ثم رفعت عيونها إليه وقالت "هل أنت سعيد؟"
ما زال يداعب شعرها وقال "السعادة كلمة قليلة على ما أشعر به"
ضمها لصدره وقال "ماذا فعلت بي يا امرأة؟"
أغمضت عيونها وقالت بصدق "أحببتك أمجد"
همس "ولكن أنا شخص أناني، قاسي، مغرور ولا أستحق قلبك هذا"
لم تبتعد وقالت "أخبرتك أنك كاذب حبيبي وسأظل أخبرك بذلك"
لم يتحدث وقد سكنت تلك المرأة بكل جزء بحياته ولم يعد يريد البعد عنها ولا عن أحضانها فقد صالحته على نفسه الجيدة وأبعدته عن النساء حتى الشراب لم يعد يهتم به من أجلها واليوم صالحته على الأب الذي بداخله وأخرجت منه الحنان فكيف عرفت أن داخله كل ذلك وكيف تسللت داخله وأخرجت كل ذلك؟
اعتدل بالفراش ونظر إليها وقال "بكل مرة انتهي أشعر أني لم أشبع منك عصفورتي، أريدك بين أحضاني بكل لحظة"
أحاطته بذراعيها وقال "وأنا لا أريد أكثر من ذلك"
قبلها قبلة رقيقة ثم نهض وارتدى روبه فاعتدلت بالفراش ولم تنهض خوفا من الدوار الذي يلاحقها بينما أشعل هو سيجارة وقال وهو يخرج ملابسه "لابد أن أرحل أميرة، الليلة"
تراجعت وذهبت ابتسامتها وأبعدت وجهها عنه فاتجه إليها وجلس أمامها على الفراش وقال "أميرة، أنا حياتي هناك، كل ما صنعته طوال حياتي هناك لا يمكنني أن أبتعد عنه، أريدك معي ولكنك تريدين البقاء هنا"
دمعت عيونها ونظرت له وقالت "وماذا أمجد؟ هل سنظل هكذا باقي العمر؟ أراك مرة كل شهرين؟ وآدم الذي تعلق بك ماذا أخبره؟ نحن بحاجة لك أمجد، والدك"
نهض من أمامها وقد تجاوزت لما يرفض الخوض فيه، جذبت روبها وارتدته ونهضت لتقف أمامه وقالت "أمجد"
نفخ الدخان ورفع يده وقال "يكفي أميرة، لا تجعلي آخر شيء بيننا جدال لا أريده"
ابتعد ولكنها قالت "فرصة واحدة"
كاد يبتعد بحدة ولكنها أمسكته من ذراعه وقالت "حسنا لن أتحدث فهل تهدأ؟"
جذب نفس عميق من السيجارة وأطلق الدخان بعيدا وهي تحاول أن تتحكم بمعدتها التي تقلبت بسبب رائحة السجائر، عاد وقال "حسنا هل تتركيني لابد أن أستعد للذهاب"
لم تتركه وقالت "متى سأراك ثانية؟"
هدأت ملامحه وعاد لعيونها وقال "لا أعلم، لن أهاتفك إلا للضرورة ولو هناك شيء أخبري نزيه هو سيصل لي"
ثم قبلها برقة وتحرك للحمام تاركا إياها في حزن وحيرة وهي لا تعرف إلى متى ستظل تحيا هكذا؟
انتهت من ملابس آدم الذي تذمر لإيقاظه وعلمه برحيل والده، بالأسفل كان يقف مع نزيه عندما أسرع آدم إليه فابتسم له وحمله وقد أعجبه أن يفعل..
