الفصل السادس عشر

337 20 8
                                    

الفصل السادس عشر
وحدة قاتلة
ما أن وصلت الطائرة مطار القاهرة حتى تلقاهم رجاله باحترام شديد ولم تعرف متى وكيف انتهت الإجراءات
السيارة تحركت بهم ونظر الرجل الجالس بجوار السائق إليها وقال "مدام هناك بيت تم إعداده لحضرتك فهل تفضلين الذهاب إليه؟"
نظر الأب إليها بغضب وهو يقول "بيت؟ أي بيت! هي ليس لها بيت سوى بيتي"
قال الرجل "آسف يا دكتور ولكنه بيت المدام تم إعداده بأوامر من دكتور أمجد وطلب منا عرض الأمر على المدام"
اندهشت من تصرفه فهي طالبته بالطلاق فما معنى تصرفه هذا بينما قال العم "ولكن"
قاطعت العم بهدوء وقالت "أخبر الدكتور أني ببيتي عند والده"
صمت الأب الذي لم يكن يعرف شيء عما حدث بينها وبين أمجد بالشركة فقد احتفظت بالأمر لنفسها لذا أنهت حوار البيت ولم تشأ أن تكثر من الحديث وما أن وصلت البيت حتى اتصلت بنهلة وأحمد وأرسلت لهم السيارة لإحضار آدم ولولا التعب والإرهاق اللذان لازماها لكانت ذهبت لزيارة أمها
بالطبع كان لقاء حار بينها وبين أختها وأحمد الذي تفاجأت به وآدم الذي احتل ساقيها طوال الوقت وهو يمسك بلعبة جديدة كانت هي قد أحضرتها له مع كم كبير من اللعب والملابس وأشياء أخرى كثيرة
قالت نهلة "تبدين متعبة حبيبتي؟"
ابتسمت وقالت "الأيام الماضية لم تكن سهلة خاصة بعد حادث أمجد"
نظر أحمد إليها وقال "كان حادث صعب؟"
قالت "نعم ولكن الحمد لله إصاباته لم تكن خطرة"
وصلت المربية فنهض آدم معها وطلب نهلة معه فتحركت معهم بينما قدمت العصير لأحمد الذي قال "وأين زوجك؟ ألم يكن من اللائق أن يعود معكم؟"
أخفضت وجهها وقالت "ما زال تأثير الحادث عليه وكذلك أعماله الكثيرة تمنعه من الحضور"
قال بعصبية "وهل اعترف بك أم ما زال يراك الفتاة الانتهازية؟"
نهضت وقالت بضيق "أحمد كفى لو سمحت أنا حقا متعبة ولا أريد الحديث"
نهض ووقف أمامها وقال "أليست هذه الحقيقة أميرة؟"
قالت بضيق "نعم أحمد هي الحقيقة، أنا كنت سأتزوج الدكتور وتبدل الأمر لابنه من أجل المال ومساعدته لنا وكل ما أنت تعرفه ومع كل ذلك لن ننكر أن أمجد زوجي وأنا زوجته مهما حدث"
ترنحت قليلا من العصبية فأسندها أحمد وأجلسها وهو يقول "أنت بخير حبيبتي؟"
هزت رأسها وهي تأخذ العصير منه وتتناول بعضه وهي تدرك أنها لم تتناول أي طعام منذ ذلك اليوم مجرد أشياء لا تذكر
قالت "نعم أنا بخير لا تقلق"
