الفصل الثالث عشر

380 20 6
                                    

الفصل الثالث عشر
خلاف
رن هاتف بجوارها فاستيقظت لتراه هاتفها فأجابت فجاءها صوت مها وقد بدا صوتها على غير ما يرام، التفت بالغطاء وقالت "مها ماذا هناك؟"
قالت مها "لا شيء حبيبتي فقط والدك متعب قليلا"
قالت بقلق وهي تعتدل "لماذا؟ ماذا أصابه؟"
قالت مها "لا شيء، الطبيب قال أن ضغطه كان مرتفع وبحاجة للراحة لا تقلقي حبيبتي أنا أتصل لأطمئن عليك وعلى حماك هل أنتم بخير؟ أنت معه بالمشفى؟"
تذكرت زوجها فاحمر وجهها من ذكرى الأمس والتفتت تبحث عنه بجوارها فلم تجده بالتأكيد لم تكن تحلم، سمعت مها على الهاتف فأجابت "ماذا مها؟"
قالت "سألتك هل حماك بخير؟ ما زلتم بالمشفى؟"
قالت "عمي فقط مها، أنا مع أمجد"
قالت مها "حسنا أختي أتمنى لك السعادة، متى ستعودين؟"
قالت "لا أعلم مها هل أنتم بحاجة لشيء؟ ماما وأحمد بخير؟ وآدم؟"
قالت مها "كلنا بخير حبيبتي لا تقلقي"
أنهت مكالمتها ونهضت للحمام، وقفت أمام المرآة تصفف شعرها وهي تفكر بم حدث بالليل هل حقا أصبحت زوجته؟ هل أخذها كأي امرأة أراد متعته منها لذا رحل؟
انتبهت لعدم وجوده، فتوقفت يدها عن التمشيط وشحب وجهها وهي تردد داخلها، هل انتهى منها ولم يعد يريدها؟ وماذا سيفعل معها؟ وأين هو؟ لماذا تركها بالفراش ورحل؟
وضعت طرحتها وقررت أن تعرف من هي بحياته وهل هي مثل النساء اللاتي عرفهم؟
نزلت لتراه واقفا وسط ثلاث رجال بأجساد قوية انتبهوا لوجودها فانتبه هو الآخر لها فعاد يقول بإنجليزيته "حسنا فليذهب كل إلى مكانه لقد انتهيت"
انتظرت حتى ذهبوا والتفت هو إليها وبدا جذابا بملابسه السماوية ويترك ازرار قميصه نصف مفتوحة، أخفضت وجهها عندما وقف أمامها وأحاطها بذراعه ليجذبها إليه فتنظر له وهو يقول
“عصفورتي لا تبدو بخير، ألم تنامي جيدا؟ لم أشأ إيقاظك مبكرا"
أخفضت وجهها مرة أخرى ولكنه رفعه بيده لتواجه عيونه دون أن يبعدها وهو يقول "ماذا بك أميرة؟ هل أغضبك شيء؟"
قالت "أمجد ماذا أعني لك؟"
ابتسم ثم قبل شفتيها برقة وعاد ينظر لعيونها وقال "بالبداية كنت نكرة لا معنى لها لكن الآن تعنين الكثير أميرة"
قالت "ونساءك الأخرى؟ أنا"
قاطعها بقبلة أوقفت الكلمات بحلقها وهو يضمها له بقوة، أبعدها قليلا لتلتقط أنفاسها ففتحت عيونها لترى ابتسامته وهو يقول "وهل توجد نساء أخرى يمكنها أن تملأ عيني بعد أن عرفتك عصفورتي؟"
داعبت قميصه وهي تحدق بصدره وقالت برقة "ومتعتك؟"
قبل وجنتها بنفس الرقة وهو يهمس "أنت متعتي الأولى والأخيرة، هل نكف عن هذا الحديث ونتناول أي طعام أنا جائع"
عاد لشفتيها وأخذ قبلة أخرى طويلة ثم ابتعد وداعب وجنتها بيده وقال "الطعام بالداخل سأجري مكالمة حتى تنتهي من إعداد المائدة"
لم تكفيها الإجابة ولم تمنحها الراحة، تحركت لتجهز المائدة حتى عاد إليها وقال وهو يجلس "ليس لدي أعمال هامة ربما يمكننا قضاء يوم أو يومين آخرين"
نظرت له بدهشة ولم ترد فنظر إليها وقال "ماذا؟ ألا تريدين البقاء معي؟"
أبعدت عيونها وقالت  "كما تشاء"
ترك الطعام ونظر إليها وقال "والآن ماذا حدث؟ أميرة هل أنت نادمة على ما حدث بالأمس!"