لم تسمع حوارهم وهي تقترب منه فقال "نزيه سيعيدكم لبيت الدكتور عبد الرحمن"
قالت "ألن تأتي معنا؟"
أدرك نظراتها فقال "سأفعل هيا، نزيه فليتبعني السائق بسيارتي سنوصل المدام أولا"
قال نزيه "كما تشاء دكتور"
تحركت أمامه وبالسيارة قال ليقطع الصمت وآدم يجلس بينهم "هل ستكون تلك العيون الحزينة آخر ما أراه قبل أن أذهب"
لم تستطع أن تواجهه وقالت "ليس بيدي"
أبعد وجهه لحظة ثم قال "متى ستخبرين أهلك عن كريم؟"
قالت "غدا، نهلة كانت تريد اليوم ولكن عندما عرفت بوجودك تراجعت"
أخرج كارت وقال "هذا رقم محل مجوهرات اطلبيه عند شراء الشبكة لو تم الأمر ولا داعي لخروجك كثيرا فقط لبيت أهلك"
هزت رأسها فأكمل وهو يمنحها بطاقة ائتمان "هذه بطاقة ائتمان خاصة بك، لا أحب أن ينفق هو عليك ولا على آدم يكفي ما كان سأتابع رصيدك بنفسي لأري تنفيذك لرغبتي، مدرسة آدم التي أخبرت نزيه عنها أعجبتني سأحاول أن أكون موجود وقت المقابلة الشخصية هذا لو لم توافقي على أن تأتي وتعيشي معي هناك أنت وهو"
نظرت له بقوة فواجها وقال "ليس الآن فقط أنتهي من جان ثم نتناقش بالأمر وتكوني قد فكرت جيدا"
كانت السيارة قد توقفت أمام المبني وفتح السائق لها الباب فنزلت ونزل هو وتبعه آدم فرفعه واحتضنه ثم أنزله وهي تقف أمامه بدموع لا تتوقف، قبل جبينها وتراجع لينظر بعيونها وقال
“الآن يمكنني أن أقول أنك الوطن أميرتي ومهما حلقت بأي سماء فسأعود إليك أنت فقط"
لم تتوقف دموعها فقبلها مرة أخرى ونظر لآدم وقال "هيا يا بطل خذ مامي واصعد بها واحرسها جيدا"
وابتعد وهو ينظر لنزيه ويقول "نزيه وصل المدام"
تحركت وعيونها تتبعه وهو يتحرك لسيارته التي تقف خلف سيارتها وفتح له السائق الباب فتحرك ليركب وقبل أن يفعل توقف ونظر إليها ثم ركب وأغلق السائق الباب فصعدت هي وأغمض هو عيونه وأحاط وجهه بيديه وهو يتنهد بقوة وكأنه يحاول أن يوقف ذلك الصوت الذي يصرخ داخله يرجوه أن يعود ليسكن بين ذراعيها ولكن هيهات لابد أن يرحل ليكمل ما بدأه فتحل الأحزان ويعود الخريف بعد الصيف
وتتساقط ورقة أخرى من أوراق الخريف لتأخذ معها ذكرى أخرى ذابت وانتهت مع نسمات الحب والحنين، يا امرأة سميتها الوطن ماذا بوجودك بحياتي تفعلين؟ أصبحت أغرق بين موج ذكرياتي وتنقذني منها عيناك، لم أظن يوما أن تبتسم لي الحياة أو تفيض عيوني بالضحكات، علمني وجودك أن العمر يقف بوجود من نجد الفرحة عند عتباته، وتتبدل الأحزان برحيل نظراته يا امرأة سميتها الوطن اعترف أني عشقت حتى أنفاسك..
داليا السيد
ما أن دخلت حتى رأت الدكتور يجلس ويقرأ أحد الكتب، أسرع إليه حفيده فترك الكتاب وضمه إليه بسعادة وحاولت هي الابتسام للعجوز الذي انتهى من لقاء حفيده ونظر إليها وقال
“تركك ورحل كالعادة؟ ما زال يقسو على من حوله بدون رحمة"
جلست بتعب وقالت "هل أمينة مستيقظة؟"
هز رأسه ثم نادى المرأة التى هرولت ورحبت بهم فقالت "أمينة خذي آدم لغرفته من فضلك فهو لم ينم جيدا"