وتمر الأيام طويلة وقاسية عليها من الوحدة القاتلة، لم يهاتفها مرة واحدة حتى أنها بكل يوم تقف أمام رجاله الذين يفتحون لها السيارة أو يقومون بحراستها وتريد أن تطلب رقم هاتفه لتطلبه وتطلب الطلاق ولكنها تتراجع ولا تعلم سبب تراجعها، هل تريد البقاء كزوجة له؟ أم أنها بحاجة للمال وهو سبب حقيقي فهو يرسل لها أموال كثيرة لم تتصرف بها وحماها أيضا يفعل وهي لا تنفق إلا القليل، لم يعرف أحد بخلافاتها الأخيرة معه ويظن والده أنها عادت من أجله وأجل آدم وأهلها ولم تعترض
أمضت اليوم عند أهلها لأن الدكتور سافر القاهرة لحضور مؤتمر علمي هناك وقد اعتادت على قضاء وقت كثير ببيت أهلها، تراعي والدتها تعد الطعام وخلال الشهرين الماضيين كان الجميع يرجع إليها بكل شيء حتى والدها وكأنها حلت محل أمها كربة للمنزل وببيت حماها المثل وخاصة آدم الذي لو تركها يكون لنهلة أو أحمد
“ميرو حبيبتي ألم تذهبي بعد إنها المغرب؟"
قبلت نهلة أختها التي كانت تخرج من غرفة والدتها بعد أن نامت وآدم بجوارها فابتسمت وقالت "أنتظرك أنت وأحمد لم تتناولان غداءكم بعد"
أخرجت نهلة طعام من حقيبتها وقالت "هذه الساندويتشات تقوم باللازم أنت تحبينها هل تريدين البعض؟ على فكرة لو لم أراك اليوم لذهبت إليك، هناك أمر هام أردت أخذ رأيك به و"
رأت أميرة وهي تسرع إلى الحمام فتوقفت دون حركة وهي تراقبها حتى انتهت من القيء وعادت وقد بدت شاحبة ومتعبة
تحركت ببطء للمائدة وجلست على المقعد الخشبي فاقتربت منها نهلة وقالت "أميرة أنت بخير؟"
هزت رأسها بالإيجاب رغم أنها ليست بخير نفسيا وبدنيا فهي أدركت ما يحدث لها وتأكدت اليوم لذا صاحبها الخوف والحيرة طوال اليوم
سمعت نهلة تقول "أنت حامل؟"
نظرت لأختها وقالت "تلك الساندويتشات حامضة لا تأكلي منها سأعد لك غداءك"
ونهضت ولكن نهلة استوقفتها وقالت "ماذا أميرة؟ ألا تريدين الحمل؟ أم هو لا يريد؟"
لم تنظر لعيون أختها التي تشبه عيون الجميع بما تحمله من تساؤلات عن ذلك الزوج الذي لم يراه أحدهم منذ الزفاف وهي لا تتحدث عنه وكأنه غير موجود
قالت "نهلة ألا يمكن ألا نتحدث الآن؟ سأذهب لأعد طعامك وتخبريني ما تريدين"
وابتعدت دون أن تمنحها أي كلمات أخرى، وهي تفكر بما يمكنها أن تفعل، ليتها ما كانت حامل، ذلك الرجل لا يرغب بأولاده يأتي بهم للدنيا ثم يلقيهم بأحضان الزمن ليتولى شأنهم وكأنه ليس والدهم ولكن ماذا عنها هي؟ كيف ستكون حياتها؟ هل ستظل هكذا طوال عمرها؟ ماذا ستخبر طفلها عندما يسأل عنه؟ بالتأكيد كما تفعل مع آدم..