رفعت عيونها الدامعة له وقالت بصدق أدركه من نظراتها "لا"
نهض وابتعد وقال بعصبية وهو لا يفهم موقفها "إذن ماذا هناك؟ ولماذا تلك الدموع!؟"
قالت "لماذا تريدني أن أبقى معك وأنت، أقصد الأمس؟"
نهضت لتصعد للأعلى ولكنه أسرع إليها وأوقفها ليواجها وهو يقول "لا أميرة أنا لم أريدك لمجرد أن آخذك للفراش وأشبع رغبتي منك"
رفعت عيونها التي انسابت منها الدموع فهدأت ثورته وقال "أنت زوجتي هل تفهمين ذلك؟ زوجتي أي اسمي وشرفي وسمعتي ولن تكوني كأي واحدة ممن عرفت وإلا لما اتخذتك زوجة وقبلت بك، أعلم أن ما تعرفيه عني يحول بينك وبين تصديق ما أقول ولكنها الحقيقة"
قالت "ولكنك بالنهاية ستتركني وتعود لتلك الحياة فأنا لست مثلهم"
ابتسم ومسح دموعها وقال "أعلم أنك لست مثلهم هل أبدو أمامك رجل لا يفهم النساء جيدا؟ أنا أريدك أنت، أنت فقط من أتيت معها بخلوتي وأنت من أردتها دون غصب وأنت أيضا من أريد أن تظل معي للأبد فهل ستقبلين بوجودي بحياتك؟"
ابتسمت من بين الدموع وقالت "إنه أنا من عليه أن يسأل فأنت تدخل أي حياة بدون استئذان"
داعب وجنتها وقال "ولكن أنت مختلفة عصفورتي، أنا أقتحم رقتك لذا لابد أن استأذن أولا لأنك أرق من أن تؤخذي غصبا"
امتلأ وجهها بالابتسامة فطبع قبلة رقيقة على شفتيها وقال "والآن لابد أن نذهب لنستمتع باليوم دون تضييع وقت فقط لدينا القليل للتحلية قبل الذهاب"
وفجأة حملها فشهقت من المفاجأة وتعلقت بعنقه وهي تهتف برقة "ماذا تفعل يا مجنون؟"
تحرك للأعلى وقال "مجنون بك عصفورتي"
ودخل غرفته وأغلق الباب بقدمه ليستمتع بعصفورته التي دخل قفصها بإرادته ولا يريد أن يخرج منه أبدا..
