الفصل الرابع

323 16 5
                                    

الفصل الرابع
عيون
وصل الدكتور لبيت أميرة في سيارته وتبعه المأذون مع رجاله وصعد الجميع إلى البيت وعلت الزغاريد من الجيران بينما توتر والد أميرة وشحب وجه نهلة عندما جلس المأذون وجمع يد عبد الرحمن بيد والد أميرة وكاد يبدأ كلماته عندما صدع صوت غاضب وسط الصمت وهو يقول بقوة
“عندك يا رجل أوقف تلك المهزلة، لن يتم أي شيء"
توقف الجميع عن الحركة وصمت المأذون وهب الدكتور واقفا يواجه ذلك الغاضب
اندفعت أميرة خارجة من غرفتها لتجد الجميع يقفون بصمت يحدقون بظهر رجل طويل القامة يقف أمام دكتور عبد الرحمن الذي قال بغضب "أنت لن توقف شيء لن يمكنك أن تفعل لمجرد أنك ابني"
ولكن الرجل قال بقوة وغضب "بلى يمكنني لأنه خطأ ولابد من إيقافه، كيف تفعل ذلك؟ كيف تأتمن شخصية انتهازية تريد أموالك على حياتك؟ أفق يا دكتور ولا تدفعني لتصرفات قد نندم عليها جميعا"
تراجعت وهي تدرك أنه ابنه وبالطبع يرى أنها تطمع بأمواله، هو على حق فالجميع يظن بها ذلك، فتاة بعمرها تتزوج رجل بعمر الدكتور بالتأكيد هي انتهازية حقيرة..
تأزم الأمر وزاد الغضب بالعيون والتقت عيون عبد الرحمن بعيونها ولاحظ نظرات الحضور فالتفت لوالد أميرة وقال "من فضلك أريد أن أتحدث مع ابني على انفراد"
كاد الغريب يعترض ولكن عبد الرحمن رفع يده بحدة وقال "كفى دعنا نتحدث أولا بعيدا عن الجميع"
أشار والدها لغرفة أحمد فتحرك عبد الرحمن وأمسك ذراع ابنه الذي استدار مع والده ليلتقي بعيونها في غضب واضح للحظة ثبتت نظراته عليها ولكنها خجلت من نفسها وموقفها فأرخت رموشها على عيونها الخضراء وابتعد هو مع والده..
خيم الصمت على الجميع وأمسكت أختها يدها بقوة حتى فتح باب الغرفة وظهر عبد الرحمن خارجا وتبعه ابنه وقد تعلقت عيون الجميع بهم أما هي فتعلقت عيونها بعيون ذلك الغريب، تلك العيون التي تشبه عيونها، نفس اللون الأخضر بالإضافة لملامح صاحبها الوسيمة والرجولة الواضحة بشعر بني منمق بعناية واضحة وبدلة أنيقة زادته وسامة وجاذبية جعلتها تتراجع في صمت خاصة عندما رأت عيونه تصوب إليها نظرات جريئة مليئة بالغضب والكره الواضح مما جعلها تفر من مواجهته
انتبهت إلى أن الدكتور قد اتجه إليها وهي تقف بجوار والدها فرفعت وجهها إليه وقد فقدت قوتها ولكنه منحها نظرات مطمئنة حيرتها حتى قال "أنا آسف لكل ما حدث يا أستاذ خليل، وإذا كان الجميع منذ لحظات يستنكرون زواجي من ابنتك بما فيهم ابني فأنا الآن أصحح الأوضاع وأطلب يدها لابني أمام نفس الجمع"
إلى هنا ولم تعد تملك أي قوة لمواجهة ما يحدث حيث خارت قواها ودارت بها الدنيا وعندما أمسكت بها أيادي أدركت أنها تتساقط كأوراق الخريف
جلست بمساعدة والدها والدكتور وأختها التي ساعدت في إفاقتها بالعطر والماء حتى استعادت نفسها وسط ذهول الجميع
سمعت صوت والدها القلق "أميرة هل أنت بخير؟"
هزت رأسها والدكتور يقول "أميرة هل نحضر طبيب؟"
قالت بضعف "لا، أنا بخير"
استعادت نفسها واطمأن عليها الجميع إلا هو ظل عاقدا ذراعيه أمام صدره دون أن يتحرك حتى عندما اعتدل العجوز وقال "حسنا أستاذ خليل هل نكمل ما بدأناه؟"
لم تجد لديها قدرة على تحمل ما يحدث فقاومت ضعفها وهتفت "لا، أنا لا أوافق"
نظر الجميع إليها في ذهول وهي تواجه العجوز وتكمل "دكتور أنا وافقت على زواجي منك لأني أعرفك وأعرف ماذا تريد مني ولماذا تفعل معي ذلك، لكن ذلك الرجل أنا لا أعرفه فكيف أتزوجه؟"
تحرك أخيرا حتى وقف أمامها وتحولت نظراته لسخرية وهو يقول "لا تخشي شيء، سأمنحك ما كان سيمنحه لك وما لا يستطع أن يمنحه لك مما نعرفه جيدا"
كانت الوقاحة واضحة بكلماته لم تدرك ما يمكنها أن تفعل ولكنها قالت "أنت ماذا تقول؟ انت إنسان غير.."