جلست تتناول بعض العصير هي وأختها التي شردت قليلا فقالت "أنا أنتظر على فكرة"
نظرت نهلة إليها قليلا ثم قالت "أميرة، أنا، أقصد أن"
أخفضت نهلة عيونها بينما ضاقت عيون أميرة التي ذهب بريقها من كثرة أحزانها ثم قالت "هل هناك رجل في الموضوع؟"
رفعت نهلة وجهها إلى أختها وقد احتل الأحمر كل وجنتيها وهزت رأسها دون أن ترد فقالت أميرة "حب؟"
فك لسان نهلة وقالت "مجرد إعجاب مني له، أنا لم أقابله سوى مرة واحدة أوقفني بالكلية كي يخبرني بإعجابه، هو معيد بالكلية تخرج منذ عامين وأخبرني أنه معجب بي منذ العام الماضي ولكنه كان ينتظر أن يعرف ما إذا كانت لي علاقات أم لا، هو يريد أن يقابلني مرة أخرى وأنا لم أشأ لقاؤه وحدي فهل تأتين معي؟"
ابتسمت وهي تشعر بشعور غريب وأمسكت يد أختها الباردة كالثلج من القلق والخوف وقالت "حبيبتي بالطبع سأكون معك، وسأجعل نزيه يسأل لنعرف عنه كل شيء لو وافقنا عليه المهم شعورك أنت تجاهه هل تحبيه؟"
زاد احمرار وجه نهلة وتذكرت نفسها عندما كانت تسمع كلمات أمجد ببداية علاقتهم وكيف كان قلبها يرتج داخل صدرها من قربه ولمساته ليتها ما أحبته
كان اللقاء بعدها بيومين في إحدى الكافيهات، عندما دخلت هي ونهلة كان ينتظرهم شاب في منتصف العشرينات وسيم الطلعة بسيط الملابس وبدت عيونه السوداء متلهفة للقاء وهو يقف ويقابلهم
جلس الثلاثة وقال كريم كما عرفته نهلة بها "سعيد للقائك مدام أميرة الآنسة نهلة أخبرتني أنك كل شيء بالنسبة لها"
ابتسمت وقالت "وهي كذلك بالنسبة لي، أحيانا أشعر أنها ابنتي"
ضحك وقال "لا يمكن أنت صغيرة على أن تكوني والدتها"
لم تذهب ابتسامتها وقالت "نهلة أخبرتني أنك معيد بالكلية"
قال "نعم وبالطبع أمنح الطلبة كورسات بعد انتهاء المحاضرات، أنا لن أخبرك أن ظروفي ممتازة وما إلى ذلك، باختصار والدي توفي منذ خمس سنوات تاركا لي أمي ربة منزل، كنت أعمل أثناء الدراسة بشركة معروفة وأفكر جديا بالعودة إليها لأنهم يعرضون علي راتب مجزي ومنصب مميز، لدي شقة بمكان قريب من بيت أمي حتى يمكنني رعايتها، كل ما ستطلبونه لن أرفضه ووالدتي بالمثل بالطبع سأمنحك العنوان للسؤال عني فقط أتمنى أن أسمع الرد قريبا"
ضحكت أميرة وقالت "تبدو مثلها متعجلا بكل شيء؟"
قال وهو ينظر لنهلة "بصراحة نعم، هل تصدقين أنها السبب في أني قبلت منصب معيد بالكلية؟ كي أكون معها وأراها، مدام أميرة أنا سأتحدث بصراحة أنا معجب بنهلة وبأخلاقها إنها حتى رفضت الخروج معي وحدها لذا أتمنى أن تكون زوجتي"
ابتسمت وقالت "هذا شيء رائع بالطبع ولكن لابد أن تمنحها وقت لتفكر و"
قطع هاتفها كلماتها وقد كان عمها فاستأذنت وقد أرادت أن تترك أختها مع كريم لبعض الوقت فتحركت لترد على عمها..