اصطحبها لأماكن سياحية كثيرة بلندن وانبهرت بجمال المدينة الساحرة ولم يبعدها عن أحضانه يوم، اثنان، لم تعد تعرف المهم أنها معه تشاركه أسعد أيام حياتها وتستمتع بوجوده وقربه، لمساته وأحضانه وحنانه الذي لم يدرك أنه يمنحه إياه
انتهى اليوم بسعادة عندما انهمرت الأمطار مع هطول الليل فعادا للسيارة بسرعة ثم قاد وهو يمسح الماء من شعره وقاد وهما يضحكان وهي تنفض المياه عن الجاكيت والطرحة ثم قالت
“الجو تبدل بلحظات"
قال "نعم هذا شيء طبيعي"
رن هاتفه فأجاب دون أن تفهم كلماته وبالنهاية ترك الهاتف وقال "ربما نمر على المشفى قبل أن نعود للمنزل"
نظرت له بدهشة وقالت "الآن! لماذا؟ هل عمي بخير؟ أمجد أجبني هل حدث شيء؟"
قال "اهدي أميرة هو بخير لكنه يسأل عنك"
لم تطمئن ولم تتحدث حتى وصلا إلى المشفى، استقبلها أحد رجاله على باب السيارة حتى تلقاها هو إلى داخل المشفى وبدلا من أن يقودها لغرفته قال "العناية أميرة، هو بالعناية"
نظرت له بقلب يدق من الخوف ولم تتوقف وهي تتحرك بجواره وقد كان المدير يخرج من العناية، انتبه بالطبع لرؤية أمجد وتوقف ليتحدث معه بينما دخلت هي دون أن تنتظر حتى وصلت لفراشه والدموع تملأ عيونها وأمسكت يده وهي تهتف بحزن
“عمي ماذا حدث؟ عمي أنا هنا، سامحني لأني تركتك، عمي لماذا لا ترد؟"
شعرت بيديه تحيطها من الخلف وهو يقول "اهدي أميرة هو لا يسمعك"
التفت إليه وقالت "لماذا؟ ماذا حدث؟ لقد كان بخير"
قال "تعلمين أن ضغط الدم لم يكن منتظم وارتفع فجأة اليوم وكانت جلطة بسيطة هي النتيجة"
زادت الدموع وهي تهتف بألم "لا، يا إلهي! لا ليس هو أيضا ألا يكفي أمي؟"
ضمها إليه وهي تبكي بقوة وربما هو الآخر يشعر بحزن مما أصاب الرجل بالنهاية هو والده رغما عنه..
جلست بمكتب المدير وهو يمنحها قهوة دافئة ومدير المشفى يقول "بدا أنه منزعج منذ آخر مرة كنتم هنا"
نظرت له فلم يبادلها النظرة وتذكرت آخر لقاء لهم قبل أن تذهب مع أمجد، أكمل المدير "قمنا بمنحه العديد من العلاج لتنظيم الضغط لكن بالنهاية.."
ولم يكمل فقال أمجد "حسنا ألم يفيق ولو مرة واحدة؟"
قال "مرة وقت أن هاتفتك وكان يطلبك ويطلب المدام"
هز رأسه ولم يرد وهو يلقي بنظراته عليها، دق الباب ودخلت الممرضة وقالت "الأجهزة وصلت سيدي"
قال المدير "الأجهزة هنا دكتور هل ستأتي معي؟"
قال بهدوء "لا، يمكنك الذهاب"
خرج الرجل بينما جلس هو بجوارها على الأريكة وقال "أميرة هل أنت بخير؟"
هزت رأسها وقالت "نعم"
مسح دموعها وقال "سيكون بخير لا تقلقي"
نظرت إليه بعيون تمتلأ بالعتاب دون أن تجرؤ على النطق ولكنه قرأ ما بين السطور فنهض وأشعل سيجارة وقال "لا أحب نظراتك، كلها اتهامات"
أخفضت عيونها فلم تكن بحالة تسمح للجدال فقالت "لا، لم أفعل"
قال بغضب مكتوم "هو يعلم حقيقة ما داخلي فلماذا يتوقع مني العكس؟"
لم ترد فنظر إليها وقال "لا يمكنني أن أنسى"
رفعت عيونها الباكية إليه وقالت "ولا هو، ولا هو يمكنه أن ينسى أنك ابنه من تبقى له بالدنيا، من يعيش من أجله"