رفع إصبعه ليوقف لسانها عن إهانته كما فعل معها وقال "احذري أن تقولي أي كلمة تندمي عليها فيما بعد، هيا لننهي هذا الأمر قبل أن أفقد أعصابي ولن أكون مسؤول عما سيحدث لك أو لمن يهمك أمره"
كانت علم أن نظراته تعني كم هي رخيصة بل ونظرات الجميع تعني معنى واحد أنها فتاة انتهازية ولا تبغي سوى المال وغياب أحمد كان دليل على وضعها وأنه رفض المشاركة بتلك المهزلة..
لا تعلم لماذا شعرت بالخوف وتراجعت أمام تهديداته ولم يعد بإمكانها قول المزيد
انتهى الأمر وتمت الإجراءات بصمت لف الجميع وتساؤلات كثيرة برأسها عن الوضع الجديد ولماذا هو الآن زوجها بدلا من والده؟ وكيف وافق وهو لا يعرفها؟ ولكنها لم تحصل على أي إجابة وهي تجلس بالسيارة بجانب الدكتور بعد أن ودعت أهلها بحزن ولم ترى المدعو زوجها وهو يركب سيارته أمامهم دون اهتمام بوجودهم
لم يجيب عبد الرحمن عن أي سؤال لها بالسيارة وإنما ربت على يدها وقال "هذا أفضل يا ابنتي، شاب بعمرك أفضل من عجوز يقضي على شبابك"
حاولت أن ترد ولكنه أبعد وجهه وابتلع باقي الكلمات حتى وصلا شقة عبد الرحمن التي كانت تعرفها ولكنها اليوم تدخلها ليس كمعلمة لذلك الطفل وإنما كزوجة وأم
تحرك الثلاثة للداخل بخطى ثقيلة حتى اصطفوا في دائرة ولم تجرؤ هي على النظر لأحد وحاولت الدموع أن تشاركها أوجاعها ولكنها رفضت فانسحبت الدموع واهنة
بدأ أمجد ابن العجوز كما عرفت كلامه الغاضب "لماذا أصريت على أن أصعد هنا؟"
قال الأب "كي نتحدث الأمر لم ينتهي"
أشعل سيجارة وابتعد وهو يقول "لا مجال للحديث لقد نفذت ما أردت وانتهينا، هل ستبقى هنا؟"
وأشار إليها برأسه بغرور واضح فرفعت عيونها إليه ولكنه كان ينظر لوالده الذي قال بغضب "بالطبع لقد أصبح بيتها، اسمع يا أمجد أنا فعلت كل ما كان من أجل ابنك وأحضرت تلك الفتاة لتفعل ما كان لزاما عليك فعله من تربية ذلك الطفل الوحيد ومنحه الحب والحنان الذي لم يجده مع أحد"
تراجع أمجد مبتعدا لا رغبة له في الجدال وقال "كان يمكنك إحضار أي مربية له بشكل أفضل ومن وسط أفضل من هذا، ولم يكن من اللازم تمثيلية الزواج هذه فطالما المال هو الغرض الأول فكان يمكنك الحصول على الكثيرين بمرتب كبير وبالتأكيد لن تكون هذه الفتاة إحداهم ونحن نعلم غرضها الأساسي من الزواج بك"
احمر وجهها وأخفضت عيونها بينما قال الأب "لا تتحدث عنها وأنت لا تعرفها لأنك لن ترقى لأمثالها فهي لم تتزوجني بسبب رفضك وأصبحت لك"
قال بدون اهتمام "وما الجديد؟ هي ذات الفتاة ونفس الغرض ولا يهم من هو الرجل"
ارتج جسدها من إهاناته وتمنت لو ترد ولكن أي رد يمكنها أن تقوله وهي تعلم أن ما يقوله صواب فهي أرادت النقود والنفوذ لإنقاذ أهلها ولكن ليس بالمعنى الذي يصوره
سمعت الأب يقول "كفى يا أمجد، متى ستتوقف عن جرحك للغير دون رحمة؟ متى سيمكنك التمييز؟"
نظر لوالده بقوة وقال "تعلمت منك ألا فارق بين الجميع حتى أقرب الأقربين يجرحون دون اهتمام فما الجديد بي وأنا ابنك؟"
حدق الاثنان ببعضهم وشحب وجه الرجل لحظة قبل أن يقول "لا تخلط الماضي بالحاضر يا أمجد، الآن عليك أن تفكر بابنك الذي أحضرته للدنيا وتركته أنا لن أعيش له للأبد، هو بحاجة لأم وأب وأنا فشلت بذلك الدور"