بالنهاية عادت إليهم وجلست قليلا ثم استأذنوا في الذهاب
وصلت نهلة البيت وقد تركت آدم عندهم وتحركت هي لتعود لبيت العم رغم أنه لن يعود إلا متأخرا، ظلت تفكر بأختها وخطيبها الجديد ثم شردت بعيدا بحملها وأمجد؟
توقفت السيارة بالإشارة لتتفاجأ بالباب يفتح ورجل تعرف عطره جيدا يركب بجوارها فالتفتت إليه وعيونها تنطق بالمفاجأة وتحولت لغضب وهو يحدث نزيه الجالس بجوار السائق "إلى البيت يا نزيه"
أجاب الرجل "تمام يا دكتور الحمد لله على سلامتك"
أبعدت عيونها الغاضبة إلى النافذة وقاومت الدموع عندما تذكرت ما كان بينهم بآخر لقاء، سمعته يقول "لن ترحبي بعودتي؟"
التفتت إليه بغضب شديد فكان يشعل سيجارة ألقى دخانها بالخارج وقال وهو يقابل عيونها بنظراته "هل تعلمين أن لي عشر سنوات لم أشاهد البلد جيدا؟ لقد تغير كل شيء حقا"
أبعدت وجهها عنه مرة أخرى وهي تحاول إسكات قلبها الذي يعلن عن اشتياقه لذلك الرجل وتحاول أن تتحكم بقلبها لتمنعه من السيطرة عليها ومنح عقلها فرصة للتحكم بما سيحدث
قال "مع من كنت تجلسين أنت ونهلة؟"
لم ترد فنفخ بضيق وقال "أميرة أنا أتحدث إليك"
لم تنظر إليه وقالت "رجالك تجيبك"
صمت ولم يرد فهو أدرك أن غضبها وعنادها يسيطران عليها وهي الوحيدة المسموح لها أن تغضب منه بهذه الطريقة دون أن يمكنه إيقافها على الأقل ليس هنا
انتبهت للطريق فقالت "هذا ليس طريق البيت"
قال بهدوء "بلى هو طريق بيتي أنا وليس بيته هو"
حدقت به بقوة وقالت "أعدني للبيت يا أمجد لا أريد الذهاب لأي مكان"
واجه عيونها وقد تملكه الغضب هو الآخر ولكنه تماسك وقال "هذا هو بيتك أميرة وطالما أنا هنا فأنت به"
كان حاسما بكلماته لدرجة أنها لم تفضل مناقشته بالأمر بالسيارة فأبعدت وجهها عنه حتى وصلت السيارة لمنطقة هادئة وراقية لتقف أمام بوابة فيلا جديدة ودق بوق السيارة لتفتح البوابة ودخلت السيارة حتى توقفت أمام باب الفيلا التي لم تبدو معالمها بالظلام الذي نزل على المكان
فتح لها نزيه الباب والسائق له وتوقفت دون أن تتحرك حتى لحق بها وقادها من ذراعها فلم تجادل، ليس أمام الرجال
فتح الباب بواسطة فتاة بأواسط العشرينات ترتدي ملابس الخدم ورحبت بهم، أبعدت ذراعها عنه ولم تحاول تأمل المكان من حولها وفتح هو جاكته وقال "قهوة مظبوط جيهان وعصير للمدام"
لم تنظر إليه وإن شعرت بالدوار سيسقطها فاختارت مقعد قريب وجلست، نظر إليها واقترب منها وقال "أميرة أنت بخير؟ وجهك شاحب وفقدت الكثير من وزنك"
نظرت إليه بنفس الغضب وقالت "هل يمكن أن تخبرني ماذا نفعل هنا؟"
تراجع وتنهد وهو يدرك وقت المواجهة فابتعد عنها وقال "ظننت أن وجودي سيسعدك"
دمعت عيونها وهي تفكر بما كان فهمست "بعد شهرين تظن ذلك"
مرر يده بشعره وقال "أنت تعلمين ظروف عملي وتعلمين جيدا أني لا أحب هذا البلد فلم يكن القرار سهل، صدقيني لم يكن سهل"