قبل آدم جده وقال "عندما تعود من العمل سنلعب سويا بالألعاب التي أحضرها لي دادي لقد عملني كيف ألعب بها"
تراجع الرجل بينما تحرك آدم مع الدادة وقبل أميرة وقال "طابت ليلتك مامي"
نظر الجد بحدة للطفل الذي ذهب فنهض الدكتور وابتعد وهو يقول "يبدو أنني فاتني الكثير أميرة"
لم تنهض وقالت "لا أعلم عمي أمجد يتبدل ولكن ببطء، أخبرتك أنه يحتاج للحب والحنان"
التفت إليها وقال "إنه لم يفكر حتى في الاتصال بي"
قالت دون تردد "وحضرتك لم تفعل"
تراجع الرجل وقال بدهشة "ماذا تعنين؟ هل من المفترض أن أهاتفه أنا وهو الأبن وليس أنا"
أخفضت وجهها ولم ترد فقال بغضب "أميرة لا تصمتي الآن، هو يأبى إلا القسوة والكبرياء، أجيبي أليس هذا هو ما يحدث؟"
نظرت له وقالت "ربما كلماتي تغضبك عمي"
احمر وجه الرجل وقال "ماذا تعنين؟ تحدثي أميرة أنا أسمعك"
قالت "أمجد يحمل داخله غضبا كبيرا تجاهك ويعتبرك المسؤول الأول عن قسوته وأنانيته وأيضا غروره وعدم معرفته لأي حب أو مشاعر"
ابتعد العجوز فنهضت وتحركت تجاهه حتى واجهته وقالت "أنت لم تراه وهو يلعب مع آدم بدا وكأنه هو الطفل الذي لم يعيش طفولته، كانت نظراته تنضح بالحنان وابتسامته لا تفارق وجهه، عمي إذا كنت تريد استعادة ابنك فلن يمكنك أن تفعل بالإجبار ولا بالقسوة والغضب، الغرور والكبرياء صفات اكتسبها أمجد منك، أنا آسفة عمي ولكنك ترفض أن تتنازل وتعترف بالخطأ أمام نفسك حتى لو أنك اعترفت أمامه مرة أو اثنان فهو يحتاج لأكثر من ذلك، يحتاج لأن تشعره بوجودك بحياته وبخوفك عليه وبأنك لن تتركه حتى ولو تركك هو، قسوته كالصخر لن يكسرها إلا الصخر، تنازل عمي عن كبرياءك وتذكر أنك تفعل من أجل ابنك الوحيد الذي هو بحاجة إليك حقا"
التفتت لتذهب ولكن الدوار زاد فأمسكت رأسها وأغمضت عيونها وترنحت قليلا لكن الرجل أمسكها بقوة وهو يهتف باسمها ويدفعها لتجلس على المقعد القريب ويقول "أميرة، أميرة ماذا بك؟"
قالت بتعب "ذلك الدوار"
عندما أفاقت كانت ما زالت مكانها ورائحة العطر تحيطها وطعم العصير بفمها وأمينة تمسك الكوب فأبعدته وقالت "كفى أنا بخير"
نظر الجد إليها وقال "حسنا أمينة اذهبي أنت"
اعتدلت وقد شعرت بتحسن ولكن مع صداع وسمعت الجد يقول "ماذا بك أميرة؟ هل ما أظنه صحيح؟"
لم تنظر إليه فاقترب منها ووقف أمامها وقال بحنان "هل هو يعرف؟"
دمعت عيونها وهي تهز رأسها بالنفي وتقول "لا، خفت، خفت عمي"
جلس الرجل بالقرب منها وشرد قليلا ثم قال "ولكنك قلت أنه كان سعيد بآدم"
قالت "نعم ولكن أنا وضع آخر عمي، أنا لم أنسى ظروف زواجنا ولا أن أمجد أجبر عليه ورغم كل ما يفعله معي إلا أني أخاف أن يتبدل كل ذلك بلحظة ويسيء الظن بي ويظن أن هذا الحمل خطة مني ليرتبط بي غصبا"
قال الرجل بضيق "لابد أن يعرف"
قالت بقوة "لا عمي ليس الآن، أرجوك عمي عندما أدرك أن أمجد سيتقبل الأمر سأخبره فقط دعني أختار الوقت المناسب عمي فأنا أخشى أن يحرمني منه"
نهرها الرجل بقوة وهو يقول "لن يفعل شيء بحفيدي، لن يمكنه أن يفعل"