أشاح بيده وقال "كذب، هو له دنيا يعيش لها ولم يفكر يوما بي وكما نسيت أنه أبي هو نسى أني ابنه وتعادلنا وارتاح كلا منا من الآخر"
نهضت وتحركت إليه حتى وقفت أمامه ونظرت بعيونه وقالت "نعم متعادلان في ألم الفراق والحرمان، أنت كاذب أمجد أنت أيضا تتألم لفراقه ومن داخلك تتمنى لو تعود إليه وتتمتع بحبه وحنانه، أنت تتمنى أن تحيا كما يحيا الأبناء في ظل آباءهم ولكنك تربط غفرانك بالضعف وتنازلك بالإهانة"
ابتعد من أمامها وقال وهو يهرب من مواجهة كلماتها "أنا لم أعد أشعر كي أتألم فقد نسيت معنى المشاعر"
التفت إليها وقال "ماتت، كل المشاعر ماتت مع المرأة الوحيد التي كانت تسمعني وتضحك لكلماتي السخيفة، ماتت يوم سقطت يدها بعيدا عن أحضاني وأنا أرجوها أن تحتضني لتبعد عني البرد والخوف، ماتت يوم جفت دموعي من بكائي عليها وبح صوتي وأنا أناديها وهي لا ترد، جف كل شيء داخلي يوم رحلت جدتي المرأة الوحيدة التي أحبتني ولم يحبني سواها"
دمعة وقفت على أبواب عيونه تستأذنه في السقوط فالتفت بعيدا ولكنها وضعت يدها على كتفه وقالت من بين دموعها "وأنا أيضا أحبك أمجد"
التفت إليها مرة أخرى وقد امتلأت عيونه بدموع وهو ينظر إليها وهي ترفع يدها لوجهه بحنان وتعيد كلماتها "أحبك ولم أعرف الحب إلا يوم عرفتك"
رفع يده على يدها ثم جذبها إليه بقوة ودفن رأسه بين ذراعيها وأغمض عيونه وقد شعر بألم بصدره لم يعرفه منذ رحل عن مصر هي على حق هو بالفعل يشعر بألم الفراق والحرمان ولكنه الآن ارتاح بين أحضانها وكأنه يستعيد بها أحضان جدته وحنانها والحب، هل يمكن أن تحبه امرأة مثلها؟
ابتعد عنها ليمسح دموعه دون أن ينظر بعيونها فوضعت يدها على كتفه وقالت "على الأقل لا تظهر قسوتك أمامه مرة أخرى"
لم يرد فتحركت لتقف أمامه فأبعد وجهه ولكنها أحاطت وجهه بيديها ونظرت بعيونه الباكية وقالت بحنان "فقط من أجل صحته، لن أخبرك نفس الكلام الذي سمعته كثيرا ولكني سأقول أنك لست كما تدعي على نفسك، مشاعرك موجودة وقلبك ينبض بالحياة وأنا استمتعت معك بكل ذلك لذا لا أتحمل أن تعذب نفسك أكثر من ذلك فقط تعامل معه على أنه شخص تعرفت عليه حديثا وابعد خلافاتكم مؤقتا حتى يشفى فلو أصيب بضرر ستحمل نفسك الذنب وتظل للأبد نادما"
أبعد يديها وابتعد من أمامها وأشعل سيجارة وقال "أنا لا أندم أميرة وأنت تعلمين ذلك، هل نذهب؟ وجودنا لا نفع له وأنا متعب وبحاجة للراحة"
هزت رأسها وأدركت أنه أغلق باب الحوار ولن يسمح بأكثر مما كان، لم يقود السيارة وجلس بجوارها صامتا شارد الذهن وقد عادت الذكريات تخترق صفو أيامه، شعر بيدها تلتف حول ذراعه فنظر إليها فتلقته بعيونها الدافئة فرفع ذراعه وأحاطها بصمت وأدرك أنها تخبره بوجودها معه ولن تتركه..
دخلا البيت وتركا المعاطف لماري وتحرك لمكتبه دون كلمات فتركته وأدركت أنه يريد أن ينفرد بنفسه وشعرت بالحزن لكلا الرجلان وهي حائرة بذلك الخلاف الذي لم تستطع أن تجد له حل..