لم تبعد وجهها عنه وقالت "إذن لماذا أتيت؟"
التفت إليها بقوة وقال "أنت تسألين؟"
وضعت جيهان الصينية وابتعدت فتحرك وأخذ كوب العصير ومنحه لها وقال بعيون طبيب "هل تشربين العصير؟ لا تبدين بخير"
تناولت العصير لتستعيد نفسها وأشعل هو سيجارة أخرى مع القهوة وخيم صمت مخيف عليهم قطعه هو "لم تخبريني من ذلك الشاب الذي كنت معه اليوم وطلبت بيانات عنه من نزيه؟"
كانت تعلم أنه لن يتوقف فقالت "وفيم يهمك الأمر؟"
تحرك تجاهها وقال "أميرة لا تفعلي ذلك"
نظرت له بقوة وقالت "أفعل ماذا؟ هل تتركني شهرين دون سؤال وتأتي الآن تطلب إجابة، اتركني أعود لحياتي أمجد حياتي التي خرجت منها وأنت من أخرجت نفسك وبإرادتك من أجل امرأتك الأولى والأخيرة"
كانت الدموع قد غلبتها، انحنى عليها ونظراته تتحدى نظراتها وقال "أنا تعبت من كثرة تكرار أن ليس لي إلا امرأة واحدة ولكنها لا تستوعب ما أقول"
ظلت تنظر بعيونه ولكنها نهضت من أمامه مبتعدة وهي تقول "وأنا تعبت من مشاهدتك بين أحضان النساء"
اعتدل وجذب النفس الأخير من سيجارته ثم أطفأها واتجه إليها ووقف خلفها وقال "لم أكن بأحضان أي امرأة، سوزي كانت مكيدة وجان أمرها مختلف"
التفتت له بقوة وقالت بنفس الدموع "نعم لذا كانت قبلتكم واضحة وهي بين أحضانك"
رفع يده ومسح بعض الدموع ولكنها أبعدت وجهها فنفخ مرة أخرى وقال "أخبرتك أنها لم تكن بين أحضاني ولن تكون"
قالت بغضب "وماذا كانت تفعل عندما رأيتكم سويا؟ تشاهدون التلفاز؟ أم تلعبون لعبة الاستغماء! كفى أمجد لا تحاول تغيير الحقيقة لقد رأيتكم بعيوني"
أمسكها من ذراعيها وقال بهدوء "ما رأيته هو امرأة تقبل رجل وليس رجل يقبل امرأة هناك فارق عصفورتي"
ظلت تنظر بعيونه الخضراء التي تعشقها ولم تتوقف حتى أبعدت وجهها وقالت "وما الفارق؟"
أعاد وجهها إليه بيده وقال "كبير عصفورتي، الفارق كبير؛ أن تقبل المرأة الرجل دون أن يبادلها القبلة فهذا يعني عدم رغبته بها أصلا لكن أن يحلم الرجل كل لحظة بحياته بقبلة امرأة واحدة هي بالنسبة له الحياة فهذا يعني أنه لم يعد يريد سواها دون عن كل نساء العالم"
وقربها منه وهمس بشوق واضح "كم اشتقت لقبلك عصفورتي، كم حلمت بها بكل ليلة أمضيتها وحدي بدونك، اشتقت إليك أميرة، اشتقت إليك بجنون"
وأخذ قبلتها التي اشتاق إليها كما اشتاقت هي الأخرى إليها وجذبها أكثر لأحضانه وهي تحيط جسده بذراعيها وقد زادت قبلة الشوق حتى أخذت الأنفاس ثم أبعدها وما زالت تغمض عيونها وهو يتأمل ملامحها وعندما لم يتحدث فتحت عيونها وتقابلت مع عيونه فقال
“جان لا تمثل لي إلا شيء واحد، كابوس مزعج سأتخلص منه قريبا ليس أكثر هل تصدقيني؟"
أخفضت عيونها وقالت "كان بإمكانك إخباري ذلك وقتها ولكنك تركتني ورحلت وأنا أظن غير ذلك"
ابتعدت من بين ذراعيه وقالت "تركتني شهرين أمجد شهرين بوحدة قاتلة لم تفكر لحظة بأن تسأل عني"