أبعدت وجهها المشبع بالدموع وقالت وهي تنهض "أنا متعبة، اسمح لي"
نامت كثيرا حتى أنها لم تسمع الهاتف الذي كان يرن كثيرا حتى شعرت بيد توقظها ففتحت عيونها لترى أمينة، اعتدلت وما زال النوم يغشاها وأمينة تقول
“الآنسة نهلة تسأل عنك مدام على الهاتف الأرضي"
رفعت شعرها وقالت "حسنا أمينة سأتصل بها"
قالت أمينة "سأحضر الإفطار تبدين متعبة جدا مدام"
لم ترد والهاتف يرن مرة أخرى باسم نهلة فأجابت "نعم نهلة"
قالت أختها بغضب "أين أنت أميرة؟ ولماذا لا تجيبين الهاتف؟"
قالت "كنت نائمة نهلة ماذا هناك؟"
قالت نهلة "هل تذكرتني أثناء وجود زوجك وسأل رجاله عن كريم؟ ولو فعلوا لماذا لم تخبريني؟ ومتى ستخبرين بابا وأحمد بكريم؟ هل أفعل أنا؟"
تذكرت الأمر وقالت "هل تهدأي قليلا؟ أنا سأحضر اليوم وأخبرهم بعد تمرين آدم"
كان الأمر سهل للأب ولم يعترض أحد على العريس وتم تحديد يوم للقائه، لكن نظرات أحمد لها لم تكن تعجبها وما أن دخلت غرفتها القديمة حتى لحق بها ووقف أمامها وقال "أين هو؟"
التفتت إليه بدهشة وقالت "من؟"
بدا الغضب بعيونه وهو يقول "زوجك الذي لا نعرفه ويبدو أننا لا نرقى لمستواه كي يعرفنا"
قالت بقوة "أحمد!؟"
أشاح بيده وقال "ماذا أميرة ألا يكفي أنك قبلت الزواج به غصبا فيعاملك هكذا؟ هل تظنين أنني لا أرى حزنك منذ عدت من لندن؟ ألا تنظرين لنفسك بالمرآة وتدركين ما أصابك؟ كفى أميرة كفى، اتركيه وعودي لحياتك أنت تستحقين الأفضل"
ابتعدت من أمامه وقالت "هو زوجي أحمد وأنا قبلت به"
جذبها أمامه وقال "من أجلنا، قبلت به من أجلنا وليس من أجل سعادتك لكن كفاك أختي كفاك حزنا وألما"
حاولت أن تبتسم وهي تبحث عن كلمات تنقذها "بكل بيت يوجد حزن وسعادة أخي، ليست الدنيا سعادة فقط أو حزن فقط، أمجد ليس سيء صدقني هو فقط لم يعرف معنى العائلة أو الأسرة كما وأن ظروف عمله توقفه عن أداء مثل تلك الأمور"
نظر بعيونها وقال "أنت تحبينه أميرة"
ابتعدت من أمامه فقال "قلبك يستحق الأفضل أختي وما زلت أخبرك أنك لابد أن تتركيه وتبحثي عن سعادتك قبل أن يضيع عمرك وأنت تربين ابن ليس ابنك دون أن يكون لك ابن حقيقي"
وتركها وخرج وأغمضت عيونها وهي تجلس على طرف الفراش وقلبها يؤلمها ولا تعرف ماذا تفعل؟ فهي تحبه وتحمل طفله ومع ذلك لا تعرف ما إذا كان يحبها أم لا؟ يريدها بحياته كما يقول أم لا؟ ولو كان يريدها فلماذا يتركها ويرحل بالشهور؟ إنها لا تتحمل ذلك ولا تتحمل ما يفعله الآخرين بها ليته يعود ليأخذها بين أحضانه ويخبرها أنه معها وربما بيوم ما يخبرها أن قلبه عاد للحياة وأنه أحبها ولكن مرحى للأحلام التي تتركنا بعدها لنصطدم بالواقع المؤلم دون رحمة..
تعالت الزغاريد بالبيت بعد قراءة الفاتحة وقد كانت سعيدة وقد أحضرت من يعد كل شيء، فقد كان زوجها واضح عندما طالبها بالإنفاق وقد فعلت ربما أرادت أن تفعل كي يتصل بها ويلومها أو يسألها لأين ذهبت النقود ولكنه لم يفعل ولم يظهر بعد سفره..