عندما تأخر نزلت تبحث عنه، دقت الباب فلم يرد، فتحت ودخلت لتراه يجلس أمام نافذة المكتب ويتابع قطرات المطر وكأسه بيده غير فارغ والزجاجة كاملة على المكتب
تحركت إليه ووضعت يدها على كتفه، انتبه لها فاعتدل وكاد يشرب مشروبه ولكنها أمسكت يده وجلست على ركبتيها أمامه وقالت "لا داعي له، تأخرت ألن تنام؟"
وضع الكأس على المكتب وقد فقد رغبته في الشرب مؤخرا، قال "كم الساعة؟"
قالت "الثالثة صباحا لم أستطع النوم بدونك"
حدق بعيونها ومرر يده على وجنتها وقال "ولو طلبت البقاء وحدي تغضبي؟"
تذمرت وقالت "وتترك عصفورتك وحدها بليلة ممطرة كهذه، هل أهون عليك؟"
أمسك يديها وساعدها على النهوض وهو ينهض وابتعد من أمامها وقال "لا، ولكني أحتاج البقاء وحدي"
تحركت تجاهه حتى وقفت أمامه وداعبت قميصه المفتوح وصدره كما اعتادت وقالت "حسنا سأنام على تلك الأريكة ولن تشعر بي وافعل أنت ما شئت وكأني لست هنا"
نفخ وقال "أميرة من فضلك اتركيني لا أحب نفسي بتلك الحالة وأفضل ألا يشاركني بها أحد"
تبدلت ملامحها للجدية وقالت "أنا لست أحد أمجد، أنا زوجتك أحق الناس بمشاركتك كل حياتك خاصة بتلك الأوقات ولن أسمح لك بأن تحرمني من ذلك الحق، لن أتركك"
ظل يحدق بعيونها وقال "حقا تحبيني أميرة؟ رغم كل ما كان مني معك وكل ما تعرفينه عني؟"
ابتسمت وقالت "أعلم أنك لن تصدق لكن نعم أمجد أحبك ولا أتذكر ما فعلته معي ولم أعد أعرف عنك إلا أمجد الذي عرفته بالبحيرة ولا أبغي من وراء حبي لك أي مال أو جاه أو أي شيء مما تفكر به، فقط شيء واحد أريدك أن تصدقه وهو حبي لك، لك أنت دكتور أمجد عبد الرحمن مرتضى"
عاد يجذبها إليه بقوة فتغمض عيونها بحزن من أجله وتعلم أنه يحتاج الحنان والحب فهما ما افتقده بحياته وكانا سببا في ضياعه بيوم ما
أبعدها ونظر بعيونها وقال "أخبرتك يوما أن عيونك هذه سبب الآمي وأحزاني"
هزت رأسها فقال "لأن عيونك تشبه عيون جدتي منذ أول نظرة لعيونك بيوم الفرح أوقفت الدنيا من حولي وأعدتيني خمسة عشر عاما أو أكثر للخلف، بعيونك رأيتها وشعرت بها من حولي فقبلت زواجنا من أجل تلك العيون"
ابتسمت وقالت "إذن أنا أحسد عيوني لأنها تنال كل هذا الاهتمام"
ابتسم وقال "على أساس أني لا أهتم بصاحبة العيون، هذا ظلم فأنا لي أكثر من أربعة أيام أترك أعمالي لأهتم بالعيون وصاحبة العيون، هل تعلمين ماذا يعني بعد أمجد مرتضى عن عمله كل هذا الوقت؟"
أحاطت عنقه بيديها وقالت بدلال قصدته وقد نجحت بإعادته من حالته "وماذا يعني ذلك؟ ثم هل كثير علي ثلاث أيام؟ عموما كما تشاء يمكنك العودة لعملك وأنا سأجد حل لوحدتي"
وفكت ذراعيها وكادت تبتعد ولكنه أحاطها من خصرها بذراعه وضمها إليه فعادت إليه وهو يقول "أي عمل الذي يمكن أن يأخذني منك الآن عصفورتي؟ أنا لم أعد أرى أي عمل منذ سقط بين أحضانك"
وعاد إلى أحضانها دون أن يحاول تذكر ما كان على الأقل وهو معها فهي الوحيدة التي استطاعت إخراجه من دوامة الحزن والألم وجذبته من أعماق الذكريات إلى شاطئها حيث الحب والدفء والحنان..