مرر يده بشعره وقال "وسأفعل مرة أخرى أميرة"
التفتت إليه بقوة فواجها وقال "لابد أن أفعل وجودي هنا يمثل خطر ولكني لم أستطع إيقاف اشتياقي إليك أكثر من ذلك كما وأن ذلك الشاب أثار جنوني وما زلت وعليك إخباري من هو"
قالت "ليس قبل أن تخبرني عن الخطر الذي تحدثت عنه وعن علاقة ما حدث به"
أدرك أنها لن تتراجع فقال "كل ما حدث كان بسبب ذلك الخطر وقد كان لابد أن يحدث "
ضاقت عيونها وقالت "أنا لا أفهم شيء"
ابتعد وقال "اسمعي أميرة جان كانت بيوم ما نزوة كبيرة من نزواتي لم أنكرها ولذلك يصعب عليها تصديق أنها لم تعد كذلك أو أني تزوجت امرأة أخرى سواها لكن يكفي أن تعرفي أن جان لا معنى لها بحياتي وكما أخبرتك كابوس سأتخلص منه قريبا فهل تخرجينها من رأسك!؟"
هزت رأسها وقد اتضحت الصورة أمامها وقالت "هل تعني أن جان هي الخطر الذي تخشى علي منه وتجعل رجالك حولي بكل مكان؟ هل هي من كادت تتسبب في موتي أكثر من مرة؟ أجبني أمجد؟"
حدق بها وقال "نعم، لذا كان لابد أن تتأكد أنك خرجت من حياتي حتى يمكنني أن ألعب معها دون نقطة ضعف"
ضاقت عيونها وقالت "خرجت من حياتك؟ أنا لا أفهم"
قال "وجودك بمكتبي بذلك اليوم لم يكن صدفة أنا من خطط له وجعلت ماري تخبرك بوجود جان بمكتبي والظروف ساعدتني بدخولك بلحظة حاسمة، هكذا كانت عودتك لمصر أمر سهل ولن تمانعي به كما وأن جان صدقت خلافنا وانتهائك من حياتي وبالطبع بعدي الشهرين كان أمر واجب لأنها كانت تراقبني ومنحتها ما أرادت حتى توقف رجال والدها عن ملاحقتي"
ظلت تنظر إليه بعيون متسائلة ثم قالت "لا يمكنك أن تقنعني أنك تخاف من جان ورجالها؟"
قال بهدوء "هو ليس خوف عصفورتي بقدر ما هي خطة كي أصل لما أريد"
أشاحت بيدها وقالت "الذي هو ماذا أمجد؟ أن تبعدني عن حياتك لتعود لحياتك السابقة من النساء كما تشاء؟"
تحرك تجاهها حتى وقف أمامها وقال "أنت مجنونة وعنيدة، أنا تركت عملي ونزلت لبلد لا أطيق التواجد بها دقائق من أجل أن أخرجك من حياتي أليس كذلك؟ هل تسمعين ما تقولين؟"
زادت دموعها وبالنهاية استدارت لتخفي عيونها الحائرة عنه ولكنه أحاط ذراعيها من الخلف فأغمضت عيونها وهو يقول "أنا لم أمس امرأة منذ أتيتِ لندن ودخلتِ حياتي"
أعادها أمامه ونظر بعيونها الباكية والمجهدة وقال "لم يمكنني أن أرى أي عيون سوى عيونك ولا ابتسامة إلا ابتسامتك، أميرة أنا كنت أخشى أن أعود البيت لأنك لن تكوني معي، هل يمكن أن نوقف كل ذلك وتصدقين أنه لا وجود لأي امرأة بحياتي سواك؟"
ظل ينظر بعيونها ثم جذبها لأحضانه بشوق جعله يترك عالمه ويأتي إليها ليشبع شوقه إليها، رن هاتفه فأبعدها برفق وأجاب على طون
عاودها الدوار مرة أخرى ومع ذلك لم تكن لتخبره بأمر الحمل، لا تعلم لماذا خشيت أن تفعل فما زالت تعرف مشاعره تجاه أبنائه..