كانت سعيدة وهي ترحب بوالدة كريم التي بدت امرأة طيبة نظرت لها وقالت وهي تراها تداعب آدم "ابنك لا يشبهك"
قبلته ورد والدها "هو ابن زوجها وليس ابنها"
نهرت والدها بنظراتها وقالت "ولكني أحبه كابني تمام"
قالت الأم بدهشة "وأين أمه؟"
قالت أميرة "ماتت وهي تلده"
قالت المرأة "من الغريب أن تقومي بتربية ابن زوجك وأنت ما زالت صغيرة هكذا"
ابتسمت وهي تعي كلام المرأة فقالت "تقصدين ان أتزوج رجل أرمل؟ أمجد ما زال شابا ولم يعش مع زوجته أكثر من عام ثم آدم يستحق أن يكون له أم أخرى فلا علاقة بعمري بالزواج من أرمل أو عازب"
تراجعت المرأة وقالت "لم أقصد شيء يا ابنتي فقط أنت جميلة جدا وتستحقين الأفضل"
قالت بنفس الابتسامة "شكرا لذوقك ولكن تأكدي أن زوجي هو الأفضل"
لتعود الأيام وتمر دون أن تعرف عنه شيء وكان عليها أن تعرض نفسها على طبيبة وكي لا يعرف نزيه بالأمر اختارت طبيبة عيادتها بجوار عيادة طبيب أطفال فلم يشك نزيه بالأمر وبالتالي لن يخبر زوجها بشيء
تحدد موعد الخطوبة وموعد المقابلة الشخصية لمدرسة آدم وقال الجد "ألا يمكن تغيير الموعد؟ لدي مؤتمر علمي بالغردقة باليوم التالي وكنت أريد اصطحابكم معي من أجل آدم"
صمتت وتذكرت وعد أمجد لها، ناداها العم فقالت "لا يهم عمي سأذهب وحدي يكفي اسمك المعروف واسم والده"
تعصب وقال "ألن تخبريه؟"
أبعدت وجهها وقالت "بالتأكيد يعرف، نزيه يخبره كل شيء"
قال "حسنا يمكنك أن تلحقي بي بعد الانتهاء من اللقاء"
هزت رأسها وقالت "حسنا كما تشاء نزيه يمكنه تدبر سفري"
أشاح بيده وقال "أنت لم تتزوجي نزيه يا أميرة"
وتركها وذهب، حتى هو يضغط على جراحها وهي تشعر بوحدة لا يمكن تجاوزها بسهولة ولكن ليس بيدها شيء، ليتها تبوح بهمها لأحد ولكن لسانها لا يطاوعها
أعدت آدم جيدا للقاء وقد كانت تعلمه الكثير والكثير فأصبح الطفل جاهز للمقابلة الشخصية، نادت عليه "هيا آدم تأخرنا"
أسرع مع الدادة إليها وهي تفتح الباب لتتراجع عندما رأته أمامها ولم تصدق عيونها بينما هتف آدم "دادي"
تلقى ابنه بين أحضانه بابتسامة هادئة كعادته ونظراته تجوب وجهها الشاحب ثم أنزله وقال "أنتِ بخير؟ لماذا تبدين شاحبة هكذا؟ ألم تجري التحاليل التي كتبها لك الطبيب وتناولت الدواء الذي يمنحه لك؟"
هزت رأسها بالإيجاب وقلبها يدق بقوة فهي لم تتناول أي دواء ولم تدخل للطبيب أصلا، هي فقط تأخذ ما تمنحه لها طبيبة النساء، اقترب منها وقبلها برقة فأغمضت عيونها وهمس "اشتقت إليك عصفورتي"
ابتعد فابتسمت لكلماته وقال "هيا لقد تأخرتم"
ركبت بجواره بينما اختار آدم البقاء مع نزيه كالعادة بينما أمسك هو يدها وقال "لا تبدين بخير، هل حدث شيء لا أعرفه؟"
أخفضت عيونها وقالت "لا حبيبي أنا بخير فقط خشيت ألا تأتي تعلم أن المدرسة تطلب لقاء الأب ووالدك ليس موجود"
أبعد وجهه وقال "أعلم، هل ستذهبين معه؟"
قالت "لقد وعد آدم بذلك ولابد أن أكون معه"
لم يرد وقد وصلا المدرسة والغريب أن بمجرد وصولهم لم ينتظرا مع المنتظرين وإنما تم استقبالهم بحجرة خاصة وسرعان ما تم دعوتهم لمكتب صاحب المدرسة الذي نهض بمجرد دخولهم وقال باحترام
“لم أصدق عندما أخبرنا مدير أعمالك أن ابنك سيكون عندنا دكتور أمجد"
ابتسم أمجد وقال "مدرستكم علامة من علامات التعليم بمصر دكتور فايز، المدام، كيف حال الوالد؟"
رحب بها بأدب وجلست وآدم على ساقيها وأمجد بجوارها والرجل أمامهم وهو يقول "كان يهاتفني منذ لحظات ويتأكد من وصولك دكتور تعلم أن لك مكانة خاصة عنده بعد ما فعلته معه بالعام الماضي"
نظرت لزوجها الذي لم تتبدل ملامحه وقال "دكتور شربيني أستاذي وأنا مدين له بالكثير، ترى ماذا ستحتاج بالمقابلة؟ أنا هنا والمدام وآدم نفسه"
قال الرجل "لحظات وتكون المديرة معنا لتجري المقابلة هنا بالطبع أعلم أن وقتك ثمين"
نهض الرجل ورن جرس فدخلت السكرتيرة وتحدث معها ثم قال "أتذكر أن قهوتك مضبوطة دكتور؟"
هز رأسه فأكمل "والمدام عصير؟"
قالت "نعم"
كانت المديرة حادة وصارمة ولكن إجابات أمجد كانت أقوى وكسرت صرامتها بقوة وجعلتها تتراجع قليلا، وآدم تجاوز كل الأسئلة بذكاء أما هي فكانت المرأة تتعمد مضايقاتها ولكنها كانت هادئة ولم تمنحها فرصة لإغضابها..