أشاح أمجد بيده وقال "هذا أمر طبيعي ومتوقع فنحن سواء"
غضبت لكلماته الجارحة لوالده بينما قال الرجل "أنت كما أنت لن تغيرك الأيام ولكن إذا كنت أنا أخطأت يوم وأنت تحاسبني على خطئي فلا تفعل المثل بابنك كي لا يأتي يوم ويحاسبك بالمثل، الآن أنا أمنحك فرصة لتصحيح الأوضاع كي لا يضيع ابنك منك وأوجدت أم بحياته فلو رفضت دورك كأب فلا تحرمه من الأم، لقد أصبحت زوجتك والبيت مفتوح لك لو شئت بقيت"
وتركه ونظر إليها وهي لا تفهم ما يدور بين الرجلين وقال الأب "أميرة أنت الآن سيدة هذا المنزل وأنا أمنحك كل الصلاحيات للتصرف به كما تشائين وغرفتك بالأعلى بجوار غرفة آدم ولو شئتِ اخترتِ غيرها أنا متعب طابت ليلتكم"
وتركهم الرجل وذهب وترك الاثنان بمواجهة بعضهم البعض ورغم خوفها إلا أن كلمات الرجل منحتها ثقة كبيرة وكأنه يخبرها ألا تهتم بتصرفات ابنه وكلماته الجارحة التي لم ترحم حتى والده..
أشعل سيجارة أخرى من الأولى ونفخ دخانها بقوة في الفراغ المحيط بينما كادت تتحرك إلا أنه قال "لا تظني أن خطتك نجحت؟"
لم تنظر إليه وهو يقترب ليقف خلفها وأكمل "لابد أن تدركي أنني أفهم أمثالك جيدا وأدرك أن المال هو غرضهم الأساسي لذا اعلمي أني لن أمكنك من غرضك ولن تحققي مرادك أبدا"
اختارت البرود طريق للرد فالتفتت لتواجه وقالت "وأنا سعيدة لأنك ستتابع بنفسك غرضي الأساسي ربما تدرك وقتها ما هو"
واجه نفس تلك العيون التي أوقفته، فمنذ أن أخبره الأب بنيته في الزواج من تلك الفتاة الفقيرة حتى حضر بكل غضبه ليوقف ذلك الأمر، لن تدخل امرأة أي امرأة بحياتهم مرة أخرى فليس للمرأة مكان إلا واحد وهو الذي يحدده كما اعتاد بسنواته الماضية كلها فقد كان يأخذ كل امرأة تعجبه وينال مراده منها ويمتع نفسه بها ثم يلقيها مثقلة بجراحها دون أن يرمش لم فعل بها وكأنه يعاقبها على ذنب هو فقط من يعرفه لذا قرر أن يوقف تلك الزيجة بأي شكل خاصة بعد أن اصطدم بواقع أهلها وحياتهم الفقيرة وصغر سنها فأدرك غرضها فزاد إصراره على ما أراد ولكن وقت أن اصطدم بعيونها لأول مرة بالبيت وسط الحاضرين حتى توقفت الدنيا من حوله وانفض الحضور وكأن الماضي كله هيمن عليه بتلك العيون، عيون جدته التي عاش معها الحب والحنان عيون جدته التي كان يجد بها السعادة والحب، لحظة أمام عيونها قلبت حياته رأسا على عقب، حتى عندما انفرد به عبد الرحمن وأخبره أن تلك الفتاة هي الوحيدة التي كسبت قلب ابنه ومنحته حنان الأم الذي فقده وحاولت أن تعوضه ما فقده من إهمال والده له فلم يسمع وما زال ذهنه معلق فقط بعيونها وقد جلبت معها ذكريات لا حصر لها ردم عليها الزمن بأحزانه وأوجاعه لم ينصت لكل ما قاله والده ولم يدرك أنه يدفعه للزواج، فقط أراد أن يعود ليرى تلك العيون ويستعيد بها ما فقده لم يهمه أمر الزواج فهو يعلم كيف يدير أموره جيدا وليس الزواج بالشيء الذي يمكن أن يوقفه عن فعل ما يشاء وقتما يشاء فهي ليست أول مرة