أنهى مكالمته والتفت ليراها تغمض عيونها وتسند رأسها بيدها فعاد إليها وقال "أميرة ماذا بك؟ أميرة هل أنت بخير؟"
فتحت عيونها بصعوبة وقالت "نعم، فقط إجهاد فلم أنم جيدا"
حملها وقال "دعينا نصعد لأرى ضغطك"
وضعها بالفراش بحجرة رائعة الجمال وكل شيء بها جديد وثمين، أخرج حقيبة من الدولاب وعاد إليها وقد أغمضت عيونها من الدوار وعندما قاس الضغط وجده منخفض فقال "سأمنحك دواء سيعيد ضغطك فقط لابد من متابعة طبيب سأخبر نزيه"
لم ترغب بأن تتلقى أي دواء ولكن كيف تخبره؟ تناولت الأقراص وقالت "من أين أتت تلك الأشياء؟ أنت لا تقيم هنا؟"
خلع جاكته وفك ربطة عنقه وقال "البيت هنا معد تمام بنفس ضوابط هناك فقد أرسل طون من يفعل، حاولي أن تنامي قليلا حتى أنتهي من بعض العمل وسأعود إليك هناك ملابس بالدولاب"
تركها وتحرك للخارج، لم تنهض وإنما نامت دون أن تشعر وعندما استيقظت كان الظلام ما زال موجود أضاءت النور بجوار الفراش ورأت أنها الثالثة فجرا، رأت جاكته كما هو فنهضت وأخذت حمام أعاد لها نشاطها وخرجت لتجد ملابس نوم بالدولاب، انتقت واحدا ووجدت عطرها المفضل موجود فوضعت منه واحتارت بشعرها فقد كانت تنوي البحث عنه عندما رأته يفتح الباب ويدخل ثم التفت ليراها أمامه فابتسم وقال
“النوم يصنع المعجزات"
ابتسمت وهو يتحرك تجاهها ثم يبعد عنها الروب ويمرر يده بشعرها ويقول "كم افتقدت جمالك هذا عصفورتي، شعرك هذا يسكن عقلي بشكل لا تتصوريه أما عيونك فتسبح بي بعالم آخر لا أريد أن أعود منه، أما شفتيك فهي ما كنت أحلم بها كل ليلة، آه أميرة كم افتقدتك بشدة"
ثم جذبها إليه بقوة وأخذ قبلتها دون أي مقدمات ولم تحاول أن توقفه بل أحاطت عنقه بيديها وهي سعيدة أنه عاد إليها، حملها ووضعها بالفراش وقال "لم يعد للحلم مكان اليوم فالحقيقة هي الأساس فلأستمتع بها فكم اشتقت لتلك اللحظة كثيرا"
وعاد لأحضانها وقبلاتها ومتع نفسه بها وأمتعها بكلماته الرائعة التي تشعرها أنها ملكة على حياته ولمساته التي تجعلها تتمناها بكل لحظة فتمتعت بليلتها معه ومنحته ما أمكنها من حب وحنان كان بحاجة إليهم
مع الثامنة كانت قد أعدت الإفطار وعادت لتجده بالحمام وما أن خرج حتى ابتسم وقال "كنت تعلمين أني جائع"
قذف المنشفة على المقعد وأحاطها من الخلف وطبع قبلة على عنقها وهي تبتسم وتقول "بالطبع حبيبي أنت نمت بدون عشاء"
جذبها أمامه ونظر بعيونها وهي تستند على صدره الذي عشقته وقال "لا تتوقفي عن قول تلك الكلمة أميرتي فلن أخبرك ماذا تفعل بي"
ابتسمت وقالت "سأظل أفعل لنهاية عمري حبيبي"
قبلها بسعادة ثم جلس وتناول الإفطار بشهية ثم انتهى وقال وهو يشعل سيجارة "والآن من ذلك الشاب!"