عندما فتح عيونه على صوت الهاتف رأى عيونها تنظر إليه بابتسامة رقيقة وهي تسند رأسها على ذراعها وشعرها ينسدل على كتفها فاعتدل وتجاهل الهاتف وقال من بين النوم
"لماذا تجلسين هكذا عصفورتي؟"
قالت "أتأملك، تبدو جذابا وأنت نائم"
أبعد شعرها عن عيونها ومرر أصابعه على وجنتها وقال "أحيانا أتساءل ما الشيء الجيد الذي فعلته بحياتي كي أمنح هدية مثلك مقابله"
أخفضت عيونها وقالت "ألن تندم على ما بيننا بأي يوم؟"
جذبها لأحضانه فأراحت رأسها على صدره وسمعته يقول "ألم أخبرك كثيرا من قبل أني لا أندم؟ خاصة إذا كان الأمر يتعلق بأجمل شيء حدث لي بحياتي"
رفعت وجهها لتنظر بعيونه وقالت "حقا أمجد؟ رغم أنك تعلم أني تلك الفتاة الفقيرة التي"
وضعها على الفراش وارتفع لينظر بعيونها وقال "أنت بالنسبة لي امرأتي، امرأة أمجد مرتضى وأصبح لقبك مسز مرتضى ولا يهمني من قبل زواجنا ماذا كنت؟ ولن يزيدني غناك أو ينقصني فقرك شيء فلست بحاجة لهما، أنا فقط بحاجة لتلك العيون لتظل بجواري دائما كما كنت أمس، أميرة أنا لم أسمح لأحد بأن يشاركني لحظة ألم واحدة ولكن أنت اخترقت أحزاني والامي بدون تراجع وبشجاعة جعلتني أتراجع أمامك وأستسلم لك، وهو ما لن أنساه أبدا لك"
رفعت يداها لتطوق عنقه وتداعب شعره وقالت بحنان صادق "هذا يعني أنك لن تبحث عن امرأة أخرى مثل تلك الممرضة، رئيسة الممرضات التي تمنيت أن أصفعها بقوة"
ضحك بقوة من طريقتها وعندما توقف قال "الغيرة تزيدك جمال عصفورتي وتزيدني سعادة، بعد أن عرفتك لم تعد لدي رغبة بأي امرأة سواك حتى بعد أن أتركك بالفراش أشعر أني أريد أن أعود إليك مرة أخرى، بكل مرة آخذك لا أكتفي منك لا أعلم ماذا تفعلين بي ولكني لم أعد أريد أي امرأة سواك ولن أشبع منك ولا حدود لرغباتي خاصة بهذا الأمر"
ضحكت بدلال وقالت "أي أمر؟"
تسللت يداه إلى جسدها الناعم وعرفت شفتيه طريقها لشفتيها ثم وجهها وعنقها وهو يهمس "هذا عصفورتي"
ولم يتركها إلا وهي له يأخذها بحنان لم يشعر به وهو ينبع من داخله تجاهها ويستمتع وهي تأخذه بين أحضانها..
دخل مكتب البيت ليقابل طون الذي ما أن رآه حتى قال "الف مبروك يا صديقي"
رمقه بنظرة خبير بكلمات الرجال وقال "طون"
ضحك الرجل وقال "مبروك الزواج يا رجل، أخبرتك أنها مختلفة"
تحرك لمكتبه وقال "هل هاتفت المشفى؟"
جلس طون أمامه وقال "لا، ليس بعد لو هناك جديد لاتصل الرجال"
لم يجلس وقال وهو يتابع اللاب "وجان؟ ألم يخبرك الرجل الذي كان هنا أي شيء عنها؟"
أشعل طون سيجارة وقال "لا، ولكن هناك أخبار عن أن والدها ظهر بروما وأنت تعلم أن ظهوره شيء غير مبشر"
نظر له بطرف عيونه وقال "فريدريك يحب دائما جذب الأضواء لذا يختفي كثيرا ثم يظهر فجأة لتسطع عليه الكاميرات ويشعر بنشوة الشهرة"
قال طون "ما زال يريد التعامل معك"
نفخ دخان السيجارة وقذف الولاعة على المكتب وقال "وما زلت أصر على موقفي، لن أسلك ذلك الطريق فقد انتهيت منه منذ سنوات كثيرة، جان أكيد معه ابحث عنها هناك"