انتهت المرأة وقالت "سنرد بعد يومين يا فندم"
نظر أمجد لفايز الذي قال "لا مس سلوى، الآن من فضلك وبصراحة أنا لا أرى داعي للتفكير حتى، دكتور أمجد ورجل يعرفه الجميع ووالده دكتور عبد الرحمن عميد الكلية سابقا والمدام بكاليوس آداب بتقدير امتياز والطفل لم يخطئ خطأ واحد"
احمر وجه المرأة وارتبكت وهي تقول "نعم يا دكتور ولكن حضرتك تعرف الإجراءات"
قال بجدية "ليس مع دكتور أمجد أنا أوافق على آدم، هاتي الملف لأوقعه"
لم تستطع المرأة أن تراجعه وخرجت بينما نهض أمجد وتبعته هي وهو يقول "لا أعرف كيف أشكرك دكتور فايز"
نهض الرجل وقال "لا شكر على واجب دكتور أمجد"
أخرج أمجد شيك من جيبه وقال "هذا تبرع بسيط للمدرسة وأنا أعلم أن المدرسة ليست بحاجة له ولكنه أمر بسيط أرجو أن تقبله"
انفرج وجه الرجل وهو يأخذ الشيك ويقول "والدي يتحدث دائما عن كرمك الكبير دكتور، شكرا لك"
عندما ركبت نظرت إليه وقالت "لم تخبرني أنك تعرف أصحاب المدرسة"
أشعل السيجارة وقال "وهل هناك فارق عصفورتي؟"
ظلت تنظر إليه ثم قالت "لا"
انتبهت للطريق وقالت "إلى أين؟"
قال بهدوء "المطار، ألا ينتظركم العجوز هناك؟"
نظرت له بحزن واضح وقالت "وأنت ستذهب أليس كذلك؟"
حدق بعيونها فأبعدت وجهها لتخفي غضبها فمال عليها وقال "لو أمكنك ارتداء الأحمر الذي أحضرته معي وتطلقين شعرك وتضعين عطرك فلن أذهب"
التفتت لترى وجهه القريب منها فابتسم ورفع يدها لفمه وقبلها فابتسمت وهي تمسح دموعها ثم أحاطها بذراعه وقد اتخذ قراره بالبقاء عندما رأى الدموع بعيونها وقد أدرك أنه يريد البقاء معها فهو حقا يشتاق إليها بجنون.
قبل أن يصلا المطار قال "أميرة أنا لن أركب معك الطائرة، اسمعيني ولا تقاطعيني، مكانك محجوز أنت وآدم، لا ينبغي أن يراني أحد معك ولكني سأقابلك هناك بعد تأمينك أولا"
قالت "أنت تثير خوفي أمجد"
ابتسم وقال "لا عصفورتي أنا فقط الفت انتباهك كي لا تفزعي من ذهابي فجأة"
قالت "ألم تنتهي من تلك المرأة؟"
نفخ الدخان بعيدا وقال "لقد أوشكت عصفورتي ولولا لقاء آدم ما أتيت"
أبعدت وجهها فعاد وقال "أميرة تعلمين ما أقصد، بالتأكيد أشتاق إليك وأرغب بالتواجد معك ولكنك تعلمين كل شيء فلا داع لهذا الغضب"
قالت "لست غاضبة أمجد أنا أتساءل فقط متي سينتهي كل ذلك أنا تعبت أمجد، تعبت من تلك الحياة ولم أعد أريدها، لماذا لا نحظى بحياة مستقرة كأي أسرة؟"
أبعد وجهه فهو لا يملك الإجابة على سؤالها فهو لم يعرف الأسرة ولا الاستقرار، ولكن معها أراد ذلك لولا تلك اللعينة جان
قبل أن يصلوا المطار دخلا مكان لا تعرفه وهناك نزل من السيارة دون أي كلمات بينهم وعادت سيارتها تبتعد وعندما سأل آدم عنه أجابه نزيه بينما تركت نفسها للأفكار
يتبع..

هي من علمتني الحب  بقلمي داليا السيدWhere stories live. Discover now