أبعدت شعرها وضحكت برقة وقالت "معجب ولهان"
ضاقت عيونه وهو يتأملها من خلف الدخان وقال "معجب بنهلة؟"
قالت "وماذا لو كان بي؟"
أبعد الدخان ونظر بعيونها وقال "أقتله"
تراجعت وقالت "أنت مجنون"
قال بجدية "ولو، سأقتل أي رجل يتجرأ أن ينظر إليك نظرة تثير غضبي أنت لي وحدي عصفورتي"
ضحكت وقالت وهي تواجه عيونه "هل أعتبرها غيره؟"
صمت قليلا ثم نهض ليطفئ السيجارة وينظر لهاتفه وقال "كما تشائين أكملي"
أدركت أنه يهرب من مواجهة مشاعره فتغاضت عن الأمر وحكت له عن كريم فالتفت إليها وقال "لن تقابلي رجال مرة أخرى أميرة يمكن لأحمد أو والدك أن يفعل"
نهضت واتجهت إليه وقالت "هذه الأمور لا يصلح لها الرجال حبيبي ولو كانت ماما بخير لتركت الأمر لها"
قال بجدية "حتى لو لن تقابلي رجال مرة أخرى ولن أكرر كلماتي"
أحاطت عنقه بذراعيها وقالت "حبيبي غاضب"
أبعد ذراعيها وقال "لا، نزيه أرسل بيانات العريس هو مناسب وسمعته جيدة ومستواه جيد وشقته بمكان قريب من والدته، سأرسل لك التقرير وعندما يأتي البيت أحمد ووالدك من يقابله وجودك بحدود بالتأكيد تفهمين"
جلس على المقعد وما زال يمسك الهاتف فتحركت تجاهه وجلست أمامه وقالت "حاضر، هل يمكن أن أطلب طلب صغير؟"
رفع عيونه إليها وقال "ماذا؟"
تراجعت بمقعدها وأخذت نفس عميق قبل أن تقول "آدم"
لم يبعد عيونه وهو يقول "ماذا عنه؟"
ابتسمت وقالت "ألا يمكن أن نحضره لقضاء اليوم معنا؟ سيسعد جدا للقائك"
ترك الهاتف على المنضدة ونهض مبتعدا فنهضت خلفه وقالت "حبيبي دعنا نجرب"
التفت إليها وقال "أخبرتك من قبل أني لا أصلح لأن أكون أب لم يعلمني معاني الأبوة"
أحاطت وجهه بيديها وقالت بحنان "ليست الأبوة شيء ملموس يمكن تعلمه حبيبي هي مشاعر تنبت بالقلب بمجرد رؤية الأبناء"
أمسك يديها وقال "وأنا لم يعد لدي قلب ولا مشاعر أميرة لذا اتركيه بعيدا أفضل لكلانا"
وأبعد يديها وابتعد من أمامها ولكنها لم تستسلم وقالت "أنت كاذب حبيبي"
نظر إليها بدهشة فابتسمت وهي تتجه له مرة أخرى وتقف أمامه وتقول "كيف لا تملك مشاعر وأنت تمنحني كل ذلك الحنان؟ أنت أحن رجل بالعالم حبيبي، دعنا نجرب ساعات قليلة معه لن تضرك بشيء ولو فشلت أعده من حيث أتي ولو نجحت كسبت ابنك وارتاح قلبك"
ظل ينظر بعيونها وقال "ماذا تريدين أن تفعلي بي أكثر من ذلك أميرة؟ منذ دخلت حياتي تحولت لحياة أخرى لا أعرفها بل عكس كل ما كنت أعرفه ولا أعرف لأين تأخذيني بعد ذلك"
أحاطت خصره بيدها وألقت رأسها على صدره فضمها إليه بذراعيه وهي تقول "آخذك لقلبي حبيبي وأغلق عليه برموش عيوني أنا أحبك أمجد أحبك ولا أريد من الدنيا سوى أن أكون معك لآخر العمر وأسعدك وأمنحك كل ما تريد"
أغمض عيونه وقد شعر بدقات داخل صدره لم يعرفها من قبل، تلك المرأة تحيي الروح داخله تسبح به في فضاء السعادة بلا قيود تمنحه ربيع مزدهر وصيف مليء بالمشاعر الحارة فلماذا لا يحيي ذلك القلب الذي مات منذ سنوات ويعيده للحياة؟
يتبع..

هي من علمتني الحب  بقلمي داليا السيدWhere stories live. Discover now