والآن عيونها أمامه نفس اللون والتفاصيل ولكنها فرغت من الحنان والحب الذي اعتاده ولم يجد سوى برود، غضب أو كره مما زاده غضب خاصة وهي تتحرك لتبتعد ثانية ولكنه نفخ الدخان ثانية وقال
“لا داعي للتمثيل لأنني عرفت الكثيرات من أمثالك ويمكنني التعامل معهن لذا لابد أن تدركي أن كونك زوجتي فهذا لا يعني لي أي شيء لكنه يعني بالنسبة لك"
حدقت بعيونه وقالت "وماذا؟"
أبعد نظراته وقال "لابد أن تفهمي أن ما فعله هو من أجل آدم لذا عليك بمباشرة واجباتك تجاه الطفل على أكمل وجه واعرفي أنك أصبحت تنتمي لهذا البيت ولا تصدقي كلماته عن أنك سيدة البيت فسيدة البيت لن تكون فتاة مثلك وبنفس أصلك وأهلك المعروفين للجميع"
تعمد أن يجرحها وهو يلمح لوالدها الذي اتهم زورا وبدا أنه يصدق أن والدها سارق كغيره من الناس الذين رأت بعيونهم نظرات شك لم تستطع إيقافها
قالت بضعف "أهلي ليس كما تظن إنهم"
قاطعها بقوة "أنا لا أظن أنا أعرف الحقائق التي تحاولين إخفاءها فلا تفعلي لأني لست بالرجل الذي يستهان به، عليك أن تدركي أن وجودك هنا لن يتعدى كونك مربية بل خادمة وأمر زواجنا هذا انسيه ولا تعتقدي أنك سترتقين لمرتبة زوجة أمجد عبد الرحمن فلم تولد من ستحمل ذلك اللقب بعد ولن تولد، من تتاجر بنفسها من أجل المال لا تستحق الشرف وإنما"
تفجرت الدموع من عيونها وصرخت به "كفى، كفاك إهانات لماذا تفعل ذلك؟ لماذا تهين وتجرح دون اعتبار؟ من الذي منحك حق إهانة الناس وكسر قلوبهم؟"
أمسكها بقوة من ذراعها واطفأ سيجارته وقد اشتعل الغضب أكثر داخله من كلامها وقال "لا أنتظر الإذن من أحد لأفعل فأنا أفعل ما أشاء وقت ما أشاء وأنت بالذات سأتمتع كثيرا بجرحك وإهانتك لأنك تستحقين فأنا أعرف أمثالك"
حاولت أن تبعد ذراعها ولكن قبضته كانت قوية وقالت "أنت لا تعرف شيء تعمى بصيرتك عن التفريق بين الأصل والزيف لأنك لا تريد أن ترى إلا الأسود بالصورة وتأبى رؤية الأبيض ولكن ليس كلنا سواسية خلقنا الله مختلفين بيننا السيء والجيد ولكن من أين لك برؤية الجيد وداخلك سيء فيرشدك للسيء مثله، اتركني وابتعد عني اتركني أنت إنسان أناني ومغرور وأنا أكره نفسي لأني تزوجت رجل مثلك"
تراجع بذهول ودهشة من كلامها الجريء وزاده غضب فوق غضبه فوجد نفسه يزيد من قبضته على ذراعيها وقد احمرت عيونه الخضراء من الغضب وهو يصرخ بها "حقا أنا إنسان أناني ومغرور وتظنين أنك بذلك عرفتني جيدا؟ لا، هذه صفة واحدة فقط فتعالي لتعرفي وتضيفي باقي الصفات لشخصيتي المكرهة"
وفجأة وجدته يجذبها بقوة إلى أعلى وهي تحاول أن تخلص نفسها منه وتصرخ به "اتركني، اتركني أيها المتوحش"
ولكنه لم يكن يسمعها أصلا وهو يدفعها حتى فتح باب ودفعها داخله وأغلق الباب بقدمه وهو يهتف "والآن لنضيف صفة أساسية لصفاتي، رجل النساء المغتصب القاسي"
وحررها وهو يخلع جاكته بينما تراجعت هي بخوف وفزع وهو يفك ربطة عنقه وهي تتراجع "لا، ابتعد عني، لا ابتعد"
ولكنه اقترب حتى انقض عليها وهو يحاول ضمها إليه ويقبض عليها بذراعيه بقوة دون تراجع

يتبع..

هي من علمتني الحب  بقلمي داليا السيدWhere stories live. Discover now