صمت طون فنظر إليه بتساؤل فقال طون "لن نبدأ حرب مع فريدريك إنها ابنته"
تحرك أمجد تجاه طون ووقف أمامه وقال "وهي زوجتي من تريد جان قتلها طون"
نهض طون وقال "لتخاطب فريدريك وتشرح له الأمر ويتصرف هو مع ابنته فتنتهي الحرب قبل أن تبدأ"
ضاقت عيون أمجد وقال "هل أشتم رائحة الخوف بكلامك؟"
واجهه طون وقال "نعم أمجد، أنت الآن لست وحدك، لديك زوجة تخاف عليها وأب وابن مهما كان موقفك منهم فلابد أن تخاف عليهم لذا لن يمكنك التهور بتصرفاتك مع فريدريك"
ظل ينظر لطون ولم يوقف نظراتهم سوى دقات الباب ودخولها وهي تبتسم وتقول "صباح الخير"
ابتسم طون وقال "صباح الخير مدام، أمجد أنا راحل للشركة هل تريد شيء؟"
هز رأسه وهو يتلقاها بابتسامة هادئة وهي تتجه إليه طبع قبلة على شفتيها وقال "تزدادين جمالا بكل يوم أميرتي"
عدلت ربطة عنقه وقالت "لأنك معي حبيبي، ألن نذهب لل"
قاطعها "ماذا؟ ماذا قلت؟ لم أسمع جيدا"
ابتسمت وقالت "أنت شقي زوجي، لأنك تسمع جيدا والآن أريد أن أذهب لعمي فهل ستأتي معي أم أذهب وحدي؟"
أدرك أنها لا تريد إثارة ضيقه وغضبه فقال بهدوء "لا سنذهب سويا، ما زلت بأجازة، طون يقوم باللازم لتكوني لي"
طوقته بذراعيها كالعادة وقالت "حقا؟ فقط نطمئن على عمي وأنا ملكك بعدها"
قبلها بحنان لم يشعر به ولكنها تشعر به وتحبه بل تعشقه وابتعد ليأخذ مفاتحه وهاتفه والسجائر وأحاطها بذراعه وتحركا للخارج ومن داخلها تمنت لو ظلت بجوار الرجلين فكلاهما بحاجة لها ولكن ربما غياب العم عن الوعي منحها الاختيار وسهل لها مهمتها
اعتادت على فتح الأبواب لها ولم تتابع نظرات العاملين بالمشفى وهي تتحرك بجواره إلى العناية ودخلا سويا لترى نفس الفتاة تقوم بعملها، تراجعت الفتاة وهي تراهم يدخلون وواجهت نظرات أميرة بارتباك بينما توجه أمجد للأجهزة ليتابع تطور الحالة
قالت الفتاة "دكتور ريموند مر منذ نصف ساعة وأخبرني أن أخبركم أنه سأل عنكم، وأن حالته تتحسن"
لم تنظر أميرة للفتاة وهي تمسك يد العم واقتربت منه ونادته "عمي أنا أميرة ألن ترحب بي؟"
فتح الرجل عيونه ليراها تبتسم بدموع فأبعد الماسك عن وجهه وقال "افتقدتك يا ابنتي"
قبلت يده وقالت "وأنا أيضا افتقدتك جدا كيف حالك الآن؟ الطبيب يقول أنك ستكون بخير"
قال بتعب واضح "وما الفارق يا ابنتي؟  أميرة آدم ليس له سواك فلو لم أعد كوني أمه التي فقدها وأبوه الذي تركه وجده الذي"
وضعت يدها على فمه وهي تدرك أنه لم يشعر بوجود أمجد، قالت بدموع غزيرة "كفى عمي أرجوك، أنت ستعود وستكون بخير"
فتح الباب ودخل ريموند المدير وقال "دكتور أمجد كنت أحاول الوصول إليك ولكنهم أخبروني بوصولك"
التفت الأب ليرى ابنه يتقدم تجاهه ولكن أمجد انتبه عندما قال ريموند "دكتور أمجد؟"
نظر للطبيب وقال "ماذا؟ نعم بماذا أردتني دكتور؟"
قال الرجل "بالعمل"
هز رأسه وقال "سأكون بمكتبك بعد دقائق"
خرج الطبيب وتحرك هو لفراش الرجل ونظر بعيونه وقال "من الجيد أنك تتعافى لأن آدم ينتظرك وهي تقتل نفسها من أجلك"
تحرك ليذهب ولكن يد الرجل أمسكت يده وقال "لو لا تريد أن تبدأ معي فعلى الأقل خذ ابنك بأحضانك وابدأ معه هو وهي ولا تتركه لألم الوحدة والحرمان فنحن الاثنان نعلم أنه ألم قاتل يقتل كل حلو بحياتنا"
نظر لها فوجد عيونها تمتلئ بالرجاء فعاد للرجل وقال "فقط تعافى أنت وبالتأكيد سنجد حل لآدم وأكيد سيكون بعيدا عن الألم"
ابتسمت هي بينما قال هو "والآن سأتركها معك قليلا وأذهب لأرى ماذا يريد؟"
لم يتركه الأب وقال "لن تتركها أليس كذلك؟"
نظرت للعم بقوة بينما ضاقت عيونه وردد "أتركها؟ بالتأكيد لا هي زوجتي"
ابتسم العجوز وقال وهو يترك يده "حسنا لتذهب ولا تتأخر"
نظر لها دون فهم وبادلته النظرة ثم تحرك خارجا بينما قال الأب "تبدين مختلفة؟"
مسحت دموعها وقالت "أي اختلاف عمي؟ لا أفهمك"
ابتسم وقال "أمجد؟ هل تبدل معك؟"
أخفضت عيونها وهزت رأسها وقالت "نعم منذ كنا هنا آخر مرة"
ربت على يدها وقال "رأيت ذلك بنظراتكم خاصة هو لذا اطمأننت أنه بطريقه للشفاء يا أميرة، أنا سأستعيده بك"
لم ترد وهي تذكر كلماته وطلبها منه ألا يقسو عليه وها هو يفعل من أجلها وليس لأنه يشفى كما يظن الرجل
عندما عاد كان الأب قد نام وهي تجلس بجواره، نظرت له وهو يقترب منها ويقول "نام؟"
قالت "نعم"
قال "هل نذهب إذن؟"
قالت "دعنا نبقى قليلا، ربما يحتاج شيء"
قال الرجل دون أن يفتح عيونه "أنا لا أحتاج شيء ولا داعي لوجودكم، فقط اجعلهم ينتقون الممرضات التي تقوم على خدمتي"
ابتسم هو رغما عنه وضحكت هي وهي تنهض وتقول "الجلطة جعلتك شقي يا عمي، هل تفكر بالزواج مرة أخرى؟"
فتح عيونه وقال "لو ستكون مثلك وبأخلاقك وحنان قلبك سأفعلها دون تردد، هيا يا بني خذ زوجتك واذهب هي تقطع متعتي"
ضحكت مرة أخرى بينما قال هو "سأجعلهم ينتقون الفتيات وأنت كف عن التذمر وقت العلاج فأنت بحاجة للدواء لن يهتم أحد بصحتك أكثر منك"
ابتسمت له فقال الأب "ولا منك بني فأنت تفعل الكثير من أجلي وتوفر لي كل سبل الراحة أنا حقا فخور بك"
وأغمض عيونه وأمجد يحدق به حتى شعر بيدها تمسك يده فالتقط ابتسامتها لتريحه وخرج الاثنان ليعودا للتجول بالمدينة والمتاحف والقصور حتى يسدل الليل ظلامه وعادا إلى البيت وما أن ترك معطفه لماري وعاد ليحيطها بذراعه حتى رن هاتفه برقم غريب فأجاب وهي بجواره ليأتيه صوت جان
“حبيبي افتقدتك بشدة"
لم يبعدها عنه وهو يجيب "بالتأكيد"
أبعد الهاتف ونظر لزوجته وقال "عصفورتي هل تنتظريني بالأعلى؟ سأنهي مكالمتي وأتبعك"
وقبلها برقة فابتسمت وصعدت وهو يعود للهاتف وجان تصرخ به فقال "اهدي جان ماذا تريدين؟"
تحرك للمكتب ولم يدري أن أميرة سمعت اسم جان فالتفتت له وهو يبتعد للمكتب وقد صدمها أنه يتحدث مع تلك المرأة فقد أخبرها أن لا وجود لامرأة أخرى سواها
كادت تنزل ولكنه أغلق باب المكتب فظلت واقفة لا تدري ماذا تفعل ثم بالنهاية تحركت لغرفتها وأغلقت الباب وهي تتحرك بدون هدى وقد انشغل رأسها بما سمعت..
يتبع..

هي من علمتني الحب  بقلمي داليا السيدUnde poveștirile trăiesc. Descoperă acum